مباني منهاج الصالحين، المجلد 7

اشارة

سرشناسه : طباطبائي قمي، تقي، 1301 -

عنوان قراردادي : منهاج الصالحين. شرح

عنوان و نام پديدآور : مباني منهاج الصالحين/ تاليف تقي الطباطبايي القمي.

مشخصات نشر : قم: محلاتي ، 14ق. = 20 م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره 978-964-7455-58-9 : ؛ ج. 4 978-964-7455-57-2 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد چهارم، 1430ق. = 1388.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر كتاب " منهاج الصالحين" اثر ابوالقاسم خويي است.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : خوئي، ابوالقاسم، 1278 - 1371. منهاج الصالحين -- نقد و تفسير.

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : خوئي، ابوالقاسم، 1278 - 1371. منهاج الصالحين. شرح.

رده بندي كنگره : BP183/5 /خ9م80216 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : 1852734

[كتاب الخمس]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الخمس

و فيه مبحثان:

[المبحث الأول فيما يجب فيه]

اشارة

المبحث الاول فيما يجب فيه و هي امور:

[الأول: الغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم]

اشارة

الاول: الغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم، و خمسها للإمام عليه السلام، اذا كان القتال باذنه (1).

______________________________

(1) قال في مصباح الفقيه: و هذا القسم علي اجماله هو القدر المتيقن مما يفهم حكمه بنص الكتاب «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 4

بل الحكم كذلك اذا لم يكن باذنه (1)

______________________________

الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَليٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَليٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ» «1» الي آخر كلامه زيد في علو مقامه.

و قال سيد المستمسك (قدس سره) في هذا المقام: «باجماع المسلمين كما عن المدارك و الذخيرة و المستند و غيرها، و يقتضيه الكتاب و السنة» الي آخر كلامه زيد في علو مقامه.

و يدل علي المدعي من النصوص ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: كل شي ء قوتل عليه علي شهادة أن لا إله الا اللّه، و ان محمدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فان لنا خمسه و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا حقنا «2» و غيره مما ورد في الباب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

(1) يظهر من بعض كلمات الاصحاب: ان المشهور فيما بين القوم ان ما يغنمه الغانمون بغير اذن الامام عليه السلام فهو للإمام عليه السلام. و عن الحلي الاجماع عليه، و عن المنتهي: كل من غزا بغير اذن الامام عليه السلام اذا غنم كانت غنيمته للإمام عليه السلام عندنا، الي غيرها

من كلماتهم في هذا المقام و النص الدال علي هذا المدعي ما أرسله العباس الوراق، عن رجل سماه. عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس «3».

______________________________

(1) الانفال/ 41.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 5.

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الانفال الحديث: 16.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 5

سواء كان القتال بنحو الغزو للدعاء الي الإسلام أم لغيره، أو كان دفاعا لهم عند هجومهم علي المسلمين (1).

______________________________

و هذه الرواية مرسلة فلا اعتبار بها و عمل المشهور بها علي فرض احرازه و تحققه لا يجبر ضعف المرسل كما ذكرناه مرارا.

و ربما يقال ان حديث معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف يقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع امير أمره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول، و قسم بينهم ثلاثة اخماس و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث احب «1» بمفهومه يدل علي المدعي.

لكن المستفاد من هذا الحديث التفصيل بين ما يؤخذ بالقتال و غيره، فان كان بالقتال فخمسه للإمام عليه السلام و ان كان بغير القتال، فهو للإمام عليه السلام و لم يستفد من الرواية التفصيل بين الاذن و عدمه، و اطلاق الاية يقتضي عدم الفرق بين الاذن و عدمه.

و يمكن استفادة المدعي من حديث الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدي خمسا و يطيب له «2».

فانه فرض ان الرجل في

لواء المخالفين و يصيب غنيمة، و من الظاهر ان اصابة الغنيمة في هذا الفرض بدون اذن الامام عليه السلام.

(1) كل ذلك لإطلاق الاية، و الرواية لاحظ خبر الحلبي المتقدم ذكره.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 6

[مسألة 1: ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة، أو سرقة، أو ربا، أو دعوي باطلة، فليس فيه خمس الغنيمة]

(مسألة 1): ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة، أو سرقة، أو ربا، أو دعوي باطلة، فليس فيه خمس الغنيمة بل خمس الفائدة، كما سيأتي، ان شاء اللّه تعالي (1).

[مسألة 2: لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين دينارا علي الأصحّ]

(مسألة 2): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين دينارا علي الأصحّ (2) نعم يعتبر أن لا تكون غصبا، من مسلم أو غيره، ممن هو محترم المال، و الا وجب ردها علي مالكها (3، أما اذا كان في أيديهم مال للحربي بطريق الغصب، أو الامانة، أو نحوهما جري عليه حكم مالهم (4).

[مسألة 3: يجوز أخذ مال الناصب أينما وجد]

(مسألة 3): يجوز أخذ مال الناصب أينما وجد، و الاحوط وجوبا وجوب الخمس فيه من باب الغنيمة لا من باب الفائدة (5).

______________________________

(1) لعدم المقتضي، فان مقتضي اطلاقات ادلة الخمس من الكتاب و السنة ثبوت الخمس في كل فائدة و بدليل خاص ثبت ان الخمس بعد المئونة.

(2) لعدم دليل علي هذا الاعتبار، و عن الجواهر انه لا اعرف خلافا في عدم الاعتبار سوي ما يحكي عن ظاهر المفيد (قدس سره) و هو ضعيف لا نعرف له موافقا و لا دليلا، و كيف كان المحكم اطلاق الادلة و هو يقتضي عدم الاعتبار، فلاحظ.

(3) لاحترام مال المسلم و من بحكمه فلا وجه لتملكه و ربما يقال بأنه يجوز تملكه و يغرم الامام عليه السلام لا ربابه و تفصيل الكلام موكول الي كتاب الجهاد.

(4) لإطلاق الدليل.

(5) أما جواز اخذ ماله فمضافا الي الشهرة و اسناده الي الطائفة المحقة خلفا عن سلف يدل عليه بعض النصوص، كقوله عليه السلام: خذ مال الناصب حيثما

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 7

______________________________

وجدته و ادفع إلينا الخمس «1».

و أما كون الخمس فيه من باب الغنيمة فلظاهر الدليل، فان الظاهر ان الخمس يتعلق بتمامه بلا اخراج المئونة، و الدليل الدال علي كون الخمس بعد المئونة ظاهر في الفوائد العائدة بالاكتساب و الاتجار و الاتهاب و نحوها، و أما ما عدا ذلك كغنائم

دار الحرب و المعدن و المال المأخوذ من الناصب و امثالها مما ثبت فيها الخمس بادلتها فالمتبع اطلاق تلك الأدلة.

مضافا الي أنه لو قيدت تلك الادلة بهذا القيد و يختص الخمس فيها بما بعد المئونة لم يبق لتلك الموضوعات خصوصية و الحال ان الظاهر من الادلة الواردة فيها ان كل واحد منها موضوع لوجوب الخمس بنفسه.

و ان شئت قلت: انه لو اشترط فيها استثناء مؤنة السنة، كان ذكر كل واحد منها لغوا، فلاحظ.

و استدل سيدنا الاستاد «2» علي المدعي، بتقريب آخر، و هو ان نفس الشك يكفي للالتزام لوجوب الخمس ابتداء اي لو شك في أن دليل اختصاص وجوب الخمس بما بعد المئونة هل يشمل امثال المقام أم لا يلزم الالتزام بعدم الشمول، و ذلك لان الخمس يثبت في العين منذ التسلط عليها، غاية الامر الشارع المقدس اذن في عدم الاخراج و التصرف فيها الي آخر السنة. فلو شك في شمول الدليل لا يجوز التصرف اذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا مع الاذن، و المفروض ان الاذن محل الشك.

و يرد عليه اولا انه ان تم اطلاق دليل الاستثناء فلا يبقي شك و ان لم يتم

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6 و 7

(2) مستند العروة: كتاب الخمس ص: 27

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 8

[الثاني: المعدن]

اشارة

الثاني: المعدن (1).

كالذهب، و الفضة، و الرصاص، و النحاس، و العقيق، و الفيروزج، و الياقوت، و الكحل، و الملح، و القير، و النفط، و الكبريت، و نحوها، و الاحوط الحاق مثل الجص، و النورة، و حجر الرحي، و طين الغسل و نحوها مما يصدق عليه اسم الارض، و كان له خصوصية في الانتفاع به،

و ان كان الاظهر وجوب الخمس

______________________________

فالمحكم اطلاق دليل الوجوب كما مر فلا مجال لهذا التقريب علي كلا التقديرين و ثانيا: تعلق الخمس بالفاضل و ان كان من اول الامر لكن انما يتعلق بما يفضل، فيجوز التصرف في العين بانواع التصرفات الي آخر السنة.

و بعبارة اخري: الخمس يتعلق بالحصة الخاصة و هو الفاضل لا مطلقا فلا مجال للبيان المذكور، و عليه تكون نتيجة الشك ان الخمس هل يتعلق بالعين جميعها أو يتعلق بما يفضل و المتيقن هو الثاني فلا مجال للقول بحرمة التصرف في العين فلاحظ.

(1) ادعي عليه الاجماع من جملة من الاعاظم مضافا الي كون وجوب الخمس في المعدن من الامور المغروسة في اذهان المتشرعة، و تدل عليه جملة من النصوص منها ما رواه الحلبي (في حديث) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 9

فيها من جهة الفائدة (1) و لا فرق في المعدن بين أن يكون في أرض مباحة، أو مملوكة (2).

[مسألة 4: يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، و هو قيمة عشرين دينارا]

(مسألة 4): يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، و هو قيمة عشرين دينارا (ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب المسكوك) (3) سواء كان المعدن ذهبا، أم فضة، أو غيرهما (4).

______________________________

(1) الميزان صدق عنوان المعدن الذي وقع في النصوص، ففي كل مورد علم صدق هذا العنوان يترتب عليه الحكم و اذا شك في الصدق يكون المرجع اصالة عدم الصدق

بناء علي ما بنينا عليه من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية مضافا الي اصالة البراءة عن الوجوب.

(2) لإطلاق الدليل و عدم ما قيد به، فلاحظ.

(3) لحديث البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عما اخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا «1».

و لا يعارضه ما رواه محمد بن علي بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس «2»، لعدم ثبوت وثاقة الراوي عن الامام عليه السلام.

(4) فان سؤال الراوي مطلق يشمل كلما يصدق عليه المعدن، فلا يختص بقسم خاص منه، فيكون المراد من جوابه عليه السلام «في مثله الزكاة» المالية اي اذا

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 10

و الاحوط- ان لم يكن أقوي- كفاية بلوغ المقدار المذكور و لو قبل استثناء مؤنة الاخراج و التصفية (1)، فاذا بلغ ذلك أخرج الخمس من الباقي بعد استثناء المئونة (2).

______________________________

بلغ مالية ما فيها الزكاة هذا المقدار و حيث انها مختلفة عينها عليه السلام بعشرين دينارا.

(1) وقع الكلام بين القوم في أن اعتبار هذا النصاب قبل استثناء المئونة أو بعده و الثاني هو المشهور بينهم، بل ادعي عليه نفي الخلاف و صاحب المدارك (قدس سره) ذهب الي الاول لإطلاق الدليل فان مقتضي حديث البزنطي «1» كفاية بلوغه هذا النصاب و لو قبل الاستثناء فلا

وجه للتقييد.

فالنتيجة ان المعدن البالغ هذا المقدار و لو قبل اخراج المئونة يتعلق به الخمس بمقتضي هذه الرواية، لكن يجب تخميس ما يصفو للمخرج بعد اخراج المئونة، و لا تنافي بين الامرين.

(2) كما ادعي عليه الاجماع، و الظاهر انه لا اشكال بينهم فيه و يمكن ان يستدل عليه بما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس «2» فان المستفاد من هذا الخبر ان الخمس بعد التصفية.

ثم انه وقع الكلام بين الاصحاب في أن وقت تعلق الخمس قبل التصفية أو بعدها، و له ثمرة مهمة عملية اذ لو قلنا ان وقت تعلق الوجوب بعد التصفية، يمكن

______________________________

(1) لاحظ ص: 9

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 11

______________________________

عدم تعلق الخمس بالمعدن في بعض التقادير كما لو اخرج احد معدنا و قبل التصفية، نقله الي غيره ببيع أو غيره من أسباب النقل، فلا وجه لتعلق الخمس لا بالمخرج و لا بالمشتري، اما المخرج فلان المفروض انه اخرجه من ملكه قبل التصفية و اما المشتري فلانه ليس مخرجا للمعدن، بل انتقل اليه بالبيع.

و قال المحقق الهمداني (قدس سره) في هذا المقام: «و في الكتاب المنسوب الي شيخنا المرتضي (قدس سره) و الظاهر ان اول وقته بعد التصفية فيما يحتاج اليها لظاهر صحيحة زرارة» «1».

و نقل إيضا عن صاحب الجواهر (قدس سره) قوله ما مضمونه ان ذيل صحيحة زرارة ظاهر في تعلق الخمس بعد التصفية و ظهور الجوهر، و يمكن أن يقال:

انه يفهم من

الحديث ان المراد من كلامه عليه السلام ان متعلق الخمس ما يصفو له بعد وضع مقدار ما صرفه فيه من ماله لا أن اول تعلقه بعد التصفية.

و بعبارة اخري: المستفاد من الرواية ان الخمس يتعلق بالمعدن بعد الاخراج بما يصفو للمخرج فالمراد من التصفية اخراج المئونة لا تصفية الجوهر فلاحظ.

لكن الانصاف، يقتضي أن يقال: ان المستفاد من الحديث ان الخمس فيما يخرج بعد تصفيته، فان كلمة مصفي في كلامه عليه السلام ظاهرة في كونها حالا من حجارته، فيجب في الحجارة في حال كونها مصفاة، فان لم يقم اجماع تعبدي علي خلاف ما يستفاد من الرواية نلتزم بمفادها و طريق الاحتياط ظاهر.

و مع ذلك كله في النفس شي ء و هو انه يمكن أن يكون المراد من التصفية ما يصفو و يبقي و يربح و القرينة عليه قوله عليه السلام «ما عالجته بمالك» فانه يحتمل قويا بل لا يبعد دعوي الظهور ان المراد من كلامه عليه السلام انما أخرج اللّه سبحانه

______________________________

(1) مصباح الفقيه ص: 113

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 12

______________________________

بعد تصفيته مما عولج في خروجه يكون متعلقا للخمس فيكون دالا علي وجوب الخمس قبل تصفية الجوهر فعلي هذا يمكن أن يقال- كما في كلام المحقق الهمداني قدس سره- ان الرواية مجملة ان لم تكن ظاهرة في الاحتمال الاخير فعلي تقدير كون الرواية ظاهرة في الاحتمال الاخير تكون دليلا علي تعلق الوجوب بعد الاخراج قبل التصفية كما انها تكون دليلا علي كون الخمس بعد مؤنة التصفية فالمخرج يجب عليه الخمس لكن بعد اخراج المئونة و يمكن الاستدلال علي استثناء المئونة بحديث، محمد بن الحسن الاشعري قال: كتب بعض أصحابنا الي أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس

أعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المئونة «1»، فان الظاهر من الحديث اما خصوص مؤنة التحصيل، أو مطلق المئونة، و علي كلا التقديرين يثبت المدعي مضافا الي الاجماع المدعي في المقام.

ايقاظ: ربما يقال بأن اخراج المئونة في المقام و اشباهه المقصود منه اعم من مؤنته و مؤنة السنة، فلا يجب الخمس في المعدن مثلا أو الكنز الا بعد اخراج مؤنة السنة بمقتضي اطلاق دليل ان الخمس بعد المئونة.

و لكن هذا التوهم فاسد، اذ لو كان صحيحا لم يكن وجه لجعل الخمس علي المذكورات بالخصوص في الشريعة لان جعل الخمس علي الارباح و الفوائد باطلاقه كان شاملا لجميع موارده من المذكورات و غيرها فيعلم ان للمذكورات خصوصيته و مقتضي لحاظ ادلة المذكورات و دليل الارباح و اخراج المئونة، أنه لو وجد معدن واجدا لشرائط الخمس يجب تخميسه، ثم انه بعد الاخراج اذا

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 13

[مسألة 5: يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الإخراج عرفا]

(مسألة 5): يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الاخراج عرفا، فاذا أخرجه دفعات لم يكف بلوغ المجموع النصاب (1). نعم ان أعرض في الاثناء ثم رجع علي نحو لم يتعدد الاخراج عرفا كفي بلوغ المجموع النصاب (2).

[مسألة 6: إذا اشترك جماعة كفي بلوغ مجموع الحصص]

(مسألة 6): اذا اشترك جماعة كفي بلوغ مجموع الحصص

______________________________

زاد عن مؤنة السنة يجب تخميسه ثانيا: فان التخميس الاول بعنوان المعدن و الثاني بعنوان الاسترباح، و اما ان لم يزد فلا شي ء عليه من الجهة الثانية، فلاحظ.

(1) الاحكام الشرعية تابعة لموضوعاتها فلا بد من تحقق الموضوع في نظر العرف كي يترتب عليه حكمه، و حيث ان النصاب معتبر في تعلق الخمس، فما دام لا يكون المقدار المخرج بحد النصاب لا يكون موضوعا للوجوب، فالنتيجة انه لو لم يكن بحد النصاب لا وجه للتعلق و ان بلغ مجموع الدفعات.

و يظهر المدعي من ملاحظة نظائر المقام مثلا لو قال المولي يحرم عليك اشتراء من من الحنطة، فلو اشتري العبد نصف المن دفعة و النصف دفعة اخري فهل يمكن أن يقال انه فعل المحرم؟ و صفوة القول ان المستفاد من حديث ابن أبي نصر، ان الموضوع للخمس الخارج من المعدن البالغ مقدارا خاصا، و المفروض ان الخارج في كل دفعة غير الخارج في دفعة اخري.

و بعبارة اخري: ان الخارج في كل دفعة لا يصدق عليه العنوان المقوم للموضوع فلا مقتضي لثبوت الخمس فيه.

(2) قد ظهر مما ذكرنا ان الاعراض و عدمه ليس دخيلا في الثبوت و عدمه بل العمدة صدق الوحدة العرفية في مقابل الدقة العقلية، فكلما صدق عرفا انه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 14

النصاب (1).

[مسألة 7: المعدن في الأرض المملوكة]

(مسألة 7): المعدن في الارض المملوكة، اذا كان من توابعها ملك لمالكها (2) و ان أخرجه غيره بدون اذنه فهو لمالك الارض و عليه

______________________________

اخراج واحد يترتب عليه الحكم، و اللّه ولي التوفيق.

(1) لإطلاق حديث ابن أبي نصر «1» فان المذكور في هذا الحديث «عنوان ما أخرج المعدن»، فكلما صدق هذا العنوان يترتب عليه

الحكم، و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين كون المخرج واحدا أو متعددا، بل المستفاد من الرواية ان تمام الموضوع ما أخرجه المعدن فلو صدق هذا العنوان بنفسه و طبعه بلا دخالة شخص ثم تملكه أحد يجب عليه الخمس و صفوة القول ان الخمس متعلق بما أخرجه المعدن فلاحظ.

(2) ما أفاده بالقيد المذكور في العبارة هو الصحيح، فان مجرد ملك الارض لا يقتضي ملكها الي قعرها بل بحكم السيرة و العقلاء المالك للأرض يملك ما يكون تابعا لها في أنظار أهل العرف.

ان قلت: احياء الارض مملك لها بلا اشكال و من ناحية اخري اخراج المعدن نوع احياء للأرض فيكون للمخرج.

قلت: الاحياء و ان كان مملكا لكن يختص بما يكون واقعا في الارض غير المملوكة الا أن يقال بأن المالك للأرض مالك الي قعرها بحكم العقلاء و أهل العرف، و لذا أفتي السيد اليزدي (قدس سره) بكون المخرج ملك لمالك الارض بلا تقييده بهذا القيد الذي ذكر في عبارة سيدنا الاستاد، و عن الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه، و عن المدارك و غير واحد التصريح به.

______________________________

(1) لاحظ ص: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 15

الخمس (1) و اذا كان في الارض المفتوحة عنوة التي هي ملك المسلمين ملكه المخرج (2) اذا أخرجه باذن ولي المسلمين علي الاحوط وجوبا

______________________________

(1) فان الخمس علي المالك و المفروض انه ملك لمالك الارض.

(2) ربما يقال: كما في كلام سيدنا الاستاد علي ما في التقرير انه لا مقتضي لملكية باطن الارض في الاراضي المفتوحة عنوة التي هي ملك للمسلمين، اذ الدليل علي التبعية هي السيرة العقلائية، و هي تختص بالاملاك الشخصية، فالجواز علي طبق القاعدة الاولية.

و يمكن أن يقال: انه لا فرق في المرتكزات

العقلائية بين الموارد من هذه الجهة، فان العقلاء بحسب ارتكازهم يرون المالك لظاهر الارض مالكا لباطنها، و الظاهر ان هذا الارتكاز غير قابل للإنكار فالجواز يحتاج الي الدليل.

فان ثبت جريان السيرة علي الاخذ و الاخراج من الاراضي المفتوحة عنوة بلا نكير يمكن القول بالجواز، و عن مفتاح الكرامة انه اتفقت كلمة الفريقين علي أنها تملك بالاحياء، و اما خلو أخبار الباب عن التعرض للمنع، فلا تدل علي المدعي لأنها ليست في مقام بيان هذه الجهة.

و أما ما في كلام سيدنا الاستاذ من لزوم حمل المطلقات علي الفرد النادر و هو الخارج عن الملك الشخصي و هذا بنفسه دليل علي الاطلاق، اذ أكثر الاستخراجات من الصحاري و البراري فغير تام لان المحذور يختص بالارض المفتوحة عنوة لأنها ملك للمسلمين، و أما ما يكون ملكا للإمام عليه السلام فليس فيه هذا المحذور اذ من الظاهر جواز احياء الارض المملوكة للإمام عليه السلام و تصير ملكا للمحيي، و هذا نحو من الاحياء فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 16

و فيه الخمس (1) و ما كان في الارض الموات حال الفتح يملكه المخرج و فيه الخمس (2).

[مسألة 8: إذا شك في بلوغ النصاب فالأحوط استحبابا الاختبار مع الإمكان]

(مسألة 8) اذا شك في بلوغ النصاب فالأحوط استحبابا الاختبار مع الامكان (3).

______________________________

(1) لا يبعد أن يكون الوجه في هذا التقييد انه القدر المتيقن بأن يقال لم يحرز جريان السيرة علي الاخذ بلا اذن، فليزم الاقتصار عليه.

(2) بمقتضي جواز الاحياء و انه يوجب الملكية و معه يكون تعلق الخمس و وجوبه علي المخرج علي طبق القاعدة.

(3) الذي يختلج بالبال، انه مع بلوغ النصاب واقعا يكون الخمس متعلقا و من ناحية اخري لو قلنا بأن الاحتياط مستحب في الشبهات الموضوعية بمقتضي الجمع بين اخبار

البراءة و الاحتياط، يترتب عليه حسن الاحتياط، لكن هذا التقريب يقتضي حسن التخميس لا الاختبار فان الاختبار طريق لمعرفة الموضوع.

و ربما يقال: ان اهتمام الشارع بادراك الواقع في امثال المقام يوجب لزوم الاحتياط بالاختبار، و فيه: انه يتوقف علي قيام الدليل عليه و ليس فليس.

و ربما يقال: بأن العلم الإجمالي بالوقوع في الخلاف يقتضي الاحتياط و عدم اجراء الاصل، و فيه: انه لو علم المكلف ان بعض الموارد التي يجري فيها الاصل خلاف الواقع لا يجوز له اجراء الاصل، و أما مجرد العلم بوقوع الخلاف في موارد الاصل فلا يقتضي وجوب الاحتياط، و إلا يلزم عدم جريان جميع الاصول للعلم الإجمالي بأن بعض هذه الموارد خلاف الواقع، و ملخص الكلام انه مع العلم بالخلاف يكون العلم الإجمالي منجزا و مانعا عن جريان الاصل و إلا فلا.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 17

و مع عدمه لا يجب عليه شي ء (1) و كذا اذا اختبره فلم يتبين له شي ء (2).

[الثالث: الكنز]

اشارة

الثالث: الكنز (3).

______________________________

و بعبارة واضحة: العلم الإجمالي بمخالفة جملة من موارد الاصول مع الواقع لا يمنع عن جريان الاصل، فان العلم التفصيلي بمخالفة الاصل الذي يجريه غير العالم لا يمنع عن جريان الاصل بالنسبة الي نفسه و كذلك العلم الإجمالي بالخلاف بهذا النحو لا يضركما هو ظاهر.

(1) لعدم المقتضي للوجوب، و مقتضي الاصل الموضوعي اي الاستصحاب عدم وصوله الي حد النصاب، كما ان مقتضي الاصل الحكمي أي البراءة عدم الوجوب.

(2) لعين التقريب فلاحظ.

(3) نقل عليه الاجماع عن غير واحد، و الظاهر انه لا خلاف بينهم في اصل الحكم و تدل عليه جملة من النصوص:

منها: ما رواه الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟

فقال:

الخمس «1» و غيره مما ورد في الباب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

و من النصوص الدالة علي المدعي ما رواه زرارة «2».

فان السؤال و ان كان عن المعدن لكن الجواب عن حكم كل ما يصدق عليه عنوان الركاز الصادق علي الثابت في الارض معدنا كان أو غيره، و من مصاديقه الكنز و صفوة القول انه لا اشكال و لا كلام في اصل الحكم، انما الكلام في بعض

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 18

و هو المال المذخور في موضع (1) ارضا كان، أم جدارا أم غيرهما (2) فانه لواجده و عليه الخمس (3)، هذا فيما اذا كان المال

______________________________

الخصوصيات.

(1) وقع الكلام بين القوم في أن صدق الكنز متقوم بكونه مذخورا من قبل انسان أو لا يكون مقيدا بهذا القيد، يظهر من مجمع البحرين قوام صدق هذا المفهوم بالقصد، كما انه لو شك في سعة المفهوم و ضيقه يكون مقتضي الاصل اي استصحاب العدم الازلي عدم صدقه فانا ذكرنا مرارا انه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية و قلنا انه يصح ان يقال ان الامر الفلاني قبل وجوده لم يكن العنوان الكذائي صادقا عليه عرفا و الان كما كان و لا اشكال في هذا الاستصحاب اذ جميع اركانه تامة فعلية، و مع الشك في الصدق يشكل ترتيب الاثر عليه.

لكن يمكن ان يقال: ان الذي يهون الامر انه يصدق عليه الركاز بلا اشكال فيشمله ما رواه زرارة «1».

(2) الظاهر ان صدق الكنز لا يتوقف علي كون الشي ء مدفونا تحت الارض، بل يصدق علي المذخور في الجدار أيضا، و الميزان الكلي

الصدق العرفي و قد تقدم آنفا حكم مورد الشك كما انه ذكرنا انه يكفي في ترتيب الاثر صدق عنوان الركاز.

(3) كما هو أوضح من ان يخفي، اذ الظاهر من النصوص ان الكنز لواجده و يجب عليه خمسه، مضافا الي القطع الخارجي الحاصل من الاخبار و الآثار و السيرة القطعية بلا نكير.

______________________________

(1) لاحظ ص: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 19

المدخر ذهبا أو فضة مسكوكين (1) و أما في غيرهما فوجوب الخمس من جهة الكنز اشكال و الوجوب أحوط (2) و يعتبر في جواز تملك الكنز أن لا يعلم انه لمسلم سواء وجده في دار الحرب أم في دار الإسلام، مواتا كان حال الفتح أم عامرة، أم في خربة باد أهلها، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن (3).

______________________________

(1) لا اشكال في أن صدق الكنز لا يتوقف علي كون المذخور خصوص الدينار و الدرهم، و لكن هل قام دليل علي تخصيص وجوب الخمس بالدرهم و الدينار أم لا؟

ربما يقال بأن مقتضي صدق الكنز علي كل مال مذخور و إن كان وجوب الخمس بلا تقييد، لكن النص الخاص قد دل علي الاختصاص و هو ما رواه أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس «1».

بدعوي ان الظاهر من سؤال الراوي هو الجنس لا المقدار فالجواب يحمل علي مورد السؤال فيكون التماثل في الجنس اي الدينار و الدرهم.

و يرد عليه: ان الرواية علي خلاف مقصوده أدل و ظاهرة في المقدار اذ لو كان المراد التماثل في الجنس لم يكن وجه للإتيان بكلمة مثله بل كان المناسب أن يقول

عليه السلام في الجواب ما يجب فيه الزكاة ففيه الخمس فلفظ مثله يستفاد منه المقدار، فالنتيجه ان المال المذخور الصادق عليه عنوان الكنز متعلق لوجوب الخمس بلا تقيد بقيد.

(2) قد ظهر مما ذكرنا انه الاظهر.

(3) استدل عليه بأنه اذا كان لمسلم لا يجوز التصرف فيه لعدم جواز التصرف

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 20

______________________________

في مال من يكون محترم المال و لا يجوز تملكه بلا اشكال لاحظ ما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: من كانت عنده امانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «1».

و لاحظ التوقيع المبارك: كان فيما ورد علي الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه في جواب مسائلي الي صاحب الدار عليه السلام و اما ما سألت عنه من امر من يستحل ما في يده من أموالنا و يتصرف فيه تصرفه في ماله من غير امرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون و نحن خصماؤه، فقد قال النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: المستحل من عترتي ما حرم اللّه ملعون علي لساني و لسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا و كانت لعنة اللّه عليه بقوله عز و جل: الا لعنة اللّه علي الظالمين (الي ان قال:) و اما ما سألت عنه من امر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها و اداء الخراج منها و صرف ما يفضل من دخلها الي الناحية احتسابا للأجر و تقربا

إليكم فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا؟ انه من فعل شيئا من ذلك لغير امرنا فقد استحل منا ما حرم عليه، و من اكل من مالنا شيئا فانما يأكل في بطنه نارا و سيصلي سعيرا «2».

و فيه: انه اذا ثبت الاطلاق في ادلة كون الكنز للواجد و عليه الخمس فمقتضاه عدم الفرق بين الموارد، و ليس عموم عدم جواز تملك مال الغير من العمومات العقلية غير القابلة للتخصيص، فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب الانفال الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 21

______________________________

ان قلت: بين الدليلين عموم من وجه، فما الوجه في تقديم دليل جواز تملك الكنز علي دليل حرمة التصرف؟.

قلت: الميزان الكلي انه لا تعارض بين العناوين الاولية و الثانوية و عنوان الكنز عنوان ثانوي فلا تعارض، و ان ابيت عما ذكرنا و قلت انه لا وجه لتقديم احد الدليلين علي الاخر، و كل واحد من العنوانين ثانوي، نقول سلمنا التعارض بين الحديثين لكن الترجيح مع رواية تعلق الخمس، و دخول الكنز في ملك الواجد للأحدثية لاحظ ما رواه ابن أبي نصر «1» و ما صدر عن الناحية المقدسة مخدوش سندا.

بل يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه زرارة «2» فان هذه الرواية بالعموم الوضعي يدل علي ثبوت الخمس في كل ركاز، و لا اشكال في أن الكنز من مصاديق الركاز كما انه لا اشكال في دلالة الرواية علي كون الركاز ملكا لواجده.

و بعبارة اخري: تدل الرواية علي صيرورة الركاز ملكا لواجده و علي أن فيه الخمس، و حيث ان العموم في الحديث وضعي يقدم علي معارضه الاطلاقي

فلا تصل النوبة الي الترجيح السندي، فلاحظ فعليه لا بد في تخصيص اطلاق وجوب الخمس و تحقق الملكية من وجود دليل قابل لان يخصص الاطلاق، فلا بد من ملاحظة النصوص.

و ربما يقال: ان المستفاد من حديث اسحاق بن عمار- قال: سألت ابا ابراهيم عليه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما

______________________________

(1) لاحظ ص: 19

(2) لاحظ ص: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 22

______________________________

مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت: فان لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها «1» انه لا يجري حكم الكنز علي مال الغير، بل لا بد من التعريف ثم التصدق به.

و لكن يمكن أن يقال: بأنه اخص من المدعي، فانه حكم خاص وارد في مورد خاص و لا يمكن استفادة الكلية من هذه الرواية و مورد الرواية ان المال وجد في منزل مسكون لأهله، و يؤيد ما ذكرنا ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق فقال: ان كانت معمورة فيها اهلها فهي لهم، و ان كانت خربة قد جلا عنها اهلها فالذي وجد المال أحق به «2» و ما رواه أيضا. عن احدهما عليهما السلام في حديث قال: و سألته عن الورق يوجد في دار فقال: ان كانت معمورة فهي لأهلها، فان كانت خربة فانت احق بما وجدت «3». بل حديثان دليلان علي المدعي في الجملة، فان مقتضي اطلاقهما عدم الفرق بين كون ما وجده كنزا و غيره.

الا ان يقال: ان الظاهر من الخبرين ان مورد السؤال فيهما اللقطة و لا يشمل الكنز، و بعبارة

اخري: مورد الروايتين المال الضائع، مضافا الي حديث محمد ابن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضي علي عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرفها، فان وجد من يعرفها و الا تمتع بها «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب اللقطة الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 5 من ابواب اللقطة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 23

______________________________

فان المستفاد من هذه الرواية وجوب التعريف اولا ثم جواز التمتع به و علي الجملة انه يستفاد من جملة من نصوص الكنز، انه يصير ملكا لواجده، منها ما رواه عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «1».

فان المستفاد من هذا الحديث، ان الكنز كالمعدن يصير ملكا لو اجده و سند لرواية تام علي حسب ما افاده سيدنا الاستاد لأنه قال ان عمار المذكور في السند مشترك بين اليشكري الثقة الذي هو معروف و له كتاب و الراوي عنه محمد بن سنان غالبا و الحسن بن محبوب احيانا و بين الكلبي الذي هو مجهول كما انه غير معروف و يروي عنه الحسن بن محبوب بواسطة أبي أيوب «2» الي آخر كلامه لكن محمد بن عيسي واقع في السند. الا أن يقال: يكفي للاستدلال علي المدعي حديث زرارة «3» و سنده تام.

و مقتضي الاطلاق: عدم الفرق بين كونه مملوكا و غير مملوك و بين كون مالكه معلوما او مجهولا و بين كونه محترم المال و غيره. اللهم الا أن يقال بانصراف الدليل عن مورد كون الكنز ملكا لمحترم

المال مسلما كان أو ذميا.

ثم انه لم يظهر وجه تخصيص الماتن، المنع بخصوص المسلم، فان الدليل لو لم يشمل مورد كون الكنز لمحترم المالك لم يكن فرق بين المسلم

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 6

(2) مستند العروة كتاب الخمس ص: 73

(3) لاحظ ص: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 24

و يشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ النصاب (1) و هو أقلّ نصابي الذهب و الفضة مالية في وجوب الزكاة (2) و لا فرق بين الاخراج دفعة و دفعات (3) و يحري هنا أيضا استثناء المئونة، و حكم بلوغ النصاب قبل استثنائها و حكم اشتراك جماعة فيه اذا بلغ المجموع النصاب كما تقدم في المعدن (4) و ان علم انه لمسلم، فان كان موجودا

______________________________

و الذمي و علي الجملة: الذي يختلج بالبال ان مقتضي ادلة الكنز صيرورته ملكا لواجده و ثبوت الخمس فيه و التخصيص يحتاج الي الدليل، فان قلنا بعدم شمول دليل لما يكون ملكا لمحترم المال، فلا يجري حكمه علي مملوك محترم.

(1) نقل عليه الاجماع عن جملة من الاعيان، و يدل عليه ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر «1».

(2) فان الميزان المستفاد من هذه الرواية في وجوب الخمس وصول الكنز الي مقدار متعلق للزكاة، و من الظاهر انه يصدق علي الاقل فلاحظ.

(3) لان الموضوع لوجوب الخمس في الكنز وجدانه و تملكه، و ليس للإخراج و عدمه دخل في الحكم، بل تمام الموضوع هو الوجدان، فلا فرق بين الاخراج دفعة أو دفعات، لاحظ ما رواه الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس، الحديث «2».

(4) لوحدة الدليل و التقريب، فان مقتضي قوله عليه السلام

في حديث زرارة «3» ان متعلق الخمس هو المصفي من الركاز.

______________________________

(1) لاحظ ص: 19

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

(3) لاحظ ص: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 25

و عرفه دفعه اليه (1)، و ان جهله وجب عليه التعريف علي الاحوط فان لم يعرف المالك أو كان المال مما لا يمكن تعريفه تصدق به عنه علي الاحوط وجوبا (2) و اذا كان المسلم قديما فالاظهر ان الواجد

______________________________

كما انه يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه، محمد بن الحسن الاشعري «1» فان مقتضي هذه الرواية ان الخمس بعد المئونة، كما ان مقتضي حديث احمد بن محمد بن أبي نصر «2» ان الكنز اذا كان مقدرا بهذا المقدار المذكور يجب فيه الخمس، و لا وجه للحاظ اخراج المئونة.

و بعبارة اخري: اذا كان مقدرا بهذا المقدار و لو قبل اخراج المئونة، يجب فيه الخمس، كما انه لا فرق بين أن يكون المخرج واحدا أو متعددا فان الموضوع اخراج الركاز و الكنز.

(1) قد مر الكلام حول هذا الفرع.

(2) مما ذكرنا يظهر الاشكال في جميع ما افاده، اذ قلنا بأن مقتضي الاطلاق ترتب حكم الكنز علي ما أخرجه في جميع هذه الموارد. نعم علي فرض انصراف نصوص الكنز عن مورد يكون مملوكا للمسلم أو الذمي يجب ايصاله الي مالكه باي نحو ممكن، و الا يجب أن يتصدق به عنه اذ المفروض انه مال محترم و لا يشمله دليل الكنز و حكم مجهول المالك التصدق به عن مالكه علي ما هو المشهور عند القوم.

و لا يخفي: ان ما أفاده ليس موافقا للاحتياط التام، اذ علي تقدير ترتب حكم الكنز كيف يجوز دفعه الي المالك؟ نعم اذا كان مستحقا

لأخذ الخمس يكون

______________________________

(1) لاحظ ص: 12

(2) لاحظ ص: 19

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 26

يملكه، و فيه الخمس (1) و الاحوط استحبابا اجراء حكم ميراث من لا وارث له عليه (2).

[مسألة 9: إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة له]

(مسألة 9): اذا وجد الكنز في الارض المملوكة له، فان ملكها بالاحياء كان الكنز له، و عليه الخمس (3) الا أن يعلم انه لمسلم

______________________________

الدفع اليه موافقا للاحتياط.

(1) بتقريب ان المالك قد مات و لا وارث له فيكون ملكا للواجد و يجب فيه الخمس و بعبارة اخري يشمله دليل كون الكنز للواجد و عليه تخميسه. و فيه: ان الامام عليه السلام وارث لمن لا وارث له فيكون الكنز ملكا له فكيف يملكه الواجد و الذي يختلج بالبال أن يقال: انه لو قلنا بان دليل الكنز منصرف عن مورد يكون مملوكا للغير كما هو المدعي، فلا يجوز تملك الكنز فيما يكون ملكا للإمام عليه السلام كما لو فرض ان الكنز من السهم المبارك، اذ المفروض عدم شمول دليله لما يكون ملكا للغير، و لا دليل علي جواز تملك ملك الامام عليه السلام لكل احد و لذا لا يجوز التصرف في السهم المبارك لكل شخص كما هو ظاهر و ان لم نقل بالانصراف المدعي فلا وجه لهذا التفصيل.

(2) فيكون ملكا للإمام عليه السلام و عليه كيف يكون ما ذكره موافقا للاحتياط و الحال ان حكم مال الامام صرفه في مورد رضاه و لا يشترط فيه شرط و من ناحية اخري: ان الخمس ينصف بين السادات و الامام عليه السلام فكيف يحصل الاحتياط بما ذكر و اللّه العالم.

(3) بمقتضي ادلة وجوب الخمس في الكنز «1» منها ما روي محمد بن أبي عمير ان الخمس علي خمسة اشياء: الكنوز و

المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي

______________________________

(1) لاحظ ص: 10 و 17 و 24

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 27

موجود، أو قديم فتجري عليه الاحكام المتقدمة و ان ملكها بالشراء و نحوه فالاحوط أن يعرفها المالك السابق واحدا أم متعددا فان عرفه دفعه اليه و الا عرفه السابق مع العلم بوجوده في ملكه و هكذا فان لم يعرفه الجميع فهو لواجده اذا لم يعلم أيضا انه لمسلم موجود أو قديم و إلا جرت عليه الاحكام المتقدمة (1).

______________________________

ابن أبي عمير الخامسة «1».

و منها ما روي حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام قال: الخمس من خمسة اشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة. الحديث 2 الدالة علي امرين احدهما صيرورة الكنز للواجد ثانيهما ان فيه الخمس.

و بعبارة اخري: لا اشكال في أنه يستفاد من روايات وجوب الخمس في الكنزان الواجد له ما زاد علي الخمس مضافا الي أنه لا ريب في أن الواجد يملك الكنز كما يملك المعدن.

(1) في المقام تتصور فروع:

الفرع الاول: انه يعلم ان المال الذي وجده تحت الارض ليس لمسلم و ليس لمحترم المال كالذمي، فهذا لا اشكال في جواز أخذه و دليل وجوب الخمس يقتضي صيرورته للواجد بلا دليل معارض، اذ المفروض ان مال الحربي لا حرمة له.

الفرع الثاني: أن يشك في كون المال لمن يكون لمحترم المال أو لا؟ ربما يقال: بأنه لا يجوز تملكه بل هو داخل في عنوان اللقطة، و ما يمكن أن يقال في وجه هذا القول أو قيل امور: منها ان الاصل عدم جواز تملكه من غير تعريف،

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يجب

فيه الخمس الحديث: 2 و 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 28

______________________________

حيث ان الملكية أمر حادث يحتاج ثبوته الي الدليل، و مقتضي الاصل عدمه.

و يرد عليه ان دليل وجوب الخمس دليل جواز التملك، اذ قد ذكرنا ان ذلك الدليل يدل علي أمرين، مضافا الي أن دليل اللقطة لا يشمل المقام، فان دليل اللقطة ناظر الي الضالة، و من الظاهر ان هذا العنوان لا يصدق علي الكنز، أضف الي ذلك ان المفروض في المقام الشك في كونه لمحترم المال.

ان قلت: ان المال المذخور تحت الارض مما جرت عليه اليد، و معلوم ان له مالكا و من ناحية اخري قد دل ما رواه محمد بن جعفر الاسدي «1» انه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره بغير اذنه فبمقتضي هذه الرواية لا يجوز تملك مال الغير الا بمجوز و المفروض ان المجوز غير محرز.

قلت: أولا ان الرواية ضعيفة سندا، فيمكن احراز عدم كونه للمسلم أو من هو في حكمه بالاصل، اذ مقتضي الاصل عدم دخوله في ملك من يكون ماله محترما.

و ربما يقال: ان الاصل الاولي حرمة التصرف في مال الغير الا أن يثبت الجواز، و بعبارة اخري ان اصالة الاحترام من غير اناطة بالاسلام هي المعول عليها في كافة الاموال بالسيرة العقلائية و حكومة العقل القاضي بقبح الظلم الا اذا ثبت الغائه، و يؤيد المدعي التوقيع الشريف «2» و لذا لا شك في أنه لو رأينا شخصا مجهول الحال في بادية و شككنا في كونه حربيا أو مسلما أو ذميا لا يجوز لنا أخذ ماله باصالة عدم كونه محترم المال، فالنتيجة ان جواز التصرف في مال أحد يحتاج الي دليل يدل علي الجواز.

و يمكن أن يقال:

في رد هذا الاستدلال بأن العقل ليس له تشخيص الحكم

______________________________

(1) لاحظ ص: 20

(2) لاحظ ص: 20

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 29

______________________________

الشرعي، و اذا فرض ان العقل شخص ان الموضوع الفلاني ظلم لا يمكن قيام دليل شرعي علي جوازه و لذا لا يمكن أن يقوم دليل علي عدم حرمة الظلم، و العمدة ان تشخيص المصداق ليس بيد العقل و أما التوقيع فقد مر انه ضعيف سندا.

و أما السيرة فيمكن أن يقال: انها مردوعة بما رواه سماعة «1» فانه لو كان مال غير المسلم محترما لم يكن وجه للتخصيص، الا أن يقال ان هذا البيان يتوقف علي القول بمفهوم الوصف الذي لا نقول به، لكن يكفي لنا النقاش في كون السيرة المذكورة ممضاة عند الشارع، و ان الاصل عدم الامضاء.

و ثانيا قد قلنا بأن دليل ملكية الكنز للواجد يدل علي أن وجدان الكنز بنفسه من المملكات، غاية الامر لا نلتزم بالجواز حتي بالنسبة الي مورد نعلم كونه ملكا لمحترم المال، و أما مع الشك كما هو المفروض فلا مانع من الاخذ بدليل الكنز.

و بعبارة اخري: ان غاية ما في الباب انصراف الدليل عن مورد نعلم بكون المدفون ملكا لمسلم أو لذمي و أما الزائد عن هذا المقدار فلا.

الفرع الثالث: أن يعلم أن المدفون لمسلم موجود أو قديم فتجري عليه الاحكام المتقدمة المذكورة في المسألة الثامنة مع ما فيها من الكلام فراجع.

الفرع الرابع: انه لو ملك أرضا بالشراء و نحوه و وجد فيها الكنز فالاحوط أن يعرفه المالك السابق واحدا كان أم متعددا، فان عرفه دفعه اليه و الا عرفه السابق مع العلم بكونه في ملكه و هكذا، فان لم يعرفه الجميع فهو لواجده بشرط عدم العلم بكونه

لمسلم جديد أو قديم و الا تجري عليه الاحكام المذكورة في المسألة الثامنة بتقريب ان اليد امارة الملكية فلا بد من مراجعة ذي اليد السابقة و الا سبق

______________________________

(1) لاحظ ص: 20

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 30

و كذا اذا وجده في ملك غيره، اذا كان تحت يده باجارة و نحوها فانه يعرفه المالك، فان عرفه دفعه اليه، و الا فالاحوط- وجوبا- أن يعرفه السابق، مع العلم بوجوده في ملكه، و هكذا فان لم يعرفه الجميع فهو لواجده، الا أن يعلم انه لمسلم موجود أو قديم، فيجري عليه ما تقدم (1).

[مسألة 10: إذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالا عرفه البائع]

(مسألة 10): اذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالا عرفه البائع فان لم يعرفه كان له (2).

______________________________

علي الترتيب المذكور اذ اليد اللاحقة تبطل امارية السابقة فان لم يعرفه الجميع يكون للواجد بمقتضي دليل كون الكنز ملكا لواجده بشرط عدم كونه معلوم المالك و الا تجري عليه الاحكام المذكورة في المسألة الثامنة في المتن بالتقريب المتقدم.

و فيه: ان مقتضي امارية اليد علي الملكية، الدفع الي ذيها بلا تعريف و لا ادعاء اذ مقتضي الحكم الشرعي ان المال الموجود تحت اليد ملك لذيها، و لا يحتاج اثبات الملكية الي دليل، بل يكفي للإثبات نفس اليد.

و لكن يمكن أن يقال: ان الدليل علي المدعي ما رواه اسحاق بن عمار «1» فان مقتضي هذه الرواية، وجوب تعريف الدراهم أولا لصاحب المنزل ثم التصدق بها، فلا يبقي اشكال و يتم المدعي أي يجب أولا تعريفه لصاحب المنزل ثم التصدق به ان كان مملوكا لمحترم المال و الا يكون للواجد و يجب عليه الخمس.

(1) قد ظهر مما ذكرنا تقريب الاستدلال علي المدعي فلاحظ.

(2) ادعي عليه عدم الخلاف، و يدل علي المدعي ما

رواه عبد اللّه بن جعفر قال:

______________________________

(1) لاحظ ص: 21

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 31

و كذا الحكم في الحيوان غير الدابة مما كان تحت يد البائع (1)، و أما اذا اشتري سمكة و وجد في جوفها مالا فهو له، من دون تعريف (2).

______________________________

كتبت الي الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشتري جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟

فوقع عليه السلام: عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه اياه «1» و ما رواه أيضا قال: سألته عليه السلام في كتاب عن رجل اشتري جزورا أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك؟ و كيف يعمل به؟

فوقع عليه السلام: عرفها البائع فان لم يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه اياه «2».

فان مقتضي الحديثين ان ما وجد في جوف الدابة يجب تعريفه للبائع فان لم يعرف البائع يكون للمشتري، و مقتضي اطلاق الروايتين انه له، و لو مع العلم بكونه لمسلم محترم المال فلا يجب التعريف ثم التصدق.

و صفوة القول ان المستفاد من النص بحسب الفهم العرفي انه مع احتمال كونه للبائع يجب تعريفه اياه، و اما مع العلم بعدم كونه له فلا يجب التعريف بل يكون للمشتري و مقتضي الاطلاق شمول الحكم لمورد يعلم بكونه لمالك محترم.

(1) الامر كما افاده فان مقتضي اطلاق الحديث الثاني عدم الفرق بين الدابة و غيرها.

(2) بتقريب ان ما في جوف السمكة اما من مكونات البحر و غير داخل في ملك أحد و أما لا يكون كذلك و

يكون مملوكا لأحد، أما علي الاول فلا يكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب اللقطة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 32

و لا يجب في جميع ذلك الخمس بعنوان الكنز (1)، بل يجري عليه حكم الفائدة و الربح (2).

[الرابع: ما أخرج من البحر بالغوص من الجوهر و غيره]

اشارة

الرابع: ما اخرج من البحر بالغوص من الجوهر و غيره (3).

______________________________

للبائع قطعا، لأنه حاز سمكة و لم يقصد حيازة ما في جوفها كي يصدق عليه قاعدة من حاز ملك، فلا وجه لتعريف المالك فيجوز أخذه بلا تعريف بمقتضي اطلاق النص، و أما علي الثاني فلان كونه للبائع بعيد جدا و لا يحتمل احتمالا عقلائيا اذ المفروض ان البائع يصيد السمكة من البحار و الشطوط، و لا يربي السمكة في ملكه الشخصي كي يحتمل كون ما في جوفها له، فلا يجب التعريف علي كلا التقديرين.

و يرد عليه: بأنه ان قلنا يأن مورد الرواية لا يشمل المقام، اذ موردها الحيوان الذي يذبح، و السمكة لا تذبح فان احتمل كونه للبائع يجب دفعه اليه لكونه له بمقتضي قاعدة اليد، و ان لم يحتمل كونه له فان علم بكونه ملكا لمحترم المال يجب الفحص عنه ثم التصدق به عنه، و ان لم يعلم أو علم عدمه لمالك محترم المال يجوز تملكه لأصالة عدم كونه لمالك محترم المال. و ان قلنا: بأن العرف يفهم من الرواية الكبري الكلية و عموم الحكم لكل حيوان بلا فرق بين أنواعه كما هو ليس ببعيد فالميزان في وجوب التعريف للبائع و عدمه احتمال كونه له فلو احتملنا كونه له و لو من باب احتمال قصده حيازة السمكة مع ما في بطنها يجب اعلامه و الا يكون للمشتري، و اللّه العالم.

(1) لعدم الدليل

عليه، و لا نص في المقام فان تم الاجماع التعبدي الكاشف عليه، فهو و الا فلا يجب.

(2) بناء علي وجوب الخمس في مطلق الفائدة و عدم اختصاصه بارباح التجارة و تحقيق هذه الجهة موكول الي تلك المسألة، فانتظر.

(3) بلا خلاف بين الاصحاب كما في الحدائق، و العمدة النصوص الواردة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 33

______________________________

في المقام، منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس (الحديث) «1» و هذه الرواية تختص بالعنبر و اللؤلؤ فلا تستفاد منها كلية الحكم.

و منها ما رواه الصدوق مرسلا قال: سئل أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس «2» و هذه الرواية لإرسالها لا اعتبار بها.

و منها: ما رواه محمد بن علي بن أبي عبد اللّه «3» و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن علي بن أبي عبد اللّه.

و منها: ما رواه ابن أبي عمير، عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الخمس علي خمسة اشياء: علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن أبي عمير الخامس «4» و هذه الرواية مرسلة.

و ما افاده سيدنا الاستاد «5» في المقام من أن لفظ غير واحد ظاهر في كونهم رجالا مشهورين بحيث يستغني عن ذكرهم لا دليل عليه، مضافا الي أن مجرد شهرة الراوي لا تستلزم وثاقته، فان أبا هريرة من المشاهير مع كونه من الكذابين ان لم يكن رأسهم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

(2) نفس

المصدر الحديث: 2

(3) لاحظ ص: 9

(4) الوسائل الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 7

(5) مستند العروة كتاب الخمس ص: 110

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 34

______________________________

و منها ما رواه عمار بن مروان «1» و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن عيسي لاحتمال كونه العبيدي و منها ما رواه حماد بن عيسي «2» قال: رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الاول عليه السلام قال: الخمس من خمسة اشياء: من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة «3» و هذه الرواية لإرسالها لا اعتبار بها، مضافا الي ضعف اسناد الشيخ الي علي بن الحسن.

و منها ما رواه احمد بن محمد قال: حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال:

الخمس من خمسة اشياء: من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه، و لم يحفظ الخامس، الحديث «4» و هذه الرواية لا اعتبار بها من جهة ارسالها و رفعها.

و منها: ما رواه في (رسالة المحكم و المتشابه) نقلا من تفسير النعماني باسناده عن علي عليه السلام قال: و اما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و أسبابها فقد اعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الامارة، و وجه العمارة، و وجه الاجارة، و وجه التجارة و وجه الصدقات، فاما وجه الامارة، فقوله: «و اعلموا انما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين» فجعل للّه خمس الغنائم، و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، و من المعادن، و من الكنوز، و من الغوص «5».

______________________________

(1) لاحظ ص: 23

(2) لاحظ ص: 27

(3) الوسائل الباب 2 من

ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 9

(4) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 11

(5) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 35

لا مثل السمك و نحوه من الحيوان (1).

[مسألة 11: الأحوط وجوب الخمس فيه و ان لم تبلغ قيمته دينارا]

(مسألة 11): الاحوط وجوب الخمس فيه و ان لم تبلغ قيمته دينارا (2).

[مسألة 12: إذا اخرج بآلة من دون غوص]

(مسألة 12): اذا اخرج بآلة من دون غوص فالاحوط- وجوبا- جريان حكم الغوص عليه (3).

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد صاحب الرسالة الي علي عليه السلام و حيث انه لا دليل معتبر علي وجوب الخمس في الغوص علي الاطلاق يشكل الالتزام بوجوبه فيه مطلقا، الا ان يتم المدعي بالإجماع التعبدي الكاشف، فلاحظ.

(1) بلا اشكال، فان المتبادر من نصوص الباب غير الحيوان مضافا الي أن عدم وجوب الخمس في الحيوان المصاد من الماء أوضح من أن يخفي.

(2) يستفاد من حديث محمد بن علي بن أبي عبد اللّه «1» اشتراط وجوب الخمس فيما يخرج من البحر من المذكورات في الرواية بالنصاب، و لكن الرواية ضعيفة كما مر، فلا وجه للاشتراط المذكور، ففي كل مورد تم الدليل علي وجوب الخمس فيه كالعنبر لا وجه لهذا التقييد فيه.

(3) الوجه في عموم الحكم، انه قد ترتب في بعض النصوص وجوب الخمس علي عنوان الغوص كمرسل ابن أبي عمير «2» و في بعضها الاخر اخذ العنوان في الموضوع الاخراج لاحظ ما رواه عمار بن مروان «3» و حيث انه لا تنافي بين العنوانين لا وجه لتقييد احدهما بالاخر، بل نأخذ بكلا الدليلين و نلتزم بعموم

______________________________

(1) لاحظ ص: 9

(2) لاحظ ص: 33

(3) لاحظ ص: 23

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 36

[مسألة 13: الظاهر أن الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلي ما يخرج منها بالغوص]

(مسألة 13): الظاهر ان الانهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة الي ما يخرج منها بالغوص (1).

[مسألة 14: لا إشكال في وجوب الخمس في العنبران أخرج بالغوص]

(مسألة 14): لا اشكال في وجوب الخمس في العنبران اخرج بالغوص و الاحوط وجوبه فيه ان اخذ من وجه الماء أو الساحل (2).

[الخامس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم]

اشارة

الخامس: الارض التي اشتراها الذمي من المسلم فانه يجب فيها الخمس علي الاقوي (3) و لا فرق بين الارض الخالية و ارض الزرع،

______________________________

الحكم لكلا العنوانين، و لكن عمدة الاشكال في اسناد نصوص الباب كما مر، نعم الالتزام بالعموم في العنبر علي القاعدة لاحظ ما رواه الحلبي «1» فان المأخوذ في هذا الحديث عنوان العنبر و مقتضي اطلاقه ثبوت الحكم و وجوب الخمس فيه علي الاطلاق.

(1) للإطلاق في بعض النصوص فان الغوص باطلاقه يشمل كلا الفردين كما ان عنوان الاخراج كذلك، و اما ذكر خصوص البحر في بعض النصوص لا يقتضي تقييد المطلق كما هو ظاهر.

(2) فان المأخوذ في بعض النصوص العنبر و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين مصاديق اخذه بالغوص أو بغيره كما ان عنوان الاخراج يشمل مالا يكون بالغوص، و اللّه العالم.

(3) و الدليل عليه: ما رواه أبو عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أيما ذمي اشتري من مسلم أرضا فان عليه الخمس «2» و يدل عليه أيضا ما ارسله المفيد (قدس سره) في (المقنعة) عن الصادق عليه السلام قال: الذمي

______________________________

(1) لاحظ ص: 33

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 37

و ارض الدار، و غيرها. و لا يختص الحكم بصورة وقوع البيع علي الارض، بل اذا وقع علي مثل الدار او الحمام، او الدكان وجب الخمس في الارض (1) كما انه لا يختص الحكم بالشراء بل يجري في سائر المعاوضات أو الانتقال المجاني (2).

[مسألة 15: اذا اشتري الأرض ثم أسلم لم يسقط الخمس]

(مسألة 15): اذا اشتري الارض ثم اسلم لم يسقط الخمس (3) و كذا

______________________________

اذا اشتري من المسلم الارض فعليه فيها الخمس «1».

(1) بدعوي ان المرجع اطلاق الدليل و مقتضاه

العموم و عدم الفرق. و لكن الانصاف ان الجزم بالاطلاق مشكل، فان المتبادر من الارض هي الخالية عن البناء، و الاشجار، و ان ابيت فلا أقلّ من عدم الجزم بالاطلاق، و مقتضي الاصل عدمه.

(2) بدعوي ان العرف يفهم عدم خصوصية في البيع و الشراء، فيعم الحكم لكل انتقال و يرد عليه ان ملاك الاحكام مجهول عندنا و لا وجه للحكم بالتعميم بعد اختصاص الدليل بخصوص الاشتراء فالحق هو الاختصاص بخصوص الاشتراء كما ورد في النص و الحكم بالعموم مبني علي الاحتياط.

(3) لعدم دليل علي السقوط و مقتضي اطلاق الدليل بقاء الوجوب بحاله كما ان مقتضي الاستصحاب كذلك. لكن الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باصالة عدم الجعل الزائد فالدليل علي عدم السقوط اطلاق النص، و اما حديث الجب «الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب» «2» فغير معتبر سندا فاطلاق دليل الوجوب يقتضي عدم السقوط و لا دليل علي السقوط كي يقيد به اطلاق الدليل الاول.

______________________________

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(1) مجمع البحرين: مادة جيب

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 38

اذا باعها من مسلم، فاذا اشتراها منه- ثانيا- وجب خمس آخر (1) فان كان الخمس الاول دفعه من العين كان الخمس الثاني خمس الاربعة اخماس الباقية (2) و ان كان دفعه من غير العين كان الخمس الثاني خمس تمام العين (3) نعم اذا كان المشتري من الشيعة جاز له التصرف فيها، من دون اخراج الخمس (4).

[مسألة 16: يتعلق الخمس برقبه الأرض المشتراة]

(مسألة 16): يتعلق الخمس برقبه الارض المشتراة (5) و يتخير الذمي بين دفع خمس العين و دفع قيمته، فلو دفع احدهما وجب القبول (6 و اذا كانت الارض مشغولة بشجرة او بناء، فان

اشتراها علي أن تبقي مشغولة بما فيها باجرة أو مجانا قوم خمسها كذلك و ان اشتراها علي أن يقلع ما فيها قوم أيضا كذلك (7).

______________________________

(1) لتعدد الموضوع فيترتب علي كل موضوع حكمه و لا وجه للتداخل.

(2) كما هو ظاهر، اذ المفروض انه لم يبق في ملكه الا هذا المقدار.

(3) اذ المفروض ان تمام العين دخل في ملكه، فيجب خمس تمامها فلاحظ.

(4) بتقريب ان المستفاد من اخبار التحليل ان الامام عليه السلام حلل للشيعة ما يصل اليهم من الخمس و بعبارة اخري: ان ما يصل الي الشيعة من الاموال اذا كان فيه الخمس يكون حلالا لهم و ما نحن فيه من مصاديق تلك الكبري الكلية، و تحقيق هذه الجهة موكول الي البحث في ذلك الفرع، فانتظر.

(5) الذي يستفاد من حديث أبي عبيدة وجوب الخمس علي الذمي و اما تعلقه علي رقبة الارض المشتراة فلا يبعد أن يستفاد عرفا انه من رقبة الارض.

(6) نتعرض لدليل التخيير في ذيل مسألة (69) إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

(7) ما افاده علي طبق القاعدة الاولية فان الواجب دفعه علي الذمي خمس الارض

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 39

[مسألة 17: إذا اشتري الذمي الأرض، و شرط علي المسلم البائع أن يكون الخمس عليه]

(مسألة 17): اذا اشتري الذمي الارض، و شرط علي المسلم البائع أن يكون الخمس عليه، أو أن لا يكون فيها الخمس بطل الشرط (1) و ان اشترط أن يدفع الخمس عنه صح الشرط (2) و لكن لا يسقط الخمس الا بالدفع (3).

[السادس: المال المخلوط بالحرام، إذا لم يتميز و لم يعرف مقداره و لا صاحبه]

اشارة

السادس: المال المخلوط بالحرام، اذا لم يتميز و لم يعرف مقداره و لا صاحبه (4).

______________________________

المشتراة فيختلف قيمته بحسب اختلاف الصور المتصورة.

(1) لكونه مخالفا للشرع اذ المستفاد من الدليل الشرعي ان الخمس ثابت علي الذمي فلا يجوز اشتراط كونه ثابتا علي البائع، كما انه لا يجوز اشتراط عدم ثبوته.

(2) اما اذا رجع الشرط الي توكيل البائع في الاداء عنه فواضح، اذ لا مانع من توكيل الغير في الاداء، و اما اذا لم يكن كذلك بأن يكون مرجع الاشتراط الي اداء البائع مستقلا فلا مانع فيه أيضا اذ لا مانع في اداء ما علي الغير و لذا يجوز للمكلف أن يؤدي دين غيره.

(3) اذ لا مقتضي للسقوط كما هو ظاهر.

(4) علي المشهور كما في كلام بعض الاصحاب و قد ذكرت جملة من النصوص في مقام الاستدلال علي المدعي الاول: ما رواه عمار بن مروان «1» و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن عيسي، لاحتمال كونه العبيدي.

الثاني: ما رواه حسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان رجلا

______________________________

(1) لاحظ ص: 23

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 40

______________________________

أتي امير المؤمنين عليه السلام فقال؟ يا امير المؤمنين اني اصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه، فقال له: اخرج الخمس من ذلك المال، فان اللّه عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم «1» و هذه الرواية ضعيفة بحكم ابن بهلول.

الثالث:

ما رواه عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا الا أن لا يقدر علي شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة، فان فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الي أهل البيت «2».

و هذه الرواية و ان كانت تامة سندا و لكن في دلالتها علي المدعي اشكال، اذ لم يفرض كون بعض المأخوذ من السلطان حراما، بل يمكن كون جميعه حلالا و الامر بالتخميس من باب حرمة نفس العمل و انه لا بأس به عند الضرورة، لكن يجب اعطاء خمس المأخوذ من السلطان كفارة للدخول في حوزته فلا ترتبط الرواية بالمقام.

الرابع: ما ارسله الصدوق (قدس سره) قال: جاء رجل الي امير المؤمنين عليه السلام فقال: يا امير المؤمنين اصبت ما لا اغمضت فيه، أ فلي توبة؟ قال:

ايتني خمسه فاتاه بخمسه فقال: هو لك ان الرجل اذا تاب تاب ماله معه «3» و هذه الرواية لإرسالها لا اعتبار بها.

الخامس: ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اتي رجل امير المؤمنين عليه السلام فقال: اني كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا و حراما،

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 41

فانه يحل باخراج خمسه (1).

______________________________

و قد اردت التوبة و لا ادري الحلال منه و الحرام و قد اختلط علي، فقال امير المؤمنين عليه السلام: تصدق بخمس مالك فان اللّه (قد) رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال «1».

و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق الي السكوني بالنوفلي، فالنتيجة عدم دليل معتبر علي المدعي،

و عليه لا بد من أن يعامل معه معاملة المجهول المالك، و علي هذا الاساس يكون البحث في الفروع الآتية المذكورة في المتن علي مبني القوم، و اما علي فرض الاشكال في نصوص المقام فمقتضي القاعدة المعاملة معه معاملة المجهول مالكه.

(1) علي ما هو المستفاد من نصوص المقام علي مبني القوم، و علي ما تقدم يكون طريق تحليله التصدق بالمقدار المملوك للغير علي ما هو المعروف. ان قلت:

الاخبار الواردة في التصدق موردها الاعيان المتميزة فما الحيلة؟ قلت: لا يبعد أن يقال ان العرف يفهم ان حكم مجهول المالك هو التصدق بلا فرق بين مصاديقه، مضافا الي أن الامر دائر بين التصدق و التملك و ابقائه بحاله و حيث لا وجه للثاني و الثالث فالمتيقن هو الاول، و في مفروض المقام يقتصر علي المقدار المعلوم اذ الزائد عليه منفي بالاصل.

لكن هذا انما يتم فيما يكون العين تحت يده كي يحكم بكونها له الا المقدار الذي يعلم بخروجه عن ملكه فلو علم بأن درهمين من العشرة دراهم التي تكون تحت يده للغير و لا يعلم بالزائد لم يكن مانع من التمسك بقاعدة اليد بالنسبة الي غير المقدار المعلوم، و النتيجة ان المقدار الخارج عن ملكه شرعا ديناران و اما الزائد فلا.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 42

______________________________

و لا يخفي: انه لا مقتضي لحصول الشركة، اذ الشركة تحصل باحد نحوين:

احدهما: عقد الاشتراط كما لو كان لأحدهما عشرون دينارا و للاخر عشرة دنانير فتعاقدا علي الشركة فتكون النتيجة ان كل دينار يكون مشتركا بينهما، بالثلثين و الثلث.

ثانيهما: أن يختلط المالان و لو بغير الاختيار كما لو اختلط احد السمنين بالاخر و لكن يختص بمورد يعد المالان

شيئا واحدا و لا يكون تمييز بينهما و مع انتفاء هذين الامرين لا وجه للشركة، و عليه فباي وجه يميز بين المالين و يعين مالكه كي يترتب علي كل واحد حكمه؟.

و يمكن أن يقال: انه يستفاد من بعض النصوص ان الوظيفة في أمثال المقام الرجوع الي القرعة لاحظ ما رواه منصور بن حازم قال: سأل بعض اصحابنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسألة فقال: هذه تخرج في القرعة ثم قال: فاي قضية أعدل من القرعة اذا فوضوا امرهم الي اللّه عز و جل أ ليس اللّه يقول: «فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» «1». فان المستفاد من هذا الحديث ان المرجع في مثل هذه الموارد هي القرعة.

و لاحظ ما رواه جميل، قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة أ ليس حقا؟ فقال زرارة: بلي هي حق، فقال الطيار: أ ليس قد ورد انه يخرج سهم المحق؟ قال: بلي قال: فتعال حتي ادعي انا و انت شيئا ثم نساهم عليه و ننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: انما جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا امرهم الي اللّه ثم اقترعوا الا خرج سهم المحق فاما علي التجارب فلم يوضع علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من ابواب كيفية الحكم الحديث: 17

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 43

______________________________

التجارب فقال الطيار: أ رأيت ان كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من اين يخرج سهم احدهما؟ فقال زرارة: اذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح فان كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح «1».

و مما ذكرنا علم حكم صورة ما لا تكون العين تحت اليد، فان في هذه الصورة يحكم بكل مقدار معلوم لمالكه و اما المقدار المشكوك فيه فيرجع

فيه الي القرعة.

و ربما يقال: ان الوظيفة في امثال المقام التنصيف و الدليل عليه ما رواه غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ان امير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة و كلاهما اقاما البينة انه انتجها، فقضي بها للذي في يده، و قال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين «2» فان مقتضي هذه الرواية ان الوظيفة التنصيف.

و لكن الرواية معارضة بما رواه سماعة قال: ان رجلين اختصما الي علي عليه السلام في دابة، فزعم كل واحد منهما انها نتجت علي مذوده، و اقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد فاقرع بينهما سهمين فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة، ثم قال: «اللهم رب السماوات السبع، و رب الارضين السبع و رب العرش العظيم عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم ايهما كان صاحب الدابة و هو اولي بها فأسألك أن يقرع و يخرج سهمه» فخرج سهم احدهما فقضي له بها «3» و حيث لا مرجح لأحدهما علي الاخر يتساقطان و بعد التساقط يكون المرجع حديثي منصور ابن حازم و جميل «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 12

(4) لاحظ ص: 42

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 44

و الاحوط صرفه بقصد الاعم من المظالم و الخمس (1) فان علم المقدار و لم يعلم المالك تصدق به عنه سواء كان الحرام بمقدار الخمس أم كان أقلّ منه، أم كان اكثر منه (2) و الاحوط- وجوبا- أن يكون باذن الحاكم الشرعي (3).

______________________________

هذا كله: علي تقدير عدم الولاية للمالك في التصدق عن المالك المجهول و أما علي تقدير الالتزام بكونه ذا ولاية في التعيين

كما هو ليس ببعيد فلا مجال لما ذكر اذ مع الولاية يكون الامر بيدا لولي، هذا بحسب مذهب القوم و لا يبعد أن يكون حكم المجهول مالكه التخميس و سيجي ء الكلام حول هذه الجهة في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالي، فانتظر.

(1) لاحتمال وجوب اخراج الخمس بعنوان التصدق، لاحظ ما رواه السكوني «1».

(2) بدعوي ان المستفاد من دليل وجوب الخمس مورد الجهل بالمقدار الحلال و الحرام، و لا يشمل الدليل مورد العلم بكون الحرام أزيد من الخمس خصوصا مع تعمد الخلط بداعي أكل مال الغير بهذه الحيلة كما انه لا يحتمل وجوب التخميس علي من يعلم بوجود دينارين من مال الغير في ضمن عشرة دنانير من مال نفسه، فالدليل مختص بصورة الجهل بالمقدار ففي الصورة المفروضة في المتن يجب التصدق، و حيث ان الولاية بيد المالك فلا يجب تمييز مال الغير اولا ثم التصدق به.

(3) بدعوي انه لا يجوز التصرف في مال الغير و المقدار المتيقن من الجواز

______________________________

(1) لاحظ ص: 40

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 45

و ان علم المالك و جهل المقدار تراضيا بالصلح (1) و ان لم يرض المالك بالصلح جاز الاقتصار علي دفع الاقل اليه ان رضي بالتعيين (2).

______________________________

ما يكون باذن الحاكم الشرعي، مضافا الي أن المستفاد من حديث داود بن أبي يزيد- عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رجل: اني قد اصبت مالا و اني قد خفت فيه علي نفسي و لو اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه، قال: فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: و اللّه ان لو اصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اي و اللّه قال:

فانا و اللّه ما له صاحب غيري قال: فاستحلفه أن يدفعه

الي من يأمره قال: فحلف فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الامن مما خفت منه قال: فقسمته بين اخواني «1»، ان صاحب الاختيار و مرجع الامر في مجهول المالك الامام عليه السلام فمع غيبته يكون المرجع نائبه العام.

و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي انه عليه السلام قال أنا صاحبه و ليس المراد انه ملكه بل المقصود انه لا بد أن يراجع اليه و لو كان ملكه لم يكن وجه لأمره عليه السلام بالتقسيم بين اخوانه.

و يرد علي ما افيد اما في التقريب الاول فبأن مقتضي دليل التصدق كفايته و عدم توقفه علي الاذن و لا مانع من الاطلاق بعد انعقاد اصالته، و اما الاستدلال بالرواية: ففيه اولا ان السند مخدوش باشتراك موسي بن عمر بين الموثق و غيره و مجرد كون الراوي في اسناد كامل الزيارة لا اثر له، فالسند غير تام فلا تصل النوبة الي ملاحظة الدلالة مع ان تقريب المدعي غير تام، فلاحظ.

(1) اذ به يتم الامر و لا يبقي اشكال.

(2) اذا كان المال تحت اليد كما مر الكلام حوله قريبا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 46

و الا تعين الرجوع الي الحاكم الشرعي في حسم الدعوي و حينئذ ان رضي بالتعيين فهو، و الا اجبره الحاكم عليه (1) و ان علم المالك و المقدار وجب دفعه اليه، و يكون التعيين بالتراضي بينهما (2).

[مسألة 18: إذا علم قدر المال الحرام و لم يعلم صاحبه بعينه]

(مسألة 18): اذا علم قدر المال الحرام و لم يعلم صاحبه بعينه، بل علمه في عدد محصور، فالاحوط التخلص من الجميع باسترضائهم فان لم يمكن ففي المسألة وجوه، اقربها العمل بالقرعة في تعيين المالك. و كذا الحكم اذا لم يعلم قدر المال،

و علم صاحبه في عدد محصور (3).

______________________________

(1) لان الحاكم المرجع في المرافعات و هو ولي الممتنع، و لقائل ان يقول انه لا وجه للإجبار بل مقتضي القاعدة التوسل الي القرعة، لاحظ حديثي منصور و جميل «1».

(2) اذ المفروض ان المال مقداره لزيد و مقداره لبكر فلا بد من التعيين بالتراضي و الا فالظاهر انه يعين بالقرعة، و اللّه العالم.

(3) بتقريب ان دليل القرعه لا يشمل المقام اذ موضوعه المشكل و في المقام لا اشكال لان ارضاء الجميع وظيفة المكلف.

لا يقال: ان ارضاء الجميع يوجب الضرر و دليل لا ضرر ينفيه. فانه يقال:

المستفاد من دليل لا ضرر أن الشارع الاقدس لا يأمر بالضرر و من الواضح ان الحكم الشرعي غير ضرري، و انما الضرر ناش عن جهل المكلف بالمالك، فلا يرتبط بالشارع، هذا ملخص تقريب الاستدلال علي المدعي.

______________________________

(1) لاحظ ص: 42

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 47

[مسألة 19: إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس]

(مسألة 19: إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس (1) فان علم جنسه و مقداره، فان عرف صاحبه رده اليه (2) و ان لم يعرفه، فان كان في عدد محصور، فالاحوط وجوبا استرضاء الجميع (3)، و ان لم يمكن عمل بالقرعة (4) و ان كان في عدد غير محصور تصدق به عنه (5) و الاحوط- وجوبا- أن يكون بأذن الحاكم الشرعي (6).

______________________________

و فيه: انه لا اشكال في وجوب الاحتياط شرعا و قد اعترف الماتن بأن أخبار الاحتياط محمولة علي موارد الشبهات الحكمية قبل الفحص و مواد العلم الإجمالي فالضرر من ناحية الشارع لا من ناحية الجهل، مضافا الي ان حديثي منصور و جميل «1» يقضيان الرجوع الي القرعة و لم يؤخذ في موضوعهما عنوان المشكل كي يقال انه

لا اشكال مع امكان الاحتياط.

اضف الي ذلك ان هذا العنوان لعله لم يرد في رواية معتبرة فلا مجال لهذا التقريب، فالحق انه في مثل الفرض يرجع الي القرعة علي الاطلاق و لا وجه للتفصيل.

(1) كما هو ظاهر اذ موضوعه الاختلاط الذي لا يتحقق الا في العين الخارجية.

(2) لوجوب رد المال الي مالكه.

(3) قد تقدم تقريبه و الرد عليه فلا نعيد.

(4) كما تقدم.

(5) كما هو الميزان في مجهول المالك علي ما هو المقرر عندهم.

(6) قد تقدم تقريب الاستدلال عليه مع ما فيه من الاشكال، فراجع «2».

______________________________

(1) لاحظ ص: 42

(2) لاحظ ص: 43

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 48

و ان علم جنسه و جهل مقداره جاز له في ابراء ذمته الاقتصار علي الاقل (1) فان عرف المالك رده اليه (2) و الا فان كان في عدد محصور فالاحوط- وجوبا- استرضاء الجميع، فان لم يمكن رجع الي القرعة، و الا تصدق به عن المالك، و الاحوط- وجوبا- أن يكون بأذن الحاكم (3)، و ان لم يعرف جنسه و كان قيميا و كانت قيمته في الذمة فالحكم كما لو عرف جنسه (4) و ان لم يعرف جنسه و كان مثليا، فان أمكن المصالحة مع المالك تعين ذلك و الا فلا يبعد العمل بالقرعة بين الاجناس (5).

______________________________

(1) لجريان الاصل فيما زاد علي المقدار المعلوم.

(2) كما هو ظاهر.

(3) علي ما تقدم استدلا لا و اشكالا فراجع.

(4) اذ لا فرق بين الموردين من حيث الحكم.

(5) بتقريب انه مع امكان المصالحة لا تصل النوبة الي القرعة لأنها لكل امر مشكل، و مع امكان الصلح لا اشكال فلا موضوع للقرعة.

و يرد عليه: اولا ما تقدم منا من أن حديثي منصور و جميل «1» لم يؤخذ

في موضوعيهما عنوان المشكل و قلنا لعله لا يكون في روايات القرعة حديث معتبر يكون عنوان المشكل مأخوذا في موضوعه و ثانيا علي الاساس الذي سلك الماتن لا بد من أن يلتزم بوجوب رد جميع الاجناس المحتمله و لا تصل النوبة الي القرعة، فان العلم الإجمالي ينجز الاطراف و مع امكان الامتثال ورد المال بهذا

______________________________

(1) لاحظ ص: 42

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 49

[مسألة 20: إذا تبين المالك بعد دفع الخمس فالظاهر عدم الضمان له]

(مسألة 20): اذا تبين المالك بعد دفع الخمس فالظاهر عدم الضمان له (1).

[مسألة 21: إذا علم بعد دفع الخمس ان الحرام اكثر من الخمس وجب عليه دفع الزائد أيضا]

(مسألة 21): اذا علم بعد دفع الخمس ان الحرام اكثر من الخمس وجب عليه دفع الزائد أيضا (2)، و اذا علم انه انقص لم يجز له استرداد الزائد علي مقدار الحرام (3).

______________________________

النحو من الاحتياط لا تصل النوبة الي القرعة فالإيراد وارد عليه نقضا و حلا، و الحق ما قلناه من التوسل الي قانون القرعة، فلاحظ.

(1) اذ المستفاد من نصوص الخمس ان الباقي بعد اداء الخمس يكون ملكا للمكلف فلا وجه للضمان بعده لاحظ ما رواه السكوني «1» فان المصرح به في هذه الرواية ان سائر المال له حلال، هذا علي القول بالخمس كما هو المشهور و اما علي القول بالتصدق فالظاهر ان الامر كذلك أيضا لان الظاهر من دليل التصدق انه مصداق للإيصال الي المالك بحكم الشارع.

(2) بتقريب ان دليل التخميس منصرف عن المورد، فلا يحل الباقي بالتخميس و لكن يرد عليه: انه مع فرض الانصراف لا وجه لتحليل المال باداء الزائد اذ المفروض ان المال مختلط بالحرام، فلا بد من الاحتياط أو تعيين مال الغير بالقرعة.

و لكن يمكن ان يقال: بعدم وجه للانصراف و بمقتضي الاطلاق لا فرق بين الموارد و علي فرض الانصراف يكون المال بعد التخميس موضوع آخر للتخميس اي يكون المال مصداقا للمختلط فيجب الخمس، فلاحظ.

(3) فان مقتضي اطلاق النصوص انه لا يرجع ما دفعه بعنوان الخمس.

______________________________

(1) لاحظ ص: 40

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 50

[مسألة 22: إذا كان الحرام المختلط من الخمس، أو الزكاة أو الوقف العام، أو الخاص لا يحل المال المختلط به باخراج الخمس]

(مسألة 22): اذا كان الحرام المختلط من الخمس، أو الزكاة أو الوقف العام، أو الخاص لا يحل المال المختلط به باخراج الخمس، بل يجري عليه حكم معلوم المالك فيراجع ولي الخمس أو الزكاة، أو الوقف علي احد الوجوه السابقة (1).

[مسألة 23: إذا كان الحلال الذي اختلط به الحرام قد تعلق به الخمس]

(مسألة 23): اذا كان الحلال الذي اختلط به الحرام قد تعلق به الخمس، قيل: وجب عليه بعد اخراج خمس التحليل خمس الباقي فاذا كان عنده خمسة و سبعون دينارا وجب تخميسه ثم تخميس الباقي فيبقي له من مجموع المال ثمانية و اربعون دينارا، و لكن الظاهر كفاية استثناء خمس المال الحلال المتيقن اولا، ثم تخميس

______________________________

و بعبارة اخري: ما دفعه بهذا العنوان صار ملكا لأهل الخمس و لا دليل علي زوال تلك الملكية بعد انكشاف الواقع فلاحظ.

هذا علي القول بوجوب الخمس و اما علي القول بوجوب التصدق فلو انكشف كونه اكثر يجب دفع الزائد كما هو ظاهر لتحقق الموضوع الموجب لترتب الحكم عليه، و اما لو علم انه أنقص يجوز استرداد الزائد ان دفعه بالعنوان التقديري، و علي فرض كون الواجب هذا المقدار فانه بعد كشف الخلاف لا مانع من الاسترداد اذ تحقق المعلق يتوقف علي تحقق المعلق عليه، و المفروض انه لا تحقق له فالزائد باق في ملك الدافع، فجواز الاسترداد علي طيق القاعدة الاولية.

(1) اذا قد مر انه لا يجري حكم الخمس فيما يكون المالك معلوما و في فروض المسألة المالك هو العنوان فلا بد من مراجعة الولي من الحاكم أو المتولي، فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 51

الباقي فاذا فرضنا في المثال ان خمسين دينارا من المال المخلوط حلال جزما، و قد تعلق به الخمس و مقدار الحرام مردد بين أن يكون أقلّ من

الخمس أو اكثر منه، فيجزيه أن يستثني عشرة دنانير خمس الخمسين، ثم يخمس الباقي فيبقي له اثنان و خمسون دينارا (1).

______________________________

(1) ربما يقال بأنه يكفي تخميس المال من أجل الاختلاط و لا يجب تخميس آخر و الدليل عليه ما رواه السكوني «1» بتقريب انه صرح في الرواية بأن سائر المال لك حلال، و يرد عليه ان الحكم بحلية سائر المال بلحاظ الاختلاط لا باعتبار آخر و العرف ببابك، فلا اشكال في وجوب التخميس ثانيا، انما الكلام في انه يخمس للاختلاط أولا ثم يخمس الباقي كما عليه سيد العروة (قدس سره) أو يخمس علي الترتيب المذكور في المتن.

أفاد الماتن في مقام الاستدلال علي مدعاه بأن المستفاد من دليل الخمس لأجل التحليل خاص بالمال المخلوط بالحرام، فموضوع الحكم ما يكون مخلوطا من هذين القسمين و أما المشتمل علي قسم ثالث فلا يشمله الدليل فلا بد من اخراج الخمس بعنوان الارباح ثم تخميس الباقي بعنوان التحليل و بين القولين فرق ظاهر كما بين في المتن.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان كان دليل تخميس المال المختلط مطلقا يشمل المقام فلا بد من تخميسه من تلك الحيثية اولا و ان لم يكن له اطلاق كما عليه الماتن فلا بد من تميز مال الغير عن مال نفسه بالقرعة، و بعد تشخيص مال نفسه يخمسه من باب وجوب خمس الارباح.

______________________________

(1) لاحظ ص: 40

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 52

[مسألة 24: إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل اخراج خمسه بالاتلاف لم يسقط الخمس]

(مسألة 24): اذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل اخراج خمسه بالاتلاف لم يسقط الخمس، بل يكون في ذمته و حينئذ ان عرف قدره دفعه الي مستحقه و ان تردد بين الاقل و الاكثر جاز له الاقتصار علي الاقل و الاحوط دفع الاكثر

(1).

[السابع: ما يفضل عن مؤنة سنته له و لعياله]

اشارة

السابع: ما يفضل عن مؤنة سنته له و لعياله من فوائد الصناعات و الزراعات و التجارات و الاجارات و حيازة المباحات (2).

______________________________

و بعبارة واضحة: علي تقدير عدم شمول ذلك الدليل للمقام كيف يمكن للمالك التصرف في العين مع كونها مخلوطة بالحرام؟ و لا يبعد أن يقال: النص الدال علي وجوب الخمس مطلق من هذه الجهة فلاحظ.

(1) ان قلنا بأن الخمس المتعلق بالمخلوط كبقية اقسامه ملك للسادة و الامام عليه السلام يجب دفعه اليهما بدفع بدله بعد اتلافه، و ان لم نقل بهذه المقاله بل قلنا بأن التخميس طريق شرعي لتحليل المال المخلوط و يكون المال المخلوط مع مال المالك باقيا علي ملك مالكه فلا بد من المعاملة معه معاملة مجهول المالك، و حيث ان الماتن يري ان تعلق الخمس في المقام كبقية أقسامه افاد بأن الواجب عليه أن يدفع المقدار المعلوم الي المستحق و مقتضي الاحتياط دفع الاكثر و لا اشكال في أن مقتضي الاحتياط كذلك، فلاحظ.

(2) ادعيت عليه شهرة عظيمة و نقل عن بعض الاعيان انه اجماعي و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه الاشعري «1» و منها ما رواه شجاع النيسابوري انه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرما يزكي فأخذ منه العشر عشرة اكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون

______________________________

(1) لاحظ ص: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 53

______________________________

كرا و بقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقع: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته «1».

و منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن

راشد قلت له: أمرتني بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم: و اي شي ء حقه فلم ادر ما اجيبه؟ فقال: يجب عليم الخمس، فقلت: ففي اي شي ء؟ فقال: في امتعتهم و صنائعهم (ضياعهم) قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: اذا امكنهم بعد مؤنتهم «2».

و منها: مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمداني اقرأني علي كتاب ابيك فيما اوجبه علي اصحاب الضياع انه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة، و انه ليس علي من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة مؤنة الضيعة و خراجها لا مؤنة الرجل و عياله، فكتب، و قرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد خراج السلطان «3».

و منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب اليه أبو جعفر عليه السلام: و قرأت انا كتابه اليه في طريق مكة قال: ان الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مأتين فقط لمعني من المعاني اكره تفسير المعني كله خوفا من الانتشار، و سأفسر لك بعضه ان شاء اللّه ان موالي اسأل اللّه صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 54

______________________________

فعلمت ذلك فاحببت ان اطهرهم و ازكيهم بما فعلت من امر الخمس في عامي هذا، قال اللّه تعالي: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ

يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ* وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِليٰ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» و لم أوجب عليهم ذلك في كل عام و لا أوجب عليهم الا الزكاة التي فرضها اللّه عليهم و انما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضة التي قد حال عليهما الحول، و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة الا في ضيعة سأفسر لك امرها تخفيفا مني عن موالي و منا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم، فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال اللّه تعالي: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَليٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَليٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ» فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة فقد علمت ان اموالا عظاما صارت الي قوم من موالي، فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و

لو بعد حين، فان نية المؤمن خير من عمله، فاما الذي أوجب من الضياع و الغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته، و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 55

______________________________

ذلك «1» الي غيرها من النصوص الدالة علي وجوب الخمس.

و في قبال هذه النصوص روايات تدل علي تحليل الخمس للشيعة منها: ما رواه أبو بصير و زرارة و محمد بن مسلم كلهم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤد والينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل «2».

و منها: ما رواه ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أ تدري من أين دخل علي الناس الزنا؟ فقلت: لا ادري، فقال: من قبل خمسنا اهل البيت الا لشيعتنا الاطيبين فانه محلل لهم و لميلادهم «3».

و منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: ان أمير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم «4».

و لا يخفي: ان مجرد ثبوت الخمس وضعا لا ينافي التحليل كما هو ظاهر كما ان وجوب اداء الخمس علي الاطلاق لا ينافي عدم وجوبه علي الشيعة لجواز التخصيص، لكن المستفاد من حديث علي بن مهزيار «5» ان الخمس واجب علي الشيعة في كل سنة و في كل عام في الغنائم و الفوائد و لاحظ، ما رواه علي بن مهزيار أيضا «6» فان المستفاد من هذا الحديث انه يجب علي الشيعة الخمس

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب ما يجب فيه

الخمس الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 15

(5) لاحظ ص: 53

(6) لاحظ ص: 53

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 56

بل الاحوط الاقوي تعلقه بكل فائدة مملوكة له كالهبة و الهدية، و الجائزة (1) و المال الموصي به و نماء الوقف الخاص أو العام،

______________________________

بعد المئونة و لاحظ، ما رواه حفص بن البختري «1» فان هذا الحديث يستفاد منه انه يجب علي الشيعة دفع خمس ما يأخذه من الناصب.

و علي تقدير المعارضة يكون الترجيح مع دليل الوجوب اولا لموافقته مع الكتاب قال اللّه تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «2» فان مقتضي اطلاق الاية الكريمة وجوب الخمس في كل فائدة، ثانيا لمخالفة دليل الوجوب مع العامة حيث انهم لا يقولون بوجوب الخمس في الارباح، ثالثا للأحدثية فان ما يدل علي الوجوب أحدث بالنسبة الي ما يدل علي التحليل.

اضف الي ذلك انه يمكن أن يقال: ان عدم وجوب اداء الخمس و تحليله للشيعة ينافي ملاك جعله اذ جعله علي ما يظهر من النص في مقابل الزكاة فان الزكاة لغير السادة من الفقراء، و اما الخمس فقد جعل لفقراء السادة فلو لم يكن واجبا علي الشيعة ادائه و الحال ان العامة لا يؤدون لعدم اعتقادهم بوجوبه، فمن اين يعيش فقراء السادات؟.

و يضاف الي ذلك كله ان السيرة جارية علي أخذه بين علماء الامامية، و لو لم يكن واجبا و كان حلالا لشاع و ذاع فالمتحصل من البحث ان الحق وجوب الخمس، و اللّه العالم.

(1) فان الهبة داخلة في اطلاق الاية الشريفة اذ عنوان

«ما غنمتم» يشمله

______________________________

(1) لاحظ ص: 6

(2) الانفال/ 41

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 57

______________________________

و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص منها ما رواه، علي بن مهزيار «1» فان قوله عليه السلام و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر يشمل الهبة.

لكن يمكن أن يقال: بأن التقييد بكونها خطيرا يدل بالمفهوم علي أن مالا يكون كذلك ليس فيه الخمس، لا من باب مفهوم الوصف حتي يقال. ان الوصف لا مفهوم له بل من باب مفهوم التحديد، فان الظاهر انه عليه السلام في مقام التحديد.

و منها: ما رواه سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير «2» فان قوله عليه السلام «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» يشمل الهبة و غيرها، و منها ما رواه الاشعري «3» فان المكاتب، سئل عن جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب فأجاب عليه السلام بخطه «الخمس بعد المئونة».

و يمكن أن يقال: بأن هذه الرواية أقوي ظهورا في وجوب الخمس حتي في الهدية التي لا تكون خطيرة من تلك الرواية التي تدل علي عدم الوجوب بالمفهوم، و علي تقدير التعارض يكون المرجع اطلاق الكتاب، و لكن علي القول بالمفهوم لا تعارض اذ لا تعارض بين العام و الخاص و الدال علي عدم الوجوب في الهبة اليسيرة بالمفهوم أخص من ذلك العام فيخصصه، فلاحظ.

______________________________

(1) لاحظ ص: 53

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 6

(3) لاحظ ص: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 58

و الميراث الذي لا يحتسب (1)، و الظاهر عدم وجوبه في المهر و في عوض الخلع (2).

______________________________

و منها: ما

رواه محمد بن ادريس (في آخر السرائر) نقلا من كتاب محمد ابن علي بن محبوب عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كتبت اليه في الرجل يهدي اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو اكثر هل عليه فيها الخمس؟

فكتب عليه السلام الخمس في ذلك، و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب أما ما أكل فلا و أما البيع فنعم هو كسائر الضياع «1».

(1) اذ الميزان في ثبوت الخمس و وجوبه صدق الفائدة و لا اشكال في صدق هذا العنوان علي الموصي به، و علي نماء الوقف خاصا كان أو عاما كما أنه يصدق علي الميراث غاية الامر قام الدليل علي عدم وجوب الخمس في المحتسب منه فيبقي غيره تحت دليل الوجوب، لاحظ ما رواه علي بن مهزيار «2» فانه قد صرح بالوجوب في الميراث غير المحتسب.

(2) استدل سيدنا الاستاد علي عدم الوجوب في الموردين المذكورين بانه لا يصدق عنوان الفائدة علي المهر و عوض الخلع، اذ المهر بدل عن البضع فان المرأة تبذل نفسها بالمهر فلا تحصل لها فائدة كما ان المرء يبدل سلطنته علي زوجته باخذ عوض الخلع.

و يرد عليه: ان صدق عنوان الفائدة علي الموردين المذكورين يساعده

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 10

(2) لاحظ ص: 53

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 59

[(مسألة 25: الأحوط- إن لم يكن أقوي- إخراج خمس ما زاد عن مؤنته مما ملكه بالخمس، أو الزكاة، أو الكفارات، أو رد المظالم، أو نحوها]

(مسألة 25): الاحوط- ان لم يكن اقوي- اخراج خمس ما زاد عن مؤنته مما ملكه بالخمس، أو الزكاة، أو الكفارات،

أو رد المظالم، أو نحوها (1).

[مسألة 26: إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها، و قد أداه فنمت، و زادت زيادة منفصلة]

(مسألة 26): اذا كان عنده من الاعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها، و قد أداه فنمت، و زادت زيادة منفصلة، كالولد، و الثمر و اللبن، و الصوف، و نحوها، فما كان منفصلا، أو بحكم المنفصل- عرفا- فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة (2) بل الظاهر وجوبه في الزيادة المتصلة أيضا، كنمو الشجر و سمن الشاة اذا كانت للزيادة مالية عرفا (3) و اما اذا ارتفعت قيمتها السوقية- بلا زيادة عينية-

______________________________

الفهم العرفي، نعم لا يبعد جريان السيرة علي عدم دفع الخمس عن المهر و أما الالتزام بعدم الوجوب في عوض الخلع فيتوقف علي قيام اجماع تعبدي علي العدم، فلاحظ.

(1) لصدق الفائدة علي المذكورات و بعد تحقق الموضوع يترتب الحكم عليه طبعا، و أما ما روي ابن عبد ربه قال: سرح الرضا عليه السلام بصلة الي أبي فكتب اليه أبي هل علي فيما سرحت إلي خمس؟ فكتب اليه لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس «1» - فهر غير تام سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته فلاحظ.

(2) لصدق الفائدة عليها و المفروض انها موضوع وجوب الخمس فيجب.

(3) لعين الملاك فانه تصدق عليها الفائدة فيجب الخمس في تلك الزياده

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 60

فان كان الاصل قد اشتراه و أعده للتجارة وجب الخمس في الارتفاع المذكور (1) و ان لم يكن قد اشتراه لم يجب الخمس في الارتفاع (2).

______________________________

و ربما يقال: بأن النماء المتصل إن كان مثل المنفصل كالصوف و الثمرة فلا اشكال و الا يشكل صدق الفائدة كالسمن، و كيف كان علي القول بتعلق الخمس بالقسم

الثاني من النماء المتصل لا بد من الالتزام بالشركة في المالية اي صاحب الخمس شريك مع المالك في مالية العين.

(1) بتقريب انه يصدق انه ربح هذا المقدار و بعبارة اخري: المقصود في التجارة تحصيل الربح و ازدياد المال بلا خصوصية للأشخاص و لا اشكال في في أنه يصدق هذا العنوان في فرض ارتفاع القيمة و لو مع عدم البيع فيقال فلان ربح هذا المقدار فيجب خمس مقدار الزيادة و النتيجة الشركة في المالية.

(2) بتقريب ان المالية امر اعتباري و لم يزد في ماله شي ء خارجي فلا وجه لتعلق الخمس.

و يمكن ان يقال: انه لو اعده للتجارة و زادت ماليته فلما ذا لا يتعلق به الخمس و ما الفرق بين هذه الصورة و الفرع السابق؟ حيث أفتي بوجوب الخمس في الزيادة فيما يكون معدا للتجارة. الا أن يقال: ان الفارق الدليل الدال علي عدم وجوب الخمس في الارث و المفروض في المقام ان نفس الارث اعدت للتجارة فدليل عدم وجوب الخمس في الارث يقتضي عدم تعلقه به، لكن المفروض في جميع الاقسام العين التي لا يتعلق بها الخمس، فلو فرض انه اشتري فرشا و استفاد منه و صار مؤنة له ثم جعله مال التجارة و زادت قيمته لا يجب فيه الخمس كما لا يجب في الارث، نعم لو باعه يجب في المقدار الزائد.

الا ان يقال: ان كلام الماتن لا يشمل هذه الصورة و هو ناظر الي صورة اشتراء شي ء للتجارة، و كيف كان الذي يختلج بالبال أن يقال: اذا اشتري شيئا

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 61

و اذا باعه بالسعر الزائد لم يحب فيه الخمس في الزائد من الثمن كما اذا ورث من أبيه بستانا قيمته مأئة

دينار فزادت قيمته و باعه بمأتي دينار لم يجب الخمس في المائة الزائدة و ان كان قد اشتراه بمائة و لم يعده للتجارة فزادت قيمته و بلغت مائتي دينار لم يجب الخمس في زيادة القيمة (1) نعم اذا باعه بالمائتين وجب الخمس في المائة الزائدة و تكون من أرباح سنة البيع (2).

______________________________

بمال لا خمس فيه للتجارة يجب الخمس في زيادة القيمة و لا فرق بين صورتي البيع و عدمه كما في المتن، و الوجه فيه ان الملحوظ بالنسبة الي التاجر مقدار المالية و لا خصوصية للعين في نظره.

و اما لو جعل العين الموروثة مال التجارة كالحنطة الموروثة من أبيه فيفرق بين صورتي البيع و عدمه فانه لو لم تبع لا يتعلق بها الخمس لان الارث لا خمس فيه و اما ان باعها يجب الخمس في الزيادة لصدق الربح، و اما لو ملك شيئا بالاشتراء أو الحيازة أو غيرهما و لم يعده للتجارة فلا يتعلق به الخمس الا بعد البيع مع فرض زيادة القيمة اذ قبل البيع لا مقتضي للخمس و اما بعد البيع فلتحقق الربح الزائد.

(1) اذ المفروض ان المالية أمر اعتباري و العين الخارجية بحالها و بعبارة اخري:

لا يصدق الحصول علي فائدة جديدة و لذا لو لم يبع لا يجب الخمس و كذا لو بيع، و لكن يشكل بأنه لو باعه يصدق انه زاد في ماله فما دام لم يبع لا يجب اذ المفروض عدم تعلق الخمس بالعين لأجل كونه موروثا أو لغيره و اما بعد البيع فلا وجه لعدم تعلقه به اذ المفروض انه ربح و لا يشمله دليل عدم وجوب الخمس في الارث.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات

قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 61

(2) بدعوي انه يصدق انه ربح في هذه المعاملة هذا المقدار فيجب الخمس

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 62

فاقسام ما زاد قيمته:

الاول: ما يجب فيه الخمس في الزيادة، و ان لم يبعه، و هو ما اشتراه للتجارة.

الثاني: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، و ان باعه بالزيادة و هو ما ملكه بالارث و نحوه، مما لم يتعلق به الخمس بماله من المالية، و ان اعده للتجارة (1).

الثالث: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، الا اذا باعه، و هو ما ملكه بالشراء، أو الهبة، و الحيازة و نحو ذلك، بقصد الاقتناء لا التجارة (2).

[مسألة 27: الذين يملكون الغنم يجب عليهم- في آخر السنة- اخراج خمس الباقي، بعد مؤنتهم]

(مسألة 27): الذين يملكون الغنم يجب عليهم- في آخر السنة- اخراج خمس الباقي، بعد مؤنتهم من نماء الغنم من الصوف، و السمن، و اللبن و السخال المتولدة منها، و اذا بيع شي ء من ذلك- في أثناء السنة- و بقي شي ء من ثمنه وجب اخراج خمسه أيضا، و كذلك الحكم في سائر الحيوانات، فانه يجب تخميس ما يتولد منها، اذا كان باقيا في آخر السنة بنفسه أو ثمنه (3).

______________________________

في الربح.

(1) بتقريب ان الارث لا يتعلق به الخمس فما دام كونه ارثا لا يجب فيه.

(2) بتقريب انه لا اشكال في حصول الربح غاية الامر قبل البيع لا يجب الخمس اذ المفروض ان العين لا يتعلق بها و اما بعد البيع فالتعلق علي القاعدة.

(3) ما افاده ظاهر واضح، فان كل فائدة زائدة علي مؤنة السنة يجب فيه الخمس

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 63

[مسألة 28: إذا عمر بستانا و غرس فيه نخلا و شجرا للانتفاع بثمره لم يجب اخراج خمسه]

(مسألة 28): اذا عمر بستانا و غرس فيه نخلا و شجرا للانتفاع بثمره لم يجب اخراج خمسه اذا صرف عليه مالا لم يتعلق به الخمس كالموروث أو مالا قد اخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو مالا فيه الخمس، كأرباح السنة السابقة و لم يخرج خمسه (1). نعم يجب عليه اخراج خمس المال نفسه (2). و أما اذا صرف عليه من ربح السنة- قبل تمام السنة- وجب اخراج خمس نفس تعمير البستان، بعد استثناء مؤنة السنة (3)، و وجب أيضا الخمس في نمائه المنفصل، أو ما بحكمه من الثمر، و السعف، و الاغصان اليابسة المعدة للقطع، بل في نمائه المتصل أيضا علي ما عرفت (4)، و كذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديدا في السنة الثانية و ان كان أصله من الشجر المخمس ثمنه مثل: (التال)

الذي ينبت فيقلعه و يغرسه (5)، و كذا اذا انبت جديدا لا بفعله، كالفسيل و غيره، اذا كان له مالية.

و بالجملة كل ما يحدث جديدا من الاموال التي تدخل في ملكه يجب

______________________________

و ما ذكر في هذه المسألة بعض مصاديق الكبري الكلية، فلاحظ.

(1) اذ المفروض انه لم يربح ربحا جديدا كي يتعلق به الخمس.

(2) اذ فرض انه ربح السنة السابقة و انه زاد فيجب فيه الخمس.

(3) لأنه ربح جديد و لم يصرف في المئونة فيجب فيه الخمس.

(4) و قد مر الكلام في تقريب الاستدلال عليه فلا وجه للإعادة.

(5) لأنه ربح جديد فيجب فيه الخمس و كون اصله من المخمس لا ينافي صدق الفائدة الجديدة عليه.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 64

اخراج خمسه في آخر سنته، بعد استثناء مؤنة سنته، و لا يجب الخمس في ارتفاع القيمة في هذه الصورة (1). نعم اذا باعه باكثر مما صرفه عليه من ثمن الفسيل و اجرة الفلاح، و غير ذلك وجب الخمس في الزائد، و يكون الزائد من ارباح سنة البيع (2)، و اما اذا كان تعميره بقصد التجارة بنفس البستان وجب الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في آخر السنة و ان لم يبعه كما عرفت (3).

[مسألة 29: اذا اشتري عينا للتكسب بها فزادت قيمتها في اثناء السنة، و لم يبعها غفلة، أو طلبا للزيادة، أو لغرض آخر ثم رجعت قيمتها في رأس السنة الي رأس مالها]

(مسألة 29): اذا اشتري عينا للتكسب بها فزادت قيمتها في اثناء السنة، و لم يبعها غفلة، أو طلبا للزيادة، أو لغرض آخر ثم رجعت قيمتها في رأس السنة الي رأس مالها فليس عليه خمس تلك الزيادة نعم اذا بقيت الزيادة الي آخر السنة، و لم يبعها من دون عذر و بعدها نقصت قيمتها فهو ضامن للخمس (4).

[مسألة 30: المئونة المستثناة من الأرباح]

(مسألة 30): المئونة المستثناة من الارباح، و التي لا يجب

______________________________

(1) الكلام فيه هو الكلام، فان الميزان في وجوب الخمس صدق الربح الجديد.

(2) لصدق الربح و انه في هذه المعاملة هذا المقدار.

(3) و التقريب هو التقريب فراجع.

(4) وجه التفريق بين الصورتين ان التأخير في الصورة الاولي باذن الشارع الاقدس، و لا يجب اخراج الخمس قبل مضي السنة فلا مقتضي للضمان، و اما بعد مضي السنة و استقرار الوجوب لو لم يخرج الخمس، يكون ضامنا اذ ليس له الولاية علي التأخير فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 65

فيها الخمس فيها أمران: مؤنة تحصيل الربح (1) و مؤنة سنته (2) و المراد من مؤنة التحصيل كل مال يصرفه الانسان في سبيل الحصول علي الربح، كأجرة الحمال، و الدلال و الكاتب، و الحارس، و الدكان، و ضرائب السلطان، و غير ذلك فان جميع هذه الامور تخرج من الربح، ثم يخمس الباقي. و من هذا القبيل ما ينقص من ماله في

______________________________

(1) الظاهر انه لا اشكال في مؤنة تحصيل الربح اذ لا يصدق الربح الا بعد استثناء ما صرف في تحصيله، مضافا الي جملة من النصوص «1» الدالة علي عدم تعلق الخمس الا بما زاد عن المئونة، لكن الحديث الاول مخدوش سندا بالاشعري، و الحديث الثاني بالنيسابوري، و الحديث الثالث يستفاد منه وجوب الخمس بعد

مؤنة الشخص، و المستفاد من الحديث الرابع، استثناء خصوص خراج السلطان.

فيشكل استثناء مؤنة تحصيل الربح علي الاطلاق، الا ان يقال، ان موضوع وجوب الخمس علي ما يظهر من النصوص الفائدة و الربح و الغنيمة و من الظاهر، انه لا يصدق الربح الا بعد اخراج مؤنة تحصيله كما هو ظاهر مضافا الي انه لا اشكال فيه و لا خلاف علي ما يظهر من كلام بعض الاصحاب.

اضف الي ذلك: انه لو قيل بالوجوب علي الاطلاق يلزم وجوبه حتي علي تقدير عدم الربح، بل يجب حتي في الصورة الخسارة و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

الا أن يقال بأنه: نلتزم بعدم تعلق الخمس في هذه الموردين، و أما في غيرهما فلا مانع من الالتزام بتعلقه.

(2) بلا اشكال فتوي و نصا.

______________________________

(1) لاحظ ص: 12 و 52 و 53

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 66

سبيل الحصول علي الربح كالمصانع، و السيارات، و آلات الصناعة، و الخياطة، و الزراعة، و غير ذلك فان ما يرد علي هذه من النقص باستعمالها أثناء السنة يتدارك من الربح، مثلا اذا اشتري سيارة بالفي دينار و آجرها سنة باربعمائة دينار، و كانت قيمة السيارة نهاية السنة من جهة الاستعمال الفا و ثمانمائة دينار لم يجب الخمس الا في المائتين و المائتان الباقيتان من المئونة (1) و المراد من مؤنة السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يصرفه في سنته، في معاش نفسه و عياله علي النحو اللائق بحاله، أم في صدقاته و زياراته، و هداياه و جوائزه المناسبة له، أم في ضيافه أضيافه، أم وفاء بالحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة، أو اداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ، أو

فيما يحتاج اليه من دابة و جارية، و كتب و أثاث، أو في تزويج اولاده و ختانهم و غير ذلك، فالمئونة كل مصرف متعارف له سواء أ كان الصرف فيه، علي نحو الوجوب، أم الاستحباب أم الاباحة، أم الكراهة (2) نعم لا بد في المئونة المستثناة من الصرف فعلا فإذا قتر علي نفسه لم يحسب له، كما انه اذا تبرع متبرع له بنفقته أو بعضها لا يستثني له مقدار التبرع من ارباحه بل

______________________________

(1) كما هو ظاهر فان المذكورات كلها مؤنة التحصيل.

(2) فان المئونة ما يحتاج اليها في الامور الدنيوية و الاخروية.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 67

يحسب ذلك من الربح الذي لم يصرف في المئونة (1)، و أيضا لا بد أن يكون الصرف علي النحو المتعارف، فان زاد عليه وجب خمس التفاوت (2)، و اذا كان المصرف سفها و تبذيرا لا يستثني المقدار المصروف، بل يجب فيه الخمس (3)، و الظاهر ان المصرف اذا كان راجحا شرعا لم يجب فيه الخمس و ان كان غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد، و الانفاق علي الضيوف ممن هو قليل الربح (4).

______________________________

(1) بتقريب انه الظاهر من الادلة، و يمكن تقريب الاستدلال علي المدعي بأن الظاهر من لفظ (بعد المئونة) الواقع في النصوص هو الزمان اي وجوب الخمس انما يتعلق و يتحقق في الزمان الواقع بعد المئونة و ان شئت قلت البعد الزماني لا يتصور الا بصرف المئونة.

و بعبارة اخري: البعدية الزمانية تلازم فعلية المئونة و صرفها، الا ان يقال ان الظاهر من الجمله في امثال المقام البعدية الرتبية كقوله تعالي «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ» * «1» و لا تنافي بين الالتزام بالبعدية الرتبية و الالتزام باشتراط الفعلية فان

الظاهر من المئونة ما يصرف و الخمس يتعلق بالزائد علي ما يصرف.

(2) بتقريب ان المئونة ما يلزم للإنسان و ما لا يكون متعارفا لا يكون مؤنة.

و بعبارة اخري: المئونة ما يحتاج اليها الشخص و لا يحتاج الي أمر غير متعارف كما هو ظاهر.

(3) كما هو ظاهر فان الامر السفهي لا يكون محتاجا اليه بل اللازم خلافه.

(4) اذ الامور الخيرية التي يمكن التقرب بها من اللّه تعالي يحتاج اليها كل

______________________________

(1) النساء/ 11

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 68

[مسألة 31: رأس سنة المئونة وقت ظهور الربح]

(مسألة 31): رأس سنة المئونة وقت ظهور الربح (1) و من الجائز

______________________________

مكلف فلا معني للتقدير فيها، فكما انه لا معني لان يقال هذا المقدار من الصلاة و الصوم محتاج اليه لا أزيد من ذلك كذلك في بقية الامور القابلة للقرب، و صفوة القول ان المكلف محتاج الي الوسائل القربية فاي مقدار فرض منها لا يكون خارجا عن شأنه بل مطابق لشأنه، و اللّه العالم.

(1) وقع الكلام بين الاعلام في أن مبدء السنة حين حصول الربح او المبدأ حين الشروع في الاكتساب بالنسبة الي الكاسب و ظهور الربح بالنسبة الي غيره الذي يحصل له ربح اتفاقا، اختار الماتن القول الاول بتقريب ان المشتق و ما في حكمه من الجوامد ظاهر في الفعلية، و الوارد في النصوص عنوان المئونة، و المفروض ان موضوع الخمس تحقق الربح، فكل شي ء صدق عليه عنوان المئونة الفعلية بعد ظهور الربح يكون داخلا في النصوص المشار اليها، و أما ما يكون مؤنة لما قبل ظهور الربح فلا، و علي فرض الشك يكون الامر كذلك اذ في المخصص المنفصل المجمل يقتصر علي القدر المعلوم، و المقدار المعلوم من دليل الاستثناء ما يكون مؤنة بعد ظهور الربح.

و يمكن

ان يقال: ان التعارف الخارجي في الكاسب و التاجر و الصانع جعل مبدء السنة الشروع في العمل و هو الظاهر من حديثي علي بن مهزيار و الهمداني «1» فان الظاهر من المئونة، مؤنة السنة و مع لحاظ التعارف الخارجي يفهم العرف ان المبدأ هو الشروع في العمل.

و اما حديث ابن أبي نصر- قال كتبت الي أبي جعفر عليه السلام: الخمس اخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة «2» فهو مطلق يشمل

______________________________

(1) لاحظ ص: 53

(2) الوسائل الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 69

ان يجعل الانسان لنفسه رأس سنة فيحسب مجموع وارداته في آخر السنة و ان كانت من انواع مختلفة، كالتجارة، و الاجارة، و الزراعة، و غيرها. و يخمس ما زاد علي مؤنته، كما يجوز له ان يجعل لكل نوع بخصوصه رأس سنة، فيخمس ما زاد عن مؤنته في اخر تلك السنة (1).

______________________________

الكاسب و غيره فبالنسبة الي التاجر و الكاسب يحمل علي ما هو المتعارف و أما بالنسبة الي من يربح اتفاقا فيحمل علي المئونة بعد ظهور الربح.

ان قلت: يلزم التفكيك في مبدأ عام الربح. قلت: لم يرد في الدليل هذا العنوان، و انما الوارد فيه عنوان المئونة و المراد منها مؤنة السنة و تختلف هذا العنوان باختلاف المورد فبالنسبة الي التاجر و الصانع يصح جعل سنة الربح من اول الشروع في العمل و اما بالنسبة الي من يحصل له الربح اتفاقا، فلا يصدق الا بعد ظهور الربح.

و لا يخفي: ان المتعارف الخارجي بالنسبة الي غير الكاسب جعل مبدء السنة بعد ظهور الربح في العام الاول و اما في الاعوام الآتية فيحاسبون حسابهم و يجعلون مبدأ

السنة بحساب مبدء السنة الاولي، مثلا لو حاسب حساب خمسه اول المحرم يكون مبدأ سنة اوله في كل عام.

(1) ذهب سيدنا الاستاد الي جواز كلا القسمين و عدم تعين احدهما، بتقريب ان المستفاد من دليل الخمس ان كل ربح يتعلق به الخمس غاية الامر الشارع الاقدس أرفق و اجاز في التأخير فكل ما يبقي من الربح يجب فيه الخمس.

و بعبارة اخري: وجوب الخمس متعلق بما زاد عن المقدار المصروف في

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 70

______________________________

المئونة فكل ربح بنفسه له سنة و موضوع للخمس فيجوز جعل رأس سنة لكل ربح كما انه يجوز جعل رأس السنة للمجموع من حيث المجموع اذ لا اشكال في تعلق الخمس بكل ربح و لا اشكال في جواز تخميس كل ربح فورا و قبل مضي السنة و لا دليل علي تعين القسم الثاني، و قوله عليه السلام في حديث علي مهزيار «1» «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام»، لا يدل علي لزوم احتساب الكل موضوعا واحدا و اعتبار الحول للمجموع من حيث المجموع فان الحديث ناظر الي التفرقة بين الغنائم و غيرها حيث انه عليه السلام اكتفي بنصف السدس في سنته، فاما الغنائم فيجب فيها الخمس في كل عام فلا نظر الي جعل الكل ملحوظا و اعتبار الحول له، فلا يستفاد المدعي من الحديث.

فالنتيجة جواز كل واحد من الطريقين، هذا ملخص ما أفاده حسب تقرير مفرر بحثه «2».

و يرد عليه: انه كيف يمكن الالتزام بوجوب الخمس في كل ربح مع الالتزام بأن متعلق الخمس ما زاد عن المقدار المصروف.

و بعبارة اخري: تارة نقول بأن الخمس متعلق بكل ربح بلا تقيده بقيد غاية الامر لا يجب الا في

المقدار الزائد و علي هذا التقدير لا مانع من الالتزام بتعلقه بكل ربح و اخري نقول بأن متعلق الخمس من اول الامر المقدار الزائد فكل مقدار يصرف في علم اللّه يكون خارجا عن موضوع الخمس و علي هذا التقدير كيف يمكن الالتزام بتعلق الخمس بتمام الربح و تخميسه قبل مضي سنته، فلا مورد للتخيير بل لا بد من اختيار احد الوجهين، و الظاهر ان الوجه الثاني هو الصحيح.

______________________________

(1) لاحظ ص: 53

(2) مستند العروة كتاب الخمس ص: 239

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 71

[مسألة 32: إن من كان بحاجة إلي رأس مال، لإعاشة نفسه و عياله فحصل علي مال لا يزيد علي مؤنة سنته، بحيث لو صرفه فيها لم يزد عليها]

(مسألة 32): ان من كان بحاجة الي رأس مال، لإعاشة نفسه و عياله فحصل علي مال لا يزيد علي مؤنة سنته، بحيث لو صرفه فيها لم يزد عليها، فالظاهر أنه من المئونة، فيجوز اتخاذه رأس مال، و الا تجاربه لإعاشة نفسه و عائلته من ارباحها (1) فان زاد الربح علي

______________________________

و يمكن الاستدلال عليه بقيام السيرة عليه و بالتعارف الخارجي و لا يبعد أن يستفاد المدعي من بعض النصوص لاحظ ما رواه ابن مهزيار «1» فانه عليه السلام قال في ذيل الحديث «اذا امكنهم بعد مؤنتهم» و المفروض ان المراد بالمئونة مؤنة السنة فلو فرض ان شخصا له انواع من الامتعة و له صنائع و ضياع يكون مصداقا لكلامه عليه السلام فيحسب مجموع ارباحه طول السنة، فاذا امكنه الاداء بعد استثناء المئونة يجب عليه و إلا فلا.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديث علي بن مهزيار «2» فانه يستقاد من الحديث وجوب التخميس كل عام لا كل يوم و ساعة، فلاحظ.

اضف الي ذلك: انه لو كان الواجب جعل السنة لكل فائدة يلزم الحرج بلا اشكال، و صفوة القول ان التخيير لا يمكن، فلا بد من

تعين احد الامرين و جعل السنة لكل ربح مضافا الي كونه خلاف ظاهر الادلة كما مر يستلزم الحرج الشديد المنافي لكون الشريعة سهلة سمحة و اللّه العالم.

(1) فصل الماتن بين رأس المال الذي يعادل مؤنة السنة و بين الزائد علي هذا المقدار بأن اختار عدم الخمس في خصوص الاول بدعوي ان المال المصروف في المئونة لا خمس فيه و لا فرق في الصرف بين صرف نفس المال و بين ما يشتري

______________________________

(1) لاحظ ص: 53

(2) لاحظ ص: 53

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 72

المئونة خمس الزائد (1) و ان لم يزد عليها لم يجب عليه شي ء (2) و ان كان قد حصل علي ما يزيد علي مؤنة سنته جاز له أن يتخذ مقدار مؤنته من ذلك المال رأس مال له، يتجر به لإعاشة نفسه و عائلته، و لا يجب الخمس في ذلك المقدار حينئذ، و انما يجب في الباقي و فيما يزيد علي مؤنته من ارباح ذلك المال (3) و أما من لم يكن بحاجة الي اتخاذ

______________________________

به شي ء يصرف في المئونة و يمكن أن يقال بأنه لو صرفه في المئونة لا يجب الخمس لانتفاء موضوعه اذ المفروض عد الزيادة علي المئونة و أما لو جعلها رأس المال يصح أن يقال انه ربح كذا مقدار و بقي الربح الي آخر السنة و لم يصرف في المئونة.

و ان شئت قلت ما معني الحاجة الي رأس المال؟ فان كان المراد انه بحاجة في هذه السنة الي رأس المال فليس الامر كذلك لأنه يمكنه أن يصرفه في هذه السنة في مصارفه و لا حاجة الي رأس المال و ان كان المراد أنّه بحاجة الي جعله رأس المال بالنسبة الي السنوات الآتية

ففيه ان المستثني من وجوب الخمس مؤنة سنة الربح لا غيرها فالنتيجة وجوب الخمس مطلقا. ان قلت: يمكن ان يفرض الاحتياج الفعلي بحيث لو لم يجعله رأس المال و لم يشتغل بالكسب يهان عند الناس فالاحتياج فعلي. قلت: علي هذا لا وجه للتفصيل المذكور في المتن لان الميزان تحقق الضرورة و حفظ النفس عن السقوط عند الناس فلا يبعد أن يفصل في المقام بهذا النحو و اللّه العالم.

(1) اذ المفروض كونه زائدا علي مقدار المئونة فيجب فيه الخمس.

(2) لانتفاء موضوعه علي الفرض.

(3) قد علم الوجه فيه و توجه الاشكال عليه.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 73

رأس مال للتجارة، لإعاشة نفسه و عياله كمن كان عنده رأس مال بمقدار الكفاية، أو لم يكن محتاجا في اعاشته و عائلته الي التجارة لم يجز له أن يتخذ من أرباحه رأس مال للتجارة من دون تخميس، بل يجب عليه اخراج خمسه أولا ثم اتخاذه رأس مال له (1) و في حكم رأس المال ما يحتاجه الصانع من آلات الصناعة، و الزارع من آلات الزراعة (2) فقد يجب اخراج خمس ثمنها و قد لا يجب، فان وجب اخراج خمس ثمنها و نقصت آخر السنة تلاحظ القيمة آخر السنة (3).

[مسألة 33: إذا نقص رأس ماله- اثناء السنة- جاز تكميله بجبره من أرباح سنته]

(مسألة 33): اذا نقص رأس ماله- اثناء السنة- جاز تكميله بجبره من ارباح سنته (4) و لا يجوز جبره بارباح السنين الآتية، و كذلك الحال في النقص الوارد علي المصانع و السيارات، و آلات الصنائع، و غير ذلك مما يستعمل في سبيل تحصيل الربح، فان النقص الوارد عليها يجبر من ربح السنة، و لا يجبر من أرباح السنين الآتية (5).

______________________________

(1) لعدم صدق المئونة عليه فيجب فيه الخمس.

(2) الكلام فيه هو الكلام.

(3) اذ

المفروض ان الثمن لم يخمس و الحال انه موضوع الخمس فلا بد من ملاحظة القيمة و الظاهر لزوم تقويمها غير ناقصة اذ المفروض عدم كونها من المئونة فاستعمالها لا يكون محتاجا اليه فلاحظ.

(4) اذ لا يصدق الربح الا علي المقدار الباقي بعد الجبر و هذا من فروع الاصل المتقدم الذي قد مر الاشكال فيه.

(5) لعدم الدليل علي الجواز و بعبارة اخري كل ربح موضوع للخمس

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 74

[مسألة 34: لا فرق في مؤنة السنة بين ما يصرف عينه، مثل المأكول و المشروب، و ما ينتفع به- مع بقاء عينه]

(مسألة 34): لا فرق في مؤنة السنة بين ما يصرف عينه، مثل المأكول و المشروب، و ما ينتفع به- مع بقاء عينه- مثل الدار، و الفرش و الاواني و نحوها من الالات المحتاج اليها، فيجوز استثناؤها اذا اشتراها من الربح، و ان بقيت للسنين الآتية (1) نعم اذا كان عنده شي ء منها، قبل الاكتساب لا يجوز استثناء قيمته، بل حاله حال من لم يكن محتاجا اليها (2).

[مسألة 35: يجوز إخراج المئونة من الربح]

(مسألة 35): يجوز اخراج المئونة من الربح، و ان كان له مال غير مال التجارة، فلا يجب اخراجها من ذلك المال. و لا التوزيع عليهما (3).

______________________________

و المفروض تحققه بهذا المقدار في السنة الفلانية و لا دليل علي جبران خسران غيرها بربحها فلاحظ.

(1) اذ الميزان صدق عنوان المئونة و بعد تحقق هذا العنوان يخرج عن تحت دليل الخمس و لا مقتضي لدخوله تحته بعد ذلك و بعبارة اخري كل ربح فيه الخمس الا ما صرف في المئونة و المفروض انه عنون بهذا العنوان و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و ان شئت قلت هذا الربح حين حدوثه لم يشمله دليل الوجوب و بقاء لا يكون فردا آخر للربح كي يشمله الدليل فالحق كما افاده.

(2) اذ المفروض ان الميزان بما يكون مؤنة بعد الاكتساب و لذا يكون لكل سنة حساب خاص بها فلاحظ. و علي الجملة لا بد أن يصرف الربح في المئونة في سنة الربح فلو لم يصرف فيها يتعلق به الخمس.

(3) ربما يقال كما عن الأردبيلي قدس سره انه يختص الجواز بصورة الاحتياج

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 75

[مسألة 36: إذا زاد ما اشتراه للمئونة]

(مسألة 36): اذا زاد ما اشتراه للمئونة من الحنطة، و الشعير، و السمن، و السكر و غيرها وجب عليه اخراج خمسه (1) اما المؤن التي يحتاج اليها- مع بقاء عينها اذا استغني عنها- فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، سواء كان الاستغناء عنها بعد السنة كما في حلي النساء الذي يستغني عنه في عصر الشيب، أم كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، بلا فرق بين ما كانت مما يتعارف اعدادها للسنين الآتية، كالثياب الصيفية و الشتائية عند انتهاء الصيف أو الشتاء في أثناء السنة،

______________________________

فلا يجوز في غيره

و ذكرت في وجه هذا المدعي امور:

الاول: ان دليل الخمس بعد المئونة سنده ضعيف و علي تقدير تماميته منصرف الي مورد الاحتياج و الاجماع و نفي الضرر يختصان بصورة الاحتياج.

الثاني: انه مقتضي الاحتياط.

الثالث: انه يلزم عدم وجوب الخمس في موارد كثيرة و هذا ينافي تشريع الخمس. و يرد علي الوجه الاول انه لا يكون ضعيفا سندا كما أن الانصراف الي صورة الاحتياج بمعني عدم وجود مال آخر لا نصدقه بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق و عموم الحكم لمورد يمكن الصرف من مال آخر. و يرد علي الوجه الثاني أن الاحتياط غير واجب غاية الامر كونه راجحا. و يرد علي الوجه الثالث انه لا محذور فيه و ملاكات الاحكام و جعلها علي طبقها بيد الشارع الاقدس و الميزان دلالة الادلة و مقتضاها الاطلاق و اما التوزيع فلا وجه له إلا رعاية قاعدة العدل و الانصاف و لا يرجع هذا التقريب الي محصل صحيح في المقام اذ مقتضي اطلاق الدليل هو الجواز كما افاده الماتن.

(1) اذ المفروض ان الزائد لا يكون مصداقا للمئونة فيجب فيه الخمس.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 76

و ما لم تكن كذلك (1).

[مسألة 37: إذا كانت الأعيان المصروفة في مؤنة السنة قد اشتراها من ماله المخمس فزادت قيمتها حين الاستهلاك في أثناء السنة]

(مسألة 37): اذا كانت الاعيان المصروفة في مؤنة السنة قد اشتراها من ماله المخمس فزادت قيمتها حين الاستهلاك في أثناء السنة لم يجز له استثناء قيمة زمان الاستهلاك بل يستثني قيمة الشراء (2).

______________________________

(1) اذ بعد تعنونه بعنوان المئونة خرج عن تحت دليل وجوب الخمس و بقاء لا يكون ربحا جديدا و قد تقدم الكلام حول هذه المسألة قريبا.

(2) بتقريب: ان المحتاج اليه كانت قيمته أقلّ فلا وجه لملاحظة الزيادة مع عدم دخلها في الاحتياج و في المقام شبهة و هي: انه

تارة يصرف الانسان مصارفه عن ربح السنة مع كونه واجدا لغيره و اخري يصرف من المال الذي لا خمس فيه أما في الصورة الاولي فلما مر من أن الخمس بعد المئونة فيجوز الصرف من ارباح السنة. و أما في الصورة الثانية فما الوجه في الاحتساب و استثناء المقدار من ارباح السنة.

و بعبارة اخري: المئونة ما يحتاج اليد و المفروض انه رفع حوائجه أو مقدارا منه من ذلك المال الذي أدي خمسه و أما جبران ذلك المقدار و أخذه من ربح السنة فلا وجه له ظاهرا لأنه لا يعد من حوائجه و صفوة القول: ان متعلق الخمس ما زاد علي المقدار المصروف في المئونة و المفروض انه صرف مؤنته من غير الربح و جبران المقدار المصروف ليس من مؤنته فما الوجه في الجبران؟.

الا أن يقال: ان السيرة جارية و العادة قاضية علي صرف المؤن المحتاج اليها من الارباح اما من عين الربح أو من مماثله من دين أو مال مخمس أو مالا خمس فيه بحيث يتحفظ علي رأس المال و يصرف من الارباح عينا أو مثلا فلا ربح.

مضافا الي انه لا يبعد أن يفهم العرف من قولهم عليهم السلام: «الخمس بعد المئونة» ان المقدار المصروف في المئونة خارج عن موضوع الخمس فكل مقدار

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 77

[مسألة 38: ما يدخره من المؤن كالحنطة و الدهن و نحو ذلك إذا بقي منه شي ء إلي السنة الثانية و كان أصله مخمسا لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته]

(مسألة 38): ما يدخره من المؤن كالحنطة و الدهن و نحو ذلك اذا بقي منه شي ء الي السنة الثانية و كان أصله مخمسا لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته (1) كما انه لو نقصت قيمته لا يجبر النقص من الربح (2).

[مسألة 39: إذا اشتري بعين الربح شيئا فتبين الاستغناء عنه وجب إخراج خمسه]

(مسألة 39): اذا اشتري بعين الربح شيئا فتبين الاستغناء عنه وجب اخراج خمسه (3) و الاحوط استحبابا مع نزول قيمته عن رأس المال مراعاة رأس المال (4) و كذا اذا اشتراه عالما بعدم الاحتياج اليه كبعض الفرش الزائدة و الجواهر المدخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة و البساتين و الدور التي يقصد الاستفادة ببنائهما فانه لا يراعي في الخمس رأس مالها بل قيمتها و ان كانت أقلّ منه (5) و كذا اذا اشتري الاعيان المذكورة بالذمة ثم و في من الربح لم يلزمه الاخمس قيمة العين

______________________________

صرفه في مؤنته يجوز له اخراجه و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين أن يصرف من عين الربح أو من محل آخر بحيث يصدق ان هذا المقدار صرف في مؤنته.

(1) لعدم حدوث ربح جديد و الزيادة في المالية أمر اعتباري و قد مر الكلام حول هذه المسألة في مسألة زيادة القيمة.

(2) لعدم المقتضي للجبران فانه ليس من حوائجه و مؤن سنته فلاحظ.

(3) اذ المفروض كونه زائدا علي المئونة فيجب فيه الخمس و المفروض ان المكلف يجوز له التصرف في الربح قبل مضي السنة.

(4) لا اشكال في حسن الاحتياط.

(5) اذ المفروض جواز معاملته و تصرفه في الربح فالخمس متعلق بالعين و الميزان

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 78

آخر السنة (1) و ان كان الاحوط استحبابا في الجميع ملاحظة الثمن (2).

[مسألة 40: من جملة المؤن مصارف الحج واجبا كان أو مستحبا]

(مسألة 40): من جملة المؤن مصارف الحج واجبا كان أو مستحبا (3) و اذا استطاع في اثناء السنة من الربح و لم يحج و لو عصيانا وجب خمس ذلك المقدار من الربح و لم يستثن له (4) و اذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية (5)

فان بقيت الاستطاعة بعد اخراج الخمس وجب الحج و الا فلا (6) أما الربح المتمم للاستطاعة في سنة الحج فلا خمس

______________________________

بالقيمة الفعلية.

(1) الكلام فيه هو الكلام فانه يجوز له الوفاء فيكون متعلق الخمس العين المشتراة و لقائل أن يقول: انه مع العلم بعدم الاحتياج كيف يتصرف في متعلق الخمس و يجاب عن الاشكال بأن الربح بتمامه ليس متعلقا للخمس و من ناحية اخري انه يجوز للمالك التأخير في الاداء و التصرف في الربح قبل مضي السنة فلا اشكال.

(2) فانه لا اشكال في حسنه اذ يحتمل لزوم رعاية جانب الخمس و اللّه العالم.

(3) بلا اشكال فان مصارفه من المئونة أما في الواجب فواضح غايته و أما في المستحب منه فلانه قد مر ان كل شخص محتاج الي الوسائل الاخروية بلا فرق بين الافراد و قلنا: انه لا مجال للتفريق بين الشأنية و عدمها فراجع.

(4) اذ المفروض انه لم يصرف في المئونة و الميزان بالصرف الفعلي.

(5) لعين الملاك فان موضوع الوجوب قد تحقق علي الفرض و لم يصرف في المئونة.

(6) كما هو ظاهر.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 79

فيه (1) نعم اذا لم يحج و لو عصيانا وجب اخراج خمسه (2).

[مسألة 41: إذا حصل لديه أرباح تدريجية]

(مسألة 41): اذا حصل لديه أرباح تدريجية فاشتري في السنة الاولي عرصة لبناء دار و في الثانية خشبا و حديدا و في الثالثة آجرا مثلا و هكذا لا يكون ما اشتراه من المؤن المستثناة لتلك السنة لأنه مؤنة للسنين الآتية التي يحصل فيها السكني فعليه خمس تلك الاعيان (3).

[مسألة 42: إذا آجر نفسه سنين كانت الاجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الاجارة من أرباحها]

(مسألة 42): اذا آجر نفسه سنين كانت الاجرة الواقعة بازاء عمله في سنة الاجارة من أرباحها و ما يقع بازاء العمل في السنين الآتية من أرباح تلك السنين و أما اذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع و وجب فيه الخمس بعد المئونة و بعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد علي البستان من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدة الباقية بعد انتهاء السنة مثلا: اذا كان له بستان يسوي ألف دينار فباع ثمرته عشر سنين بأربعمائة دينار و صرف منها في مؤنته مأئة دينار فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار لم يجب الخمس في تمامه بل لا بد من استثناء مقدار يجبر به النقص الوارد علي البستان

______________________________

(1) لفرض صرفه في المئونة.

(2) قد ظهر الوجه فيه.

(3) الظاهر ان الامر كما أفاده اذ المفروض ان ما يكون مصداقا للمئونة دار السكني و الامور المذكورة مقدمات لتحققها فحصول الربح مسلم و لم يصرف في مؤنة سنة الربح فيجب فيه الخمس.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 80

من جهة كونه مسلوب المنفعة تسع سنين (1) فاذا فرضنا أنه لا يسوي كذلك بأزيد من ثمانمائة دينار لم يجب الخمس الا في مأئة دينار فقط (2) و بذلك يظهر الحال فيما اذا آجر داره مثلا سنين متعددة.

[مسألة 43: إذا دفع من السهمين أو أحدهما ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها]

(مسألة 43): اذا دفع من السهمين أو أحدهما ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها فان كان ما دفعه من أرباح هذه السنة حسب المدفوع من الارباح و وجب اخراج خمس الجميع (3).

[مسألة 44: أداء الدين من المئونة]

(مسألة 44): اداء الدين من المئونة سواء أ كانت الاستدانة في سنة الربح أم فيما قبلها تمكن من ادائه قبل ذلك أم لا (4) نعم اذا

______________________________

(1) لم يظهر لي وجه الفرق بين الاجارة و البيع فان الميزان بحصول الربح فلو حصل جميع الربح في السنة الاولي يكون الحاصل متعلقا للخمس. و يمكن أن يكون وجه الفرق بين المقامين ان أخذ المال في مقابل الدين لا يكون مصداقا للربح و حيث ان المؤجر و ان كان آخذا لإجارة الاعمال المعلقة بالسنين الآتية في هذه السنة لكن المفروض انه مدين فلا يصدق نه رابح و لذا لو استدان احد مقدارا طائلا من المال لا يجب عليه الخمس لان الدين ليس ربحا بخلاف البيع اذ المفروض ان البائع للثمرة ليس مديونا بل حصل له ما باعه.

(2) اذ المفروض ان موضوع الخمس الربح و الربح بعد جبران الخسران لا يكون أزيد من هذا المقدار و مما ذكرنا يظهر الحال في اجارة الاعيان فان الكلام فيها هو الكلام فلاحظ.

(3) اذ لو كان المدفوع من الارباح لا بد من ملاحظته مع بقية أرباح سنته فمع تحقق الموضوع و شرائطة يجب تخميس المجموع.

(4) بلا اشكال فان ادائه من أظهر انواع المئونة بلا فرق بين أقسام الديون.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 81

لم يؤد دينه الي ان انقضت السنة وجب الخمس من دون استثناء مقدار وفاء الدين (1) الا أن يكون لمؤنة السنة (2) و بعد ظهور الربح فاستثناء مقداره

من ربحه لا يخلو من وجه (3) و لا فرق فيما ذكرنا بين الدين العرفي و الشرعي كالخمس و الزكاة و النذر و الكفارات و كذا في مثل اروش الجنايات و قيم المتلفات و شروط المعاملات فانه ان اداها من الربح في سنة الربح لم يجب الخمس فيه و ان كان حدوثها في السنة السابقة (4) و الا وجب الخمس و ان كان عاصيا بعدم ادائها (5).

[مسألة 45: إذا اشتري ما ليس من المئونة بالذمة أو استدان شيئا لإضافته الي رأس ماله و نحو ذلك]

(مسألة 45): اذا اشتري ما ليس من المئونة بالذمة أو استدان شيئا لإضافته الي رأس ماله و نحو ذلك مما يكون بدل دينه موجودا و لم يكن من المئونة لم يجز له اداء دينه من أرباح سنته بل يجب

______________________________

(1) اذ المفروض ان الخارج ما يكون مؤنة بالفعل و المفروض عدم اداء الدين فلا يجب.

(2) اذ يمكن أن يقال: انه لا يصدق الربح مع الدين لأجل المئونة مضافا انه قد مر أن المقدار المصروف في المئونة خارج عن موضوع وجوب الخمس.

(3) هذا مبني علي مذهبه من جعل مبدأ السنة ظهور الربح و قد مر ما فيه و لا اشكال في أن المتعارف الخارجي بين الناس ليس كذلك فان كل كاسب و صانع و تاجر يحاسب حساب خمسه في أول كل سنة و لا يلاحظ ظهور الربح.

(4) اذ الميزان ما يحتاج اليه و كونه من المئونة و لا فرق فيه بين الاقسام المذكورة.

(5) اذ المفروض عدم تحقق الخارجي فلا أثر له.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 82

عليه التخميس و اداء الدين من المال المخمس أو من مال آخر لم يتعلق به الخمس (1).

[مسألة 46: إذا اتجر برأس ماله مرارا متعددة في السنة فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت و ربح في الآخر]

(مسألة 46): اذا اتجر برأس ماله مرارا متعددة في السنة فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت و ربح في الاخر فان كان الخسران بعد الربح أو مقارنا له يجبر الخسران بالربح فان تساوي الخسران و الربح فلا خمس (2) و ان زاد الربح وجب الخمس في الزيادة (3) و ان زاد الخسران علي الربح فلا خمس عليه و صار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة و أما اذا كان الربح بعد الخسران فالاحوط ان لم يكن اقوي عدم الجبر

(4) و يجري الحكم المذكور فيما اذا وزع رأس ماله علي تجارات متعددة كما اذا اشتري ببعضه حنطة و ببعضه سمنا فخسر في أحدهما و ربح في الاخر و كذا الحكم فيما اذا تلف بعض رأس المال او صرفه في نفقاته بل

______________________________

(1) لعدم المقتضي للجواز اذ المفروض ان ما اشتراه لا يكون من المئونة فلا وجه لحسابه منها.

(2) لعدم صدق الربح مع الخسران فلا يتحقق موضوع وجوب الخمس.

(3) كما هو ظاهر لتحقق موضوع الوجوب علي الفرض.

(4) الظاهر ان الوجه فيه انه يري مبدأ السنة حين ظهور الربح فالخسارة الواقعة قبل ظهوره لا تجبر به و الكلام مبني علي تلك المسألة و قد تقدم ان الاظهر خلاف ما بني عليه فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 83

اذا أنفق من ماله غير مال التجارة في مؤنته بعد حصول الربح جاز له أن يجبر ذلك من ربحه و ليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها و انما عليه خمس الزائد لا غير و كذلك حال أهل المواشي فانه اذا باع بعضها لمؤنته أو مات بعضها أو سرق فانه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل له قبل ذلك ففي آخر السنة يجبر النقص الوارد علي الامهات بقيمة السخال المتولدة فانه يضم السخال الي أرباحه في تلك السنة من الصوف و السمن و اللبن و غير ذلك فيجبر النقص و يخمس ما زاد علي الجبر فاذا لم يحصل الجبر الا بقيمة جميع السخال مع أرباحه الاخري لم يكن عليه خمس في تلك السنة (1).

[مسألة 47: إذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة و الزراعة فربح في احدهما و خسر في الآخر]

(مسألة 47): اذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة و الزراعة فربح في احدهما و خسر في الاخر ففي جبر الخسارة بالربح اشكال و الاحوط عدم الجبر

(2).

[مسألة 48: إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب]

(مسألة 48): اذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب

______________________________

(1) لوحدة الملاك و الميزان الكلي صدق الربح و عدم الصرف في المئونة ففي كل مورد تحقق مصداق هذه الكبري الكلية يترتب عليه وجوب الخمس فلاحظ.

(2) وجه الاشكال انه مع تعدد العنوان يكون لكل واحد من العنوانين حساب خاص و سنة مستقلة و لكن الظاهر انه لا وجه للإشكال لان الميزان بتحقق الربح و عدمه و لا فرق بين الموارد من هذه الجهة فان كان رابحا في آخر السنة يجب و الا فلا.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 84

و لا من مؤنته ففي الجبر حينئذ اشكال و الاظهر عدم الجبر (1).

[مسألة 49: إذا انهدمت دار سكناه أو تلف بعض أمواله مما هو من مؤنته]

(مسألة 49): اذا انهدمت دار سكناه أو تلف بعض أمواله مما هو من مؤنته كأثاث بيته أو لباسه أو سيارته التي يحتاج اليها و نحو ذلك ففي الجبر من الربح اشكال و الاظهر عدم الجبر (2) نعم يجوز له تعمير داره و شراء مثل ما تلف من المؤن أثناء سنة الربح و يكون ذلك من التصرف في المئونة المستثناة من الخمس (3).

[مسألة 50: يحرم الاتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس]

(مسألة 50): يحرم الاتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس (4) و اذا اتجر بها فالظاهر الصحة اذا كان طرف المعاملة مؤمنا و ينتقل الخمس الي البدل (5).

[مسألة 51: إذا أتلف المالك أو غيره المال ضمن المتلف]

(مسألة 51): اذا أتلف المالك أو غيره المال ضمن المتلف

______________________________

(1) اذ المفروض ان التلف ليس من مال التجارة فيصدق عنوان الربح في التجارة و ان كان خاسرا من ناحية اخري و لا وجه للجبران.

(2) لما تقدم آنفا.

(3) لأنه من مؤنته.

(4) اذ لا وجه للتصرف في المال المشترك بلا دليل مجوز.

(5) استدل علي مدعاه بحديثين احدهما ما رواه أبو خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال، قال رجل و أنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع أبو عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق انما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحي و ما يولد منهم الي يوم القيامة فهو

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 85

الخمس (1) و رجع عليه الحاكم (2) و كذا الحكم اذا دفعه المالك الي غيره وفاء لدين أو هبة أو عوضا لمعاملة فانه ضامن للخمس و يرجع الحاكم عليه و لا يجوز الرجوع علي من انتقل اليه المال اذا كان مؤمنا (3) و اذا كان ريحه حبا فبذره فصار زرعا وجب خمس الحب

______________________________

لهم حلال أما و اللّه لا يحل الا لمن أحللنا له و لا و اللّه ما أعطينا احدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد (هوادة) و لا لأحد عندنا ميثاق «1».

ثانيهما: ما رواه يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه

رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم «2».

بتقريب: ان المستفاد من الحديثين ان الواصل الي أيدي الشيعة اذا كان فيه الخمس يحل لهم و مقتضي اطلاق الحديثين عدم الفرق بين كون المأخوذ منه شيعيا أو غير شيعي فالحكم عام. و لكن الاشكال في الحديثين من حيث السند فان الحديث الاول مخدوش بأبي خديجة و الحديث الثاني مخدوش بمحمد بن سنان في بعض اسناده و بحكم بن مسكين في بعضها الاخر فتكون المعاملة بالنسبة الي مقدار الخمس فضوليا فلاحظ و يتعرض الماتن لهذه الجهة في مسألة: 71 مبسوطا فانتظر.

(1) لقاعدة من أتلف.

(2) لان الحاكم ولي الخمس و أمره راجع اليه.

(3) بدعوي انهم عليهم السلام اباحوا لشيعتهم و قد مر الكلام في المسألة السابقه

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الانفال الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 86

لا خمس الزرع و اذا كان بيضا فصار دجاجا وجب عليه خمس البيض لا خمس الدجاج و اذا كان ربحه أغصانا فغرسها فصارت شجرا وجب عليه خمس الشجر لا خمس الغصن فالتحول اذا كان من قبيل التولد وجب خمس الاول و اذا كان من قبيل النمو وجب خمس الثاني (1).

[مسألة 52: إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثم انكشف أن ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه]

(مسألة 52): اذا حسب ربحه فدفع خمسه ثم انكشف ان ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه لم يجز له احتساب الزائد مما يجب عليه في السنة التالية (2) نعم يجوز له أن يرجع به علي الفقير مع بقاء عينه (3) و كذا مع تلفها اذا كان عالما

بالحال (4).

______________________________

حول هذه الجهة و يقع البحث فبها مبسوطا تبعا للماتن في مسألة: 71.

(1) لم يظهر لي وجه التفصيل و الذي يختلج بالبال عاجلا عدم الفرق و علي جميع التقادير يتعلق الخمس بالصورة المتحققة ثانيا اذ المفروض ان الخمس في العين فمقتضي القاعدة ثبوته في المتحول اليه فلاحظ.

(2) لعدم دليل علي الجواز و مقتضي القاعدة الاولية عدمه اذ المفروض ان تعلق الخمس وضعا و تكليفا متأخر و الامتثال متأخر رتبة عن التكليف فلا يكون ما صدر عنه سابقا مصداقا للمأمور به و المفروض انه لا دليل علي الكفاية.

(3) اذ مع بقائها تكون العين باقية في ملك مالكها و لم تنتقل الي الفقير فيجوز له الرجوع بالزائد.

(4) اذ مع علمه بالحال لا يجوز له التصرف فيما دفع اليه اذ المعطي دفعه بعنوان الخمس و الحال انه لا واقع له علي الفرض و أما اذا كان جاهلا فالظاهر ان وجه عدم ضمانه انه صار مغرورا من قبل الدافع لكن هل يصدق الغرور مع

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 87

[مسألة 53: إذا جاء رأس الحول و كان ناتج بعض الزرع حاصلا دون بعض]

(مسألة 53): اذا جاء رأس الحول و كان ناتج بعض الزرع حاصلا دون بعض فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته و يخمس بعد اخراج المؤن و ما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة نعم اذا كان له أصل موجود له قيمة أخرج خمسه في آخر السنة و الفرع يكون من أرباح السنة اللاحقة مثلا في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل و بعضه قصيل لا سنبل له وجب اخراج خمس الجميع و اذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها لا من أرباح السنة السابقة (1).

[مسألة 54: إذا كان الغوص و إخراج المعدن مكسبا كفاه اخراج خمسهما]

(مسألة 54): اذا كان الغوص و اخراج المعدن مكسبا كفاه اخراج خمسهما و لا يجب عليه اخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب (2).

______________________________

جهل الدافع و مع عدم صدق الغرور لا وجه لعدم الضمان اذ المفروض ان المال باق في ملك مالكه فمقتضي القاعدة ضمان الاخذ حتي في صورة الجهل الا فيما يصدق عنوان الغرور.

(1) الوجه فيما أفاده ان الحكم تابع للموضوع فكل موضوع يتحقق في الخارج مع قيوده يترتب عليه حكمه فالنتيجة ما أفاده من التفصيل و صفوة القول: ان ربح كل سنة يحسب من تلك السنة و هذا ظاهر فلاحظ.

(2) استدل علي المدعي بوجوه: الوجه الاول ان الظاهر من الادلة الواردة في العناوين الخاصة عدم وجوب خمس آخر فيها فلا يجب في المعدن و الغوص الا خمس واحد لاحظ الروايات في الباب 3 و 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل و تقدم بعضها في مبحث المعدن و الغوص.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 88

______________________________

و فيه: ان المستفاد من تلك الادلة تعلق الخمس بتلك العناوين و لا تعرض فيها من جهة

أخري و بعبارة اخري: اطلاق تلك الادلة مسوق لبيان أحكام العناوين بما هي لا من الجهات الاخر فلا مجال لان يقال: ان الظاهر من تلك الادلة ان الواجب ادائه خمس المال بذلك العنوان و الباقي ملك للدافع و هذا ينافي مع وجوب خمس آخر بعنوان ربح الكسب.

و بكلمة واضحة: الحق ان خمس الارباح يتعلق حين حدوث الربح غاية الامر بشرط عدم صرفه في مؤنة السنة و الحال ان الظاهر من ادلة خمس الغوص مثلا ان الباقي ملك للغواص. و صفوة القول: انه لا تنافي بين الدليلين فان مدلول احدهما غير مدلول الاخر فلا وجه لرفع اليد عن عن احدهما بل مقتضي القاعدة الاخذ بكلا الدليلين.

الوجه الثاني: ان المستفاد من دليل خمس الارباح ان موضوع الخمس الفائدة لا غير لاحظ ما رواه سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان الخمس انما يتعلق بالفائدة بما هي فائدة فما يخرج بالغوص مثلا بلحاظ كونه احد مصاديق الفائدة فليس فيه الاخمس واحد.

و فيه: ان غاية ما في الباب أن يستفاد من حديث سماعة عدم الوجوب بعنوان آخر من باب كونه عليه السلام في مقام التحديد لكن مقتضي الصناعة رفع اليد عن هذا الظهور بصراحة ادلة تلك العناوين في وجوبه بتلك العناوين.

الوجه الثالث: ما ذكره في تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 89

______________________________

الي المأموم قال: و الخمس من جميع المال مرة واحدة «1» فان مقتضي هذه الرواية عدم وجوب الخمس في المال إلا مرة واحدة.

و فيه: ان السند ضعيف بالارسال.

الوجه الرابع: ما روي عنهم عليهم السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي أن يحلف الناس علي صدقاتهم و قال: هم فيها مأمونون و نهي أن تثني عليهم في عام مرتين و لا يؤخذ بها في كل عام إلا مرة واحدة «2».

بدعوي شمول الصدقة للخمس. و فيه: اولا ان السند ضعيف و ثانيا: ان الحديث لا يرتبط بالخمس- كما هو ظاهر- و لا دليل علي العموم.

الوجه الخامس: انه اذا لم يكن الغوص مكسبا له و غاص و من باب الاتفاق اخرج لؤلؤة يلزم أن يقال: بوجوب الخمس متعددا في حقه و الحال انه مقطوع الخلاف فاذا لم نقل بوجوب التعدد فيه ففي غيره يكون الامر كذلك لعدم الفرق.

و فيه: انه علي تقدير القطع بعدم التعدد فيما لا يكون مكسبا له يتوقف الجزم بالعدم علي الاطلاق علي القطع بعدم الفرق بين هذا المورد و بقية الموارد و كيف يمكن اثبات هذا المدعي مضافا الي أنه كيف يمكن القطع بعدم الخمسين بالنسبة الي من لا يكون الغوص مكسبا له بل نقول يجب الخمسان حتي بالنسبة اليه.

و صفوة القول: ان مقتضي القاعدة و الصناعة الالتزام بالخمسين و لو فرض القطع بعدمهما بالنسبة الي من لا يكون الغوص مكسبا له فلا وجه لقياس بقية الموارد عليه و الضرورات تقدر بقدرها فعلي هذا لو تم المدعي بالإجماع و التسالم القطعي فهو و إلا فلا يمكن الالتزام بعدم الوجوب و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 13

(2) مستدرك الوسائل الباب 12 من أبواب زكاة الانعام الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 90

[مسألة 55: المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس إذا عال بها الزوج]

(مسألة 55): المرأة التي تكتسب

يجب عليها الخمس اذا عال بها الزوج و كذا اذا لم يعل بها الزوج و زادت فوائدها علي مؤنتها بل و كذا الحكم اذا لم تكتسب و كانت لها فوائد من زوجها أو غيره فانه يجب عليها في آخر السنة اخراج خمس الزائد كغيرها من الرجال و بالجملة يجب علي كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه و غيرها قليلا كان أم كثيرا و يخرج خمسه كاسبا كان أم غير كاسب (1).

[مسألة 56: الظاهر اشتراط البلوغ و العقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به الخمس]

(مسألة 56): الظاهر اشتراط البلوغ و العقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به الخمس من أرباح المكاسب و الكنز و الغوص و المعدن و الحلال المختلط بالحرام و الارض التي يشتريها الذمي من المسلم فلا يجب الخمس في مال الصبي و المجنون علي الولي و لا عليهما بعد البلوغ و الافاقة (2).

______________________________

(1) لتحقق الموضوع و مع تحققه يترتب عليه الحكم فان كل ربح و فائدة يجب فيه الخمس و المفروض في حقها انها تكتسب و لها فوائد و لا وجه لاستثناء المئونة اذ الميزان في اخراج المئونة ما يكون مؤنة بالفعل نعم لو صرفت في حوائجها من كسبها و امتنعت من صرف مال زوجها و كان مناسبا لشأنها لا يجب عليها و ملخص الكلام ان الميزان في الوجوب تحقق الموضوع و الا فلا يجب و هذا ظاهر.

(2) أما بالنسبة الي البلوغ فالحق ما افاده فان مقتضي رفع القلم عن غير البالغ علي الاطلاق عدم الفرق بين التكليف و الوضع لاحظ ما رواه عمار الساباطي عن عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة قال: اذا

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص:

91

______________________________

أتي عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم و الجارية مثل ذلك ان أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «1».

فان مقتضي مفهوم الشرطية عدم وضع القلم علي غير البالغ و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين التكليف و الوضع و أما بالنسبة الي غير العاقل فالجزم بالحكم مشكل فان مقتضي جملة من الروايات ان التكليف موقوف علي العقل لاحظ الروايات في الباب 3 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما خلق اللّه العقل استنطقه ثم قال له: اقبل فأقبل ثم قال له: ادبر فادبر ثم قال: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا هو احب إلي منك و لا أكملتك الا فيمن احب أما اني اياك آمر و اياك أنهي و اياك اعاقب و اياك اثيب «2».

و لكن المستفاد من هذه النصوص ان من لا يكون عاقلا لا يكون مكلفا و عدم التكليف لا ينافي الوضع، كما هو ظاهر نعم مقتضي حديث ابن ظبيان قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال علي عليه السلام: أما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتي يحتلم و عن المجنون حتي يفيق و عن النائم حتي يستيقظ «3»، رفع القلم عن المجنون علي الاطلاق.

لكن الرواية مخدوشة سندا فعليه لا بد من التفصيل بين البلوغ و العقل في المقام

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 12

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة

العبادات الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 92

[مسألة 57: إذا اشتري من أرباح سنته ما لم يكن من المئونة فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عينا أو قيمة]

(مسألة 57): اذا اشتري من أرباح سنته ما لم يكن من المئونة فارتفعت قيمته كان اللازم اخراج خمسه عينا أو قيمة فان المال حينئذ بنفسه من الارباح (1) و أما اذا اشتري شيئا بعد انتهاء سنته و وجوب الخمس في ثمنه فان كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضا عينا أو قيمة (2) و اما اذا كان اشتراه في الذمة- كما هو الغالب- و كان الوفاء به من الربح غير المخمس فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به (3) و لا يجب الخمس في ارتفاع قيمته

______________________________

فلا يجب علي غير البالغ بمقتضي رفع القلم عنه و عليه لا يجب علي وليه اخراج الخمس من ماله لعدم ثبوته في ماله كما أنه لا يجب عليه بعد البلوغ بالنسبة الي الربح الحاصل له قبل بلوغه اذ الربح الحاصل له قبل بلوغه لم يشمله الدليل حين حدوثه و بعد بلوغه لا يكون ربحا جديدا، و ان شئت قلت: ان مقتضي مجموع الادلة استثناء ارباح غير البالغ و أما بالنسبة الي غير العاقل فلا دليل علي الاستثناء الا أن يقال: ان المستفاد من حديث ابن مسلم رفع القلم علي الاطلاق فتأمل.

(1) الامر كما أفاده فان متعلق الخمس نفس العين فلا بد من ملاحظتها.

(2) حيث ان الماتن يري ان مقتضي اخبار التحليل صحة المعاملة و تعلق الخمس بالبدل و عليه لا بد من اخراج الخمس من نفس العين و أما علي المسلك الاخر تكون المعاملة بالنسبة الي مقدار الخمس فضوليا و تحتاج صحته الي اجازة الحاكم علي القول بصحة الفضولي مع اجازة من بيده الامر.

(3) حيث يري ان مقتضي

أخبار التحليل حلية التصرف و قد تعرض لمدعاه في (مسألة): 71 و نتعرض ان شاء اللّه لما يقتضيه الدليل هناك و أما علي المسلك الاخر فدفع الثمن الي البائع علي خلاف القاعدة فلا بد من علاجه اذ علي مقتضي المسلك

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 93

ما لم يبعه (1) و اذا علم أنه أدي الثمن من ربح لم يخمسه و لكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب الخمس في ارتفاع القيمة أيضا أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس الا بمقدار الثمن فقط فالاحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي (2).

______________________________

الاخر لا ينتقل الخمس الي ملك البائع فالمشتري مديون بالنسبة اليه.

(1) كما تقدم الكلام من هذه الجهة من أن ارتفاع القيمة في غير مال التجارة لا يوجب وجوب الخمس الا بعد البيع حيث انه لا يتحقق موضوع الوجوب الا بعده.

(2) لا اشكال في حسن الاحتياط و لكن يمكن أن يقال: ان مقتضي الصناعة كفاية دفع الاقل اذ مرجع الشك في الصورة المفروضة دوران الامر بين الاقل و الاكثر و مقتضي البراءة عن الزائد كفاية دفع الاقل.

ان قلت: يعلم اجمالا بأن الخمس اما متعلق بالعين و اما متعلق بالثمن و العلم الإجمالي منجز فلا بد من العلم بالبراءة. قلت: علي فرض تعلقه بالعين يكون المكلف مخيرا بين ادائه من نفس العين و بين ادائه بذلك المقدار فالذي علم بوجوبه و ثبوته هو الجامع فلا يكون متعلق العلم الإجمالي أمرين متباينين بل الجامع معلوم و الاصل يقتضي البراءة عن الزائد الا أن يقال بأن الامر دائر بين تعلق الخمس بالعين و تعلقه بالثمن و من الواضح انهما متباينان فيجب الاحتياط و مجرد جواز دفع القيمة عن العين لا يدخل

المقام في الاقل و الاكثر فلا مناص من الاحتياط و جواز المصالحة مع الحاكم بحيث لا يعمل علي طبق الاحتياط التام مشكل اذ مقتضي الاستصحاب عدم وصول الحق الي ذيه و لا يبعد أن يقال: ان المقام داخل في الموارد التي تتميز بالقرعة و اللّه العالم.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 94

[مسألة 58: إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين و قد ربح فيها و استفاد أموالا]

(مسألة 58): اذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين و قد ربح فيها و استفاد أموالا و اشتري منها أعيانا و اثاثا و عمر ديارا ثم التفت الي ما يجب عليه من اخراج الخمس من هذه الفوائد فالواجب عليه اخراج الخمس من كل ما اشتراه أو عمره أو غرسه مما لم يكن معدودا من المئونة مثل الدار التي لم يتخذها دار سكني و الاثاث الذي لا يحتاج اليه أمثاله و كذا الحيوان و الغرس و غيرها علي تفصيل مر في المسألة السابقة (1) أما ما يكون معدودا من المئونة مثل دار السكني و الفراش و الاواني اللازمة له و نحوها فان كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد اشتراه فيها لم يجب اخراج الخمس منه (2) و ان كان قد اشتراه من السنة السابقة بأن كان لم يربح في سنة الشراء أو كان ربحه لا يزيد علي مصارفه اليومية وجب عليه اخراج خمسه علي التفصيل المتقدم (3) و ان كان ربحه يزيد علي مصارفه اليومية لكن الزيادة أقلّ من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه اخراج خمس مقدار

______________________________

(1) اذ المفروض ان تلك الاعيان لا تكون من المئونة فيجب الخمس فيها غاية الامر بناء علي مسلك الماتن يتعلق الخمس بنفس الاعيان المشتراة و أما علي مسلكنا يتعلق الخمس بنفس الارباح و تكون

المعاملة معها فضولية.

(2) اذ لا خمس في المئونة.

(3) هذا يتم علي مسلك الماتن حيث يري صحة المعاملة بالمال الذي لم يخمس و أما علي المسلك الاخر فالخمس ثابت في الثمن و تكون المعاملة فضولية ان كان الاشتراء بالثمن الشخصي فلا بد من علاجها كبقية العقود الفضولية.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 95

التفاوت مثلا اذا عمر دارا لسكناه بألف دينار و كان ربحه في سنة التعمير يزيد علي مصارفه اليومية بمقدار مائتي دينار وجب اخراج خمس ثمانمائة دنانير و كذا اذا اشتري اثاثا بمائة دينار و كان قد ربح زائدا علي مصارفه اليومية عشرة دنانير في تلك السنة و الاثاث الذي اشتراه محتاج اليه وجب تخميس تسعين دينارا (1) و اذا لم يعلم ان الاعيان التي اشتراها و كان يحتاج اليها يساوي ثمنها ربحه في سنة الشراء أو أقل منه أوانه لم يربح في سنة الشراء زائدا علي مصارفه اليومية فالاحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي (2) و اذا علم انه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه و أنه كان يصرف من أرباح سنته السابقة

______________________________

(1) كما هو ظاهر اذ الحكم تابع لموضوعه و تحقق الموضوع بهذا المقدار كما فرض.

(2) الذي يختلج بالبال أن يقال: مقتضي ادلة وجوب الخمس ثبوته في كل فائدة و انما خصص دليل الوجوب بالمقدار الذي يصرف في المئونة فموضوع الحكم بعد التخصيص يعنون بهذا العنوان و تكون النتيجة ان الفائدة التي لم تصرف في المئونة يجب الخمس فيها و حيث ان مقتضي الاصل عند الشك عدم صرفه في المئونة يحكم عليه بالوجوب نعم في بعض النصوص اخذ في الموضوع عنوان ما يفضل لاحظ حديث ابن شجاع النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه

السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء فوقع: لي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 96

وجب اخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة (1).

[مسألة 59: قد عرفت أن رأس السنة أول ظهور الربح]

(مسألة 59): قد عرفت ان رأس السنة أول ظهور الربح لكن اذا أراد المكلف تغيير رأس سنته أمكنه ذلك بدفع خمس ما ربحه أثناء السنة و استئناف رأس سنة للأرباح الآتية (2) و يجوز جعل السنة عربية و رومية و فارسية و غيرها (3).

______________________________

منه الخمس مما يفضل من مؤنته «1» و لكن السند ضعيف فلاحظ.

(1) كما هو ظاهر اذ فرض تحقق موضوع الوجوب فيجب.

(2) اذ لا دليل علي وجوب الابقاء و عدم التغيير و بعبارة اخري: جواز التغيير علي طبق القاعدة الاولية.

(3) يمكن أن يكون الوجه للجواز اطلاق الدليل فان المستفاد من دليل كون الخمس بعد المئونة ان الميزان في الوجوب بقاء الربح طول السنة و عدم صرفه في المئونة و مقتضي الاطلاق عدم الحصر. و لقائل أن يقول: المتبادر من الادلة السنة القمرية فانها محور الاستعمالات عند المتشرعة.

اضف الي ذلك ان مرجع ما ذكر التخيير بين الاقل و الاكثر و هل يمكن الالتزام به اذ بعد تمامية السنة القمرية هل يجب الخمس أم لا؟ و بعبارة أخري:

ما هو المقصود من قولهم عليهم السلام «الخمس بعد المئونة»؟ فان مرادهم عليهم السلام من السنة، القمرية أو غيرها و علي تقدير عدم بناء المكلف علي أداء الخمس و عدم احتسابه و لحاظه سنة الربح و ابتدائها

و انتهائها هل يتعلق الخمس بما زاد أم لا؟ لا سبيل الي الثاني فلا بد من بيان ما هو المراد من كلامهم و لحاظ ما يكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 97

[مسألة 60: يجب علي كل مكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه]

(مسألة 60): يجب علي كل مكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه عن مؤنته مما ادخره في بيته لذلك من الارز و الدقيق و الحنطة و الشعير و السكر و الشاي و النفط و الحطب و الفحم و السمن و الحلوي و غير ذلك من أمتعة البيت مما أعد للمئونة فيخرج خمس ما زاد من ذلك (1) نعم اذا كان عليه دين استدانه لمؤنة السنة و كان مساويا للزائد لم يجب الخمس في الزائد و كذا اذا كان أكثر (2) أما اذا كان الدين أقلّ أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير (3) و اذا بقيت الاعيان المذكورة الي السنة الآتية فوفي الدين في أثنائها صارت معدودة من أرباح السنة الثانية فلا يجب الخمس الا علي ما يزيد منها علي مؤنة تلك السنة (4) و كذا الحكم اذا اشتري أعيانا لغير المئونة

______________________________

موضوعا للوجوب في اعتبار الشارع.

و بعبارة واضحة: المستفاد من كلام الشارع و من قوله «الخمس بعد المئونة» ان كان مؤنة السنة القمرية فلا مجال للمكلف أن يحتسب بلحاظ السنة الشمسية و ان كان المراد الشمسية فكذلك أيضا و حيث ان محور استعمالات الشارع السنة القمرية يتعين مبدأ السنة القمرية و هذا ما يختلج بالبال عاجلا و اللّه العالم.

(1) بلا خلاف ظاهر كما في كلام بعض الاصحاب و الوجه عدم كونه من المئونة فيجب فيه الخمس.

(2) لعدم صدق الربح و

الزيادة في مفروض الكلام.

(3) كما هو ظاهر فانه يجب بهذا المقدار.

(4) كما هو ظاهر اذ المفروض ان اداء الدين تحقق في السنة الآتية فتكون

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 98

كبستان و كان عليه دين للمئونة يساويها فلا يجب اخراج خمسها (1) فاذا و في الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها و وجب اخراج خمسها آخر السنة (2) و اذا اشتري بستانا مثلا بثمن في الذمة مؤجلا فجاء رأس السنة لم يجب اخراج خمس البستان (3) فاذا و في تمام الثمن في السنة الثانية كانت أرباح البستان من أرباح السنة الثانية و وجب اخراج خمسها فاذا و في نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة و وجب اخراج خمس النصف فاذا و في ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعها من أرباح تلك السنة و هكذا كلما و في جزءا من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح

______________________________

تلك الاعيان من أرباح تلك السنة.

(1) تارة يشتري البستان مثلا بما استدانه و اخري يشتري بما ربحه بسبب من أسبابه أما علي الاول فما أفاده من عدم وجوب الخمس في الاعيان علي القاعدة اذ المفروض انه لم يربح و أما علي الثاني فلقائل أن يقول ان البستان من مصاديق الربح و المفروض انه لم يصرف في المئونة فيجب فيه الخمس الا أن يقال: ان مقتضي قولهم عليهم السلام: «ان الخمس بعد المئونة» عدم الخمس فيما لا يزيد عن المئونة. و بعبارة اخري: ان الخمس لا يتعلق الا بما زاد عن المئونة فمقدار المئونة خارج عن محور الوجوب فلاحظ.

(2) كما هو ظاهر فان الموضوع للوجوب يتحقق في السنة الثانية كما فرض في كلام

الماتن.

(3) لعدم تحقق الربح مع وجود الدين.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 99

تلك السنة (1) هذا اذا كان البستان موجودا أما اذا تلف فلا خمس فيه (2) و كذا اذا ربح في سنة مائة دينار مثلا فلم يدفع منها عشرين دينارا حتي جاءت السنة الثانية فدفع من أرباحها عشرين دينارا وجب عليه خمس العشرين دينارا التي هي الخمس مع بقائها (3) لا مع تلفها (4) و اذا فرض انه اشتري دارا للسكني فسكنها ثم و في في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار (5) و كذا اذا و في في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصة من الدار (6) و يجري هذا الحكم في كل ما اشتري من المؤن بالدين (7).

[مسألة 61: إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية مثلا في وجه من وجوه البر وجب عليه الوفاء بنذره]

(مسألة 61): اذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية مثلا في وجه من وجوه البر وجب عليه الوفاء بنذره (8) فان صرف المنذور

______________________________

(1) ظهر الوجه فيما أفاده مما ذكرناه فلاحظ.

(2) لعدم وجود الموضوع.

(3) اذ المفروض ان العشرين التي و في بها دينه من أرباحه و يجب فيه الخمس و حيث ان الماتن يري انه لو تصرف المكلف في متعلق الخمس يمضي ذلك التصرف و ينتقل الخمس الي بدله أفاد بوجوب الخمس في تلك العشرين.

(4) اذ مع تلفها لا موضوع للوجوب و يكون المكلف مديونا بهذا المقدار و اداء الدين من المئونة فالعشرون التي دفعها بعنوان الخمس من مؤنته.

(5) اذ المفروض ان الدار من مؤنته و لا خمس في المئونة.

(6) لعين الملاك.

(7) قد ظهر الوجه فيه.

(8) لوجوب الوفاء بالنذر اذا كان متعلقه راجحا كما هو المفروض.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 100

في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة لم يجب عليه

تخميس ما صرفه (1) و ان لم يصرفه حتي انتهت السنة وجب عليه اخراج خمسه كما يجب عليه اخراج خمس النصف الاخري من أرباحه بعد اكمال مؤنته (2).

[مسألة 62: إذا كان رأس ماله مائة دينار فاستأجر دكانا بعشرة دنانير]

(مسألة 62): اذا كان رأس ماله مائة دينار فاستأجر دكانا بعشرة دنانير و اشتري آلات للدكان بعشرة و في آخر السنة وجد ماله بلغ مائة كان عليه خمس الالات فقط و لا يجب اخراج خمس اجرة الدكان لأنها من مؤنة التجارة و كذا اجرة الحارس و الحمال و الضرائب التي يدفعها الي السلطان و السرقفلية فان هذه المؤن مستثناة من الربح و الخمس انما يجب فيما زاد عليها كما عرفت (3) نعم اذا كانت السرقفلية التي دفعها الي المالك أو غيره أوجبت له حقا في أخذها من غيره وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة و اخراج خمسه فربما تزيد قيمته علي مقدار ما دفعه من السرقفلية و ربما ينقص و ربما

______________________________

(1) لعدم بقاء الموضوع و الوفاء بالنذر من مؤنته.

(2) كما هو ظاهر لتحقق الموضوع.

(3) و ملخص الكلام: ان ما يرجع الي رأسه ماله كالآلات التي اشتريها للدكان يجب فيه الخمس و ما يكون مؤنة للتجارة لا يجب فيه الخمس و لقائل أن يقول:

انه ما المراد من الالات و ما الفرق بين تلك الالات و السرقفلية مثلا فان كليهما من مؤنة التجارة اذ المفروض ان تلك الالات تتوقف عليها التجارة.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 101

تساوي (1).

[مسألة 63: إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثم دفعه تدريجا من السنة الثانية]

(مسألة 63): اذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثم دفعه تدريجا من السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن بل يجب فيه الخمس (2) و كذا لو صالحه علي مبلغ في الذمة فان وفائه من أرباح السنة الثانية لا يكون من المؤن بل يجب فيه الخمس اذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين موجودة (3) و اذا كان عوضا عن خمس

______________________________

(1) اذ يصدق الربح علي

ذلك الحق و المفروض انه لم يصرف في المئونة فيجب الخمس فيه و الظاهر من كلامه انه لو دفع السرقفلية من المال الذي لا خمس فيه لا يجب الخمس في ذلك الحق و الحال ان مقتضي القاعدة تعلق الخمس به اذا كان أزيد من المقدار المدفوع اذ قد مر منه ان الزيادة المالية في مال التجارة يتعلق بها الخمس الا أن يقال: ان الماتن غير متعرض لهذا الفرض.

و يختلج بالبال اشكال آخر في المقام و هو انه اذا فرض ان السرقفلية من مؤنة التجارة و لا يجب فيه الخمس فبأي ملاك يتعلق الخمس بالحق الثابت الحادث للمالك اذ المفروض ان المال الذي دفعه بهذا العنوان صار مصداقا للمئونة و لا خمس فيها الا أن يقال: ان الحق المزبور يصدق عليه عنوان الربح فيجب فيه الخمس.

(2) كما هو ظاهر اذ لا وجه له فان المفروض انه يجب عليه الاداء و لم يؤد و المدفوع من ربح السنة الآتية من أرباح تلك السنة و لها حساب بحبالها و ينوط تعلق الخمس به و عدمه بعدم صرفه في مؤنة تلك السنة و صرفه.

(3) الكلام فيه هو الكلام.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 102

عين أو أعيان تالفة فوفائه يحسب من المؤن و لا خمس فيه (1).

[مسألة 64: إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها دينا في ذمة الناس]

(مسألة 64): اذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها دينا في ذمة الناس فان أمكن استيفائه وجب دفع خمسه (2) و ان لم يمكن تخير بين أن ينتظر استيفائه في السنة اللاحقة فاذا استوفاه أخرج خمسه و كان من أرباح السنة السابقة لا من أرباح سنة الاستيفاء (3) و بين أن يقدر مالية الديون فيدفع خمسها (4) فاذا استوفاها في السنة الآتية

كان الزائد علي ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء (5).

[مسألة 65: يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله]

(مسألة 65): يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله (6) و ان

______________________________

(1) اذ المفروض انه مديون و اداء الدين من المئونة.

(2) لتحقق الموضوع و ترتب الحكم علي الموضوع قهري.

(3) لم يظهر لي وجهه و الذي يختلج بالبال أن يقال انه من أرباح تلك السنة اللاحقة الا أن يقال: انه لا تنافي بين كونه من ارباح السنة السابقة و عدم وجوب الخمس فيه لعدم حصوله في يده.

(4) اذا لم يمكن استيفائه فلا يجب عليه التخميس و مع عدم الوجوب كيف يخمس و ان شئت قلت: الامتثال فرع وجود الامر و المفروض عدمه الا أن يقال:

لا اشكال في أن ادائه محبوب للشارع فيه فيجوز له الدفع بهذا العنوان و اللّه العالم.

(5) لم يظهر لي وجه الفرق بين الموردين بجعل احدهما من أرباح السنة السابقة و الاخر من أرباح سنة الاستيفاء و الحال انه لا فرق بينهما و اللّه العالم.

(6) كما هو ظاهر ادلته من الكتاب و السنة و انما المقيد النصوص الدالة علي أن الخمس بعد المئونة و قد مر ان المراد من البعدية هي الرتبية لا الزمانية.

و ربما يقال- كما في كلام سيدنا الاستاد علي ما في التقرير-: «يدل علي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 103

______________________________

المدعي انه لو كان المراد البعدية الزمانية كان اتلاف المال جائزا قبل تمام السنة و لو في المصارف التي لا تكون لايقا بشأن المكلف اذ لا يجب حفظ القدرة و مع صرف المال لا تبقي القدرة».

و لعله مما لا يمكن الالتزام به فالحق ان التعلق من اول الامر غاية الامر مشروطا بعدم الصرف في المئونة و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «ان الاستثناء

راجع الي مؤنة الاسترباح و أما بالنسبة الي مؤنة السنة فثبوت الخمس بحاله و انما التقييد راجع الي الحكم التكليفي اي لا يجب الاداء الا بعد المئونة» «1».

و استدل علي مدعاه بحديثين احدهما ما رواه علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمر تني بالقيام بأمرك و أخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم: و اي شي ء حقه فلم أدر ما اجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس فقلت: ففي أي شي ء فقال أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم) قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: اذا أمكنهم بعد مؤنتهم «2».

ثانيهما: ما رواه أيضا قال: كتب اليه ابراهيم بن محمد الهمداني أقرأني علي كتاب أبيك فيما أوجبه علي أصحاب الضياع انه أوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة و أنه ليس علي من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة مؤنة الضيعة و خراجها لا مؤنة الرجل و عياله فكتب و قرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد خراج السلطان «3».

______________________________

(1) مستند العروة كتاب الخمس ص: 271

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 104

جاز تأخير الدفع الي آخر السنة احتياطا للمئونة (1).

______________________________

بتقريب: ان المذكور في الحديث الاول وجوب الخمس و المذكور في الثاني «عليه الخمس بعد مؤنته» و كلا التعبيرين ظاهر ان في الوجوب التكليفي و أما الوضعي فهو بحاله. و يرد عليه أولا: انه يكفي للمدعي ما دل علي أن الخمس بعد المئونة لاحظ ما رواه الاشعري «1»

فان هذه الرواية تدل باطلاقها علي أن الخمس علي الاطلاق بعد المئونة و الحديثان المذكوران لا يقيدان اطلاق هذه الرواية اذ لا مقتضي للتقييد و لا تنافي بين الموردين. و ثانيا: ان الحكم التكليفي لا يعقل أن يتعلق بالاعيان الخارجية كما هو ظاهر و المذكور في الحديث الاول لعلي بن مهزيار قوله عليه السلام: «يجب عليهم الخمس» و الخمس لا يمكن أن يكون واجبا بعنوان التكليف و أما بعنوان الوضع فلا اشكال فيه و الوجوب عبارة عن الثبوت و الثبوت يناسب الوضع و أوضح من الحديث الاول لعلي بن مهزيار حديثه الثاني فان السائل يسأل و يقول: «فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة» و من الظاهر ان وجوب الخمس علي الضياع بنحو الوضع و الامام عليه السلام في مقام جواب هذا السؤال يقول: «عليه الخمس» فيكون المراد من كلامه عليه السلام الحكم الوضعي.

فالنتيجة: ان المستفاد من الادلة ان الوجوب ثابت من الاول غاية الامر بشرط عدم صرف المال في المئونة فما يصرف فيها غير متعلق للخمس.

(1) مقتضي القاعدة الاولية عدم الجواز الا مع قيام حجة علي صرفه في المئونة و أما مع العلم بالعدم أو الشك فلا يجوز اذ لا يحل حبس مال الغير بل يجب ايصاله الي مالكه فعلي تقدير العلم بعدم الصرف يعلم بتحقق الموضوع و تحقق

______________________________

(1) لاحظ ص: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 105

______________________________

شرطه و أما مع الشك في الصرف فيمكن احراز عدمه باصالة العدم فلا بد في الحكم بجواز التأخير من اقامة دليل و قد ذكرت وجوه للاستدلال علي الجواز:

الوجه الاول: الاجماع. و فيه ما فيه من منقوله و محصله.

الوجه الثاني: دعوي السيرة علي التأخير

بلا نكير و هذه السيرة متصلة بزمن المعصوم عليه السلام اذ لو لم يكن التأخير جائزا لشاع و ذاع.

الوجه الثالث: ما رواه ابن مهزيار «1» فان قوله عليه السلام فيه: «فأما الغنائم و الفوائد واجبة عليهم في كل عام» يدل علي وجوب التخميس في كل عام مرة واحدة لا مرات فيجوز التأخير.

و فيه: ان المستفاد من الحديث ان الفائدة في كل سنة موضوع لوجوب الخمس و لا يستفاد من الحديث تعيين زمان الوجوب. و بعبارة اخري: ليست الرواية في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام بيان تعلق الخمس بالفائدة في كل سنة فلا ترتبط الرواية بالمقام.

الوجه الرابع: ما رواه ابن ابي نصر قال: كتبت الي أبي جعفر عليه السلام الخمس اخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة «2».

بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان زمان اخراج الخمس بعد المئونة علي الاطلاق فلا بد من انتظار آخر السنة في تعلق الوجوب و قبله لا يلزم الاخراج بل يجوز التأخير.

الوجه الخامس: ما أفاده سيدنا الاستاد و هو انه لا اشكال في جواز صرف الربح في مؤنة السنة و هذا الجواز غير مقيد بالصرف بل يجوز حتي مع العلم

______________________________

(1) لاحظ ص: 53

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 106

فاذا أتلفه ضمن الخمس (1) و كذا اذا أسرف في صرفه (2) أو وهبه أو اشتري أو باع علي نحو المحاباة اذا كانت الهبة أو الشراء أو البيع غير لائقة بشأنه (3) و اذا علم انه ليس مؤنة في باقي السنة فالاحوط استحبابا أن يبادر الي دفع الخمس و لا يؤخره الي نهاية السنة (4).

______________________________

بعدم الصرف و مع

جواز الصرف كيف يمكن وجوب الاداء و يكون مرجعه الي التهافت فيجوز التأخير حتي مع العلم بعدم الصرف فكيف بصورة احتماله.

و فيه: انا سلمنا جواز الصرف حتي مع العلم بعدم الصرف و لكن هذا الجواز لا ينافي وجوب الاداء مع العلم بعدم الصرف و نظيره انه يمكن للمولي أن يجوز صرف الماء في رفع العطش طول اليوم و لكن يأمره في صورة عدم الصرف في رفع العطش بدفعه الي الغير و لا تنافي بين الحكمين مضافا الي أنه لو فرض التنافي بين الامرين كيف يجوز الاخراج قبل اتمام السنة فان الامتثال فرع وجود الامر و المفروض انه لا وجوب أثناء السنة فالحق أن يقال: انه يجوز للمكلف الصرف و في فرض عدمه يجب علي نحو الواجب الموسع أي يجب عليه أن يدفع الزائد من أول ظهور الربح الي آخر سنته فافهم و اغتنم.

(1) اذ المفروض انه مال الغير و اتلاف مال الغير يوجب الضمان.

(2) لعين الملاك.

(3) مقتضي القاعدة فساد العقد الواقع عليه لأنه تصرف في ملك الغير فيحتاج صحته الي اجازة من بيده الامر و لكن الظاهر ان الماتن يري ان التصرفات الواردة في الخمس نافذة بمقتضي اخبار التحليل غاية الامر لا يسقط وجوب الخمس عن المالك فلاحظ.

(4) خروجا عن شبهة الخلاف و لا اشكال في حسنه مع احتمال الوجوب.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 107

[مسألة 66: إذا مات المكتسب أثناء السنة بعد حصول الربح فالمستثني هو المئونة إلي حين الموت لإتمام السنة]

(مسألة 66): اذا مات المكتسب أثناء السنة بعد حصول الربح فالمستثني هو المئونة الي حين الموت لا تمام السنة (1).

[مسألة 67: إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أدائه علي الأحوط]

(مسألة 67): اذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أدائه علي الاحوط (2) و اذا علم أنه أتلف مالا قد تعلق به الخمس وجب اخراج خمسه من تركته كغيره من الديون (3).

[مسألة 68: إذا اعتقد أنه ربح فدفع الخمس فتبين عدمه]

(مسألة 68): اذا اعتقد أنه ربح فدفع الخمس فتبين عدمه انكشف انه لم يكن خمسه في ماله فيرجع علي المعطي له مع بقاء عينه (4) و كذا مع تلفها اذا كان عالما بالحال (5) و أما اذا ربح في أول السنة

______________________________

(1) كما هو ظاهر اذ مع عدم بقائه لا موضوع لاعتبار المئونة له.

(2) الظاهر ان الوجه في جعله الحكم مبنيا علي الاحتياط ذهابه الي أن المستفاد من ادلة التحليل عدم وجوب الخمس علي من انتقل اليه فالملزم بالاداء هو الذي يثبت الخمس في ماله و أما من انتقل اليه المال فلا و ما أفاده في مسألة 71: مبني علي ما ذكر.

(3) اذ ذمته مشغولة بالخمس و مديون به و الارث بعد الدين بمقتضي الكتاب و السنة.

(4) كما هو ظاهر اذ بعد انكشاف الخلاف يكشف ان ما دفعه لم يقع مصداقا للخمس و يكون باقيا في ملك مالكه فمع بقائه له أن يسترده و يجب علي الطرف أن يرده.

(5) اذ مع العلم بالحال لا يجوز له الاخذ و التصرف فيه فيكون ضامنا بمقتضي قاعدة الضمان و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان الامر كذلك و لو مع جهل الطرف

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 108

فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤنة زائدة فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مؤنة لم تكن محتسبة لم يجز له الرجوع الي المعطي له حتي مع بقاء عينه فضلا عما اذا تلفت (1).

[مسألة 69: الخمس بجميع أقسامه و إن كان يتعلق بالعين]

(مسألة 69): الخمس بجميع أقسامه و ان كان يتعلق بالعين (2).

______________________________

اذ المفروض انه تصرف في المال بلا اذن من مالكه و المفروض عدم صدق الغرور كي يمنع عن الضمان و اللّه العالم.

(1) بتقريب: ان ما دفعه صار مصداقا للخمس و صار

ملكا للأخذ فلا وجه للرجوع حتي مع بقاء العين و لقائل أن يقول: ان الخمس بعد المئونة اي الخمس يتعلق بما لا يصرف في المئونة الي آخر السنة فاذا تبين احتياج المكلف ينكشف عدم التعلق و مع فرض عدم التعلق يكون باقيا في ملك مالكه و يجوز له الاسترجاع.

و يمكن أن يكون الماتن ناظرا الي أن تعلق الخمس بالربح غير مشروط بعدم الصرف و انما المقيد الوجوب التكليفي فان دفعه صدر من أهله و وقع في محله فلا يجوز الاسترجاع. لكن يرد عليه: اولا: ان المستفاد من حديث الاشعري «1» كما مر آنفا ان تعلق الخمس كوجوبه مختص بالزائد عن المئونة. و ثانيا انه كيف يتحقق الامتثال مع فرض عدم وجود الامر و المفروض ان الوجوب التكليفي مقيد في نظر الماتن الا أن يقال بالوجوب الموسع.

(2) بلا خلاف ظاهر كما في بعض الكلمات و عن الرسالة المنسوبة الي الشيخ الاعظم «ان المظنون عدم الخلاف» و يدل عليه قوله تعالي: «فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» «2» فان الظاهر بل الصريح منه ان الخمس في العين كما ان المستفاد من النصوص

______________________________

(1) لاحظ ص ص: 12

(2) الانفال/ 41

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 109

الا ان المالك يتخير بين دفع العين و دفع قيمتها (1).

______________________________

كذلك لاحظ حديث الاشعري «1» فان الظاهر من قوله عليه السلام «الخمس علي جميع ما يستفيد» تعلقه بالعين كما أن الظاهر من قوله «ما الذي يجب لك من ذلك» «2» الوارد في حديث ابن شجاع النيسابوري كذلك و قس عليهما بقية النصوص الدالة علي المدعي.

(1) ما يمكن أن يقال في وجهه امور: الاول الاستصحاب فانه لا اشكال في جواز التصرف و التبديل قبل تمام السنة و مقتضي الاستصحاب

بقاء الجواز بعد انتهائها. و فيه: انه من مصاديق استصحاب الحكم الكلي و قد ذكرنا مرارا انه معارض باستصحاب عدم جعل الزائد.

الثاني: ما رواه البرقي قال: كتبت الي أبي جعفر الثاني عليه السلام: هل يجوز أن اخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب علي الذهب دراهم قيمة ما يسوي أم لا يجوز الا أن يخرج عن كل شي ء ما فيه؟ فاجاب عليه السلام:

ايما تيسر يخرج «3».

بتقريب: ان مقتضي اطلاق قوله «ما يجب علي الذهب» عدم الفرق بين الزكاة و الخمس فهذه الرواية تدل علي الجواز في المقام بالاطلاق. و فيه: انه علي فرض تمامية التقريب يشكل حيث ان السند مخدوش بالبرقي.

الثالث: السيرة العملية الجارية بلا نكير من احد و لو لم يكن التبديل جائزا لشاع و ذاع مضافا الي أن أداءه بالقيمة أنفع بحال أصحابه بحسب الغالب و ان

______________________________

(1) لاحظ ص: 12

(2) لاحظ ص: 95

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب زكاة الغلات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 110

و لا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل ادائه (1) بل الاحوط وجوبا عدم التصرف في بعضها أيضا و ان كان مقدار الخمس باقيا في البقية (2).

______________________________

وجوب ادائه من عينه حرج نوعي و ينافي كون الشريعة سهلة سمحة فالعمدة في مقام الاستدلال علي المدعي الوجه الاخير و هي السيرة.

(1) اذ لا يجوز التصرف في متعلق حق الغير فلا يجوز التصرف في الكل.

(2) الظاهر ان مراده من التصرف في البعض التصرف الخارجي لا الاعتباري اذ لا مانع من التصرف الاعتباري بأن يبيع ما ملكه من المجموع و الوجه في عدم الجوار ان الشركة مع أصحاب الخمس ليس بنحو الكلي في

المعين كي يجوز للمالك التصرف في العين ما دام بقاء الكلي.

و حيث انجر الكلام الي هنا لا بد من ملاحظة ان الشركة مع أصحاب الخمس بأي نحو و ما هو المستفاد من الادلة فنقول: المستفاد من الادلة ان شركة أصحاب الخمس مع المالك علي نحو الاشاعة لاحظ ما رواه سماعة «1».

و لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

ليس الخمس الا في الغنائم خاصة «2».

و لاحظ ما رواه الحلبي في حديث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من

______________________________

(1) لاحظ ص: 88

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 111

و اذا ضمنه في ذمته باذن الحاكم الشرعي صح و يسقط الحق من العين فيجوز التصرف فيها (1).

[مسألة 70: لا بأس بالشركة مع من لا يخمس اما لاعتقاده لتقصير أو قصور بعدم وجوبه أو لعصيانه]

(مسألة 70): لا بأس بالشركة مع من لا يخمس اما لاعتقاده لتقصير أو قصور بعدم وجوبه أو لعصيانه و عدم مبالاته بأمر الدين

______________________________

معادن الذهب و الفضة «1».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس «2».

و ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كم فيه فقال: الخمس الحديث «3».

و ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:

سألته عما

يجب فيه الخمس من الكنز فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس «4».

و غيرها من النصوص بالاضافة الي أن المستفاد من الاية الشريفة كذلك فأصحاب الخمس مشتركون مع المالك بهذا المقدار في الربح و من الظاهر انه لا يجوز التصرف في المال المشترك بلا اذن من الشريك.

(1) لا يبعد أن يكون مراده المصالحة مع الحاكم بهذا النحو فيما يري الحاكم فيها المصلحة و الا فمجرد اذن الحاكم لا دليل علي كونه مجوزا للنقل الي الذمة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

(4) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 112

و لا يلحقه وزر من قبل شريكه و يجزيه أن يخرج خمسه من حقه في الربح (1).

[مسألة 71: يحرم الاتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس]

(مسألة 71): يحرم الاتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس (2) لكنه اذا أتجر بها عصيانا أو لغير ذلك فالظاهر صحة المعاملة اذا كان طرفها مؤمنا و ينتقل الخمس الي البدل كما أنه اذا وهبها لمؤمن صحت الهبة و ينتقل الخمس الي ذمة الواهب و علي الجملة كل ما ينتقل الي المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجانا يملكه فيجوز له التصرف فيه و قد أحل الائمة سلام اللّه عليهم ذلك لشيعتهم تفضلا منهم عليهم و كذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء فيما اذا أباحوها لهم من دون تمليك ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن و الوزر علي مانع الخمس اذا كان مقصرا (3).

______________________________

(1) لا يبعد أن يكون ناظرا الي أن الجواز مقتضي ادلة التحليل فان الماتن يري ان أخبار التحليل ناظرة

الي جواز التصرف فيما يصل الي المكلف من ناحية الغير الذي لا يؤدي الخمس فلا يحرم التصرف و أما اذا لم نقل بمقالته يشكل الحكم بجواز الشركة في المقام اذ المفروض ان الشريك لا يؤدي الخمس فيكون التصرف في مال الغير حراما و كيف يمكن الالتزام بالصحة.

(2) اذ لا يجوز و لا يصح التصرف في مال الغير بلا اذنه فلو أتجر بالعين قبل دفع الخمس يكون حراما.

(3) بتقريب: ان المستفاد من ادلة التحليل جواز التصرف في متعلق الخمس

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 113

______________________________

اذا كان المنتقل اليه مؤمنا و يكون المنتقل منه غير معتقد بوجوب الخمس أو عاصيا و غير مبال بأمر الدين و الماتن جمع بين هذه الاخبار و أخبار وجوب الخمس بهذا النحو و استشهد لدعواه بروايتين: إحداهما ما رواه يونس بن يعقوب «1» و هذه الرواية ضعيفة باحد سنديها بمحمد بن سنان و بالاخر بحكم بن مسكين فانهما ضعيفان و مجرد وقوع الراوي في أسناد كامل الزيارات أو تفسير القمي لا يفيد وثاقته و ثانيتهما: ما رواه أبو خديجة «2».

و هذه الرواية أيضا ضعيفة بأبي خديجة و الوشاء مضافا الي أن المستفاد من الحديثين ان الامام عليه السلام حلل حقه للشيعة فيكون المنتقل الي الشيعة عين حقه لا بد له و عليه لا وجه لانتقال الخمس الي البدل أو الذمة- كما عليه سيدنا الاستاد- و لولاه لم يكن التحليل في محله فان التحليل يصح مع كون متعلقه ملكا للمحلل بالاضافة الي جميع ذلك ان مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين كون من يجب عليه الخمس غير معتقد به أو عاصيا و بين كون عدم ادائه ناشيا عن عذر فلا وجه لتخصيص التحليل علي

ما رامه بخصوص المقصر في الاداء بل مقتضي اطلاق الحديثين اعم من ذلك.

و يضاف الي جميع ذلك كله انا لو اغمضنا النظر عن ضعف الحديثين لم تكن النتيجة ما أفاده سيدنا الاستاد اذ قد ثبت في الاصول انه لا تنافي بين المثبتين و المقام كذلك فان الحديثين يد لان علي تحليل الخمس للشيعة ممن انتقل اليه و أخبار التحليل يدل علي عدم وجوب الخمس علي الاطلاق و ان الخمس حلال للشيعة و من الظاهر انه لا تنافي بين الامرين و قد ذكرنا في أول البحث عن وجوب

______________________________

(1) لاحظ ص: 85

(2) لاحظ ص: 84

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 114

[المبحث الثاني: مستحق الخمس و مصرفه]

اشارة

المبحث الثاني: مستحق الخمس و مصرفه

[مسألة 72: يقسم الخمس في زماننا- زمان الغيبة- نصفين]

(مسألة 72): يقسم الخمس في زماننا- زمان الغيبة- نصفين نصف لإمام العصر الحجة المنتظر عجل اللّه تعالي فرجه و جعل أرواحنا

______________________________

الخمس في الفاضل عن المئونة ان النصوص الواردة عنهم عليهم السلام متعارضة اذ بعضها يدل علي الوجوب و بعضها يدل علي التحليل و عدم الوجوب و رجحنا الدال علي الوجوب بموافقته مع الكتاب «1» و مخالفته مع العامة و كونه أحدث فراجع.

ان قلت: لا يستفاد الوجوب من الاية الشريفة بل المستفاد منها مجرد الوضع قلت: يكفي للترجيح الوجهين الاخرين مضافا الي أنه مع عدم المرجح تصل النوبة الي التعارض و النتيجة التساقط و بعده المرجع الاية الشريفة الدالة علي الوضع اذ مع ثبوت الخمس وضعا يجب الاداء تكليفا بمقتضي قاعدة وجوب ايصال كل مال الي مالكه فلاحظ.

بقي شي ء و هو انه كيف يمكن الجمع بين حرمة الاتجار و صحته اذ المراد من الحرمة ان كانت تكليفية فكيف يمكن الالتزام بالحرمة تكليفا مع عدم لحاظ التصرف الخارجي و بعبارة اخري: هل يمكن الالتزام بأن ايقاع العقد علي مال الغير حرام تكليفا؟ و ان كان المراد بالحرمة وضعية فكيف يمكن الجمع بين الحرمة بهذا المعني و الصحة و بعبارة واضحة مجرد ايقاع المعاملة لا يكون حراما تكليفا و انما الحرام التكليفي التصرف الخارجي فكيف يصح أن يقال: يحرم الاتجار و يصح فالحق ان يقال: يجوز التصرف تكليفا و وضعا كما هو ظاهر نعم يحرم التصرف الخارجي.

______________________________

(1) لاحظ ص: 108

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 115

فداه (1) و نصف لبني هاشم: ايتامهم و مساكينهم و ابناء سبيلهم (2) و يشترط في هذه الاصناف جميعا الايمان (3).

______________________________

(1) فان ما كان له تعالي فلرسوله و

ما كان للرسول صلي اللّه عليه و آله للإمام عليه السلام و بالنتيجة للإمام ثلاثة أسهم من الخمس و يدل عليه ما عن الرضا عليه السلام قال: سئل عن قول اللّه عز و جل: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ» فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ما كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فهو للإمام الحديث «1».

(2) كما نص عليه في الكتاب الكريم فان المستفاد من الاية الشريفة نصا تقسيم الخمس الي ستة أقسام: قسم له تعالي و قسم للرسول صلي اللّه عليه و آله و قسم لذوي القربي و قسم للمساكين و قسم لأبناء السبيل و قسم للأيتام.

(3) ما يمكن أن يقال أو قيل في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه: الوجه الاول: ان مقتضي قاعدة الاشتغال الاحتياط فانه لا يحصل العلم بالفراغ الا مع رعاية الايمان في المعطي اليه.

و فيه: ان اطلاق الدليل ان تم لا تصل النوبة الي الاخذ بالاصل العملي و علي فرض عدم تمامية الاطلاق و العموم تصل النوبة الي اصالة البراءة لا الاشتغال.

الوجه الثاني: ان جعل الخمس لأجل كرامة السادات و لا كرامة لغير المؤمن المعاد للّه و لرسوله صلي اللّه عليه و آله و فيه: ان المقتضي للتكريم موجود في غير المؤمن و هو انتسابه الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله. و بعبارة اخري: التكريم لأجل الانتساب الي النبي الاكرم و هذا مشترك بين المؤمن و غيره مضافا الي أن المرجع اطلاق الدليل أو عمومه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب قسمة الخمس الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7،

ص: 116

______________________________

الوجه الثالث: ان الايمان شرط في مستحق الزكاة اجماعا و نصوصا و الخمس مثل الزكاة في الاحكام. و فيه: انه لا دليل علي تماثلهما في جميع الجهات.

الوجه الرابع: ما رواه ابراهيم الاوسي عن الرضا عليه السلام قال: سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوما فأتاه رجل قال: اني من أهل الري ولي زكاة فالي من أدفعها؟ فقال: إلينا فقال: أ ليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال: بلي اذا دفعتها الي شيعتنا فقد دفعتها إلينا فقال: اني لا أعرف لها أحدا فقال: فانتظر بها سنة قال:

فان لم اصب لها أحدا قال: انتظر بها سنتين حتي بلغ أربع سنين ثم قال له:

ان لم تصب لها أحدا فصرها صررا و اطرحها في البحر فان اللّه عز و جل حرم أموالنا و أموال شيعتنا علي عدونا «1».

بتقريب: ان المستفاد من الرواية حرمة أموال الشيعة علي أعدائهم. و فيه:

ان الرواية ضعيفة سندا مضافا الي الاشكال الدلالي فلاحظ.

الوجه الخامس: ما رواه يونس (يوسف) بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: اعطي هؤلاء الذين يزعمون ان أباك حي من الزكاة شيئا؟ قال:

لا تعطهم فانهم كفار مشركون زنادقة «2».

بتقريب ان عموم العلة يقتضي عدم جواز اعطائهم من الخمس أيضا. و فيه انه لو سلمنا تمامية الدلالة لم يمكننا الاخذ بالرواية لضعفها سندا.

الوجه السادس: ما رواه يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه السلام قال: قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 117

______________________________

قال: يضعها في إخوانه و أهل ولايته قلت: فان لم يحضره منهم

فيها أحد؟ قال:

يبعث بها اليهم قلت: فان لم يجد من يحملها اليهم؟ قال: يدفعها الي من لا ينصب قلت: فغيرهم؟ قال: ما لغيرهم الا الحجر «1». بتقريب: ان المستفاد من الحديث انه ليس لغير المؤمن الا الحجر. و فيه: ان السند ضعيف فلا اعتبار بالدلالة.

الوجه السابع: انه يستفاد من جملة من النصوص ان الخمس بدل عن الزكاة لاحظ ما رواه سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نحن و اللّه الذين عني اللّه بذي القربي و الذين قرنهم اللّه بنفسه و بنبيه فقال: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُريٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ» من خاصته و لم يجعل لنا سهما في الصدقة أكرم (اللّه) نبيه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس «2».

و ما رواه أيضا قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام و ذكر خطبة طويلة يقول فيها: نحن و اللّه عني (اللّه) بذي القربي الذين قرننا اللّه بنفسه و برسوله فقال:

«فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» فينا خاصة الي أن قال: و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم اللّه رسوله و أكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس فكذبوا اللّه و كذبوا رسوله و جحدوا كتاب اللّه الناطق بحقنا و منعونا فرضا فرضه اللّه لنا الحديث «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث: 7

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب قسمة الخمس الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 118

______________________________

و ما رواه حماد بن عيسي عن بعض أصحابنا و ما رواه الريان «1» و حيث انه يشترط

في مستحق الزكاة الايمان فيشترط في مستحق الخمس أيضا. و بعبارة اخري: يستفاد من هذه النصوص ان الخمس بدل عن الزكاة و حيث ان الايمان معتبر في مستحق الزكاة فهو معتبر في مستحق الخمس.

و ببيان آخر ان السيد لو لم يكن سيدا كان مستحقا للزكاة و لأجل سيادته يكون مستحقا للخمس. و فيه: انه لا يتم هذا الوجه للاستدلال اذ يمكن أن يكون الخمس بدلا عن الزكاة و مع ذلك يكون احد الموردين مغايرا مع الاخر في بعض الاحكام كما هو كذلك.

الوجه الثامن: انه يستفاد من جملة من النصوص ان اللّه شرك الفقراء في اموال الاغنياء لاحظ النصوص في الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة من الوسائل منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان اللّه عز و جل فرض للفقراء في أموال الاغنياء ما يسعهم و لو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه عز و جل و لكن اوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض اللّه لهم و لو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير «2».

و لا اشكال في أن السيد لا يكون خارجا عن هذه العناية الالهية فجعل الزكاة لغير السادة و الخمس لهم فالخمس بدل عن الزكاة و هذا الشرط معتبر في الزكاة ففي الخمس كذلك و قد ظهر الجواب عن التقريب عن قريب فلاحظ. الوجه التاسع: الاجماع فان تم فهو و الا فللمناقشة في الدعوي مجال و طريق الاحتياط

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8 و 10

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الزكاة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7،

ص: 119

كما يعتبر الفقر في الايتام (1).

______________________________

ظاهر و اللّه العالم.

(1) قد ذكرت في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه الوجه الاول: ان جعل الخمس لأهله لأجل سد الخلة فلا يستحقه من لا يكون محتاجا. و فيه: انه و ان كان مقتضي تناسب الحكم و الموضوع لكن هذا المقدار لا يكفي في رفع اليد عن عموم الاية و بقية الادلة فان العموم أو الاطلاق يقتضي التعميم.

الوجه الثاني: انه لو كان له الاب لم يكن مستحقا للخمس فان كان له المال فالامر كذلك بل المقام أولي لان المال أنفع من الاب بحاله من الجهة المبحوث عنها و فيه: انه كسابقه في عدم كونه قابلا للاستدلال به علي المدعي. و بعبارة اخري: هذا الوجه اعتباري و ليس دليلا.

الوجه الثالث: مرفوع حماد بن عيسي عن عبد الصالح عليه السلام في حديث طويل قال: و له يعني للإمام نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم علي الكتاب و السنة ما يستغنون به في سنتهم فان فضل عنهم شي ء فهو للو إلي فان عجز أو نقص عن استغنائهم كان علي الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انما صار عليه أن يمونهم لان له ما فضل عنهم «1».

و مثله مرسل احمد عن بعض أصحابنا رفع الحديث الي أن قال: فالنصف له يعني نصف الخمس للإمام خاصة و النصف لليتامي و المساكين و أبناء السبيل من من آل محمد الذين لا تحل لهم الصدقة و الزكاة عوضهم اللّه مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم علي قدر كفايتهم فان فضل شي ء فهو له و ان نقص عنهم و

لم يكفهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب قسمة الخمس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 120

______________________________

أتمه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان «1».

فان المستفاد من الخبرين ان الفقر معتبر في اليتيم و ليس مطلق اليتيم داخلا في الموضوع. و فيه: اولا: انهما ضعيفان سندا و ثانيا: يعارضان ما رواه الريان ابن الصلت عن الرضا عليه السلام في حديث طويل قال: و أما الثامنة فقول اللّه عز و جل: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ» فقرن سهم ذي القربي مع سهمه و سهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي أن قال:

فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربي فكل ما كان من الفي ء و الغنيمة و غير ذلك مما رضيه لنفسه فرضيه لهم الي أن قال: و أما قوله «وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ» فان اليتيم اذا انقطع يتمه خرج من الغنائم و لم يكن له فيها (منها) نصيب و كذلك المسكين اذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من الغنم و لا يحل له أخذه و سهم ذي القربي قائم الي يوم القيامة فيهم للغني و الفقير الحديث «2».

و الترجيح مع الثاني للموافقة مع الكتاب و الاحدثية فان تم اجماع تعبدي كاشف فهو و الا يكون الاشتراط مبنيا علي الاحتياط. و ربما يقال في مقام الاستدلال علي عدم الاشتراط: بأنه لو اعتبر فيه الفقر لم يكن وجه لذكره في قبال المساكين و فيه: انه لا يدل ما ذكر علي المدعي اذ يمكن أن الوجه فيه زيادة العناية بالنسبة الي اليتيم و لا جلها ذكر ثانيا مع كونه داخلا في عموم المساكين كما أن

الامر كذلك في قوله تعالي: «حٰافِظُوا عَلَي الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطيٰ» «3» فان الصلاة الوسطي داخلة في عموم الصلوات.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب قسمة الخمس الحديث: 10

(3) البقره/ 238

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 121

و يكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم و لو كان غنيا في بلده (1) اذا لم يتمكن من السفر بقرض و نحوه علي ما عرفت في الزكاة (2) و الاحوط وجوبا اعتبار أن لا يكون سفره معصية (3) و لا يعطي أكثر من قدر ما يوصله الي بلده (4) و الاظهر عدم اعتبار العدالة في جميعهم (5).

______________________________

(1) فلا يضر غناء في بلده لإطلاق الدليل فانه يطلق عليه هذا العنوان.

(2) كما ان الامر كذلك في الزكاة و الدليل ان اطلاق ابن السبيل علي القادر علي الاستدانة و نحوها، ممنوع و بعبارة اخري: اشرب في معناه من لا يقدر الوصول الي بلده و ان ابيت عن ذلك فلا أقلّ من الشك و عدم الجزم بالاطلاق.

(3) ان المراد من هذا الشرط أن لا يكون سفره الي المكان الذي صار ابن السبيل فيه معصية و الحق عدم وجه لهذا الشرط فان اطلاق الدليل يقتضي عدم التقييد و لا مجال لان يقال: بأن الوجه في الاحتياط انه اذا كان السفر معصية يكون دفع الخمس اليه اعانة علي الاثم فان سفره الي المكان الفلاني سفر معصية و المفروض في الكلام ان دفع الخمس لرجوعه الي بلده مضافا الي أن الاعانة علي الاثم حرمتها اول الكلام و الاشكال و الحرام التعاون عليه.

(4) اذ المستفاد من الدليل ان الشارع جوز الدفع لرفع حاجته و من الظاهر ان الزائد لا يكون مورد حاجته في

الرجوع و ان شئت قلت: التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضي الشرط المذكور فتأمل.

(5) لعدم الدليل عليه و خلاف العموم و الاطلاق المنعقدين في الكتاب و السنة بل يمكن أن يقال: ان هذا الاشتراط ينافي حكمة التشريع فان العادل أقلّ قليل فيلزم أن يبقي الفساق من سادات المساكين و ابناء السبيل بلا مؤنة و هو كما تري.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 122

[مسألة 73: الأحوط إن لم يكن أقوي أن لا يعطي الفقير أكثر من مؤنة سنته]

(مسألة 73): الاحوط ان لم يكن أقوي أن لا يعطي الفقير أكثر من مؤنة سنته (1) و يجوز البسط و الاقتصار علي اعطاء صنف واحد

______________________________

(1) ما يمكن أن يقال في المقام للاستدلال علي المدعي وجوه: الوجه الأول ما أفاده سيدنا الاستاد و هو: «ان الفقر معتبر في المدفوع اليه و حيث انه يكون واجدا لمؤنة سنته لا يكون فقيرا فلا يجوز دفع الخمس اليه أكثر من هذا المقدار اذ بالاعطاء يصير غنيا و يخرج عن عنوان الفقير فلا يجوز».

و يرد عليه: ان ملكيته لمقدار المئونة مع الزيادة في زمان واحد فيصح أن يقال: ان هذا المقدار اعطي للفلان الذي كان فقيرا و الان يكون غنيا و لا دليل علي عدم جواز اعطائه أكثر من مؤنة سنته. و ان شئت قلت: ما دام لم يحصل التملك لا يكون غنيّا و بعد التملك لا يدفع اليه و بعبارة اخري: يصح أن يقال:

ان زيدا الفقير اعطي هذا المقدار من الخمس فهذا الوجه غير تام.

الوجه الثاني: ما أفاده سيد المستمسك قدس سره و هو: «ان الدليل في المقام يدل باطلاقه علي جواز دفع الاكثر فلا بد من الاقتصار علي المقدار المعلوم جوازه و هو هذا المقدار». و فيه: ان الجواز علي القاعدة فان السيد الفقير مصداق للكلي

الجامع المالك للخمس و تطبيق الكلي علي الفرد علي طبق القاعدة الاولية و عدم الجواز يحتاج الي الدليل.

الوجه الثالث: مرسلا حماد و أحمد «1» فان المستفاد من الخبرين ان اعطائهم بمقدار استغنائهم في سنتهم فلا يجوز الازيد. و فيه: ان الخبرين ضعيفان سندا فلا يكونان قابلين للاستدلال بهما و عليه ان تم اجماع تعبدي كاشف علي المدعي فهو و إلا يشكل الجزم بعدم الجواز.

______________________________

(1) لاحظ ص: 119

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 123

بل يجوز الاقتصار علي اعطاء واحد من صنف (1).

______________________________

(1) الظاهر من الاية الشريفة ان الخمس ملك لأصحابه بمقتضي لام الملك فيلزم أن يكون كل خمس و لو كان درهما واحدا مملوكا لكل واحد من المساكين من السادات و لكل واحد من الايتام الفقراء من السادات و ابن السبيل السيد و لا يمكن الالتزام به اذ كيف يمكن أن يحكم الشارع الاقدس بمملوكية درهم واحد لزيد ساكن في بلدة خراسان مثلا و لكل واحد من المساكين الايتام الموجودين في العالم و هل يمكن امتثال مثل هذا التكليف؟ فهذا الاحتمال مقطوع العدم فلا يمكن الجمع بين صدر الاية و ذيلها فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية و ابقاء الجمع المحلي بحاله و الالتزام بأن اللام لبيان المصرف و بين ابقاء اللام علي ظهورها و رفع اليد عن ظهور الجمع في الافراد و الالتزام بأن المراد من ذيل الاية الانواع الثلاثة لا أفرادها أو الجامع بين هذه الاصناف فطبعا بعد التعارض تصبح الاية مجملة و غير قابلة للاستناد.

أو نقول: حيث ان ظهور الذيل في الافراد ظهور وضعي و ظهور اللام في الملكية اطلاقي يقدم الظهور الوضعي علي الاطلاقي. و يرد علي هذا التقريب

ان المذكورين في الاية ان كانوا مصارف للخمس يلزم جواز صرف الخمس بتمامه في الطوائف الثلاث أي الفقير و اليتامي و ابناء السبيل و الحال انه لا اشكال في أن سهم اللّه و الرسول و الامام ملك للإمام و لا يجوز التصرف فيه الا مع العلم برضاه فاذا ثبت كون نصف الخمس ملكا للإمام عليه السلام فالسهام الباقية مملوكة لأصحابها علي ذلك النحو فان وحدة السياق تقتضي ذلك.

و بعبارة اخري: اللام في الاية المباركة للملك بلا اشكال بالنسبة الي سهم الامام عليه السلام و مقتضي العطف ان الامر كذلك بالنسبة الي الطوائف الثلاث الاخيرة و حيث انه لا يمكن الالتزام بالملكية لجميع الافراد من كل طائفه نفهم

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 124

______________________________

ان المراد بالمساكين و الايتام الجامع لا الاشخاص.

و يؤيد هذه الدعوي قوله: «وَ ابْنَ السَّبِيلِ» حيث ذكره بعنوان الجنس و الحال انه لا فرق بين ابن السبيل و غيره ظاهرا فتأمل. فالنتيجة: ان المستفاد من الاية ان الخمس ملك لأصحابه علي نحو الاشاعة كما هو الظاهر من الاية الشريفة هذا بالنسبة الي الاية المباركة و أما النصوص فيستفاد من جملة منها ان الخمس مملوك لأصحابه علي نحو الاشاعة.

لاحظ ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أيسر ما يدخل العبد النار؟ قال: من أكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم «1».

و ما روي عن الصادق عليه السلام قال: ان اللّه لا إله الا هو لما حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال «2».

و ما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اني لأخذ من

أحدكم الدرهم و اني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما اريد بذلك الا أن تطهروا «3».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 124

و ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشتري شيئا من الخمس لم يعذره اللّه اشتري ما لا يحل له «4».

و ما رواه عمران بن موسي عن موسي بن جعفر عليه السلام قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: ما كان للّه فهو لرسوله و ما كان لرسوله فهو لنا ثم قال: و اللّه لقد يسر اللّه علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و أكلوا أربعة احلاء ثم

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 125

______________________________

قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به و لا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان «1».

و ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: كل شي ء قوتل عليه علي شهادة أن لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فان لنا خمسه و لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا حقنا «2».

و ما رواه في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده عن علي عليه السلام قال: و أما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الامارة و وجه العمارة و وجه الاجارة و وجه التجارة و

وجه الصدقات فأما وجه الامارة فقوله: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ «وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ» فجعل للّه خمس الغنائم الحديث «3».

و ما رواه ابن شجاع و ما رواه علي بن مهزيار «4».

و ما رواه حماد بن عيسي «5». فيدور الامر بين أن يكون مملو كالطوائف الثلاث لكل طائفة السدس و بين أن يكون المالك الجامع بين الطوائف و أما احتمال كونه مملوكا لكل واحد من أفراد كل طائفة من الطوائف الثلاث فهو مقطوع العدم كما تقدم فالحق هو الثاني.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 12

(4) لاحظ ص: 95 و 103

(5) الوسائل الباب 1 من أبواب قسمة الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 126

[مسألة 74: المراد من بني هاشم من انتسب اليه بالأب]

(مسألة 74): المراد من بني هاشم من انتسب اليه بالاب أما اذا كان بالام فلا يحل له الخمس و تحل له الزكاة (1).

______________________________

أو لا لو قلنا: باشتراكه بين الطوائف الثلاث يلزم تعطيل حصة ابن السبيل في كثير من الموارد لقلة وجوده و هو كما تري. ثانيا: ان السيرة الجارية بين المتشرعة في جميع الاعصار و الامصار علي عدم الالتزام بالبسط و الاكتفاء بتخصيصه بطائفة واحدة بلا نكير و انه لو كان البسط واجبا لكان أمرا ظاهرا واضحا و الحال انه ليس كذلك بل خلافه مورد السيرة كما ذكرنا.

ثالثا: اذا وصلت النوبة الي الشك فمقتضي اصالة البراءة عدم وجوب البسط بل ايصاله الي طائفة خاصة يكفي في مقام الامتثال. فتحصل مما ذكرنا انه لا يجب البسط كما انه لا يجب الاستيعاب بل يكفي دفع جميع الخمس الي فرد من أفراد كل

طائفة من الطوائف الثلاث الا أن يقال: ان الشك في كفاية الدفع الي الجامع المنطبق علي احدي الطوائف ناش عن انطباق موضوع الحكم علي هذه الطائفة.

و بعبارة اخري: نشك في كون المالك هو الجامع أو النوع الخاص و مقتضي الاصل عدم كون الجامع مالكا و لا يعارضه عدم كون النوع الخاص مالكا إذ به لا يثبت كون الجامع مالكا و من ناحية اخري يجب ايصال المال الي مالكه فلا يحرز الايصال الا بالبسط فلاحظ.

(1) و هذا هو المشهور عند القوم بل نسب الي عامة الأصحاب عدا المرتضي و في النسبة اشكال و استدل علي المدعي بوجوه: الوجه الأول: مرسل حماد «1» فانه يدل بالصراحة ان الانتساب من طرف الام لا يكفي اذ صرح فيه «و من كانت امه من بني هاشم و أبوه من ساير قريش فان الصدقات تحل له و ليس له من الخمس شي ء» و من الظاهر ان من تحل له الصدقة يحرم عليه الخمس و هذه الرواية لا قصور

______________________________

(1) عين المصدر

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 127

______________________________

في دلالتها علي المدعي لكن لا اعتبار بسندها لأجل الارسال و سندها الاخر ضعيف أيضا.

الوجه الثاني: ان المستفاد من بعض النصوص ان العنوان المأخوذ في موضوع حرمة الصدقة عنوان الهاشمي أو بني هاشم لاحظ ما رواه عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم علي صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه عز و جل للعاملين عليها فنحن أولي به فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

يا بني عبد المطلب (هاشم) ان الصدقة لا

تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة الي أن قال: أ تروني مؤثرا عليكم غيركم «1».

و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم و أبو بصير و زرارة كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ان الصدقة أوساخ أيدي الناس و ان اللّه قد حرم علي منها و من غيرها ما قد حرمه و ان الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب الحديث «2».

و لاحظ ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظائرهم من بني هاشم «3».

و لاحظ ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: انه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي الي صدقة ان اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ثم قال: ان الرجل اذا لم يجد شيئا حلت له الميتة و الصدقة لا تحل لأحد

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 128

______________________________

منهم الا أن لا يجد شيئا و يكون ممن يحل له الميتة «1».

فان المستفاد من هذه النصوص ان من تحرم عليه الزكاة و يجوز له الخمس عنوان الهاشمي أو عنوان بني هاشم و حيث ان هذا العنوان لا ينطبق علي من يكون منسوبا الي هاشم بالام فلا يكون الانتساب بالأم كافيا في جواز الخمس و علي تقدير الشك في الصدق يكفي نفس الشك لعدم الجواز اذ لا يجوز الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية بل مقتضي جريان الاستصحاب في الشبهة

المفهومية احراز عدم الانتساب و لا تنافي بين عدم صدق هذا العنوان و صدق الولد و البنت و الابن فمن يكون منسوبا الي هاشم من قبل الام لا يصدق عليه الهاشمي و ان كان يصدق عليه ابن هاشم و لذا يصدق علي أولاد فاطمة عليها السلام ابناء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.

الوجه الثالث: انه لو لا الاختصاص المذكور لقل وجود غير هاشمي بين الناس اذ قلما يوجد شخص لا تكون احدي جداته هاشمية فلو تزوجت هاشمية بغير هاشمي يكون جميع نسلها من بني هاشم و يكون أخذ الزكاة حراما عليه و جاز أخذ الخمس له و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ كلا بل يمكن القطع بخلافه و نعم ما قال سيد المستمسك قدس سره في هذا المقام فانه قدس سره قال في جملة كلام له:

«بل الظاهر بعد التأمل ان الحكم بعدم جواز أخذ المنتسب بالام الي هاشم الخمس أوضح من أن يحتج عليه بالمرسل أو غيره من الادلة و لا يظن من السيد المرتضي و من نظرائه من علماء الامامية أن يرضي بنسبة القول بجواز أخذ الخمس للزبيريين و أمثالهم من العشائر و القبائل الذين احدي جداتهم من بني هاشم و بحرمة الصدقة عليهم و بصحة كون الامام الصادق و من بعده من الائمة عليهم السلام و أولادهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 129

و لا فرق في الهاشمي بين العلوي و العقيلي و العباسي (1).

______________________________

تميميين لكون جدتهم أم فروة» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

(1) لان الموضوع- علي ما يظهر من النصوص- هو الهاشمي و بنو هاشم لاحظ ما رواه ابن سنان «1» فان المستفاد من

الحديث ان الموضوع من يكون من بني هاشم بل صرح في الحديث بحرمة الزكاة علي ولد عباس و من الظاهر أن من تكون الزكاة محرمة عليه يكون اخذ الخمس حلالا له.

و يظهر من بعض النصوص خلاف المدعي لاحظ مرسل أحمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة أشياء الي أن قال: فأما الخمس فيقسم علي ستة أسهم: سهم للّه و سهم للرسول صلي اللّه عليه و آله و سهم لذوي القربي و سهم لليتامي و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل فالذي للّه فلرسول اللّه فرسول اللّه أحق به فهو له خاصة و الذي للرسول هو لذي القربي و الحجة في زمانه فالنصف له خاصة و النصف لليتامي و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد عليهم السلام الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة عوضهم اللّه مكان ذلك بالخمس الحديث «2».

فان المستفاد من الحديث ان الموضوع عنوان آل محمد صلي اللّه عليه و آله و الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بها و لاحظ مرسل حماد «3» فان المستفاد من الرواية ان الموضوع عنوان أهل بيت محمد صلي اللّه عليه و آله حيث قال فيها:

«و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته» و الرواية ضعيفة بالارسال مضافا الي أن المستفاد من الخبر ان الموضوع بنو عبد المطلب حيث قال فيه: «و هؤلاء الذين جعل

______________________________

(1) لاحظ ص: 127

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب قسمة الخمس الحديث: 9

(3) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 130

و ان كان الاولي تقديم العلوي بل الفاطمي (1).

[مسألة 75: لا يصدق من ادعي النسب إلا بالبينة]

(مسألة 75): لا يصدق من ادعي النسب (2) الا بالبينة (3) و يكفي

______________________________

اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي

صلي اللّه عليه و آله الذين ذكرهم اللّه فقال:

«وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» و هم بنو عبد المطلب» فلا دلالة في الرواية علي المدعي.

و أما حديث سليم بن قيس «1» فلا دلالة فيه علي المدعي اذ المستفاد من الرواية ان المراد بذي القربي هم الائمة عليهم السلام و لا تنافي بين هذا المعني و كون بني هاشم موضوعا للخمس مضافا الي أن أهل البيت لا يشمل غيرهم عليهم السلام فلا يجوز الخمس حتي للهاشمي و هو كما تري و يضاف الي جميع ذلك ان السند مخدوش بسليم حيث انه لم يوثق و قول البرقي في حقه ان كان دالا علي الوثاقة لا يفيد لكون البرقي بنفسه محل الكلام و الاشكال.

(1) فان التقديم بهذا العنوان نحو تكريم لعلي عليه السلام و لفاطمة الصديقة عليها السلام و من الظاهر ان تكريمهما عليهما السلام و ابراز الولاء بالنسبة اليهما أمر محبوب.

(2) لعدم دليل علي اعتبار دعواه فان هذه الدعوي كبقية الدعاوي تحتاج الي الاثبات و لا يقاس هذا المورد علي دعوي الفقر اذا لفقر مطابق للأصل فان الغناء أمر حادث يحكم بعدمه بالاستصحاب و أما المقام فمقتضي الاستصحاب عدم انتسابه الي هاشم و استصحاب عدم الانتساب الي غير هاشم لا يفيد الا علي القول بالمثبت مضافا الي أنه يعارضه اصل عدم الانتساب الي هاشم.

(3) فانها حجة و يثبت بها المدعي و في المقام رواية رواها يونس بن عبد الرحمن

______________________________

(1) لاحظ ص: 117

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 131

في الثبوت الشياع و الاشتهار في بلده (1) كما يكفي كل ما يوجب الوثوق و الاطمئنان به (2).

[مسألة 76: لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته علي المعطي علي الأحوط]

(مسألة 76): لا يجوز اعطاء الخمس لمن تجب نفقته علي المعطي علي الاحوط (3) نعم

اذا كانت عليه نفقة غير لازمة للمعطي

______________________________

عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البينة اذا اقيمت علي الحق أ يحل للقاضي أن يقضي بقول البينة؟ فقال خمسة أشياء يجب علي الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و الذبائح و الشهادات و الانساب فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه «1»، ربما يستدل بها علي المدعي لكنها مرسلة فلا اعتبار بها.

(1) في كفاية مجرد الاشتهار و الشياع في البلد اشكال ما دام لا يحصل الوثوق بالانتساب و تحقق السيرة الخارجية العقلائية بترتيب الآثار علي الشهرة الخارجية الممضاة عند الشارع أول الكلام و الاشكال.

(2) لان الاطمينان حجة عقلائية ممضاة شرعا بلا كلام.

(3) لما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الاب و الام و الولد و المملوك و المرأة و ذلك انهم عياله لازمون له «2».

فان هذه الرواية و ان كانت واردة في الزكاة لكن حيث ان الخمس بدل عن الزكاة فيجري فيه ما يجري فيها من الاحكام و الانصاف ان الجزم بالتلازم مشكل لعدم الدليل علي التلازم و المستفاد من النصوص و الفتوي ان الخمس جعل للهاشمي

______________________________

(1) فقيه ج 3 ص: 9 حديث: 1

(2) الوسائل الباب 13 من ابواب المستحقين للزكاة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 132

جاز ذلك (1).

[مسألة 77: يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور]

(مسألة 77): يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور (2) و الاحوط استحبابا الدفع الي الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع الي المستحق (3).

______________________________

لحرمة الزكاة عليه فان الزكاة وسخ و لا يليق بالهاشمي أن يأكل أو ساخ الناس فجعل له الخمس كرامة

للنبي صلي اللّه عليه و آله و لا يستفاد من هذا البيان تلازم المقامين في الاحكام و لذا نري تغاير الموردين في كثير من الاحكام بحيث يمكن أن يقال: انه يلزم تخصيص الاكثر و لا يبعد ان ما أفاده سيد العروة في المقام من بناء الحكم علي الاشكال و عدم الجزم ناشئ من ذلك فلاحظ.

(1) قد ذكرنا في كتاب الزكاة انه لم يظهر لنا وجه الفرق و التفصيل فان علة المنع المستفادة من الحديث مشتركة، و بعبارة اخري: علة المنع كونهم لازمون له و لزومهم له و كونهم عياله علي حاله فما وجه التفريق نعم قد ورد النص الخاص علي جواز اداء دين الاب من الزكاة لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل علي أبيه دين و لأبيه مؤنة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: نعم و من أحق من أبيه «1»؟.

(2) مقتضي القاعدة الاولية عدم جواز الاستقلال لان تعلق الخمس علي نحو الاشاعة كما تقدم و تقسيم المال المشترك لا بد أن يكون بأذن الشريك أو باذن من بيده الامر و حيث ان ولي الامر في زمن الغيبة الحاكم الشرعي الجامع للشرائط فلا بد أن يكون باذنه الا أن يقوم دليل علي جواز الاستقلال.

(3) قد ظهر مما ذكرناه انه الاظهر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 133

[مسألة 78: النصف الراجع للإمام عليه و علي آبائه أفضل الصلاة و السلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلي نائبه]

(مسألة 78): النصف الراجع للإمام عليه و علي آبائه أفضل الصلاة و السلام يرجع فيه في زمان الغيبة الي نائبه و هو الفقيه المأمون العارف بمصارفه اما بالدفع اليه أو الاستئذان منه (1) و مصرفه ما يوثق برضاه عليه السلام

بصرفه فيه كدفع ضرورات المؤمنين من السادات زادهم اللّه تعالي شرفا و غيرهم و الاحوط استحبابا نية التصدق به عنه عليه السلام و اللازم مراعاة الاهم فالاهم و من أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قل فيه المرشدون و المسترشدون اقامة دعائم الدين و رفع أعلامه و ترويج الشرع المقدس و نشر قواعده و أحكامه و مؤنة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلون أنفسهم في تعليم الجاهلين و ارشاد الضالين و نصح المؤمنين و وعظهم و اصلاح ذات بينهم و نحو ذلك مما يرجع الي اصلاح دينهم و تكميل نفوسهم و علو درجاتهم عند ربهم تعالي شأنه و تقدست اسمائه (2).

______________________________

(1) فان المفروض انه ملكه و يلزم ارجاع أمره اليه و حيث انه لا يمكن الوصول اليه فلا بد من مراجعة الحاكم الشرعي اي النائب العام المرجع في الامور.

(2) ربما يقال: ان مصرفه مصرف المجهول المالك فان المستفاد من حديث يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام و أنا حاضر الي أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فاي شي ء نصنع به؟ قال: تحملون حتي تحملوه الي الكوفة قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال:

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 134

و الاحوط لزوما مراجعة المرجع الاعلم المطلع علي الجهات العامة (1).

[مسألة 79: يجوز نقل الخمس من بلده إلي غيره مع عدم وجود المستحق]

(مسألة 79): يجوز نقل الخمس من بلده الي غيره مع عدم وجود المستحق (2) بل مع وجوده اذا لم يكن النقل تساهلا و تسامحا في اداء

______________________________

اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه الحديث «1»،

ان المال الذي لا يمكن ايصاله الي مالكه حكمه حكم المجهول مالكه اذا السائل في الخبر يعرف الرفيق لكن لا يعرف بلده و لا يدري أين هو و عليه يجب التصدق بسهم الامام عليه السلام لهذه الرواية و عن الجواهر تقوية هذا القول.

و يرد عليه- مضافا الي النقاش في سند الرواية بلحاظ العبيدي- ان ايصال المال الي مورد يكون المالك راضيا به نحو ايصال اليه فلا يشمله دليل التصدق مثلا لو علمنا ان العباء الفلاني لزيد و لا يمكننا الوصول اليه لكن نعلم بأنه يرضي أن يلبسه أخوه و يستفيد منه لا يجوز التصدق به.

و بعبارة اخري: التصدق بعد عدم امكان الايصال و هذا نحو من الايصال فلا بد من صرف سهمه المبارك في موارد رضاه و عليه لو علم المالك بأنه عليه السلام يرضي بصرفه في المصرف الكذائي و لا يحتمل دخل اذن المرجع المجتهد جاز له القيام به بنفسه بلا اذن من الحاكم لكن هل يمكن حصول مثل هذا الوثوق.

(1) من باب ان التصرف محصور في دائرة العلم بالرضا فلو احتمل عدم رضاه الا مع اذن الاعلم يجب استيذانه و اللّه العالم.

(2) يتصور نقل الخمس علي نحوين: احدهما أن يفرزه بأذن الحاكم ثم ينقل ما يفرزه. ثانيهما: أن ينقل مجموع المال الذي فيه الخمس و علي كلا التقديرين يجوز مع عدم المستحق في البلد بل النقل راجح بل واجب في الجملة لوجوب

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب اللقطة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 135

الخمس (1) نعم يجوز دفعه في البلد الي وكيل الفقير و ان كان هو في البلد الاخر (2) كما يجوز دفعه الي وكيل الحاكم الشرعي (3) و كذا اذا

و كل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثم ينقله اليه (4).

[مسألة 80: إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك فاللازم عدم التساهل و التسامح في أداء الخمس]

(مسألة 80): اذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك فاللازم عدم التساهل و التسامح في اداء الخمس (5) و الاحوط تحري أقرب الازمنة في الدفع سواء أ كان بلد المالك أم المال أم غيرهما (6).

[مسألة 81: في صحة عزل الخمس بحيث يتعين في مال مخصوص إشكال]

(مسألة 81): في صحة عزل الخمس بحيث يتعين في مال مخصوص اشكال (7) و عليه فاذا نقله الي بلد لعدم وجود المستحق فتلف

______________________________

ايصال كل مال الي صاحبه.

(1) الجزم بالجواز علي الاطلاق مشكل فان النقل اذا كان مستلزما للتأخير اشكل الحكم بالجواز و لا مجال للتمسك في الجواز بالاصل اذا بقاء مال الغير و حبسه حرام فيجب ايصاله الي من في البلد اذا كان في النقل تأخير.

(2) هذا علي طبق القاعدة الاولية فان يد الوكيل يد الموكل فايصاله اليه ايصال الي مصداق الكلي المالك.

(3) بعين الملاك اذ المفروض ولاية الحاكم و يد وكيله يده.

(4) كما هو ظاهر فانه بعد كونه وكيلا عن الحاكم يكون كغيره من الوكلاء فيجري عليه ما يجري عليهم كما يجري له ما يجري لهم من الاحكام.

(5) لوجوب اداء الخمس و ايصال مال الغير الي مالكه فلا يجوز التساهل.

(6) بل الاظهر فانه لا دليل علي جواز التأخير.

(7) لعدم الدليل علي صحة العزل.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 136

بلا تفريط يشكل فراغ ذمة المالك (1) نعم اذا قبضه وكالة عن المستحق أو عن الحاكم فرغت ذمته (2) و لو نقله باذن موكله فتلف من غير تفريط لم يضمن (3).

[مسألة 82: إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي جواز احتسابه عليه من الخمس إشكال]

(مسألة 82): اذا كان له دين في ذمة المستحق ففي جواز احتسابه عليه من الخمس اشكال (4) فالاحوط وجوبا الاستئذان من الحاكم الشرعي في الاحتساب المذكور (5).

______________________________

(1) لعدم تعين الخمس فيما أفرزه علي الفرض فان كان المنقول المال المشترك يتوجه الضرر بالنسبة و ان كانت الذمة مشغولة بالخمس تكون باقية باشتغالها لعدم المقتضي لبراءتها.

(2) اذ فرض دفع الخمس الي من يكون أهلا له فلا وجه لاشتغال الذمة.

(3) لكون يده يدا امانية فلا ضمان إلا مع التفريط.

(4)

اذ لا دليل عليه و بعبارة اخري: الخمس متعلق بالعين و اكتفاء ادائه من غيرها يتوقف علي قيام دليل عليه و حيث لم يقم عليه دليل في المقام فلا يجوز.

(5) فيجوز باذن الحاكم الشرعي بتقريب: ان المرجع في الامور الحسبية هو الحاكم و للنقاش فيما افيد مجال اذ ولاية الحاكم بهذا المقدار اول الكلام و الاشكال الا أن يرجع الامر الي التصالح حيث ان الحاكم ولي مالك الخمس و هو الكلي الجامع و المفروض ان فرد ذلك الجامع مشغولة ذمته فيجوز المصالحة مع ولي الامر بالنحو المذكور فلاحظ. و الحمد للّه اولا و آخرا و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و اللعن علي أعدائهم الي يوم الدين.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 137

[كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر]

اشارة

كتاب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر من اعظم الواجبات الدينيه الامر بالمعروف و النهي عن المنكر (1) قال اللّه تعالي: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1».

و قال النبي صلي اللّه عليه و آله: كيف بكم اذا فسدت نساؤكم، و فسق شبابكم و لم تأمروا بالمعروف، و لم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: و يكون ذلك يا رسول اللّه؟ قال صلي اللّه عليه و آله، كيف بكم اذا امرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يكون ذلك؟ فقال: نعم و شر من ذلك، كيف بكم اذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا «2».

______________________________

(1) بلا اشكال اذ بهما تقام الفرائض و تجتنب المحرمات و بعبارة اخري ان

______________________________

(1) آل عمران/ 104

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب الامر بالمعروف و

النهي عن المنكر الحديث: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 138

و قد ورد عنهم- عليهم السلام- ان بالامر بالمعروف تقام الفرائض و تأمن المذاهب، و تحل المكاسب، و تمنع المظالم، و تعمر الارض و ينتصف للمظلوم من الظالم، و لا يزال الناس بخير ما امروا بالمعروف، و نهوا عن المنكر، و تعاونوا علي البر، فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلط بعضهم علي بعض، و لم يكن لهم ناصر في الارض و لا في السماء «1».

[مسائل]

[مسألة 1: يجب الأمر بالمعروف الواجب و النهي عن المنكر]

(مسألة 1): يجب الامر بالمعروف الواجب و النهي عن المنكر (1).

______________________________

وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر يقتضي ثبوت ولاية كل واحد من آحاد المكلفين علي الاخر بدعوتهم الي المعروف و نهيهم عن المنكر مضافا الي ذكرهما في الكتاب مكررا بالاضافة الي ذكرهما في النصوص العديدة التي يمكن أن يقال بتواترها كما يتضح الامر لمن يراجعها و سيمر عليك جملة منها أثناء البحث إن شاء اللّه تعالي.

(1) اجماعا من المسلمين بقسميه عليه كما في الجواهر، و استدل علي المدعي بعدة آيات منها قوله تعالي: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «2» فان المستفاد من الاية الشريفة وجوب قيام امة بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و بعبارة اخري قد امر الشارع بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الامر ظاهر في الوجوب.

و منها قوله تعالي: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6 و 18

(2) آل عمران: 104

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 139

______________________________

وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ «1» فان المستفاد من الاية تقرير الشارع المقدس

الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و بعبارة اخري ليس لأحد حق لأن يأمر غيره بشي ء أو ينهاه عن شي ء الا مع الولاية الشرعية و السلطنة من قبل الشارع و هذا المعني يستفاد من الاية الشريفة.

و لكن هذا التقريب لا يقتضي وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بل غايته جوازهما او رجحانهما و اما الالزام فلا، و ربما يقال في مقام التقريب بأن اللّه تبارك تعالي، وعد أن ينصر الذين يدافعون عن دينه ثم وصفهم بانهم يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فدلالة الاية علي الوجوب ظاهرة، و فيه ان التقريب المذكور لا يستفاد منه الا رجحان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و منها قوله تعالي كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ الآية «2». بتقريب ان المستفاد من الاية الشريفة ان علة كون المسلمين خير امة قيامهم بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر فلو تركوهما لم يكونوا خير امة و لم يكونوا مؤمنين باللّه.

و فيه انه لا يستفاد من الاية ان من آثار تركهما عدم الايمان باللّه. و علي فرض دلالتها لا يمكن الالتزام به اذ لا اشكال في أن ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يكون مساوقا لعدم الايمان باللّه، فدلالة الاية علي المدعي ليست واضحة.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة كثيرة من النصوص: منها ما رواه مسعدة بن صدقه عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله:

______________________________

(1) الحج/ 41

(2) آل عمران/ 110

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 140

وجوبا كفائيا (1) اذا لم يقم به واحد أثم الجميع و استحقوا العقاب.

______________________________

كيف بكم اذا فسدت نساؤكم، و فسق شبابكم و

لم تأمروا بالمعروف، و لم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: و يكون ذلك يا رسول اللّه؟ فقال: نعم و شر من ذلك، كيف بكم اذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟ فقيل له يا رسول اللّه و يكون ذلك؟

قال: نعم و شر من ذلك كيف بكم اذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا «1».

و منها غيره مما ورد في الباب: 1 من أبواب الأمر و النهي من الوسائل فان المستفاد من بعض هذه الروايات الواردة في هذا الباب و طائفة اخري مما وردت في ابواب اخر وجوبهما و يمكن الاستدلال علي المدعي بالإجماع.

قال في الجواهر الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان، اجماعا من المسلمين بقسميه عليه. و لكن هل يمكن تحصيل الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم مع وجود الآيات و النصوص المشار اليها.

الا ان يقال ان وجوبهما في الجملة من واضحات الفقه ان لم يكن من ضروريات الدين.

(1) المسألة مورد الخلاف بين الاصحاب فذهب الي كل من القولين جملة من الاساطين، و الظاهر ان الحق ما ذهب اليه الماتن للآية الشريفة «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «2». فان المستفاد منها بالصراحة ان وجوبهما متوجه الي بعض المكلفين و بعبارة اخري المستفاد من الاية المباركة بمقتضي التبعيض المستفاد من الجار الوجوب الكفائي.

و يؤيد المدعي ما رواه مسعدة بن صدقه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الامر و النهي الحديث: 12

(2) آل عمران/ 104

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 141

______________________________

يقول و سئل عن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أو اجب هو علي الامة جميعا؟

فقال: لا،

فقيل له: و لم؟ قال: انما هو علي القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا علي الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا الي أي من أي يقول من الحق الي الباطل و الدليل علي ذلك كتاب اللّه عز و جل قوله: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» فهذا خاص غير عام كما قال اللّه عز و جل «وَ مِنْ قَوْمِ مُوسيٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» و لم يقل علي امة موسي و لا علي كل قومه و هم يومئذ امم مختلفة و الامة واحد فصاعدا كما قال اللّه عز و جل:

«إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ» يقول: مطيعا للّه عز و جل و ليس علي من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج اذا كان لا قوة له و لا عدد و لا طاعة، قال مسعدة: و سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلي اللّه عليه و آله ان أفضل الجهاد كلمة عدل عند امام جائر ما معناه قال: هذا علي أن يأمره بعد معرفته، و هو مع ذلك يقبل منه و الا فلا «1».

فان الامام عليه السلام استدل علي عدم الوجوب العيني بالآية الشريفة فلا مجال للقول بالوجوب العيني.

بتقريب ان المستفاد من جملة من النصوص منها ما عن محمد بن عرفة قال:

سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول لتأمرن بالمعروف، و لتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم «2».

و بالاسناد عن الرضا عليه السلام انه سمعه يقول كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب الامر

و النهي الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب الامر و النهي الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 142

______________________________

يقول اذا امتي تواكلت «تواكلوا خ ل» الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاع من اللّه «1».

و منها عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: يكون في آخر الزمان قوم ينبع «يتبع خ ل» فيهم قوم مراءون «الي أن قال:» و لو اضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمي الفرائض و أشرفها، ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتم غضب اللّه عز و جل عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الابرار في دار الاشرار، و الصغار في دار الكبار، ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الانبياء، و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمه بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحل المكاسب، و ترد المظالم، و تعمر الارض، و ينتصف من الاعداء، و يستقيم الأمر الحديث «2».

و منها ما عن حسن قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللّه و اثني عليه ثم قال: أما بعد فانه انما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي و لم ينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك، و انهم لما تمادوا في المعاصي و لم ينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فامروا بالمعروف و نهوا «انهوا» عن المنكر، و اعلموا ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لن يقربا اجلا و لن يقطعا رزقا الحديث «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن محمد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان رجلا من خثعم جاء الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول

اللّه اخبرني ما أفضل الإسلام؟

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) نفس المصدر الحديث: 6

(3) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 143

______________________________

قال: الايمان باللّه، قال ثم ما ذا قال: صلة الرحم، قال: ثم ما ذا، قال: الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، قال: فقال الرجل: فاخبرني أي الاعمال أبغض الي اللّه، قال: الشرك باللّه، قال: ثم ما ذا؟ قال: ثم قطعية الرحم، قال: ثم ما ذا؟ قال:

الامر بالمنكر و النهي عن المعروف «1». و منها: ما رواه مسعدة بن صدقة «2».

و منها ما رواه الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام (في حديث شرايع الدين) قال: و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان علي من أمكنه ذلك، و لم يخف علي نفسه و لا علي اصحابه «3».

و منها ما رواه المسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ان اللّه يبغض المؤمن الضعيف الذي لا زبر له، و قال: هو الذي لا ينهي عن المنكر «4».

و منها ما رواه بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: ايها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، فان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لم يقربا اجلا و لم يباعد ارزقا الحديث «5».

و منها ما رواه عيسي العلوي، عن الحسن، عن ابيه، عن جده قال: كان يقال:

لا يحل لعين مؤمنة تري اللّه يعصي فتطرف حتي تغيره «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11

(2) لاحظ ص: 139

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الامر و النهي الحديث: 22

(4) نفس المصدر الحديث: 23

(5) نفس المصدر الحديث: 24

(6) نفس المصدر الحديث: 52

مباني منهاج الصالحين، ج 7،

ص: 144

______________________________

و منها ما روي عن الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام في تفسيره عن آبائه، عن النبي صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: لقد أوحي اللّه الي جبرئيل و أمره أن يخسف ببلد يشتمل علي الكفار و الفجار، فقال جبرئيل: يا رب أخسف بهم الا بفلان الزاهد ليعرف ما ذا يأمره اللّه فيه، فقال: اخسف بفلان قبلهم، فسأل ربه فقال: يا رب عرفني لم ذلك و هو زاهد عابد، قال: مكنت له و أقدرته فهو لا يأمر بالمعروف، و لا ينهي عن المنكر، و كان يتوفر علي حبهم في غضبي، فقالوا:

يا رسول اللّه فكيف بنا و نحن لا نقدر علي انكار ما نشاهده من منكر؟ فقال رسول صلي اللّه عليه و آله: لتأمرن بالمعروف، و لتنهن عن المنكر، أو ليعمنكم عذاب اللّه، ثم قال من رأي منكم منكرا فلينكر بيده ان استطاع، فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه فحسبه ان يعلم اللّه من قلبه انه لذلك كاره «1».

و منها ما رواه الحسن بن محمد الديلمي في (الارشاد) عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: قيل له: لا نأمر بالمعروف حتي نعمل به كله و لا ننهي عن المنكر حتي ننتهي عنه كله؟ فقال: لا بل مروا بالمعروف و ان لم تعملوا به كله و انهوا عن المنكر و ان لم تنتهوا عنه كله «2».

انهما واجبان علي جميع المكلفين فانه ترفع اليد عن هذه النصوص بمقتضي الاية الشريفة مضافا الي ضعف أسناد هذه الروايات فلا اثر لها.

اضف الي ذلك ان مقتضي السيرة الجارية بين المتشرعة عدم وجوبهما الا علي وجه الكفايه فانا نشاهد انه لو قام بعض للإتيان

بهما لا يقوم الآخرون و يرون

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الامر و النهي الحديث: 12

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب الامر و النهي الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 145

ان قام به واحد سقط عن غيره، و اذا لم يقم به واحد اثم الجميع و استحقوا العقاب (1).

[مسألة 2: إذا كان المعروف مستحبا كان الأمر به مستحبا]

(مسألة 2): اذا كان المعروف مستحبا كان الامر به مستحبا (2).

______________________________

ان التكليف ساقط عنهم و هذه آية ان وجوبهما علي نحو الكفاية.

(1) فانه مقتضي الوجوب الكفائي و في المقام شبهة و هي ان التكليف لو لم يكن متوجها الي الجميع فالي من يكون متوجها؟ اذ لا اشكال في عدم توجهه الي شخص.

ان قلت انما يتوجه الي كل شخص عند عدم قيام الاخرين به. قلت يلزم الوجوب العيني عند ترك الكل فيلزم الخلف و الحل ان المكلف هو الجامع و لا اشكال في أن الجامع ينطبق علي مصداقه و فرده.

و صفوة القول ان مقتضي التحقيق ان الوجوب الكفائي ما يكون متعلقا بالجامع بين المكلفين كما ان المأمور به هو الجامع في الوجوب التخييري بين مصاديق المكلف به و قد ذكرنا في بحث الاصول ما ينفع في المقام فلاحظ.

(2) بتقريب انه لا اشكال في كون المستحب داخلا في المعروف فيشمله المدح الوارد في الكتاب و السنة علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، لكن لا اشكال في استحباب الامر به اذ كيف يمكن أن نفس العمل يكون مستحبا و الامر به يكون واجبا.

و ان شئت قلت ان الامر بالمعروف مقدمة لتحققه و المفروض انه لا الزام بالنسبة الي تحققه و حصوله فكيف يمكن ان تكون مقدمته واجبة اضف الي ذلك:

ان الامر بالامر بشي ء امر بذلك الشي ء كما قرر

في الاصول، فيلزم أن يكون المستحب واجبا فيلزم الخلف.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 146

فاذا امر به كان مستحقا للثواب، و ان لم يأمر به لم يكن عليه اثم و لا عقاب (1) يشترط في وجوب الامر بالمعروف الواجب و النهي عن المنكر امور:

الاول: معرفة المعروف و المنكر و لو اجمالا، فلا يجبان علي الجاهل بالمعروف و المنكر (2).

______________________________

(1) كما هو مقتضي كونه مستحبا فان المستحب اذا تحقق في الخارج بقصد القربه يثاب عليه و اذا لم يتحقق لا يعاقب علي تركه و لا بد من تقييد كلام الماتن بهذا القيد.

(2) ما يمكن أن يستدل به علي المدعي او استدل به امور الاول: نفي الخلاف فيه و فيه اولا: ان المسألة خلافية كما يظهر لمن يراجع كلمات الاصحاب في هذا المقام.

و ثانيا: ان عدم الخلاف ان لم يرجع إلي الاجماع فلا اثر له و ان رجع اليه فلا يكون حجة لاحتمال استناد المجمعين الي بعض الوجوه المذكوره في المقام.

الثاني ما رواه المسعدة بن صدقه «1». فان المستفاد من هذه الرواية ان وجوبهما مشروط بالعلم بالمعروف و المنكر.

و فيه: ان الرواية ضعيفة سندا بمسعدة لعدم ثبوت وثاقته و مجرد كونه في اسناد كامل الزيارات لا اثر له.

الثالث، انه مع الشك في حرمة ما يفعله الغير أو وجوبه نشك في وجوب الامر النهي و مقتضي اصاله البراءة عدم وجوبه و فيه: انه لا مجال لأصالة البراءة في الشبهة الحكمية بل ثبت بالدليل المعتبر وجوب التعلم.

______________________________

(1) لاحظ ص: 140

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 147

الثاني: احتمال أتمار المامور بالمعروف بالامر، و انتهاء المنهي عن المنكر بالنهي، فاذا لم يحتمل ذلك، و علم ان الشخص الفاعل لا يبالي بالامر أو النهي،

و لا يكترث بهما لا يجب عليه شي ء (1).

______________________________

فالحق ان يقال: ان مقتضي وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر وجوبهما و لا وجه لاشتراط العلم و المعرفة.

(1) ادعي عدم الخلاف في عدم الوجوب مع عدم التأثير بل ادعي عليه الاجماع و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص:

منها ما رواه المسعدة بن صدقه «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان الوجوب يختص بمورد القبول و لا ريب في وفاء الحديث بالمدعي و لكن الاشكال في سنده كما مر.

و منها ما رواه يحيي الطويل صاحب المقري «المصري» قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انما يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم فأما صاحب سوط أو سيف فلا- «2» و هذه الرواية مخدوشة بيحيي فانه لم يثبت وثاقته.

و منها ما رواه داود الرقي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قيل له: و كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض لما لا يطيق «3» و هذه الرواية ضعيفة بداود الرقي.

و منها ما رواه الحارث بن المغيرة أن أبا عبد اللّه عليه السلام قال له: لأحملن

______________________________

(1) لاحظ ص: 140

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب الامر و النهي الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 148

الثالث: أن يكون الفاعل، مصرا علي ترك المعروف، و ارتكاب المنكر (1) فاذا كانت امارة علي الاقلاع، و ترك الاصرار لم يجب

______________________________

ذنوب سفهائكم الي علمائكم الي أن قال: ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به الاذي ان تأتوه فتؤنبوه و تعذلوه و تقولوا له قولا بليغا، قلت جعلت

فداك اذا لا يقبلون منا، قال: اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم «1».

و هذه الرواية ضعيفة بسهل، و للرواية سند آخر و ذلك السند أيضا فيه اشكال فلاحظ.

و منها ما رواه ابان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان المسيح عليه السلام يقول: ان التارك شفاء المجروح من جرحه شريك جارحه لا محالة الي أن قال فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير اهلها فتجهلوا، و لا تمنعوها اهلها فتأثموا، و ليكن احدكم بمنزلة الطبيب المداوي ان رأي موضعا لدوائه و الا أمسك «2» و هذه الرواية ضعيفة بسهل بن زياد.

فالنتيجة ان الجزم بالاشتراط مشكل، و علي الاشتراط لو شك في التأثير و عدمه بكون مقتضي البراءة عدم الوجوب كما هو المقرر في الشبهة الموضوعية فلا اثر لمجرد احتمال التأثير كما في المتن بل الوجوب يتوقف علي العلم بالتأثير أو العلمي.

و ربما يقال: ان مقتضي القاعده الاولية الوجوب مطلقا و انما دل الدليل علي عدم الوجوب في مورد عدم احتمال التأثير فيتم ما افاده في المتن.

(1) ادعي عدم الخلاف فيه مع القطع بعدم الامر، و قال في الجواهر «بل هما محرمان في هذه الصورة» و لا وجه للحرمة الا أن يعرضه عنوان محرم، و كيف

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الامر و النهي الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب الامر و النهي الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 149

شي ء (1)، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك، فمن ترك واجبا، أو فعل حراما و لم يعلم انه مصر، علي ترك الواجب، أو فعل الحرام ثانيا، أو انه منصرف عن ذلك أو نادم عليه لم يجب عليه شي، هذا بالنسبة الي من ترك المعروف، أو

ارتكب المنكر خارجا (2) و أما من يريد ترك المعروف أو ارتكاب المنكر فيجب امره بالمعروف و نهيه عن المنكر، و ان لم يكن قاصدا الا المخالفة مرة واحدة (3).

الرابع: أن يكون المعروف و المنكر منجزا في حق الفاعل،

______________________________

كان الحق عدم الوجوب مع عدم الموضوع و بعبارة اخري كل حكم تابع لموضوعه و مع فرض عدم فعل المنكر و ترك الواجب لا موضوع لوجوبهما.

(1) ربما يقال- كما في الجواهر- بأن الامارة اذا كانت ظنية يجب لإطلاق الدليل و استصحاب الوجوب.

و فيه ان المفروض ان الشبهة مصداقية و فيها لا مجال للأخذ بالاطلاق كما حقق في الاصول، و اما الاستصحاب فأيضا لا مجال له اذ مع احراز الموضوع لا يحتاج الي الاصل العملي، و يكفي الدليل الاجتهادي و مع عدم احرازه لا تكون اركان الاستصحاب تامة، فان الاستصحاب يتقوم ببقاء الموضوع.

و صفوة القول: انه مع الشك لا مجال لهما بل مقتضي القاعدة عدم الوجوب للبراءة الجارية في الشبهات الموضوعية.

(2) قد ظهر مما تقدم ان مقتضي القاعدة عدم الوجوب.

(3) لتمامية موضوعهما فيجب الامر و النهي.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 150

فان كان معذورا في فعله المنكر، أو تركه المعروف، لاعتماد ان ما فعله مباح و ليس بحرام، أو أن ما تركه ليس بواجب، و كان معذورا في ذلك للاشتباه في الموضوع، أو الحكم اجتهادا، أو تقليدا لم يجب شي ء (1).

الخامس: ان لا يلزم من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ضرر في النفس، أو في العرض، أو في المال، علي الامر، أو علي غيره من المسلمين، فاذا لزم الضرر عليه، أو علي غيره من المسلمين لم يجب شي ء (2).

______________________________

(1) لعدم الموضوع فلا مجال لهما و لوجوبهما فان الاحكام

تابعة لموضوعاتها.

(2) ما يمكن أن يستدل به علي المدعي أو استدل وجوه: الوجه الاول. عدم الخلاف فيه كما في الجواهر.

و فيه ان غايته الاجماع و حيث انه محتمل المدرك مع الوجوه المذكورة في المقام لا يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

الوجه الثاني: قاعدة نفي الضرر و هذا الوجه انما يتم علي مسلك المشهور و اما علي مسلك شيخ الشريعة الذي سلكناه فلا. و التفصيل موكول الي مجال آخر و من أراد التفصيل فليراجع رسالة قاعدة لا ضرر. فانا ذكرنا في تلك الرسالة ما خلج ببالنا القاصر.

الوجه الثالث: سهولة الملة و سماحتها و عدم الحرج في الدين. و هذا الوجه انما يتم في فرض كون تحمل الضرر المترتب علي الامر أو النهي حرجيا فالدليل اخص من المدعي.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 151

و الظاهر انه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر و الظن به و الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف (1) هذا اذا لم يحرز

______________________________

الوجه الرابع: ما رواه الاعمش «1»، و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم وفائها باثبات المدعي علي الاطلاق، بل تدل علي المقصود في الجملة، اذ لا تعرض فيها لتوجه الضرر الي احد المسلمين فلاحظ.

الوجه الخامس: ما رواه مفضل بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لي: يا مفضل من تعرض لسلطان جائر فاصابته بلية لم يوجر عليها، و لم يرزق الصبر عليها «2».

و هذه الرواية ضعيفة بكلا سنديها فلا دليل علي كون الضرر مقتضيا لارتفاع الوجوب بل يستفاد من بعض النصوص ضده لاحظ ما رواه بشر بن عبد اللّه عن أبي عصمة قاضي مرو، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يكون في آخر الزمان قوم ينبع

فيهم قوم مراءون فينقرون «ينفرون» و ينسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر الا اذا آمنوا الضرر، يطلبون لا نفسهم الرخص و المعاذير الي أن قال: هنا لك يتم غضب اللّه عليهم فيعمهم بعقابه الحديث «3».

(1) لا اشكال في اعتبار العلم لكونه حجة بحكم العقل، و أيضا لا اشكال في اعتبار الظن الاطميناني لكونه حجة عقلائية.

و اما مجرد الظن أو الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب للخوف فلا بد في اعتبارهما من قيام دليل عليه.

و يمكن أن يقال انهما حجة عقلائية في مثل هذه الموارد و الشارع الاقدس

______________________________

(1) لاحظ ص: 143

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الامر و النهي الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 152

تأثير الامر أو النهي و أما اذا أحرز ذلك فلا بد من رعاية الاهمية، فقد يجب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر أيضا، فضلا عن الظن به أو احتماله (1).

[مسألة 3: لا يختص وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يصنف من الناس دون صنف]

(مسألة 3): لا يختص وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر يصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة علي العلماء و غيرهم، و العدول و الفساق و السلطان و الرعية، و الاغنياء و الفقراء (2).

______________________________

لم يردع عن العمل بهما فيكونان حجة فلاحظ.

(1) لا اشكال عندهم في أن الضرر يوجب رفع الحكم التكليفي، فلا مجال لرعاية الاهمية و عدمها و بعبارة اخري: الضرر علي مسلك القوم رافع للحكم الالزامي فعليه يكون الماتن ناظرا الي مورد علم من الشارع عدم رعاية الضرر المتوجه فلا بد من رعاية ما هو الاقوي ملاكا في نظره.

(2) نقل عن بعض العلماء ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر يشترط

فيه أن يكون الامر عدلا و استدل علي المدعي بامور:

الاول: قوله تعالي أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتٰابَ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ «1».

بتقريب ان اللوم متوجه الي من يأمر و الحال انه تارك للوظيفة و فيه انه لا يبعد أن يكون اللوم متوجها الي ترك الوظيفة لا الي الامر بالمعروف و بعبارة اخري يلام الناس لنفسه لانحرافه عن الجادة.

______________________________

(1) البقرة: 44

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 153

______________________________

الثاني: قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» و التقريب ظاهر.

و فيه: انه يمكن أن يكون اللوم متوجها الي القول الذي لا عمل معه، اذ لا يحسن أن يقول الانسان و يعد وعدا لا يعمل به، مضافا الي أنه لا اشكال في عدم اختصاص وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بخصوص العادل.

الثالث: ما رواه ابن فتال عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: انما يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالم بما يأمر به تارك لما ينهي عنه عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهي، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهي … «2»

و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه محمد بن أبي عمير رفعه الي أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انما يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل (عالم خ ل) بما يأمر به، تارك لما ينهي عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهي، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهي «3» و الرواية ضعيفة بالرفع.

الرابع: عن نهج البلاغة، قال و قال عليه السلام: و أمروا بالمعروف و أتمروا به، و انهوا

عن المنكر و تناهوا عنه، و انما امرنا بالنهي بعد التناهي «4» و السند ضعيف بالارسال.

الخامس: ان الهداية فرع الاهتداء و فيه ان الوجه المذكور ذوقي لا برهاني

______________________________

(1) الصف: 2 و 3

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب الامر و النهي الحديث: 10

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب الامر و النهي الحديث: 3

(4) عين المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 154

و قد تقدم انه ان قام به واحد سقط الوجوب عن غيره، و ان لم يقم به احد اثم الجميع، و استحقوا العقاب (1).

للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مراتب:

الاول: الانكار بالقلب، بمعني اظهار كراهة المنكر، أو ترك المعروف (2).

______________________________

فالنتيجه انه لا وجه لهذا الاشتراط بل الحكم عام.

(1) و تقدم شرح المتن فراجع.

(2) ربما يستدل علي وجوب المرتبة الاولي بعد الخلاف تارة و بجملة من النصوص اخري اما عدم الخلاف فغايته رجوعه الي الاجماع و حيث انه يحتمل استناده الي النصوص المشار اليها لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

و أما النصوص فلا بد من ملاحظة اسنادها اولا و لحاظ دلالتها ثانيا: فمن تلك النصوص ما رواه جابر، عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: فانكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فان اتعظوا و الي الحق رجعوا فلا سبيل عليهم إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ هنالك فجاهدوهم بابدانكم و ابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا، و لا باغين مالا و لا مرتدين بالظلم ظفرا حتي يفيئوا إِليٰ أَمْرِ اللّٰهِ و يمضوا علي طاعته «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالارسال و غيره.

و منها

ما ارسله الشيخ الطوسي قدس سره قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

من ترك انكار المنكر بقلبه و لسانه «و يده خ» فهو ميت بين الاحياء في كلام هذا

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب الامر و النهي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 155

______________________________

ختامه «1». و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما رواه الرضي: و قد قال عليه السلام في كلام له يجري هذا المجري:

فمنهم المنكر للمنكر بقلبه و لسانه و يده فذلك المستكمل خصال الخير، و منهم المنكر بلسانه و قلبه التارك بيده فذلك مستمسك بخصلتين من خصال الخير و مضيع خصلة، و منهم المنكر بقلبه و التارك بيده و لسانه فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلاث تمسك بواحدة، و منهم تارك لإنكار المنكر بلسانه و قلبه و يده فذلك ميت الاحياء و ما اعمال البر كلها و الجهاد في سبيل اللّه عند الامر بالمعروف و النهي عن المنكر الا كنقية في بحر لجي، و ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يقربان من اجل و لا ينقصان من رزق، و افضل من ذلك كلمة عدل عند امام جائر «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالارسال.

و منها ما رواه أبو جحيفة قال: سمعت: أمير المؤمنين عليه السلام يقول ان اول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بايديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم، فمن لم يعرف بقلبه معروفا و لم ينكر منكرا قلب فجعل اعلاه اسفله. «3» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما عن العسكري عليه السلام «4» و الرواية ضعيفة بعدم ثبوت نسبة التفسير المزبور اليه عليه السلام.

و منها ما رواه يحيي الطويل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: حسب المؤمن

______________________________

(1) نفس

المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 9

(3) نفس المصدر الحديث: 10

(4) لاحظ ص: 144

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 156

اما باظهار الانزعاج من الفاعل أو الاعراض و الصد عنه، أو ترك الكلام معه، أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل علي كراهة ما وقع منه (1).

الثانية: الانكار باللسان و القول، بأن يعظه، و ينصحه، و يذكر له ما أعد اللّه سبحانه للعاصين من العقاب الاليم و العذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعده اللّه تعالي للمطيعين من الثواب الجسيم و الفوز في جنات النعيم (2).

الثالثة: الانكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية،

______________________________

غيرا اذا رأي منكرا أن يعلم اللّه عز و جل من قلبه انكاره … و رواه الشيخ باسناده عن علي بن ابراهيم بالاسناد الا انه قال: حسب المؤمن عزا اذا رأي منكرا أن يعلم اللّه من نيته انه له كاره «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالطويل مضافا الي انه لا يستفاد من جميع هذه الروايات الترتيب و لا تنافي بين وجوب كلا الامرين معا بل الانكار القلبي لا يرتبط بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(1) الظاهر انه لا دليل عليه بل الدليل قائم علي وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و اظهار الانزعاج و نحوه لا يكون مصداقا لعنواني الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(2) الظاهر انه لا دليل علي وجوب النصح و نحوه بل الدليل قائم علي وجوب الامر و النهي و هذان العنوانان مفهومان عرفيان لا اجمال فيهما و لا ينطبقان علي الوعظ و النصيحة فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الامر و النهي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 157

و لكل واحدة من هذه المراتب مراتب اخف و اشد، و

المشهور الترتيب بين هذه المراتب، فان كان اظهار الانكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه، و الا انكر باللسان، فان لم يكف ذلك انكره بيده (1) و لكن الظاهر ان القسمين الاولين في مرتبة واحدة فيختار الامر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما (2)، و قد يلزمه الجمع بينهما (3).

______________________________

(1) ان تم اجماعا فهو و الا فيشكل الحكم بالجواز مع عدم جوازه علي طبق القواعد الاولية الا في مورد قيام الدليل علي الجواز.

و صفوة القول ان المستفاد من الدليل اللفظي وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هذا المقدار لا يكفي لجواز الضرب، بل لا يقتضي جواز الشتم و السب.

و ان شئت قلت لا دليل علي منع حصول المنكر في الخارج كي يقتضي جواز مقدماته علي الاطلاق، بل الدليل انما دل علي الامر و النهي فلا بد من الاقتصار عليهما و الزائد عنهما يحتاج الي الدليل و لم نجده فلا بد من اتمام المدعي بالإجماع و التسالم بين الاصحاب ان تما و ما أفاده في الجواهر من أن المستفاد من الادلة ان المراد بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر الحمل علي ذلك بايجاد المعروف و التجنب عن المنكر لا مجرد القول «1» الي آخر كلامه زبد في علو مقامه دعوي بلا دليل و اللّه العالم.

(2) قد تقدم عدم دليل علي الترتيب كما أنه قد تقدم عدم قيام دليل علي وجوب المرتبة الاولي.

(3) الظاهر انه لا دليل الا علي وجوب الأمر و النهي كما تقدم.

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 21 ص 381.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 158

و أما القسم الثالث فهو مترتب علي عدم تأثير الاولين (1)، و الاحوط في هذا القسم الترتيب بين مراتبه فلا

ينتقل الي الاشد، الا اذا لم يكف الاخف (2).

[مسألة 4: إذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع الفاعل]

(مسألة 4): اذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع الفاعل ففي جواز الانتقال الي الجرح و القتل و جهان، بل قولان أقواهما العدم، و كذا اذا توقف علي كسر عضو من يد أو رجل أو غيرهما، أو اعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو نحوهما، فان الاقوي عدم جواز ذلك (3) و اذا أدي الضرب الي ذلك- خطأ أو عمدا- فالاقوي ضمان

______________________________

(1) قد تقدم عدم الدليل عليه.

(2) لو التزمنا بتمامية المدعي و وصول النوبة الي المرتبة الثالثة فلا اشكال في الترتيب بين مراتبها اذ القاعدة الاولية تقتضي عدم الجواز فاثبات الجواز بمعني الاعم يتوقف علي الدليل.

(3) نسب الجواز بل الوجوب الي السيد و الشيخ في التبيان و الحلي و العجلي و الفاضل و يحيي بن سعيد و الشهيد في النكت، و نسب عدم الجواز الي الشيخ و الديلمي و القاضي و فخر الإسلام و الشهيد و المقداد و الكركي.

أما وجه الجواز فلان الشارع الاقدس أنما امر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر للتحفظ علي احكامه فيحب القيام بهذه المهمة باي نحو و باي سبب.

و أما وجه عدم الجواز: فلقصور الدليل عن اثبات هذه الدعوي كما تقدم و انما يجب الامر و النهي، هذا من ناحية و من ناحية اخري لا يجوز جرح الغير و لا قتله فيكون التعرض بالنحو المذكور حراما و هذا هو الاقوي و قس علي الجرح القتل و الكسر و الاعابة.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 159

الامر و الناهي لذلك، فتجري عليه أحكام الجناية العمدية، ان كان عمدا، و الخطائية ان كان خطأ (1) نعم يجوز للإمام و نائبه ذلك اذا كان يترتب علي معصية

الفاعل مفسدة اهم من جرحه أو قتله (2) و حينئذ لا ضمان عليه (3).

[مسألة 5: يتأكد وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة إلي اهله]

(مسألة 5): يتأكد وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة الي اهله (4)، فيجب عليه اذا رأي منهم التهاون في الواجبات، كالصلاة و اجزائها و شرائطها، بأن لا يأتوا بها علي وجهها، لعدم صحة القراءة و الاذكار الواجبة، أولا يتوضأ و اوضوءا

______________________________

(1) بمقتضي ما دل علي الضمان الثابت في محله.

(2) الظاهر انه ناظر الي مورد التزاحم و تقديم الاهم و عليه لا وجه للاختصاص بالامام و نائبه بل يجري هذا الترتيب بالنسبة الي كل مكلف فلاحظ.

(3) لعدم الدليل عليه و اختصاص دليل الضمان بغير هذا المورد و بعبارة اخري: لا حرمة للمقتول و المجروح في الفرض فلا ضمان. و ان شئت قلت انه مهدور الدم أو الجرح أو الاعابة فلا موضوع للضمان.

(4) كما هو مقتضي المناسبة بين الحكم و الموضوع، و يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ عَلَيْهٰا مَلٰائِكَةٌ غِلٰاظٌ شِدٰادٌ لٰا يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ «1».

فان ذكر الاهل في سياق النفس في الكتاب الكريم مع شمول الدليل العام اياه يدل علي العناية الخاصة و تاكد الحكم بالنسبة اليه فكأن الاهل نفس الشخص.

______________________________

(1) التحريم/ 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 160

صحيحا، أو لا يطهروا أبدانهم و لباسهم من النجاسة علي الوجه الصحيح امرهم بالمعروف علي الترتيب المتقدم، حتي يأتوا بها علي وجهها، و كذا الحال في بقية الواجبات، و كذا اذا رأي منهم التهاون في المحرمات كالغيبة و النميمة، و العدوان من بعضهم علي بعض أو علي غيرهم، أو غير ذلك

من المحرمات، فانه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتي ينتهوا عن المعصية (1).

______________________________

(1) الزائد علي الامر و النهي لا دليل عليه كما تقدم بل يستفاد من بعض النصوص خلاف المدعي. و منها ما رواه عبد الأعلي مولي آل سام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لما نزلت هذه الاية: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً) جلس رجل من المسلمين يبكي، و قال انا عجزت عن نفسي، كلفت اهلي، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك و تنهاهم عما تنهي عنه نفسك «1».

و منها ما رواه أبو بصير في قول اللّه عز و جل: قوا انفسكم و اهليكم نارا قلت:

كيف اقيهم؟ قال: تأمرهم بما امر اللّه و تنهاهم عما نهاهم اللّه، فان اطاعوك كنت قد وقيتهم، و ان عصوك كنت قد قضيت ما عليك «2».

و منها عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل قوا انفسكم و اهليكم نارا كيف نقي اهلنا؟ قال تأمرونهم و تنهونهم «3».

فان المستفاد من هذه النصوص ان الواجب بالنسبة الي الاهل أمرهم بالمعروف

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 161

[مسألة 6: إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق]

(مسألة 6): اذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق، و علم انه غير مصر عليها لكنه لم يتب منها وجب أمره بالتوبة، فانها من الواجب، و تركها كبيرة موبقة، هذا مع التفات الفاعل اليها (1)، اما مع الغفلة ففي وجوب امره بها اشكال (2)، و الاحوط- استحبابا- ذلك (3).

فائدة: قال بعض الاكابر ان من أعظم

افراد الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و اعلاها و اتقنها و أشدها، خصوصا بالنسبة الي رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه و مندوبه، و ينزع رداء المنكر محرمه و مكروهه، و يستكمل نفسه بالاخلاق الكريمة،

______________________________

و نهيهم عن المنكر لا الزائد عليهما و يمكن الاستدلال علي المدعي أيضا بسيرة المتشرعة فان المتشرعة بما هم كذلك يكتفون في الامر و النهي بالنسبة الي الاهل بأمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر و لا يلتزمون بأزيد من هذا المقدار فلا يجب الردع الخارجي و ان كان الظاهر من الاية وجوب الردع الخارجي بأي نحو كان و لعل المراد من المتن ما ذكرنا فلا يرد عليه الايراد بما ذكر و اللّه العالم.

(1) قد ذكرنا في رسالة التوبه ان الامر بالتوبة ارشادي و ليس مولويا، و علي القول بالمولوية يلزم التسلسل لو لم يتب العاصي من معصيته اذ لو لم يتب يتحقق عصيان آخر و التوبة منه و هكذا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم.

(2) منشأ الاشكال عدم الدليل علي وجوب تنبيه الغافل.

(3) لا اشكال في حسن الاحتياط.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 162

و ينزهها عن الاخلاق الذميمة، فان ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف، و نزعهم المنكر خصوصا اذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة و المرهبة فان لكل مقام مقالا و لكل داء دواء، و طب النفوس و العقول أشد من طب الابدان بمراتب كثيرة، و حينئذ يكون قد جاء بأعلي أفراد الامر بالمعروف و النهي عن المنكر (1).

[ختام و فيه مطلبان]

اشارة

ختام و فيه مطلبان:

[المطلب الاول: في ذكر أمور هي من المعروف]

المطلب الاول: في ذكر امور هي من المعروف.

منها: الاعتصام باللّه تعالي، قال اللّه تعالي «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَدْ هُدِيَ إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (2). و قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

أوحي اللّه عز و جل الي داود ما اعتصم بي عبد من عبادي، دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات و الارض و من فيهن الا جعلت له المخرج من بينهن» (3).

و منها التوكل علي اللّه سبحانه، الرءوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه و القادر علي قضاء حوائجهم و اذا لم يتوكل عليه تعالي

______________________________

(1) لا يبعد ان يكون المراد ببعض الاكابر صاحب الجواهر قدس لاحظ كلامه في هذا المقام «1».

(2) آل عمران/ 101.

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب جهاد النفس الحديث: 2.

______________________________

(1) الجواهر ج 21 ص: 382

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 163

فعلي من يتوكل أعلي نفسه، أم علي غيره مع عجزه و جهله؟ قال اللّه تعالي: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (1 و قال أبو عبد اللّه (ع) ان الغني و العز يجولان، فاذا ظفرا بموضع من التوكل أو طنا (2).

و منها: حسن الظن باللّه تعالي، قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما قال: و الذي لا إله الا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن باللّه الا كان اللّه عند ظن عبده المؤمن، لان اللّه كريم بيده الخير يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن، ثم يخلف ظنه و رجاءه، فأحسنوا باللّه الظن و ارغبوا اليه (3).

و منها: الصبر عند البلاء، و الصبر عن محارم اللّه قال اللّه تعالي:

إِنَّمٰا يُوَفَّي الصّٰابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ (4)، و قال رسول اللّه (ص) في حديث فاصبر فان في

الصبر علي ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم ان النصر مع الصبر، و ان الفرج مع الكرب، فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا (5). و قال امير المؤمنين (ع): لا يعدم الصبر الظفر، و ان طال به الزمان (6، و قال (ع): الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن

______________________________

(1) الطلاق/ 3.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 16 من أبواب جهاد النفس الحديث: 3.

(4) الزمر/ 10.

(5) الوسائل الباب 25 من أبواب جهاد النفس الحديث: 4.

(6) الوسائل الباب 25 من أبواب جهاد النفس الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 164

جميل، و احسن من ذلك الصبر عند ما حرم اللّه تعالي عليك (1).

و منها العفة، قال أبو جعفر (ع) ما عبادة افضل عند اللّه من عفة بطن و فرج (2) و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انما شيعة جعفر عليه السلام من عف بطنه و فرجه، و اشتد جهاده، و عمل لخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فاذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر عليه السلام (3).

و منها: الحلم قال رسول اللّه (ص): ما أعز اللّه يجهل قط، و لا اذل بحلم قط (4) و قال أمير المؤمنين عليه السلام: اول عوض الحليم من حلمه ان الناس انصاره علي الجاهل (5)، و قال الرضا عليه السلام:

لا يكون الرجل عابدا حتي يكون حليما (6).

و منها: التواضع: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من تواضع للّه رفعه اللّه و من تكبر خفضه اللّه، و من اقتصد في معيشته رزقه اللّه، و من بذر حرمه اللّه، و من اكثر ذكر الموت احبه اللّه تعالي (7).

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب جهاد

النفس الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب جهاد النفس الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب جهاد النفس الحديث: 13.

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب جهاد النفس الحديث: 6.

(5) الوسائل الباب 26 من أبواب جهاد النفس الحديث: 13.

(6) عين المصدر ح 1.

(7) الوسائل الباب 31 من أبواب جهاد النفس الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 165

و منها: انصاف الناس، و لو من النفس قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سيد الاعمال انصاف الناس من نفسك، و مواساة الاخ في اللّه تعالي علي كل حال (1).

و منها: اشتغال الانسان بعيبه عن عيوب الناس، قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله طوبي لمن شغله خوف اللّه عز و جل عن خوف الناس، طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين (2)، و قال صلي اللّه عليه و آله: ان اسرع الخير ثوابا البر، و ان اسرع الشر عقابا البغي، و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و ان بعير الناس بما لا يستطيع تركه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه (3).

و منها: اصلاح النفس عند ميلها الي الشر، قال أمير المؤمنين عليه السلام: من اصلح سريرته أصلح اللّه تعالي علانيته، و من عمل لدينه كفاه اللّه دنياه، و من أحسن فيما بينه و بين اللّه اصلح اللّه ما بينه و بين الناس (4).

و منها: الزهد في الدنيا و ترك الرغبة فيها، قال أبو عبد اللّه عليه السلام. من زهد في الدنيا اثبت اللّه الحكمة في قلبه، و أنطق بها

______________________________

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2.

(3)

الوسائل الباب 36 من أبواب جهاد النفس الحديث: 11.

(4) الوسائل الباب 39 من أبواب جهاد النفس الحديث: 3 و 6 و 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 166

لسانه، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها، و أخرجه منها سالما الي دار السلام، (1) و قال رجل قلت لأبي عبد اللّه (ع) اني لا ألقاك الا في السنين فاوصني بشي ء حتي آخذ به، فقال عليه السلام اوصيك بتقوي اللّه، و الورع و الاجتهاد، و اياك أن تطمع الي من فوقك، و كفي بما قال عز و جل لرسول اللّه (ص) و لا تمدن عينيك الي ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا و قال تعالي و لا تعجبك اموالهم و لا اولادهم فان خفت ذلك فاذكر عيش رسول اللّه (ص) فانما كان قوته من الشعير و حلواه من التمر و وقوده من السعف اذا وجده و اذا اصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول اللّه (ص) فان الخلائق لم يصابوا بمثله قط (2).

[المطلب الثاني: في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر]

المطلب الثاني: في ذكر بعض الامور التي هي من المنكر.

منها: الغضب قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل (3) و قال أبو عبد اللّه: الغضب مفتاح كل شر (4). و قال أبو جعفر عليه السلام ان الرجل ليغضب فما يرضي أبدا حتي يدخل النار، فايما رجل غضب علي قومه و هو قائم فليجلس

______________________________

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب جهاد النفس الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 62 من أبواب جهاد النفس الحديث: 10.

(3) الوسائل الباب 53 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2.

(4) عين المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 167

من فوره ذلك،

فانه سيذهب عنه رجس الشيطان، و ايما رجل غضب علي ذي رحم فليدن منه فليمسه، فان الرحم اذا مست سكنت (1).

و منها: الحسد، قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام: ان الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب (2) و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذات يوم لأصحابه: انه قد دب إليكم داء الامم ممن قبلكم، و هو الحسد ليس بحالق الشعر، و لكنه حالق الدين، و ينجي فيه ان يكف الانسان يده، و يخزن لسانه، و لا يكون ذا غمز علي اخيه المؤمن (3).

و منها: الظلم، قال أبو عبد اللّه: من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله او في ولده (4) و قال عليه السلام: ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما ان المظلوم يأخذ من دين الظالم اكثر مما يأخذ الظالم من حال المظلوم (5).

و منها: كون الانسان ممن يتقي شره، قال رسول اللّه صلي اللّه

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 55 من أبواب جهاد النفس الحديث: 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث: 15.

(4) الوسائل الباب 77 من أبواب جهاد النفس الحديث: 4.

(5) الوسائل الباب 77 من أبواب جهاد النفس الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 168

عليه و آله: شر الناس عند اللّه يوم القيامه الذين يكرمون اتقاء شرهم (1) و قال ابو عبد اللّه عليه السلام: و من خاف الناس لسانه فهو في النار (2) و قال عليه السلام ان ابغض خلق اللّه عبد اتقي الناس لسانه (3)، و لنكتف بهذا المقدار و الحمد للّه اولا و آخرا و هو حسبنا و نعم الوكيل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب جهاد النفس الحديث: 8.

(2)

عين المصدر الحديث: 9.

(3) عين المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 169

[كتاب التجارة]

اشارة

كتاب التجارة و فيه مقدمة و فصول

[مقدمة]

اشارة

مقدمة: التجارة في الجملة من المستحبات الاكيدة في نفسها (1) و قد تستحب لغيرها و قد تجب كذلك اذا كانت

______________________________

(1) لجملة من النصوص الدالة علي المدعي منها: ما رواه جميل بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: «رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» قال: رضوان اللّه و الجنة في الآخرة و السعة في الرزق و المعاش و حسن الخلق في الدنيا «1».

و منها: ما رواه المعلي بن خنيس قال: رآني أبو عبد اللّه عليه السلام و قد تأخرت عن السوق فقال: اغد الي عزك «2».

و منها: ما رواه روح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 170

مقدمة لواجب أو مستحب (1) و قد تكره لنفسها (2) أو لغيرها (3) و قد تحرم كذلك (4) و المحرم منها أصناف

[و هنا مسائل]

اشارة

و هنا مسائل:

[مسألة 1: تحرم و لا تصح التجارة بالخمر]

(مسألة 1): تحرم و لا تصح التجارة بالخمر (5).

______________________________

و منها: ما رواه عبد المؤمن الانصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: البركة عشرة اجزاء تسعة أعشارها في التجارة و العشر الباقي في الجلود «1».

و منها: ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة و الجزء الباقي في السابيا يعني الغنم «2» و منها غيرها المذكور في الوسائل في الباب: 1 من أبواب مقدمات التجارة.

(1) ما أفاده يتوقف علي كون المقدمة محكومة بحكم ذيها و هو محل الكلام و الاشكال مضافا الي أن الوجوب بعنوان المقدمة للواجب أو المستحب لا يكون داخلا في المقسم و بعبارة اخري: الكلام في المقام في بيان حكم التجارة بما هي كذلك الا أن يراد من المقسم الاعم من العنوان الاولي و الثانوي و الامر سهل.

(2) كبيع الاكفان.

(3) قد مر الاشكال في السراية فلاحظ.

(4) لا اشكال في حرمة جملة من التجارات منها بيع الخمر و أما حرمتها بعنوان المقدمة فالاشكال فيها هو الاشكال.

(5) تعرض الماتن للحرمة التكليفية و الوضعية كليهما و الظاهر ان المشهور عند

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 171

______________________________

الاصحاب كذلك و يدل علي المدعي بالنسبة الي الحرمة التكليفية جملة من النصوص منها: ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الخمر و عاصرها و معتصرها و بايعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة اليه «1».

و منها: ما رواه جابر عن

أبي جعفر عليه السلام قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في الخمر عشرة: غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حاملها و المحمولة اليه و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها «2».

و منها: ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي أن يشتري الخمر و أن يسقي الخمر و قال: لعن اللّه الخمر و غارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة اليه «3».

و لا يبعد أن تكون الرواية الاولي معتبرة من حيث السند فان رجالها موثقون الا زيد بن علي فانه لم يوثق صريحا- علي ما يستفاد من كلام صاحب الوسائل في رجاله- و لكن الظاهر انه لا اشكال في وثاقة الرجل راجع كلام سيدنا الاستاد في رجاله.

و أما الحرمة الوضعية فمضافا الي كونها من الواضحات تدل عليها طائفة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك

______________________________

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 172

و باقي المسكرات (1).

______________________________

غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال:

لا يصلح ثمنه ثم قال: ان رجلا من ثقيف اهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله روايتين من خمر فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاهريقتا و قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان أفضل

خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها «1». مضافا الي ان المدعي يستفاد من النصوص المتقدمة فان حرمة أكل الثمن تستلزم الحرمة الوضعية فلاحظ.

(1) المسكر اذا لم يكن مصداقا للخمر اما يكون مائعا و اما يكون جامدا اما المسكر المائع فتدل علي كونه محكوما بكونه خمرا في نظر الشارع في جميع الاحكام جملة من النصوص: منها: ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «2».

و منها: ما رواه أيضا عن أبي ابراهيم عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما فعل فعل الخمر فهو خمر «3».

و منها: ما رواه بعض أصحابنا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام لم حرم اللّه الخمر؟ فقال: حرمها لفعلها و فسادها «4».

فان المستفاد من هذه النصوص ان كل مسكر مائع محكوم بالخمرية في حكم الشارع فيترتب عليه جميع ما يترتب علي الخمر من الاحكام الا أن يقوم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 173

و الميتة (1).

______________________________

دليل علي الخلاف. و أما المسكر الجامد فربما يقال: بأنه محكوم بالخمرية بتقريب: ان المستفاد من أهل اللغة ان الخمر ما يخامر العقل فكل مسكر خمر وضعا.

و فيه: ان كلام اللغوي علي تقدير اعتباره لا يكون معتبرا في المقام للخلاف الواقع بينهم لاحظ ما نقل عن تاج العروس في المقام فان المستفاد من كلامه ان الخمر لا يصدق علي المسكر الجامد.

و

ربما يستدل علي المدعي بما رواه عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: كل مسكر حرام و كل مسكر خمر «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان كل مسكر خمر فيترتب علي كل مسكر جامدا كان او مائعا ما يترتب علي الخمر و فيه: ان السند مخدوش و لو كانت الدلالة تامة.

اذا عرفت ما تقدم فالحق أن يستدل علي المدعي بما تقدم من النصوص الدالة علي كون المسكر في حكم الخمر فان هذه النصوص باطلاقها كفاية لإثبات المدعي.

فائدة لا يبعد أن يقال: بأن الخمر الموضوع للأحكام الشرعية منصرف الي ما يكون معدا للشرب و الاسكار و يكون منصرفا عما لا يكون كذلك كالا لكل فانه لا يكون معدا للشرب و الاسكار بل معد للتداوي و ازالة المكروبات الفاسدة و لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بطهارته و حلية بيعه وضعا و تكليفا اذ يكفي في كونه كالخمر في الاحكام المترتبة عليه، دليل التنزيل الا أن يقال: بأن دليل التنزيل أيضا منصرف عنه فتأمل.

(1) استدل علي المدعي بوجوه: الوجه الاول الاجماع و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك فلا أثر له. الوجه الثاني: ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 174

______________________________

الانتفاع بالميتة حرام فاذا كان الانتفاع بها حراما كان أكل المال بإذائها أكلا بالباطل.

و فيه: أولا: ان حرمة الانتفاع بها علي الاطلاق محل الكلام. و ثانيا: ان المراد بالباطل الاسباب الباطلة. و ان شئت قلت: لا دليل علي اعتبار المالية في المبيع.

و ثالثا: لو سلمنا المدعي لا يكون دليلا علي الحرمة التكليفية

بل غاية ما يترتب عليه الحرمة الوضعية.

و أما النبوي الدال علي أن اللّه تعالي اذ احرم علي قوم أكل شي ء حرم عليهم ثمنه «1» فلا اعتبار بسنده مضافا الي أن مدلوله متروك عند الخاصة و العامة ضرورة عدم التلازم بين حرمة الاكل و فساد البيع فلاحظ.

الوجه الثالث: الروايات العامة الدالة علي حرمة بيعها. و فيه: انه لا اعتبار بأسناد تلك الاخبار. و المراد بتلك الروايات التي أشرنا اليها رواية تحف العقول «2» و رواية فقه الرضا «3» و رواية دعائم الإسلام «4».

و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا أما حديث تحف العقول فاما نقل مرسلا فالمرسل لا اعتبار به كما هو ظاهر و اما نقل مسندا و السند مخدوش كما يظهر لمن يراجعه و أما حديث فقه الرضا ففيه ان كون الكتاب له عليه السلام أول الكلام و الاشكال و لا دليل عليه و أما حديث دعائم الإسلام فلا اعتبار به للإرسال و قد مر منا مرارا ان عمل المشهور برواية ضعيفة لا يوجب اعتبارها فعلي فرض تسلم عمل المشهور بهذه الرواية لا أثر له فلاحظ.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(4) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 175

______________________________

الوجه الرابع: انه لا اشكال في نجاسة ميتة ماله نفس سائلة و بيع النجس حرام. و فيه: اولا انه لا دليل معتبر علي حرمة بيع النجس. و ثانيا: ان الكلام في بيع الميتة و النجاسة مختصة بما له نفس سائلة فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الخامس: عدة نصوص خاصة و انها

تدل علي المنع عن البيع:

منها: ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «1» و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي و الرواية لها سند آخر لا يبعد اعتباره ان لم نناقش في السكوني لكن العمدة عدم دلالتها علي الحرمة التكليفية بل غاية دلالتها الحرمة الوضعية.

و منها: ما أرسله الصدوق قال: قال عليه السلام: أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «2». و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «3». و هذه الرواية ضعيفة بحماد و انس.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال:

سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5

(2) نفس المصدر الحديث: 8

(3) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 176

______________________________

و لبسها؟ قال: لا و لو لبسها فلا يصل فيها «1». و هذه الرواية ضعيفة بعبد اللّه بن الحسن.

و منها: ما رواه في الجعفريات عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: من السحت ثمن الميتة

«2». و هذه الرواية ضعيفة بموسي بن اسماعيل.

و منها: ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا من جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «3».

و هذه الرواية لا بأس بها ان لم يناقش في سندها و لكن علي فرض تمامية الاستدلال انما تم بالنسبة الي الحرمة الوضعية فان النهي في أبواب المعاملات ظاهر في الارشاد الي الفساد و مقتضي الاصل الاولي هو الجواز التكليفي فلاحظ.

و يستفاد الجواز وضعا من حديث الصيقل و ولده قال: كتبوا الي الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون اليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شرائها و بيعها و مسها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون الي جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟ فكتب: اجعل ثوبا للصلاة و كتب اليه: جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمي السفن نتخذها من

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 17

(2) مستدرك الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 6 أبواب ما يكتسب به الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 177

و الكلب (1).

______________________________

جلود السمك فهل يجوز لي العمل بها و لسنا نأكل لحومها؟ فكتب عليه السلام: لا بأس به «1» و هذه الرواية ضعيفة به.

الوجه السادس: ما ورد في حكم ما لو اشتبه المذكي بالميتة فانه يستفاد من من جملة

من النصوص انه يجوز بيعه ممن يستحل الميتة و يجوز أكل ثمنه لاحظ ما رواه الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة و أكل ثمنه «2».

و ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن رجل كان له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فيعزله و يعزل الميتة ثم ان الميتة و الذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه فانه لا بأس «3».

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة علي المدعي انه لو كان بيع الميتة جائزا لم يكن وجه لتخصيص الحكم بالمستحل بل كان جائزا علي الاطلاق. و ربما يتوهم ان جواز بيعه ممن يستحل يستلزم الجواز مطلقا. و فيه: ان الجزم بالعموم و الاطلاق في غاية الاشكال و لا وجه له بل كما قلنا هذه الطائفة دليل علي المنع فالنتيجة: ان بيع الميتة لا يجوز وضعا و أما تكليفا فلم يقم عليه دليل.

(1) قد دلت جملة من الروايات علي حرمة بيع الكلب وضعا منها ما رواه السكوني «4»، و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) لاحظ ص: 175

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 178

______________________________

الذي لا يصطاد من السحت «1». و منها: ما أرسله الصدوق «2». و منها ما رواه حماد بن عمرو و انس «3».

و منها:

ما رواه ابو عبد اللّه العامري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس «4».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 178

و منها: ما رواه الحسن بن علي القاساني عن الرضا عليه السلام في حديث قال: و ثمن الكلب سحت «5».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: و لا بأس بثمن الهر «6».

و منها: ما رواه جراح المدائني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من أكل السحت ثمن الخمر و نهي عن ثمن الكلب «7».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد قال: لا بأس بثمنه و الاخر لا يحل ثمنه «8».

و منها: ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 7

(2) لاحظ ص: 175

(3) لاحظ ص: 175

(4) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(5) نفس المصدر الحديث: 2

(6) نفس المصدر الحديث: 3

(7) نفس المصدر الحديث: 4

(8) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 179

______________________________

صلي اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «1».

و منها: ما رواه الوليد العماري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و

أما الصيود فلا بأس «2».

و منها: ما رواه الحسن بن علي الوشاء عن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: ثمن الكلب سحت و السحت في النار «3».

و منها: ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جواز مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار و قد جعل لك ثلثها. فقال: لا حاجة لي فيها ان ثمن الكلب و المغنية سحت «4».

و منها: ما رواه الحسن بن علي الوشاء قال: سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية قال: قد تكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها الا ثمن كلب و ثمن الكلب سحت و السحت في النار «5».

و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين أقسام الكلب في عدم جواز بيعه الا كلب الصيد الذي يقع فيه الكلام فيما بعد ان شاء اللّه تعالي. و قد وقع الكلام بين القوم في جواز بيع الكلاب الثلاثة: الماشية و الزرع و الحائط و قد استدل علي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) نفس المصدر الحديث: 8

(4) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

(5) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 180

______________________________

الجواز بوجوه:

الوجه الاول: الاجماع. و فيه: انه علي تقدير تحققه لا يترتب عليه أثر لاحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في كلام الاصحاب.

الوجه الثاني: ان ثبوت الدية يدل علي جواز المعاوضة عليها و قد ثبت الدية بالنسبة الي الانواع الثلاثة. و فيه: ان ثبوت الدية لا يدل علي الملكية فضلا عن جواز البيع و لذا نري ان الدية ثابتة بالنسبة الي الحر مع عدم كونه مملوكا و عدم جواز بيعه.

الوجه

الثالث: انه لا اشكال في جواز اجارتها لحفظ الماشية و الحائط و الزرع و جواز الاجارة يستلزم جواز البيع. و فيه: انه لا ملازمة بين الامرين و لذا نري انه يجوز اجارة الحر و مع ذلك لا يجوز بيعه فان الاحكام الشرعية أمور تعبدية تابعة للدليل فلاحظ.

الوجه الرابع: انه يجوز بيع كلب الصيد فيجوز بيع الثلاثة لوحدة الملاك فان الوجه في جواز بيع كلب الصيد وجود فائدة فيه. و بعبارة اخري: انه يجوز الانتفاع به و هذا الملاك موجود في الثلاثة كما هو ظاهر. و فيه: انه قياس و القياس باطل في الشريعة المقدسة و اللازم متابعة الدليل. و ان شئت قلت: لا مجال لهذه التقاريب في الامور التعبدية التي لا سبيل لنا الي ادراك ما فيها من المصالح و الملاكات و أن الواجب اتباع الدليل و المفروض أن الدليل قائم علي الحرمة.

الوجه الخامس: ان مقتضي الجمع بين النصوص المانعة و خبر تحف العقول جواز بيع الاقسام الثلاثة. و فيه: ان خبر تحف العقول لا اعتبار به سندا فلا مجال لملاحظة مدلوله و الجمع بينه و بين دليل الحرمة.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 181

غير الصيود (1).

______________________________

الوجه السادس: ما أرسله في المبسوط قال: يجوز بيع كلب الصيد و روي أن كلب الماشية و الحائط مثل ذلك «1». و فيه ان المرسل لا اعتبار به و عمل المشهور علي فرض تحققه لا يوجب اعتباره كما هو المقرر فالنتيجة حرمة بيع الثلاثة وضعا و لكن لا دليل علي الحرمة التكليفية.

(1) بدعوي: ان المستفاد من النصوص جواز بيعه و ما يمكن أن يستفاد المدعي منه عدة روايات: منها: ما رواه أبو بصير «2» و هذه الرواية علي فرض تمامية

دلالتها علي المدعي ضعيفة سندا بالبطائني.

و منها: ما أرسله الصدوق «3» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها: ما رواه أبو عبد اللّه العامري «4» و هذه الرواية ضعيفة بقاسم بن الوليد.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم و عبد الرحمن «5» و تقريب الاستدلال بهذه الرواية علي المدعي بالمفهوم. و فيه: ان الوصف لا مفهوم له كما قرر في محله.

و منها: ما رواه أبو بصير «6» و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني و قد نقلها الصدوق بسنده الي أبي بصير و سنده اليه ضعيف و منها: ما رواه أيضا «7»

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 9

(2) لاحظ ص: 177

(3) لاحظ ص: 175

(4) لاحظ ص: 178

(5) لاحظ ص: 178

(6) لاحظ ص: 178

(7) لاحظ ص: 178

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 182

و الخنزير (1).

______________________________

و السند ضعيف بالبطائني. و منها: ما أرسله الشيخ في المبسوط «1» و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه ليث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟ فقال: نعم و يؤكل ثمنه «2».

و هذه الرواية ضعيفة بأبي جميلة مفضل بن صالح فالنتيجة انه لا دليل معتبر علي الاستثناء فاذا لم يتم الدليل عليه يشكل الجزم بالجواز فان بعض النصوص باطلاقه شامل للصيود من الكلاب لاحظ ما رواه ابراهيم «3».

هذا كله بالنسبة الي الجهة الوضعية و أما الحرمة التكليفية فلا دليل عليها الا أن يتم المدعي بالتسالم و الاتفاق فلاحظ.

(1) قال سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- «المشهور بل المجمع عليه بين الخاصة و العامة هو عدم جواز بيعه» «4». انتهي.

و في المقام نصوص يمكن التمسك بها علي المدعي منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي

بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمرا أو خنزيرا الي اجل فأسلما قيل أن يقبضا الثمن هل يحل له ثمنه بعد الإسلام؟ قال: انما له الثمن فلا بأس أن يأخذه «5».

فان المستفاد من هذا الحديث أمران: احدهما جواز بيع الخنزير من النصراني ثانيهما: عدم جواز بيعه من المسلم فان مقتضي مفهوم الحصر انه لا يجوز بعد

______________________________

(1) لاحظ ص: 181

(2) الوسائل الباب 45 من أبواب الصيد الحديث: 4

(3) لاحظ ص ص: 179

(4) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 79

(5) الوسائل الباب 61 من أبواب ما يكتسب به

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 183

______________________________

الإسلام الا أخذ الثمن و لكن لا يستفاد من الحديث أزيد من الحكم الوضعي، نعم يمكن الاستدلال علي الحرمة التكليفية بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل كان له علي رجل دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال و أما للبائع فحرام «1» فان المستفاد من هذه الرواية ان بيع الخنزير حرام تكليفا.

و منها: ما رواه معاوية بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره و يقضي دينه؟

قال: لا «2». و هذه الرواية ضعيفة بمعاوية و غيره و قد نقلت الرواية في نفس الباب مرسلة و لا اعتبار بالمرسلات.

و منها: ما رواه يونس في مجوسي باع خمرا أو خنازير الي اجل مسمي ثم أسلم قبل أن يحل المال قال: له دراهمه و قال: أسلم رجل و له خمر أو خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين قال: يبيع

ديانه أو ولي له غير مسلم خمره و خنازيره و يقضي دينه و ليس له أن يبيعه و هو حي و لا يمسكه «3»، و هذه الرواية ضعيفة بابن مرار.

و منها: ما عن الجعفريات عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: من السحت، ثمن الميتة الي أن قال: و ثمن الخنزير «4». و هذه الرواية ضعيفة بموسي بن اسماعيل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 57 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) مستدرك الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 184

______________________________

و منها: ما أرسله في دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الاحرار و عن بيع الميتة و الخنزير و الاصنام و عن عسب الفحل و عن ثمن الخمر و عن بيع العذرة و قال:

هي ميتة «1». و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها: النصوص العامة الدالة علي حرمة جملة من المكاسب و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري من النصوص تدل علي جواز بيعه وضعا منها: ما رواه منصور قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام، لي علي رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر و الخنزير و أنا حاضر فيحل لي أخذها؟ فقال: انما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك «2».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «3». و منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا و خنزيرا ثم يقضي منها قال: لا بأس أو قال: خذها «4».

و منها: ما رواه

محمد بن يحيي الخثعمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون لنا عليه الدين فيبيع الخمر و الخنازير فيقضينا فقال: فلا بأس به ليس عليك من ذلك شي ء «5».

و منها: ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون له علي الرجل مال فيبيع بين يديه خمرا و خنازير يأخذ ثمنه قال: لا بأس «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 60 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

(5) نفس المصدر الحديث: 4

(6) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 185

و لا فرق في الحرمة بين بيعها و شرائها و جعلها اجرة في الاجارة و عوضا عن العمل في الجعالة و مهرا في النكاح و عوضا في الطلاق الخلعي (1) و أما سائر الاعيان النجسة فالظاهر جواز بيعها

______________________________

فيقع التعارض بين الطرفين و لا بد من الجمع فنقول: اذا قلنا بتمامية انقلاب النسبة فيمكن الجمع بينهما بأن نقول يخصص دليل المنع بما يدل علي الجواز بالنسبة الي الذمي و بعد التخصيص تصير نسبة دليل المنع الي دليل الجواز نسبة الخاص الي العام فيخصص دليل العموم به و ان لم نقل بالانقلاب- كما لا نقول- فلا بد من علاج التعارض بترجيح احداهما علي الاخري و حيث ان العامة مجمعون علي الحرمة فعن «الفقه علي المذاهب الاربعة» «1» اجماعهم علي بطلان بيع الخنزير و عن شرح فتح القدير: ان بيع الخنزير فاسد فالترجيح مع دليل الجواز.

لكن هل يمكن الالتزام به مع كون المشهور هي الحرمة مضافا الي نقل الاتفاق عليها عن الخاصة و العامة؟ كلا ثم كلا. و لنا أن نقول:

لا مجال للمعارضة فلا تصل النوبة الي هذا التقريب و ذلك لان المستفاد من حديث ابن جعفر «2» التفصيل بين كون البائع مسلما و بين كونه نصرانيا بالحكم بالجواز في الثاني و عدمه في الاول فهذه الرواية بلا التزام بالانقلاب يكون أخص مما يدل علي الجواز علي الاطلاق فالنتيجة الحكم بالجواز بالنسبة الي النصراني و بعدمه بالنسبة الي المسلم فلاحظ.

(1) الذي يختلج ببالي القاصر أنه يستفاد من دليل المنع بمناسبة الحكم و الموضوع اطلاق الحكم و عدم الفرق و لكن هل يمكن الجزم به بهذا التقريب أو أن الاحكام الشرعية امور تعبدية لا تنال ملاكاتها عقولنا و ادراكاتتا فاللازم الاقتصار

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 79

(2) لاحظ ص: 182

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 186

اذا كانت لها منافع محللة مقصودة كبيع العذرة للتسميد و الدم للتزريق و كذلك تجوز هبتها و الاتجار بها بسائر أنحاء المعاوضات (1).

______________________________

علي مورد قيام الدليل علي الحرمة و في غيره يعمل علي طبق القواعد الاولية فلاحظ.

(1) يقع الكلام في موضعين: احدهما: فيما هو مقتضي القاعدة الأولية المستفادة من الادلة العامة. ثانيهما: فيما هو مقتضي النصوص الخاصة أما الموضع الأول فنقول لو لا النص الخاص يكون مقتضي القاعدة الاولية جواز بيع العين النجسة تكليفا و وضعا فان مقتضي البراءة عن الحرمة جوازه تكليفا كما ان مقتضي صحة البيع و التجارة جوازه وضعا اذ قد مر ان الروايات العامة من أحاديث تحف العقول و الجعفريات وفقه الرضا ضعيفة سندا فلا يترتب عليها اثر.

و هل يشترط جواز بيعها بكونها ذا فائدة مقصودة محللة كما هو الظاهر من المتن أم لا يشترط به؟ الظاهر هو الثاني اذ لا دليل علي هذا الشرط كما سيتضح ان

شاء اللّه تعالي في بيان شرائط العوضين. ان قلت: اذا لم تكن العين ذا منفعة مقصودة يكون البيع بيعا سفهيا. قلت: يرد عليه اولا: ان عدم قائدة مقصودة لا يستلزم كون البيع سفهيا بل يكون أعم منه اذ يمكن فرض غرض شخصي في الاشتراء بحيث يخرج عن العنوان السفهي.

و ثانيا: لا دليل علي بطلان البيع السفهي بل الدليل قائم علي بطلان بيع السفيه. و ان شئت قلت: بيع السفيه في الجملة باطل و ان كان عقلائيا و بيع الرشيد صحيح و ان كان سفهائيا و ليكن هذا ببالك لعله ينفعك فيما يأتي و قد مر ان ما اشتهر بين القوم من حديث «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» مخدوش سندا و دلالة.

و أما الموضع الثاني فلا بد من وقوع الكلام في كل واحدة من تلك الاعيان و ملاحظة انه هل ورد فيها دليل يدل علي المنع أم لا؟ فنقول: يقع الكلام في فروع:

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 187

______________________________

الفرع الاول: انه هل يحرم و يفسد بيع البول أم لا؟ ما يمكن أن يقال في هذا المقام أو قيل وجوه:

الوجه الأول: الاجماع. و فيه: انه علي تقدير تحصيله يكون محتمل المدرك اذ من الممكن انهم استندوا في هذه المقالة الي بعض الوجوه كالروايات العامة الدالة علي حرمة بيع النجس فلا يكون اجماعا تعبديا.

الوجه الثاني: النصوص الدالة علي حرمة بيع النجس كحديث تحف العقول و فيه: انه قد مر انه ضعيف سندا فلا يترتب عليه أثر.

الوجه الثالث: انه ليس للبول منفعة محللة فلا يجوز بيعه. و فيه: أولا: انه يمكن فرض منفعة محللة للبول النجس. و ثانيا: انه لا يشترط في المبيع أن يكون ذا منفعة محللة

كما مر. ان قلت: اذا لم يكن ذا منفعة محللة يكون بيعه أكلا للمال بالباطل و قد نهي عنه في الكتاب العزيز قلت المستفاد من الاية الشريفة و هي قوله تعالي: «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «1» النهي عن التجارة بالاسباب الفاسدة. و بعبارة اخري: الباء للسببية لا للمقابلة فلاحظ.

الفرع الثاني: انه هل يجوز بيع العذرة أم لا؟ و لا يخفي انه لا مجال للاستدلال علي عدم الجواز بالروايات العامة و القواعد الكلية التي ادعي استفادتها من الكتاب و السنة اذ مر ان تلك النصوص ضعيفة سندا كما أنه قد مر الاشكال في استفادة القواعد الكلية فلا بد من ملاحظة انه هل قام دليل خاص علي المنع أم لا؟

فنقول: ادعي الاجماع علي عدم الجواز. و لا يمكن الجزم بكونه تعبديا بعد احتمال استناد الجمعين الي تلك الادلة العامة أو الي النصوص الخاصة الواردة في المقام.

______________________________

(1) النساء/ 33

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 188

______________________________

و قد وردت جملة من النصوص منها: ما رواه يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ثمن العذرة من السحت «1».

و هذه الرواية ضعيفة بعلي بن مسكين أو سكن. و منها: ما رواه سماعة بن مهران قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر فقال: اني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: حرام بيعها و ثمنها و قال: لا بأس ببيع العذرة «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بمسمع ابن أبي مسمع ان كان هو الراوي عن سماعة و بأبي مسمع ان كان الراوي عنه أبو مسمع. و منها: ما أرسله في الدعائم «3» و المرسل لا اعتبار به فلا دليل علي حرمة

بيع العذرة لا وضعا و لا تكليفا.

و لو اغمض عن ضعف سند الرواية و قلنا باعتبار خبر سماعة نقول: يقع التعارض بين صدره و ذيله و يصير مجملا فلا يترتب عليه أثر و لو اغمض عن هذه الجهة أيضا نقول: بعد التعارض لا بد من الترجيع بالمرجح و الترجيح مع دليل الجواز اولا بموافقة الكتاب و ثانيا بمخالفة العامة و يستفاد من بعض الكلمات ان العامة باجمعهم قائلون بالحرمة «4».

الفرع الثالث: انه هل يجوز بيع الدم؟ قال الشيخ الانصاري قدس سره: «يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف». و قال سيدنا الاستاد: «المشهور بين أصحابنا شهرة عظيمة حرمة بيع الدم الجنس» «5» الي آخر كلامه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) لاحظ ص: 184

(4) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 50

(5) نفس المصدر ص: 53

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 189

______________________________

و لا يخفي انه لا يمكن الاستدلال علي الحرمة أو البطلان بالوجوه العامة لما مر كما أنه لا يترتب أثر علي عدم الخلاف أو الاجماع لاحتمال كون الاجماع مدركيا فلا بد من التماس دليل معتبر دال علي المدعي و قد دل علي حرمة بيع الدم ما رفعه أبو يحيي الواسطي قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة نهاهم عن بيع الدم و الغدد الحديث «1» و المرفوعة لا اعتبار بها.

الفرع الرابع: في جواز بيع العبد الكافر و عدمه فنقول: أما الكافر الاصلي و المرتد الملي فلا وجه لعدم جواز بيعه الا كونه نجسا بناء علي حرمة بيع النجس.

و فيه: انه لا دليل علي مانعية النجاسة عن البيع مضافا الي أن نجاسة الكافر اول

الكلام كما مر في بحث النجاسات و أما المرتد الفطري فيمكن أن يقال في وجه عدم جواز بيعه انه في معرض القتل فلا مالية له. و فيه: انه يمكن عتقه فلا يكون داخلا تحت عنوان ما لا مالية له مضافا الي أن اشتراط كون المبيع ذا مالية اول الكلام و الاشكال.

الفرع الخامس: انه هل يجوز بيع الفقاع أم لا؟ الحق هو الثاني لأنه في حكم الخمر بمقتضي جملة من النصوص لاحظ ما رواه الوشاء قال كتبت اليه يعني الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع: فكتب حرام و هو خمر الحديث «2».

و ما رواه ابن فضال قال: كتبت الي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال: هو الخمر و فيه حد شارب الخمر «3».

و غيرهما مما ورد في الباب: 27 و 28 من أبواب الاشربة المحرمة من الوسائل

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من ابواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 190

[مسألة 2: الأعيان النجسة التي لا يجوز بيعها و لا المعاوضة عليها لا يبعد ثبوت حق الاختصاص لصاحبها فيها]

(مسألة 2): الاعيان النجسة التي لا يجوز بيعها و لا المعاوضة عليها لا يبعد ثبوت حق الاختصاص لصاحبها فيها (1).

______________________________

فان المستفاد من هذه النصوص ان الفقاع خمر و اطلاق التنزيل يقتضي كون المنزل في حكم المنزل عليه في جميع الاحكام و الآثار و حيث انه قد مر حرمة بيع الخمر تكليفا و وضعا فالفقاع كذلك.

الفرع السادس: انه هل يجوز بيع المني الواقع في خارج الرحم أم لا؟

الظاهر انه لا مانع منه اذ لا مجال للأخذ بالروايات العامة الدالة علي حرمة بيع النجس كما انه لا مجال لبقية الوجوه المتوهمة كما مر هذا من ناحية و من ناحية اخري ان العمومات

الاولية تقتضي الجواز وضعا كما أن مقتضي البراءة جوازه تكليفا فلاحظ هذا حكم المني بعد وقوعه خارج الرحم و أما حكم بيعه قبل خروجه من محله و كذلك حكم الخارج و وقوعه في الرحم فخارج عما نحن بصدده فان المقام مقام البحث عن حكم الاعيان النجسة من حيث الحرمة التكليفية و الوضعية.

و المفروض ان المني قبل وقوعه خارج الرحم لا يكون نجسا بناء علي عدم نجاسة الداخل مضافا الي أنه بعد خروجه من مركزه و وقوعه في الرحم يكون تابعا للأنثي و مملوكا لمالكها فلا مجال لبيعه بالنسبة الي مالك الفحل.

(1) كما أنه لا يبعد أن يكون الوجه في هذا الاختصاص السيرة العقلائية و الشرعية فان الخل اذا صار خمرا يكون مختصا بالمالك كما انه لو مات الحيوان المملوك فان ميتته مختصة بالمالك و هكذا بل لا يبعد ثبوت السيرة حتي فيما لا يكون ملك سابق كما لو حاز شخص ميتة فانها مختصة بالحائز و قد ذكرت في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الاول: ان حق الاختصاص غير الملك فاذا زالت الملكية يبقي ذلك الحق بحاله. و فيه: انه لا دليل عليه بل مقتضي الاصل عدمه فان مقتضي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 191

______________________________

استصحاب عدم حدوثه في وعاء الشرع عدمه. مضافا الي أنه لا يختص بمورد تحقق الملك كما مر.

الوجه الثاني: ان حق الاختصاص مرتبة ضعيفة من الملكية فاذا زالت المرتبة الشديدة تبقي المرتبة الضعيفة كالألوان. و فيه: ان الملكية أمر اعتباري قائمة بالاعتبار و مع زول الاعتبار لا مجال لبقائها و لو ببعض مراتبها. و ان شئت قلت:

اعتبار كل مرتبة يغاير اعتبار مرتبة اخري و بعد زوال الاعتبار الاول يتوقف الحكم بوجود مرتبة اخري علي

وصول دليل يدل عليها. و صفوة القول: ان الحق و ان كان مرتبة من الملكية و لكن يتوقف كل منهما علي اعتبار متعلق به.

الوجه الثالث: انه قد دل الدليل علي حرمة التصرف في مال الغير لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده امانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرؤ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «1».

و بعد زوال الملكية لو شك في زوال ذلك يكون مقتضي الاستصحاب بقائه.

و فيه: ان الاستصحاب في الحكم الكلي معارض بعدم الجعل الزائد فلا مجال له مضافا الي أن ذلك الحكم متقوم ببقاء المالية و مع زوالها لا مجال لبقاء ذلك الحكم فكيف مع زوال اصل الملكية كما هو المفروض.

الرابع: انه اشتهر في الالسن ان «من حاز ملك». و فيه: اولا: انه لا سند له. و ثانيا: لا يرتبط بالمقام فان المفروض زوال الملكية.

الخامس: قاعدة السبق المستفادة من النص لاحظ ما روي عنه صلي اللّه عليه

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 192

فلو صار خله خمرا أو دابته ميتة أو اصطاد كلبا غير كلب الصيد لا يجوز أخذ شي ء من ذلك قهرا عليه و كذا الحكم في بقية الموارد (1) و تجوز المعاوضة علي الحق المذكور فيبذل له مال في مقابله و يحل ذلك المال له بمعني انه يبذل لمن في يده العين النجسة كالميتة مثلا مالا ليرفع يده عنها و يوكل أمرها الي الباذل (2).

[مسألة 3: الظاهر أن الميتة الطاهرة كميتة السمك و الجراد لا يجوز بيعها و المعاوضة عليها]

(مسألة 3): الظاهر ان الميتة الطاهرة كميتة السمك و الجراد لا يجوز بيعها (3)

و المعاوضة عليها و ان كانت لها منفعة محللة معتد بها

______________________________

و آله: من سبق الي ما لا يسبقه اليه المسلم فهو احق به «1».

و فيه: اولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا: ان الحديث ناظر الي اثبات الحق للسابق فانه من سبق الي شي ء لم يسبقه اليه أحد يكون السابق أحق بذلك الشي ء فالرواية تدل علي حدوث الحق للسابق و الكلام في المقام في اثبات بقاء الحق بعد سقوط المملوك عن الملكية فالنتيجة ان الدليل السيرة الممضاة عند الشارع الاقدس فلاحظ.

(1) اذ بعد فرض حق الاختصاص لا يجوز مزاحمة ذي الحق كما هو ظاهر.

(2) باجارة أو مصالحة و أما لو لم يتعنون بأحد العناوين فيشكل الجزم بالصحة الاعلي القول بأن عموم وجوب الوفاء بالعقد يقتضي الصحة أو الالتزام بكون التجارة أعم من البيع و يشكل بأن وجوب الوفاء دليل اللزوم و لا يبعد أن تكون التجارة عبارة اخري عن البيع فيشترط فيها ما يشترط فيه.

(3) فان مقتضي اطلاق حديث الحلبي «2» حرمة بيع الميتة علي الاطلاق

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث: 4

(2) لاحظ ص: 177

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 193

عند العرف بحيث يصح عندهم بذل المال بازائها (1) نعم يجوز بذل المال بازاء رفع اليد عنها كالأعيان النجسة (2).

[مسألة 4: يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة إذا كانت له منفعة محللة معتد بها]

(مسألة 4): يجوز بيع مالا تحله الحياة من أجزاء الميتة اذا كانت له منفعة محللة معتد بها (3).

[مسألة 5: يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرمة]

(مسألة 5): يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة في غير الجهة المحرمة مثل التسميد بالعذرات و الاشعال و الطلي بدهن الميتة النجسة و الصبغ بالدم و غير ذلك (4).

[مسألة 6: يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا كانت لها منفعة محللة يعتد بها]

(مسألة 6): يجوز بيع الارواث الطاهرة (5) اذا كانت لها منفعة محللة يعتد بها كما هي كذلك اليوم (6).

______________________________

و لا مقيد له فالحق عدم الجواز وضعا و أما من حيث التكليف فمقتضي البراءة هو الجواز.

(1) قد مر الاشكال في العموم فان الدليل قائم علي حرمة البيع و أما غيره من المعاوضات فلا دليل علي حرمته و الجزم بعدم الفرق بين البيع و غيره مشكل.

(2) كما مر أن حق الاختصاص يجوز المعاوضة عليه.

(3) اذ المفروض انها طاهرة و ان شئت قلت: ان الشارع الاقدس لم يعتبرها ميتة فلا يشملها حكمها مضافا الي قصور دليل المنع لشمولها فلاحظ.

(4) كما هو مقتضي القاعدة الاولية فان الحرمة تحتاج الي الدليل و الا فالاصل الاولي يقتضي الجواز كما هو المقرر.

(5) كما هو مقتضي ادلة الجواز الوضعي.

(6) بل مع عدم المنفعة المحللة فانه لا دليل لهذا الاشتراط.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 194

و كذلك الابوال الطاهرة (1).

[مسألة 7: الأعيان المتنجسة كالدبس و العسل و الدهن و السكنجبين و غيرها إذا لاقت النجاسة يجوز بيعها و المعاوضة عليها]

(مسألة 7): الاعيان المتنجسة كالدبس و العسل و الدهن و السكنجبين و غيرها اذا لاقت النجاسة يجوز بيعها و المعاوضة عليها ان كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف (2) و يجب اعلام المشتري بنجاستها (3) و لو لم تكن لها منفعة كذلك لا يجوز بيعها و لا المعاوضة

______________________________

(1) بل و الابوال النجسة كما مر لعدم الدليل علي المنع.

(2) لعدم دليل علي المنع و مقتضي الادلة جوازه و صحته.

(3) يمكن أن يستدل عليه بما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفارة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه فقال: ان كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و ان كان ذائبا فاسرج به و اعلمهم

اذا بعته «1».

و بما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرز و ما حوله و أما الزيت فتستصبح به و قال: في بيع ذلك الزيت تبيعه و تبينه لمن اشتراه ليستصبح به «2».

و بما رواه معاوية بن وهب و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «3».

فانه لا يبعد أن يستفاد من هذه النصوص وجوب الاعلام نفسيا و حيث ان العرف يفهم عدم الفرق بين الدهن و غيره يجب الاعلام في جميع الموارد.

______________________________

(1) الوسائل الباب: 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3

(2) التهذيب ج 9 ص: 85 حديث 940

(3) الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 195

عليها علي الاحوط (1) و الظاهر بقائها علي الملكية لمالكها (2) و يجوز أخذ شي ء بازاء رفع اليد عنها (3).

[مسألة 8: تحرم و لا تصح التجارة بما يكون آلة للحرام]

(مسألة 8): تحرم و لا تصح التجارة بما يكون آلة للحرام بحيث يكون المقصود منه غالبا الحرام (4) كالمزامير (5).

______________________________

(1) الحكم بعدم الجواز مبني علي الاحتياط و الا فلا مانع من البيع لا وضعا و لا تكليفا.

(2) لعدم دليل علي انتفاء الملكية.

(3) فان جواز رفع اليد علي القاعدة كما ان أخذ شي ء في قباله كذلك فلاحظ.

(4) ان قام اجماع تعبدي كاشف علي المدعي فهو و الا فللنقاش فيما ذكر مجال واسع بعد اقتضاء ادلة صحة البيع جواز بيعها وضعا و اقتضاء البراءة جواز بيعها تكليفا فلا بد من قيام دليل في كل

مورد علي المدعي.

(5) ينبغي أن يقع الكلام في حكم الانتفاع من الملاهي اولا و ثانيا في حكم بيعها و شرائها فالكلام يقع في موضعين أما الموضع الاول فنقول: ما يمكن أن يستدل به علي الحرمة جملة من النصوص منها: ما رواه اسحاق بن جرير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان شيطانا يقال له القفندر اذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط و دخل الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه علي مثله من صاحب البيت ثم ينفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها حتي تؤتي نسائه فلا يغار «1». و هذه الرواية لا تدل علي الحرمة بل تدل علي الاثر الوضعي المترتب علي استماع البربط.

______________________________

(1) الوسائل الباب 100 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 196

______________________________

و منها: ما رواه أبو داود المسترق قال: من ضرب في بيته بربط أربعين يوما سلط اللّه عليهم شيطانا يقال له القفندر فلا يبقي عضو من أعضائه إلا قعد عليه فاذا كان كذلك نزع منه الحياء و لم يبال ما قال و لا ما قيل فيه «1». و هذه الرواية ضعيفة بسهل بل و بغيره مضافا الي الاشكال في الدلالة.

و منها: ما رواه كليب الصيداوي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة «2» و هذه الرواية ضعيفة بسهل و بغيره مضافا الي الاشكال الدلالي.

و منها: ما رواه موسي بن حبيب عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:

لا يقدس اللّه امة فيها بربط يقعقع و ناية (فاية) تفجع «3» و هذه الرواية ضعيفة بسهل و بغيره مضافا الي الاشكال في الدلالة.

و منها: ما رواه سماعة

قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الارض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم عليه السلام فكل ما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك «4». و هذه الرواية ضعيفة بسهل و بغيره مضافا الي الاشكال الدلالي.

و منها: ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انهاكم عن الزفن و المزمار و عن الكوبات و الكبرات «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 197

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي بل و بغيره.

و منها: ما رواه عمران الزعفراني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من أنعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها الحديث «1» و هذه الرواية ضعيفة بسلمة و غيره مضافا الي الاشكال في الدلالة.

و منها: ما رواه محمد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي ثلاثة يقسين القلب: استماع اللهو و طلب الصيد و اتيان باب السلطان «2». و هذه الرواية ضعيفة بأنس بن محمد و غيره مضافا الي الاشكال الدلالي.

و منها: ما أرسله في المقنع قال: و اجتنب الملاهي و اللعب بالخواتيم و الاربعة عشر و كل قمار فان الصادقين عليهم السلام نهوا عن ذلك «3» و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه احمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عليه السلام في حديث

الشامي انه سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن معني هدير الحمام الراعية «عبية» قال: تدعوا علي أهل المعازف و المزامير و العيدان «4» و هذه الرواية ضعيفة بأحمد بن عامر و غيره مضافا الي الاشكال الدلالي.

و منها: ما رفعه السياري عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن السفلة فقال:

من يشرب الخمر و يضرب بالطنبور «5» و المرفوعة لا اعتبار بها.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 8

(3) نفس المصدر الحديث: 9

(4) نفس المصدر الحديث: 10

(5) نفس المصدر الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 198

______________________________

و منها: ما رواه نوف عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال: يا نوف اياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل فان نبي اللّه خرج ذات ليلة فنظر الي السماء فقال:

أما انها الساعة التي لا ترد فيها دعوة الا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة «1». و هذه الرواية ضعيفة بنوف و غيره.

و منها: ما رواه و رام بن أبي فراس في كتابه قال: قال عليه السلام: لا تدخل الملائكة بيتا فيه خمر أو دف أو طنبور أو نرد و لا تستجاب دعائهم و ترفع عنهم البركة «2». و هذه الرواية ضعيفة بورام مضافا الي الاشكال الدلالي.

و منها: ما رواه عبد اللّه بن علي عن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: كل ما الهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «3». و هذه الرواية ضعيفة سندا بجعفر بن محمد بن عيسي مضافا الي أن المستفاد منها ان كل ما

الهي عن ذكره تعالي حرام و هل يمكن الالتزام بهذا الكلي؟.

و ربما يقال: انه يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح قال: لا بأس به ما لم يزمر به «4».

فان المستفاد من هذه الرواية حرمة النفخ في المزمار فيكون الحديث دليلا

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 12

(2) نفس المصدر الحديث: 13

(3) نفس المصدر الحديث: 15

(4) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 199

______________________________

علي حرمة استعمال المزمار. و فيه: اولا: ان الحكم مخصوص بالمزمار و لا يشمل غيره من استعمال آلات اللهو. و ثانيا علي فرض الالتزام به يختص بما يزمر بالغناء فالنتيجة: ان المستفاد من الحديث حرمة الفرد الخاص من الغناء و هو الغناء في المزمار و أما في غيره فلا يدل الحديث علي حرمته فلم يقم دليل علي حرمة استعمال آلات اللهو. و لكن الظاهر ان استعمال آلات اللهو كالمزامير و البرابط و نحوهما من المحرمات القطعية بحيث لا يكون قابلا للنقاش قال في الجواهر: «لا خلاف أيضا في أن العود و الصنج و غير ذلك من آلات اللهو حرام بمعني انه يفسق فاعله و مستمعه بل الاجماع بقسميه عليه» «1» و قال سيدنا الاستاد: علي ما في التقرير لا خلاف بين المسلمين قاطبة في حرمة اللهو في الجملة بل هي من ضروريات الإسلام «الي أن قال في بيان حرمة بعض الاقسام: بل حرمة هذا القسم من ضروريات الدين بحيث يعد منكرها خارجا عن زمرة المسلمين» «2» هذا تمام الكلام في الموضع الاول و أما الموضع الثاني فنفرض حرمة استعمال تلك الالات و

لكن لا وجه للالتزام بالحرمة الوضعية بعد اقتضاء ادلة الصحة بعمومها أو اطلاقها صحة بيعها كما أنه لا وجه للحرمة التكليفية غير توهم ان بيعها اعانة علي الاثم و هي حرام.

و فيه: ان الاعانة تتحقق بتسليمها خارجا و الكلام في بيعها مضافا الي أنه يمكن أن يفرض ان المشتري لا يستعملها و يضاف الي ما ذكر ان حرمة الاعانة علي الاثم أول الكلام و الاشكال لعدم الدليل عليها.

و أما ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: ان اللّه تعالي بعثني هدي و رحمة

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 41 ص: 51

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 420- 422

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 200

و الاصنام و الصلبان (1) و الطبول (2).

______________________________

للعالمين و أمرني أن امحو المزامير و المعازف و الاوتار و الاوثان و أمور الجاهلية الي أن قال: ان آلات المزامير شرائها و بيعها و ثمنها و التجارة بها حرام الخبر «1»، فلا اعتبار به لإرساله.

(1) يمكن الاستدلال علي المدعي مضافا الي الاجماع المدعي بما رواه علي ابن ابراهيم في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي:

«إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب الي أن قال: و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر و أما الانصاب فالاوثان التي كانت تعبدها المشركون و أما الازلام فالاقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان و قرن اللّه الخمر و الميسر مع الاوثان

«2».

و الرواية معتبرة و لا اشكال فيها من ناحية أبي الجارود فان المفيد وثقه مضافا الي توثيق القمي اياه بتوثيقه العام و علي هذا الاساس بني سيدنا الاستاد علي وثاقة الرجل في رجاله. لكن هل يمكن الالتزام بالحرمة الوضعية؟ أو أن المستفاد من هذه الرواية الحرمة التكليفية فقط الا أن يقال: ان النهي في باب المعاملات ارشاد الي فسادها و اللّه العالم.

(2) الطبول من آلات اللهو و قد مر الكلام فيها فلا وجه للإعادة.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 79 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 16

(2) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 12 و تفسير القمي ج 1 ص: 180 و 181

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 201

و آلات القمار (1) كالشطرنج (2) و نحوه (3) و لا اشكال في أن منها الصفحات الغنائيه (الاسطوانات) لصندوق حبس الصوت و كذلك الاشرطة المسجل عليها الغناء (4) و أما الصندوق نفسه فهو كالراديو من الالات المشتركة فيجوز بيعهما كما يجوز أن يستمع منهما الاخبار

______________________________

(1) يستفاد المدعي من حديث أبي الجارود المتقدم «1».

(2) لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام علي اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتي يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير و الناظر اليها كالناظر في فرج امه و اللاهي بها و الناظر اليها في حال ما يلهي بها و السلام علي اللاهي بها في حالته تلك في الاثم سواء و من جلس علي اللعب بها فقد تبوء مقعده

من النار و كان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة و اياك و مجالسة اللاهي و المغرور بلعبها من المجالس التي باء أهلها بسخط من اللّه يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم «2». فان المستفاد من هذه الرواية حرمة بيع آلة الشطرنج تكليفا و وضعا مضافا الي ما مر فلاحظ.

(3) الشطرنج قد ورد فيه النص الخاص و أما آلة القمار علي نحو الاطلاق فالدليل علي حرمة بيعها تكليفا حديث أبي الجارود و قلنا ان استفادة الحكم الوضعي منه محل الاشكال الا أن يقوم اجماع تعبدي علي المدعي أو يقال ان النهي في المعاملات ارشاد الي الفساد.

(4) انما الاشكال في دليل المنع كما مر.

______________________________

(1) لاحظ ص: 200

(2) الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 202

و القرآن و التعزية و نحوها مما يباع استماعه (1) أما التلفزيون فان عد عرفا من آلات اللهو فلا يجوز بيعه (2) و لا استعماله (3) و أما النظر اليه فلا بأس بها اذا كان لا يثير شهوة بل كانت فيها فائدة علمية أو ترويح للنفس (4) و اذا اتفق أن صارت فوائده المحللة المذكورة كثيرة الوقوع بحيث لم يعد من آلات اللهو عرفا جاز بيعه و استعماله و يكون كالراديو (5) و تختص الحرمة حينئذ باستعماله في جهات اللهو المثيرة للشهوات الشيطانية (6) و أما المسجلات فلا بأس ببيعها و استعمالها (7).

[مسألة 9: كما يحرم بيع الالات المذكورة يحرم عملها (8)، و أخذ الأجرة عليها]

(مسألة 9): كما يحرم بيع الالات المذكورة يحرم عملها (8، و اخذ الاجرة عليها (9) بل يجب اعدامها علي الاحوط و لو بتغيير

______________________________

(1) لوجود المقتضي و عدم المانع.

(2) قد مر الاشكال في الكبري فلاحظ.

(3) لم بظهر لي وجه المنع عن الاستعمال ان

كان حلالا و بعبارة اخري: اي دليل علي حرمة استعمال آلة اللهو في الامر المباح.

(4) الظاهر ان اثبات حرمة اثارة الشهوة في غاية الاشكال و اللّه العالم.

(5) ما أفاده ظاهر واضح لا يحتاج الي شرح و بسط.

(6) علي اشكال كما مر و أيضا مر انه لا دليل علي حرمة اثارة الشهوة.

(7) لعدم ما يقتضي المنع و مقتضي القاعدة الاولية الجواز تكليفا و وضعا.

(8) و لقائل ان يقول ما الدليل علي حرمة عملها و اي ملازمة بين الامرين.

(9) اذ بعد فرض كون العمل محرما لا يكون اخذ الاجرة عليه صحيحا شرعا إلا ان يقال لا ملازمة بين حرمة العمل و فساد الاجارة.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 203

هيئتها (1)، و يجوز بيع مادتها من الخشب و النحاس و الحديد بعد تغيير هيئتها بل قبله (2) لكن لا يجوز دفعها الي المشتري الا مع الوثوق بأن المشتري بغيرها (3) اما مع عدم الوثوق بذلك، فالظاهر جواز البيع و ان اثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام (4) اما اذا كان لها فائدة و لو قليلة لم يجب تغييرها (5).

[مسألة 10: تحرم و لا تصح المعاملة بالدراهم الخارجة عن السكة المعمولة لأجل غش الناس]

(مسألة 10): تحرم و لا تصح المعاملة بالدراهم الخارجة عن السكة المعمولة لأجل غش الناس، فلا يجوز جعلها عوضا أو معوضا عنه في المعاملة مع جهل من تدفع اليه، اما مع علمه ففيه اشكال و الاظهر الجواز بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون اعلامه بأنها مغشوشة

______________________________

ان قلت: في فرض الحرمة التكليفية لا احترام له فلا مجال لأخذ الاجرة عليه قلت: انه لا تلازم بين الحرمة التكليفية و عدم جواز الاجارة عليه غاية الامر لا يكون الاجير موظفا بالاداء. و لا يخفي ان هذا مخالف للذوق الفقهي

فلاحظ.

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط و لكن الجزم بالوجوب في غاية الأشكال.

(2) لعدم ما يقتضي المنع.

(3) و فيه ان ما افاده انما يتم لو قلنا بأن التغيير واجب و قد مر الاشكال في وجوبه.

(4) اذ لا يرتبط احد الامرين بالاخر فان مقتضي دليل صحة البيع صحته و مقتضي وجوب التغيير حرمة الدفع علي ما رامه الماتن.

(5) بل قد مر الاشكال في الوجوب مع الانحصار.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 204

و في وجوب كسرها اشكال و الاظهر عدمه (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في مقامات: المقام الاول: في حرمة الغش تكليفا، فنقول قال الشيخ قدس سره الغش حرام بلا خلاف و قال سيدنا الاستاذ- علي ما في التقرير-:

لا شبهة في حرمة غش المسلم في الجملة بلا خلاف بين الشيعة و اهل السنة «1» و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس منا من غشنا «2».

و منها ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر: يا فلان أما علمت انه ليس من المسلمين من غشهم «3».

و منها ما رواه هشام بن الحكم، قال: كنت ابيع السابري في الظلال فمر بي أبو الحسن الاول موسي عليه السلام راكبا فقال لي: يا هشام، ان البيع في الظلال غش، و الغش لا يحل «4».

و منها ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل عليه رجل يبيع الدقيق فقال: اياك و الغش فانه من غش غش في ماله، فان لم يكن له مال غش في أهله «5».

و منها ما رواه سعد الاسكاف عن أبي جعفر عليه السلام

قال: مر النبي صلي

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 298

(2) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

(5) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 205

______________________________

اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه ما أري طعامك الا طيبا و سأله عن سعره فأوحي اللّه عز و جل اليه ان يدس «يدير- يب» يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه: ما أراك و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين «1».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام (في حديث المناهي) عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال: و من غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا و يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم اغش الخلق للمسلمين قال: و قال عليه السلام: ليس منا من غش مسلما و قال: و من بات و في قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط اللّه و أصبح كذلك حتي يتوب «2».

و منها ما عن عقاب الاعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال في حديث:

و من غش مسلما في بيع أو في شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيامة لأنه من غش الناس فليس بمسلم، و من لطم خد مسلم لطمة بدد اللّه عظامه يوم القيامة ثم سلط اللّه عليه النار و حشر مغلولا حتي يدخل النار و من بات و في قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط اللّه، و أصبح كذلك و هو في سخط اللّه حتي يتوب و يراجع «أو يرجع» و ان مات كذلك مات علي

غير دين الإسلام ثم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ألا و من غشنا فليس منا قالها ثلاث مرات و من غش أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه و أفسد عليه معيشته، و وكله الي نفسه و من سمع فاحشة فأفشاها فهو كمن أتاها و من سمع خيرا فأفشاه فهو كمن عمله «3».

و منها ما روي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث: 10

(3) نفس المصدر الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 206

______________________________

عليه و آله: ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره «1» فلا اشكال في حرمة الغش تكليفا في الجملة.

و لا يخفي ان مقتضي الحديث الثالث من الباب حرمة الغش علي الاطلاق و لا يختص بخصوص غش المسلم، و اختصاص الحكم في بعض الروايات بخصوص المسلم لا ينافي ما دل عليه مطلقا كما هو ظاهر عند من له خبرة بالصناعة.

ايقاظ: ان مقتضي الاطلاق في بعض النصوص حرمة الغش علي الاطلاق، لكن لا يمكن الالتزام به فانه لا اشكال في عدم حرمة تزيين البيت العقيق بحيث يري جديدة و امثاله بل يمكن ان يقال انه لا يصدق عنوان الغش في مثل ذلك هذا هو المقام الاول. المقام الثاني: في جواز بيع الدراهم المغشوشة وضعا، فنقول تارة يكون الدرهم المغشوش رايجا بحيث لا يفرق عند العرف بين المغشوش و غيره.

و بعبارة اخري حتي مع العلم به يأخذونه و يعاملون معه مثل ما يعاملون مع الصحيح و اخري لا يكون كذلك. أما في الصورة الاولي فلا مانع من بيعه لا تكليفا و لا وضعا لان المفروض انه لا نقص فيه من

حيث اعتبار من بيده الامر و هو السلطان و ان شئت قلت علي هذا الفرض يكون الدرهم المغشوش احد مصاديق الدرهم بلا فرق فلا موضوع للغش كي يشمله دليل المنع.

و أما في الصورة الثانية فتارة يكون كلا الطرفين عالمين بالحال و اخري يكون كلاهما جاهلين. و ثالثة يكون المشتري عالما و البائع جاهلا و رابعة يكون علي عكس الصورة الثالثه.

اما الصورة الاولي فالظاهر انه لا مانع من صحة البيع كما انه لا وجه للحرمة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 207

______________________________

اذ لا موضوع للغش مع علم الطرفين و أما الصورة الثانية: فلا موضوع للغش كما هو ظاهر، و أما صحته وضعا فتتوقف علي عدم كون الرواج من قبيل الصور النوعية العرفية.

توضيح ما ذكر: ان القيد المأخوذ في المبيع تارة يكون من قبيل الصورة النوعية العرفية و اخري يكون من قبيل الجهات الكمالية و لا اشكال ان التخلف في القسم الاول يوجب البطلان، و في الثانية يوجب الخيار فلو باع الحيوان الخارجي بعنوان كونه حمارا فبان كونه بقرا يكون البيع باطلا اذ البيع يقع علي الصورة النوعية و لا يقع علي الجنس فلو باع جسما بعنوان كونه غنما فبان كونه حديدا فلا مجال لان يقال البيع صحيح غاية الامر يثبت الخيار بل البيع باطل. و أما لو باع عبدا بعنوان كونه كاتبا فبان خلافه يكون البيع صحيحا مع ثبوت الخيار، فعلي هذا يكون البيع باطلا اذا كان الرواج صورة نوعية للدراهم و ان لم يكن كذلك يكون البيع صحيحا.

و اما الصورة الثالثة: فلا اشكال في عدم صدق الغش اذا المفروض علم المشتري بالحال و من ناحية اخري فرض جهل البائع و أما الصحة و

الفساد فيدوران مدار ما تقدم.

و أما الصورة الرابعة: فعلي تقدير كون الرواج صورة نوعية عرفية يكون البيع باطلا اذ المفروض ان العقد يقع علي الرائج و الحال ان مورده المغشوش فلا يكون البيع صحيحا و أما علي تقدير كون الرواج صفة كمال في المبيع يكون البيع صحيحا، غاية الأمر يكون للمشتري خيار تخلف الوصف، هذا بالنسبة الي القواعد الاولية، و أما بالنسبة الي النصوص الخاصة فقد وردت في المقام روايات:

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 208

______________________________

منها ما رواه موسي بن بكر: قال كنا عند أبي الحسن عليه السلام و اذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي دينار فاخذه بيده ثم قطعه بنصفين، ثم قال لي: القه في البالوعة حتي لا يباع شي ء فيه غش «1» و هذه الرواية ضعيفة بموسي بن بكر.

و منها ما رواه الجعفي قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فالقي بين يديه دراهم، فالقي إلي درهما منها، فقال: ايش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال و ما الستوق؟

فقال طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة فقال: اكسرها فانه لا يحل بيع هذا و لا انفاقه «2» و هذه الرواية ضعيفة بالصيرفي.

و منها ما رواه ابن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره، ثم يبيعها، قال: اذا بين «الناس خ ل» ذلك فلا بأس «3».

و هذه الرواية ضعيفة بكون الراوي عنه عليه السلام مرددا بين ابن مسلم و غيره الا أن يقال: ان المستفاد من قول ابن رئاب «لا اعلمه الا عن فلان» ان متعلق علمي فلان فلا وجه للإشكال. و عليه يكون مقتضي هذه الرواية ان صحة البيع تتوقف علي الاعلام

اللهم الا أن يرجع هذه الجملة الي الحدس فيشكل.

المقام الثالث: في جواز دفعه الي الظالم و وجوب كسره. فنقول: الظاهر جواز دفعه الي الظالم، اذ بهذا الطريق يتخلص من شره و لا مجال لان يقال انه لا يجوز الغش اذ لا اشكال في أنه يجوز دفع الظلم عن النفس و المال و العرض بغش الظالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 86 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الصرف الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 2 و التهذيب ج 7 ص 109 الحديث: 73

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 209

[مسألة 11: يجوز بيع السباع، كالهر و الأسد و الذئب و نحوها، إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها]

(مسألة 11): يجوز بيع السباع، كالهر و الاسد و الذئب و نحوها، اذا كانت لها منفعة محللة معتد بها، و كذا يجوز بيع الحشرات و المسوخات اذا كانت كذلك- كالعلق الذي يمص الدم و دود القز و نحل العسل و الفيل (1) أما اذا لم تكن لها منفعة- كذلك- فلا يجوز بيعها، و لا يصح علي الاحوط (2).

[مسألة 12: المراد بالمنفعة المحللة المجوزة للبيع الفائدة المحللة المحتاج اليها حاجة كثيرة غالبا]

(مسألة 12): المراد بالمنفعة المحللة المجوزة للبيع الفائدة المحللة المحتاج اليها حاجة كثيرة غالبا الباعثة علي تنافس العقلاء علي اقتناء العين، سواء أ كانت الحاجة اليها في حال الاختيار أم في

______________________________

و ان شئت قلت ان دليل حرمة الغش منصرف عن مثل المورد و لك أن تقول ان المتبادر من الغش المنهي عنه و لو بمناسبة الحكم و الموضوع انه لا يجوز الاضرار و دفع المغشوش الي الظالم دفع للضرر فلاحظ.

و أما وجوب كسره فلا دليل عليه فان النصوص الدالة علي وجوب الكسر لا تكون معتبرة، مضافا الي الاشكال في دلالتها علي المدعي فان المستفاد منها كسرها كي لا تباع فلا دليل علي الوجوب و مقتضي القاعدة الاولية عدمه كما هو ظاهر.

(1) لوجود المقتضي و هي ادلة صحة البيع و عدم المانع كما ان مقتضي ادلة البراءة جوازه تكليفا و يدل علي المدعي في الجمله ما رواه عيص بن القاسم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟

قال: نعم «1».

(2) بتقريب انه يشترط في المبيع أن يكون ذا منفعة أو بتقريب ان البيع لا بد

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 210

حال الاضطرار كالأدوية و العقاقير المحتاج اليها للتداوي (1).

[مسألة 13: المشهور المنع عن بيع أواني الذهب و الفضة]

(مسألة 13): المشهور المنع عن بيع او اني الذهب و الفضة للتزئين أو لمجرد الاقتناء و الاقوي الجواز (2).

______________________________

أن لا يكون سفهائيا و كلا التقريبين فاسد ان فالحكم مبني علي الاحتياط كما في المتن.

(1) ما افاده ظاهر واضح و لا يحتاج الي شرح و بسط.

(2) اذ مع البناء علي جواز التزيين بها او اقتنائها لا مقتضي للمنع عن بيعها.

و الظاهر انه

لم يرد نهي عن التزيين بها و عن الاقتناء بها بل الحرام استعمالها في الاكل و الشرب لاحظ النصوص الواردة فيها:

منها ما رواه سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضة «1».

و منها ما رواه يوسف قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في الحجر فاستسقي ماء فأتي بقدح من صفر، فقال رجل: ان عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر فقال لا بأس، و قال عليه السلام للرجل: ألا سألته أذهب هو أم فضة «2».

و منها غيرهما المذكور في الباب 65 من أبواب النجاسات من الوسائل و ما يمكن ان يستدل به علي حرمة ما يتعلق بها علي الاطلاق من حديث موسي بن بكر عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون «3» الدال علي أن اناء الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون ضعيف سندا بموسي بن

______________________________

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث: 5

(2) نفس المصدر الحديث: 6

(3) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 211

[مسألة 14: يحرم و لا يصح بيع المصحف الشريف علي الكافر علي الأحوط]

(مسألة 14): يحرم و لا يصح بيع المصحف الشريف علي الكافر علي الاحوط (1).

______________________________

بكر، كما ان ما ذكره في المستدرك «1» ضعيف بالارسال. هذا أولا و ثانيا فرضنا حرمة التزيين بها و اقتنائها لكن اي دليل دل علي حرمة بيعها و فسادها و أما ما ورد في حرمة بيع الخشب ممن يعمل صليبا «2» يختص بمورده، و لهذا وقع الكلام بينهم في جواز بيع العنب ممن يعمله خمرا بل قد ورد النص الدال علي انه عليه السلام كان يبيع تمره ممن يعلم انه يصنعه خمرا. و تفصيل

الكلام موكول الي تلك المسألة.

و الحاصل انه لا دليل علي حرمة بيع ما لا يترتب عليه الفائدة المحرمة و وجوب جسم مادة الفساد علي فرض تمامية دليله لا يستلزم فساد البيع كما هو ظاهر اذ لا منافاة بين الامرين فالنتيجه ان بيع آنية الذهب و الفضة للتزئين أو الاقتناء جائز تكليفا و صحيح وضعا.

(1) وقع الكلام بينهم في حرمة بيع المصحف من الكافر و عدمها و لا يخفي ان انعقاد هذا البحث بعد الفراغ من جواز بيعه من المسلم اذ لو قلنا بحرمته فتكون حرمة بيعه من الكافر بالاولوية القطعية فنقول:

يقع الكلام في مقامين: احدهما في الحكم التكليفي. ثانيهما في الحكم الوضعي.

أما المقام الأول: فما يمكن أن يقال في مقام الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الاول: ان بيع المصحف من الكافر يوجب هتكه، و هتك المصحف حرام بلا اشكال.

______________________________

(1) المستدرك الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث: 9

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1 و 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 212

______________________________

و فيه ان بين الامرين عموما من وجه فانه يمكن ان يباع من كافر مؤدب بحيث يحترم المصحف ازيد من المسلم فهذا الوجه ليس تحته شي ء و علي الجملة لا اشكال في أن مجرد بيع المصحف من الكافر من حيث هو لا يكون هتكا للمصحف فهذا الوجه غير تام.

الوجه الثاني: ان بيعه منه يستلزم تنجسه و تنجيس المصحف حرام. و فيه اولا لا ملازمة بين البيع و تنجسه بل يمكن أن يفرض أن يباع مع القطع بعدم تنجسه أو الشك فيه.

و ثانيا: ان النهي متوجه الي الكافر بأن لا ينجس المصحف علي القول بكونه مكلفا بالفروع و لا يرتبط بالبايع الا من ناحية

الاعانة علي الاثم و حرمة الاعانة عليه اول الكلام و الاشكال.

الوجه الثالث: ان المشهور فيما بين القوم عدم الجواز و فيه ان الشهرة لا تكون من الادلة الشرعية اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الحق جوازه تكليفا اذ عدمه يحتاج الي الدليل و حيث انه لا دليل علي الحرمة فيكون جائزا.

و اما المقام الثاني: فنقول: قد استدل علي الحرمة الوضعية و الفساد بان الكافر لا يملك المسلم، فلا يملك المصحف بالاولوية و فيه اولا لا دليل علي اصل المدعي و لذا ذهب الفقهاء الي وجوب بيع العبد المسلم اذا كان ملكا للكافر و الحال ان البيع يتوقف علي كون المبيع ملكا للبائع و بعبارة اخري مع فرض عدم كونه ملكا لا موضوع للبيع.

و ثانيا لا اولوية فان الاحكام الشرعية امور تعبدية و ملاكاتها مجهولة عندنا، مضافا الي أنه يمكن أن يقال في كون المسلم ملكا للكافر ذلا و حقارة بالنسبة الي المسلم و أما في المقام فلا يكون كذلك اذ ربما يحترم الكافر المصحف أزيد من المسلم

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 213

و كذا يحرم تمكينه منه الا اذا كان تمكينه لإرشاده و هدايته فلا باس به حينئذ (1)، و الاحوط استحبابا الاجتناب عن بيعه علي المسلم، فاذا اريد المعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة علي الغلاف و نحوه، او تكون المعاوضة بنحو الهبة المشروطة بعوض (2).

______________________________

فلا يكون استخفافا بالنسبة الي الكتاب الالهي.

و أما النبوي الوارد «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه» «1» مضافا الي كونه ضعيفا سندا للإرسال لا يدل علي المدعي اذ لا يبعد أن يكون المراد ان الإسلام ببراهينه يعلو علي غيره من الاديان. فالحكم بالفساد و أيضا الحكم بالحرمة تكليفا مبني علي الاحتياط.

(1) لو

لا عروض عنوان الثانوي لا مقتضي للحرمة و لا وجه للحكم بحرمة التمكين اذ لا دليل عليها ظاهرا.

(2) قد دلت جملة من النصوص علي حرمة بيع المصحف:

منها ما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: ان المصاحف لن تشتري، فاذا اشتريت فقل: انما اشتري منك الورق و ما فيه من الاديم «ادم خ ل» و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا «2».

و هذه الرواية ضعيفة بعبد الرحمن.

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين، و قل:

اشتري منك هذا بكذا و كذا «3». و هذه الرواية لا بأس بسندها و مثلها في

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب موانع الارث الحديث: 11

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 214

______________________________

الدلالة علي المنع جملة اخري من النصوص.

منها ما رواه عثمان بن عيسي: قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال:

لا تشتر كلام اللّه، و لكن اشتر الحديد و الجلود و الدفتر و قل: اشتري هذا منك بكذا و كذا «1».

و منها ما رواه سماعه «2». و في قبال هذه النصوص طائفة اخري تدل علي الجواز منها ما عن أبي بصير قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: انما كان يوضع عند القامة و المنبر قال: كان بين الحائط و المنبر قيد ممر شاة و رجل و هو منحرف فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة و يجي ء آخر فيكتب

السورة كذلك كانوا ثم انهم اشتروا بعد ذلك، فقلت فما تري في ذلك؟ فقال اشتريه احب إلي من أبيعه «3».

و منها ما عن روح بن عبد الرحيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن شراء المصاحف و بيعها، فقال: انما كان يوضع الورق عند المنبر، و كان ما بين المنبر و الحائط قدر ما تمر الشاة او رجل منحرف، قال: فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك، ثم انهم اشتروا بعد، قلت فما تري في ذلك؟ فقال لي: اشتري احب الي من أن ابيعه، قلت: فما تري ان اعطي علي كتابته اجرا؟ قال: لا بأس و لكن هكذا كانوا يصنعون «4».

و منها ما رواه عنبسة الوراق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقلت انا رجل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 11

(3) نفس المصدر الحديث: 8

(4) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 215

و اما الكتب المشتملة علي الآيات و الادعية و اسماء اللّه تعالي، فالظاهر جواز بيعها علي الكافر، فضلا عن المسلم، و كذا كتب الاخبار عن المعصومين عليهم السلام كما يجوز تمكينه منها (1).

[مسألة 15: يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا]

(مسألة 15): يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا (2)،

______________________________

ابيع المصاحف، فان نهيتني لم ابعها، فقال: أ لست تشتري ورقا و تكتب فيه؟

قلت بلي و أعالجها قال: لا بأس بها «1».

فلا بد من العلاج. فان قلنا ان الجمع بينهما يقضي حمل دليل الحرمة علي الكراهة فهو و الا فلا بد من رفع اليد عن دليل المنع اذ لا اشكال في جواز بيع المصحف تكليفا و وضعا و لا مجال للإشكال فيه فلاحظ. نعم لا بأس بالالتزام بالاستحباب من باب الاحتياط بناء علي أن المستفاد من

اخبار الاحتياط استحبابه في موارد الشك في الحكم.

(1) لوجود المقتضي و عدم المانع فانه لا دليل علي حرمة بيعها كما انه لا دليل علي حرمة تمكين الكافر منها كما في المتن و اللّه العالم.

(2) اراد من الحرمة التكليفية بقرينة حكمه بصحة البيع بعد ذلك و الحكم بالحرمة يتوقف علي قيام دليل عليه فيقع الكلام في مقامين:

احدهما في بيان الحكم التكليفي ثانيهما في بيان الحكم الوضعي أما المقام الاول فنقول ما يمكن أن يستدل به علي المدعي و جهان احدهما ما يدل علي حرمة بيع الخشب ممن يصنعه صليبا أو صنما لاحظ ما رواه ابن اذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال لا بأس به، و عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، قال: لا «2».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 41 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 216

______________________________

و منها ما رواه عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التوت ابيعه يصنع للصليب و الصنم قال: لا «1».

و فيه ان المنهي عنه في الحديثين المنع عن بيع الخشب ممن يصنعه صنما أو صليبا و لا تنافي بين الامرين اذ لا ملازمة بين حرمة بيع الخشب في مفروض الحديثين و جواز بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا او بداعي انه يصنعه هذا اولا، و ثانيا انه ذكر في الحديث الاول حرمة بيع الخشب ممن يصنعه برابط فليس حكم جميع المحرمات واحدا من هذه الجهة و ثالثا ان المستفاد من الحديثين المنع الوضعي و الكلام في المقام المنع التكليفي.

و رابعا قد دلت جملة من

النصوص علي جواز بيع العنب و العصير ممن يعلم انه يجعله خمرا و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله حراما، فقال لا بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده اللّه و أسحقه «2».

و منها ما رواه عمر بن أذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او سكرا؟ فقال: انما باعه حلالا في الابان الذي يحل شر به أو أكله فلا بأس ببيعه «3».

و منها ما رواه ابو كهمس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن العصير فقال لي كرم و انا أعصره كل سنة و اجعله في الدنان و ابيعه قبل أن يغلي، قال: لا بأس به، و ان غلا فلا يحل بيعه، ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 59 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

(3) عين المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 217

______________________________

خمرا «1».

و منها ما رواه أبو المعزاء قال سأل يعقوب الاحمر أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر فقال: انه كان لي اخ و هلك و ترك في حجري يتيما، و لي اخ يلي ضيعة لنا و هو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا و يؤاجر الأرض بالطعام (الي ان قال:) فقال: أما بيع العصير ممن يصنعه خمرا فلا بأس خذ نصيب اليتيم منه «2».

و منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام و انا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره، قال: حلال، أ

لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟ «3».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال: بعه ممن يطبخه او يصنعه خلا احب إلي و لا اري بالاول بأسا «4».

و منها ما رواه يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل و انا حاضر قال: ان لي الكرم، قال: تبيعه عنبا، قال: فانه يشتريه من يجعله خمرا قال: فبعه اذا عصيرا، قال: فانه يشتريه مني عصيرا فيجعله خمرا في قربتي قال:

بعته حلالا فتجعله حراما فابعده اللّه، ثم سكت هنيهة ثم قال: لا تذرن ثمنه عليه حتي يصير خمرا فتكون تأخذ ثمن الخمر «5».

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 6

(2) عين المصدر الحديث: 7

(3) عين المصدر الحديث: 8

(4) عين المصدر الحديث: 9

(5) نفس المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 218

______________________________

ثانيهما: ان بيع العنب بهذا الداعي اعانة، علي الاثم، و الاعانة عليه حرام و استدل علي حرمتها بامور: الاول قوله تعالي وَ لٰا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعٰاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْويٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ «1» فان مقتضي الاية حرمة التعاون علي الحرام.

و فيه ان التعاون غير الاعانة فان التعاون اجتماع عدة من الاشخاص لا يجاد امر في الخارج مستند اليهم. و أما في مورد الاعانة الفعل يصدر من المعان و الاعانة تصدر من المعين فلا تدل الاية علي المدعي.

الامر الثاني: دعوي الاجماع علي حرمتها و فيه ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك، لاحتمال كون مدرك المجمعين بعض الوجوه المذكورة فلا يكون تعبديا فلا

يكون حجة.

الأمر الثالث: ان ترك الاعانة دفع للمنكر و دفع المنكر واجب كرفعه. و فيه اولا علي فرض تمامية المدعي يختص بمورد يعلم المعين بعدم وقوع الاثم بتركه الاعانة و أما لو علم بتحققه علي كل تقدير فلا مجال لهذا التقريب اذ المفروض انه لا يرفع بتركه، و كذلك لو شك في ذلك و ان شئت قلت: عدم الاعانة لا يستلزم عدم تحقق الحرام في الخارج. و ثانيا: لا دليل علي وجوب دفع المنكر الا في موارد خاصة كقتل النفس او هتك بعض الاعراض و امثالهما و اما وجوب دفع كل حرام فلا دليل عليه. و النهي عن المنكر و ان كان واجبا مع اجتماع شرائطه لكن وجوبه لا يستلزم وجوب دفعه كما هو ظاهر فان كل واحد من الامرين يغاير الاخر موضوعا فلا وجه لقياس احد الامرين علي الاخر و لكن هل يمكن للفقيه أن يفتي بجواز

______________________________

(1) المائدة: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 219

______________________________

بيع العنب بداعي أن يجعل خمرا و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

و أما المقام الثاني: فقد ذكرت في مقام الاستدلال علي الفساد وجوه:

الوجه الاول: ان بيع العنب لأن يجعل خمرا او الخشب لان يجعل آلة للهو اعانة علي الاثم و الاعانة علي الاثم حرام و بعد فرض حرمة البيع يكون فاسدا.

و فيه اولا: ان الاعانة علي الاثم لا دليل علي حرمتها كما تقدم.

و ثانيا: علي فرض حرمتها و الالتزام بحرمة البيع لكونها اعانة علي الاثم لا يستلزم الفساد اذ النهي التكليفي و الحرمة التكليفية لا يقتضيان الفساد كما هو ظاهر و ان شئت قلت لا تلازم بين الحرمة و الفساد.

و ثالثا: علي فرض التنزل انما يكون مقتضيا للفساد فيما يتعلق النهي بعنوان

المعاملة كما لو نهي عن عنوان البيع كما في قوله تعالي في سورة الجمعة و ذروا البيع و أما اذا تعلق النهي بعنوان خارج كما هو كذلك في النهي عن الاعانة فلا يكون دليلا علي الفساد.

و رابعا: الاعانة تتحقق بالتسليم الخارجي لا بنفس البيع الذي هو عبارة عن الامر الاعتباري.

الوجه الثاني: ان قوله تعالي: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» يقتضي الفساد فان المستفاد من الاية فساد الاكل في مقابل الباطل.

و فيه: اولا ان المراد بالآية النهي عن الاكل بالاسباب الفاسدة و ليس الحرف الجار للمقابلة بل الباء للسببية. و ثانيا: ان الشرط لا يقسط عليه الثمن فلا موضع لهذا الاستدلال.

______________________________

(1) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 220

او الخشب- مثلا- ليعمل صنما (1).

______________________________

الوجه الثالث: الاجماع و فيه علي فرض تحققه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعه.

الوجه الرابع: شمول ادلة النهي عن المنكر للمقام، بتقريب ان النهي لرفع المنكر اذا كان واجبا فدفع المنكر واجب بالاولوية. و فيه اولا ان ادلة النهي عن المنكر لا تشمل المقام اذ لا اولوية بل الاولوية علي العكس، فانه لو كان الدفع واجبا لكان الرفع واجبا بالاولوية. و ثانيا ان النهي التكليفي لا يقتضي الفساد و علي فرض اقتضائه يختص بما يكون النهي متعلقا بنفس عنوان المعاملة و في المقام النهي متعلق بعنوان آخر كما هو ظاهر.

الوجه الخامس: ما ورد من النهي عن اجارة السفن و المساكن للمحرمات لاحظ ما رواه صابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه (فيها خ ل) الخمر قال: حرام اجره «1». بتقريب اتحاد الحكم بين الاجارة و البيع.

و فيه اولا: انه لا

وجه لقياس البيع علي الاجارة. و ثانيا: ان الحديث معارض بما رواه ابن اذينة: قال كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يعمل فيها او عليها الخمر و الخنازير، قال لا بأس «2».

و يضاف الي ما ذكرنا كله ان الحديث ضعيف بصابر أو جابر فتحصل انه لا دليل علي الحرمة و لو مع اشتراط الحرام.

(1) قد دل النص الخاص «3» علي حرمة بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا،

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) لاحظ ص: 215 و 216

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 221

او آلة لهو، او نحو ذلك (1) سواء أ كان تواطؤهما علي ذلك في ضمن العقد أم في خارجه (2) و اذا باع و اشترط الحرام صح البيع (3) و فسد الشرط (4).

______________________________

لكن لو قلنا بأن النهي في ابواب المعاملات يدل علي الفساد لا علي الحرمة لا مجال للاستدلال بالحديثين علي الحرمة التكليفية.

و لنا أن نقول بأن المستفاد من الحديثين بحسب الفهم العرفي كلا الامرين من الحرمة التكليفية و الفساد الوضعي اذ هو مقتضي الاطلاق المقامي. و بعبارة اخري كما يستفاد من قوله عليه السلام «لا بأس» تكليفا و وضعا بعد السؤال عن البيع ممن يتخذه برابط كذلك يفهم النهي بالنسبة الي كلا الامرين بعد السؤال عن البيع ممن يتخذه صلبانا أو صنما. و ان شئت قلت التقسيم قاطع للشركة فلا اشتراك بين الموردين لا في الحكم التكليفي و لا في الحكم الوضعي و علي الجملة يفهم من الحديث التفريق بين حكم البربط و الصلبان فلاحظ.

(1) قد دلت رواية ابن اذينة علي جواز البيع ممن يتخذ الخشب

برابط لكن المذكور في الرواية البيع ممن يعلم انه يجعله برابط، و الكلام في المقام في البيع بداعي ارتكاب المحرم و لو لا قيام الدليل علي الحرمة التكليفية يشكل الجزم بالحرمة.

(2) لوحدة الملاك و عدم فرق بين الصورتين موضوعا و حكما.

(3) لوجود المقتضي و عدم المانع، و لكن لا يمكن الالتزام بالصحة في بيع الخشب ليعمل صنما لحديث ابن اذينة المتقدم ذكره، اذ لا فرق في نظر العرف بين الصنم و الصلبان، نعم بالنسبة الي غيره كبيع العنب ليعمل خمرا الحق كما افاده في المتن، الا أن يقال ان المستفاد من الحديث المنع عن البيع في صورة العلم باتخاذ المشتري اياه صلبانا فلا يشمل صورة الاشتراط فلا وجه للفساد.

(4) اذ الشرط اذا كان فعلا محرما لا يصح فان الشرط قبل ملاحظة دليل نفوذه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 222

و كذا تحرم (1)، و لا تصح اجارة المساكن ليباع فيها الخمر او يحرز فيها، أو يعمل فيها شي ء من المحرمات (2)،

______________________________

لا بدان يكون أمرا جائزا كي يجب بدليل وجوب الوفاء به، و يجي ء في محله ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد فانتظر.

(1) قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير «1» «ان متعلق الاجارة اذا كان عملا محرما تكون الاجارة محرمة تكليفا بلا خلاف بين الشيعة و السنة الا ما ينسب الي أبي حنيفة» فان تم اجماع تعبدي علي المدعي فهو و الا يشكل الجزم بالحرمة التكليفية و دعوي ان ادلة المحرمات بنفسها تقتضي حرمتها بتقريب ان الادلة الناهية تقتضي الانزجار عنها عهدتها علي مدعيها.

و أما الوجوه المتقدمه للاستدلال علي حرمة البيع فقد ظهر ما فيها من الاشكال و لا وجه للإعادة و مع عدم دليل علي المنع

يكون مقتضي الاصل الجواز كما هو ظاهر.

(2) بتقريب: ان الأمر بالانزجار عن الاجارة ينافي الامر بالوفاء اللازم لصحتها و فيه اولا: لا دليل علي زجر المولي عن الاجارة و ثانيا: ان النهي التكليفي لا يستلزم الفساد الوضعي. و ثالثا: ان المستفاد من دليل وجوب الوفاء عدم حق الفسخ، و لا تنافي بين الأمرين، و ان شئت قلت اذا آجر داره للعمل الحرام لا يقتضي وجوب الوفاء ارتكاب ذلك المحرم، فاين التنافي بين الموردين الا ان يقال اذا كان العمل محرما شرعا لا يكون محترما عند الشارع و لا يعتبره الشارع مملوكا لأحد و مع عدم امكان كونه مملوكا كيف يمكن تمليكه من الغير بالاجارة.

و في المقام اشكال و هو انه أي دليل دل علي اشتراط الاجارة بكون متعلقها

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 164

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 223

و كذا تحرم و لا تصح اجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر و الثمن و الاجرة في ذلك محرمان (1) و أما بيع العنب ممن يعلم انه يعمله خمرا، أو اجارة المسكن ممن يعلم انه يحرز فيه الخمر، أو يعمل فيه شيئا من المحرمات، من دون تواطئهما علي ذلك في عقد البيع أو الاجارة أو قبله، فقيل انه حرام و هو أحوط (2)، و الاظهر الجواز (3).

[مسألة 16: يحرم تصوير ذوات الأرواح]

(مسألة 16): يحرم تصوير ذوات الارواح (4).

______________________________

ما لا غاية ما في الباب انه في صورة كون متعلقها حراما لا يكون الاجير موظفا بالوفاء و لكن الاشكال المذكور يقرع الاسماع و بعيد عن ذوق الفقاهة.

(1) الكلام فيه هو الكلام و لا وجه للإعادة.

(2) لا اشكال في كونه احوط كما لا اشكال في حسن الاحتياط عقلا بل لا اشكال في

استحبابه شرعا.

(3) لوجود المقتضي و عدم المانع مضافا الي أن جملة من النصوص دالة علي جواز بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا و قد مرت الاشارة اليها كما ان رواية ابن اذينة دالة علي جواز الاجارة و قد مرت الاشارة اليها أيضا.

(4) قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير: «لا خلاف بين الشيعة و السنة في حرمة التصوير في الجملة» «1» الي آخر كلامه، و العمدة ملاحظه النصوص الواردة في المقام و مقدار دلالتها فمن تلك النصوص ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام انا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفترشها، فقال: لا بأس بما يبسط منها و يفترش و يوطأ انما يكره منها ما نصب علي الحائط و السرير «2»

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 220

(2) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 224

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن التصاوير و قال: من صور صورة كلفه اللّه تعالي يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ، و نهي ان يحرق شي ء من الحيوان بالنار، و نهي عن التختم بخاتم صفر او حديد، و نهي ان ينقش شي ء من الحيوان علي الخاتم «1» و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق الي شعيب.

و منها ما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة من الحيوان يعذب حتي ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها، الحديث «2»

و هذه الرواية ضعيفة بالميثمي.

و منها ما رواه ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من صور صورة عذب و كلف ان ينفخ فيها و ليس بفاعل، الحديث «3» و هذه الرواية ضعيفة بعكرمة و غيره.

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي عليه و آله: أتاني جبرئيل قال: يا محمدان ربك يقرئك السلام و ينهي عن تزويق البيوت، قال أبو بصير، فقلت، و ما تزويق البيوت؟ فقال تصاوير التماثيل «4».

و هذه الرواية لها سندان و كلاهما مخدوشان ففي الاول منهما الجوهري

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) نفس المصدر الحديث: 9

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 225

______________________________

و البطائني. و في الثاني البرقي.

و منها ما رواه ابن أبي عمير مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من مثل تمثالا كلف يوم القيامه ان ينفخ فيه الروح «1» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه حسين بن منذر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاثه يعذبون يوم القيامة رجل كذب في رؤياه، يكلف ان يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و رجل صور تماثيل يكلف ان ينفخ فيها و ليس بنافخ «2» و حسين بن منذر لم يوثق.

و منها ما رواه ابن قداح عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في هدم القبور و كسر الصور «3» و للرواية سندان و كلاهما مخدوشان، ففي الاول سهل و غيره و في الثاني الاشعري و غيره.

و منها ما

رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الي المدينة فقال لا تدع صورة الا محوتها، و لا قبرا الا سويته، و لا كلبا الا قتلته «4» و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي بل و بغيره.

و منها ما رواه الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال: من جدد قبرا او مثل مثالا فقد خرج من الإسلام «5» و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) عين المصدر الحديث: 5

(3) عين المصدر الحديث: 7

(4) عين المصدر الحديث: 8

(5) عين المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 226

من الانسان و الحيوان (1) سواء أ كانت مجسمة أم لم تكن (2)،

______________________________

سنان.

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اتاني جبرئيل فقال: يا محمد ان ربك ينهي عن التماثيل «1» و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني.

و منها ما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ هم المصورون، يكلفون يوم القيامة ان ينفخوا فيها الروح «2» و هذه الرواية ضعيفة بأبي جميلة.

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر، فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «3» و هذه الرواية لا بأس بسندها و تدل علي الحكم بالنسبة الي التماثيل الحيوانية.

(1) كما هو المستفاد من حديث محمد بن مسلم المتقدم ذكره آنفا، و يدل علي المدعي بالنسبة الي الانسان ما رواه أبو العباس، عن أبي

عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: (يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ) فقال: و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها الشجر و شبهه «4».

(2) فان التعميم مقتضي الاطلاق اذ التمثال اعم من المجسم و ربما يقال ان الحرمة مختصة بالاول و استدل علي المدعي بوجوه:

الوجه الاول النصوص الدالة علي أن المصور يؤمر بنفخ الروح في الصورة

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 11

(2) عين المصدر الحديث: 12

(3) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 3

(4) عين المصدر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 227

______________________________

و النفخ يتوقف علي كون الصورة مجسمة:

منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن التصاوير و قال: من صور صورة كلفه اللّه تعالي يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ الحديث «1».

و منها ما رواه محمد بن مروان، عن أبي عبد اللّه قال: سمعته يقول: ثلاثة يعذبون يوم القيامة، من صور صورة من الحيوان يعذب حتي ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها الحديث «2».

و منها ما رواه ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من صور صورة عذب و كلف ان ينفخ فيها و ليس بفاعل الحديث «3».

و فيه ان هذه النصوص كلها ضعيفة. و ثانيا: انه يمكن تصوير النفخ بلحاظ اللون، فان اللون جسم و قابل لان ينفخ فيه الروح، فلا تختص النصوص المشار اليها بالمجسمة.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛

ج 7، ص: 227

و ثالثا: يكفي لعموم الحكم غيرها من نصوص الباب. لاحظ ما رواه محمد ابن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر، فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «4».

فان المستفاد من هذه الرواية ان المنهي عنه مطلق التمثال و قد حقق في محله انه لا تنافي بين الاثباتين.

______________________________

(1) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 7

(3) عين المصدر الحديث: 9

(4) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 228

______________________________

الوجه الثاني: انه يستفاد من بعض النصوص عدم الباس اذا غيرت رءوسها لاحظ ما رواه زرارة بن اعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها منها و ترك ما سوي ذلك «1».

و يستفاد من بعضها عدم البأس اذا قطع الرأس. لاحظ ما رواه علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الدار و الحجرة فيها التماثيل أ يصلي فيها فقال: لا تصل فيها و فيها شي يستقبلك الا ان لا تجد بدا فتقطع رءوسها و الا فلا تصل فيها «2».

و بعضها يدل علي كسر الرأس لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير و تماثيل يصلي فيه؟

فقال: تكسر رءوس التماثيل و تلطخ رءوس التصاوير و يصلي فيه و لا بأس الحديث «3».

فبهذه النصوص يستدل علي المدعي. و فيه اولا: ان الدال علي المدعي في هذه النصوص ما يشتمل علي الكسر و تلك الرواية

ضعيفة سندا بعبد اللّه بن حسن و أما التغيير و القطع فلا يتنافيان مع كون الصورة نقشا.

و ثانيا ان هذه النصوص ترتبط بالصلاة في المكان الذي تكون فيه الصورة و الكلام في المقام في ايجاد الصورة. و ثالثا: يكفي لإثبات المدعي غيرها من النصوص الدال بالاطلاق علي المدعي لعدم التنافي بين المطلق و المقيد في المثبتين.

الوجه الثالث: انه قوبل بين النقش و الصورة في خبر المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن التصاوير و قال: من صور صورة كلفه

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب أحكام المساكن الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث: 5

(3) عين المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 229

و يحرم اخذ الاجرة عليه (1) أما تصوير غير ذوات الارواح كالشجر

______________________________

اللّه تعالي يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ، و نهي ان يحرق شي ء من الحيوان بالنار، و نهي عن التختم بخاتم صفر او حديد، و نهي ان ينقش شي ء من الحيوان علي الخاتم «1» فيفهم ان المنهي عنه الصورة المجسمة و أما النقش فلا بأس به.

و فيه: ان الحديث ضعيف كما مر، مضافا الي ما عن بعض الاساطين من ان ما اشتمل علي النقش خبر آخر و لم يكن مقابلا للصورة في كلام النبي صلي اللّه عليه و آله و انما الصادق عليه السلام قد جمع بين كلامين للنبي في خبر واحد فلاحظ.

(1) بتقريب ان الفعل الحرام لا مالية له شرعا، فلا يبذل بازائه شي ء و يرد عليه:

بأنه ما الدليل علي اشتراط صحة الاجارة بكون متعلقها مالا شرعا كما تقدم و ربما يقال بأن الحرمة التكليفية تمنع عن صحة الاجارة، فان

المنهي عنه شرعا كالممتنع عقلا، و من الظاهر انه لا تصح الاجارة علي ما لا يكون مقدورا للأجير.

و فيه انه لم يرد دليل من الكتاب أو السنة يدل علي المدعي و ان المنهي عنه شرعا كغير المقدور و لا اشكال في أن العمل الحرام مقدور للمكلف.

و يمكن ان يستدل علي المدعي بأنه كيف يمكن الالتزام بصحة الاجارة و وجوب الوفاء بها مع كون العمل حراما فان مرجعه الي الجمع بين المتنافيين و يمكن أن يقال. بأنه لا تنافي بين الامرين اذ الامر بالوفاء ليس تكليفا بل ارشاد الي اللزوم فلا تنافي بين الحكم باللزوم و النهي عن العمل لكن مع ذلك كله هل يمكن للفقيه الالتزام بالصحة و كيف كان الظاهر ان المتسالم عليه بين القوم فساد الاجارة في أمثال المقام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 230

و غيره فلا بأس به (1) و يجوز أخذ الاجرة عليه (2) كما لا بأس بالتصوير الفوتغرافي المتعارف في عصرنا (3) و مثله تصوير بعض الصورة كالرأس و الرجل و نحوهما مما لا يعد تصويرا للصورة الناقصة (4) أما اذا كان

______________________________

(1) كما صرح به في حديث ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «1».

(2) لوجود المقتضي و عدم المانع و بعبارة اخري: مقتضي اطلاق دليل جواز الاجارة و التجارة عن تراض جوازه و لم يقم دليل يخصص العموم.

(3) بتقريب: ان التصوير الفوتغرافي المتعارف ليس احداثا للصورة بل إبقاء لها و من ناحية اخري ان الاوامر و النواهي ظاهرة في البعث نحو احداث

المتعلق و في الزجر عنه فاذا كان التصوير إبقاء للصورة الحاصلة لا يكون متعلقا للنهي.

بل يمكن أن يقال: انه مع الشك في كونها احداثا أو إبقاء يكون جائزا لعدم توجه التكليف مع الشك و يكون مقتضي البراءة هو الجواز. و صفوة القول: ان التصوير المتعارف ابقاء للصورة فان الانسان اذا وقف في مقابل المكينة العكاسة كان حائلا بينها و بين النور فيقع ظله علي المكينة و يثبت فيها لأجل الدواء.

و يمكن أن يقال: بأن الاحكام الشرعية مترتبة علي الموضوعات العرفية و لا مدخل للدقة العقلية فيها فاذا صدق التصوير علي المتداول الخارجي يشمله دليل الحرمة و لا ينقض بالنظر في المرآة اذ لا يصدق عليه التصوير مضافا الي أن حليته من الواضحات فلا وجه للقياس.

(4) لعدم صدق موضوع الحرام علي الناقص فلا يحرم.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 231

كذلك مثل تصوير شخص مقطوع الرأس ففيه اشكال (1) أما لو كان تصويرا علي هيئة خاصة مثل تصويره جالسا أو واضعا يديه الي خلفه أو نحو ذلك مما يعد تصويرا تاما فالظاهر هو الحرمة (2) بل الامر كذلك فيما اذا كانت الصورة ناقصة و لكن النقص لا يكون دخيلا في الحياة كتصوير انسان مقطوع اليد أو الرجل (3) و يجوز علي كراهية اقتناء الصور (4).

______________________________

(1) منشأ الاشكال امكان: انه يصدق عليه التصوير غاية الامر يكون تصويرا للصورة الناقصة و مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم الفرق بين الصورة التامة و الناقصة فتأمل.

(2) لا طلاق دليل الحرمة.

(3) لعين الملاك.

(4) ربما يقال: بأن اقتنائها حرام و ما يمكن أن يقال في مقام الاستدلال عليها وجوه: الوجه الاول: ان الايجاد و الوجود أمر واحد فاذا حرم الايجاد حرم

الوجود فاقتناؤه حرام.

و فيه: انه لا اشكال في حرمة الايجاد و ذلك الوجود الملازم للإيجاد كما قال المستدل لكن الكلام في ابقاء ذلك الوجود و لا ملازمة بين حرمة الاحداث و الابقاء بل يمكن أن يكون الايجاد حراما و الابقاء واجبا كما في ولد الزنا فان ايجاده حرام بالزنا و لكن بعد تكونه يحرم قتله و يجب ابقائه. مضافا الي أنه لو تم الاستدلال فانما يتم بالنسبة الي الفاعل الموجد و الكلام في المقام في مطلق الاقتناء و لو لغير الموجد فلاحظ.

الوجه الثاني: ان المستفاد من حديث تحف العقول «1» ان كل محرم

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 232

______________________________

لا يكون فيه الا الفساد محضا يحرم جميع التقلب فيه فلا يجوز امساك الصورة لان فعلها حرام. و فيه: ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا: ان التصوير ليس مما فيه الفساد المحض.

الوجه الثالث ما دل من النصوص علي أمره صلي اللّه عليه و آله عليا بمحو كل صورة «1». و فيه ان سند تلك الروايات ضعيفة و ثانيا: انه يحتمل أن يكون أمره صلي اللّه عليه و آله في تلك القضية الشخصية لجهة خاصة و لا يستفاد منها الحكم الكلي فلاحظ.

الوجه الرابع: ما دل علي حرمة اللعب بالتماثيل لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر أنه سأل أباه عن التماثيل فقال: لا يصلح أن يلعب بها «2».

و ما رواه مثني رفعه قال: التماثيل لا يصلح أن يلعب بها «3». و فيه:

اولا ان عدم الصلاحية أعم من الحرمة. و ثانيا: ان حرمة اللعب لا تستلزم حرمة الاقتناء و الامساك.

الوجه الخامس: ما رواه أبو العباس «4»

بتقريب: ان المستفاد من الرواية انكار ما فعل من التماثيل فيكون اقتناء الصورة و امساكها حراما. و فيه:

ان المستفاد من الحديث انكار أن يكون المعمول لسليمان صور ذوات الارواح و انه لا يناسب تصوير ذوات الروح لمن يكون شاغلا لمقام النبوة الالهية فلا دلالة في الرواية علي حرمة العمل فكيف بدلالتها علي حرمة الاقتناء. و ان شئت قلت:

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث: 15

(3) نفس المصدر الحديث: 16

(4) لاحظ ص: 226

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 233

______________________________

ان الرواية اجنبية عن المقام.

الوجه السادس: ما دل علي أن عليا عليه السلام يكره الصورة في البيوتات لاحظ ما رواه حاتم بن اسماعيل عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يكره الصورة في البيوت «1» بضميمة ما دل علي أن عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال لاحظ ما رواه سيف التمار قال: قلت لأبي بصير احب أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل استبدل قوصرتين فيهما الي أن قال الامام عليه السلام: «و لم يكن علي عليه السلام يكره الحلال «2».

و فيه: ان الكراهة لا تدل علي الحرمة و علي عليه السلام كان لا يكره الحلال المتساوي الطرفين لا أنه لم يكن يكره المباح بالمعني الاعم مضافا الي أن الحديث الدال علي الكراهة ضعيف سندا بحاتم.

الوجه السابع: ما رواه زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها منها و ترك ما سوي ذلك «3».

فان هذه الرواية بمفهومها تدل علي البأس. و بعبارة اخري: اذا غير رأس الصورة فلا بأس و الا ففيه بأس. و

يرد عليه انه لا بد من حمل الرواية علي الكراهة بقرينة ما يدل علي الجواز لاحظ ما رواه الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

ربما قمت فاصلي و بين يدي الوسادة و فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا «4» فانه عليه السلام يصرح بوجود التماثيل في الوسادة بين يديه فجعل عليها ثوبا.

______________________________

(1) المصدر السابق الحديث: 14

(2) الوسائل الباب 15 من ابواب الربا الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 4 من ابواب أحكام المساكن الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 234

و بيعها (1) و ان كانت مجسمة و ذوات أرواح (2).

______________________________

الوجه الثامن: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ربما قمت اصلي و بين يدي و سادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا و قال: و قد اهديت إلي طنفسه من الشام عليها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر الحديث «1».

بتقريب: ان أمره عليه السلام بالتغيير يدل علي حرمة الابقاء. و فيه: ان فعله عليه السلام لا يدل علي أن الابقاء حرام بل أعم منه مضافا الي أنه صرح في نفس الحديث بأنه جعل الثوب علي التماثيل و لم يغيرها.

الوجه التاسع: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال: «لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «2» فان المستفاد من الرواية النهي عن التماثيل التي تكون ذوات الارواح. و فيه ان غاية ما يستفاد من الرواية حرمة الابقاء و دلالة الرواية عليها تكون بالاطلاق لكن تقيد بما دل علي الجواز لاحظ ما رواه الحلبي «3» و غيره مما ورد

في الوسائل في الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1 و 4 و 8 و 10 و 11.

(1) لم يقم دليل علي كراهة البيع فيجوز بيعها بلا كراهة تكليفا كما يصح وضعا لعدم دليل علي المنع فمقتضي الاصل الاولي الجواز تكليفا و وضعا الا أن يقال:

ان مقتضي اطلاق النهي عن التماثيل حرمة بيعها و لكن حيث علم من الخارج جواز بيعها نلتزم بالكراهة فلاحظ.

(2) لعدم دليل يقتضي التقييد فيجوز البيع و الاقتناء و لو كانت مجسمة و ذات روح.

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساكن الحديث: 7.

(2) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 3.

(3) لاحظ ص 233:

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 235

[مسألة 17: الغناء حرام إذا وقع علي وجه اللهو و الباطل]

(مسألة 17): الغناء حرام اذا وقع علي وجه اللهو و الباطل، بمعني أن تكون الكيفية كيفية لهوية، و العبرة في ذلك بالصدق العرفي و كذا استماعه و لا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة و دعاء و رثاء و غيرها، و يستثني منه الحداء و غناء النساء في الاعراس اذا لم يضم اليه محرم آخر من الضرب بالطبل و التكلم بالباطل، و دخول الرجال علي النساء، و سماع اصواتهن علي نحو يوجب تهييج الشهوة، و الاحرم ذلك (1).

______________________________

(1) قال سيدنا الاستاد لا خلاف في حرمة الغناء في الجملة بين الشيعة «1» و يقع الكلام حول هذه المسألة في عدة مواضع:

الموضع الاول: في الادلة الدالة علي حرمته فنقول ما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجوه:

الوجه الاول: الاجماع و فيه انه علي تقدير تحققه و حصوله محتمل المدرك فلا يكون تعبد يا كاشفا.

الوجه الثاني: جملة من الآيات الشريفة. منها: قوله تعالي: ( … وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) «2»

بتقريب انه قد فسر في بعض النصوص قول الزور بالغناء.

لاحظ ما رواه زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله عز و جل:

«وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: قول الزور الغناء «3». و هذه الرواية ضعيفة بدرست.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 304

(2) الحج/ 31

(3) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 236

______________________________

و لاحظ ما ارسله ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه تعالي:

«وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: قول الزور الغناء «1». و المرسل لا اعتبار به.

و لاحظ ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الغناء «2» و هذه الرواية ضعيفة بسهل.

و لاحظ ما رواه هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالي: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الاوثان الشطرنج، و قول الزور الغناء «3». و الظاهر ان هذه الرواية تامة سندا و كافية للاستدلال بها علي المدعي، مضافا الي بقية الروايات الواردة في المقام.

و لاحظ ما رواه حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول الزور قال: منه قول الرجل للذي يغني: احسنت «4».

و من تلك الآيات قوله تعالي: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ» «5».

فانه فسر لهو الحديث في بعض النصوص بالغناء. لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول الغناء مما وعد اللّه عليه النار، و تلا هذه

الاية: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث: 9

(3) نفس المصدر الحديث: 26

(4) نفس المصدر الحديث: 21

(5) لقمان/ 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 237

______________________________

عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ» «1».

و لاحظ ما رواه مهران بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول الغناء مما قال اللّه عز و جل: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ» «2» و الحديثان مخدوشان سندا.

و من تلك الآيات قوله تعالي: «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» «3».

بضميمة ما في تفسير القمي: قال الصادق عليه السلام: لما خلق اللّه الجنة قال لها تكلمي فقالت: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» الي أن قال: «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» يعني الغناء و الملاهي الخ «4». من تطبيق الاية علي الغناء.

و من تلك الآيات قوله تعالي (وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً) «5». فان الزور قد فسر في تفسير القمي بالغناء لاحظ ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام الي أن قال: «وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال: الغناء، و مجالس اللهو «6».

مضافا الي جملة من الروايات التي فسرت الاية بالغناء. لاحظ ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عز و جل: «لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال:

الغناء «7».

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) المؤمنون/ 3

(4) تفسير القمي ج 2 ص 88

(5) الفرقان/ 72

(6) تفسير القمي ج 2 ص: 117

(7) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص:

238

______________________________

و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم و أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: «وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال: «هوخ» الغناء «1».

الوجه الثالث: النصوص الواردة في المقام بالسنة مختلفة. منها ما رواه زيد الشحام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك «2». و منها ما رواه معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: خرجت و أنا أريد داود بن عيسي بن علي و كان ينزل بئر ميمون و علي ثوبان غليظان، فلقيت امرأة عجوزا و معها جاريتان، فقلت: يا عجوز أتباع هاتان الجاريتان؟ فقالت: نعم و لكن لا يشتريهما مثلك، قلت: و لم؟ قالت: لأن احداهما مغنية و الأخري زامرة الحديث «3».

و منها ما رواه أبو أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الغناء غش النفاق «4».

و لاحظ ما رواه ابراهيم بن محمد المدني عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الغناء و أنا حاضر، فقال: لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها «5».

و لاحظ ما رواه يونس قال: سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء و قلت:

ان العباسي ذكر عنك انك ترخص في الغناء فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له،

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 10

(5) نفس المصدر الحديث: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 239

______________________________

سألني عن الغناء، فقلت ان رجلا أتي أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء، فقال:

يا فلان اذا ميز اللّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء؟ قال:

مع الباطل، فقال:

قد حكمت «1».

و لاحظ ما رواه عبد الاعلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغناء و قلت انهم يزعمون أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رخص في أن يقال، جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم، فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول: «وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ، لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ» ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس «2».

و لاحظ ما رواه الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول الغناء مجلس لا ينظر اللّه الي أهله، و هو مما قال اللّه عز و جل: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «3».

و لاحظ ما رواه محمد بن ابي عباد و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ قال:

سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال: لأهل الحجاز (العراق خ ل) فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو، أما سمعت اللّه عز و جل يقول: و اذا مروا باللغو مروا كراما «4».

و لاحظ ما رواه في المقنع قال الصادق عليه السلام شر الاصوات الغناء «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 13

(2) نفس المصدر الحديث: 15

(3) نفس المصدر الحديث: 16

(4) نفس المصدر الحديث: 19

(5) نفس المصدر الحديث: 22

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 240

______________________________

و لاحظ ما رواه الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الغناء يورث النفاق، و يعقب الفقر «1».

و لاحظ ما رواه محمد بن عمرو بن حزم في حديث قال: دخلت

علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: الغناء اجتنبوا الغناء اجتنبوا قول الزور، فما زال يقول:

اجتنبوا الغناء اجتنبوا، فضاق بي المجلس و علمت أنه يعنيني «2».

و لاحظ ما رواه عبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال ان من أشراط الساعة اضاعة الصلوات، و اتباع الشهوات، و الميل الي الأهواء «الي أن قال:» فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير اللّه، و يتخذونه مزامير و يكون أقوام يتفقهون لغير اللّه، و تكثر اولاد الزنا و يتغنون بالقرآن «الي أن قال:» و يستحسنون الكوبة و المعازف و ينكرون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر «الي أن قال:» فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الانجاس «3».

و لاحظ ما رواه العياشي في تفسيره عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: كان ابليس أول من تغني و أول من ناح لما اكل آدم من الشجرة تغني فلما هبطت حوا الي الأرض ناح لذكره ما في الجنة «4».

و لاحظ ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس اليه. قال: لا «5». فقد تحصل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 23

(2) نفس المصدر الحديث: 24

(3) نفس المصدر الحديث: 27

(4) نفس المصدر الحديث: 28

(5) نفس المصدر الحديث: 32

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 241

______________________________

مما تقدم انه لا اشكال في استفادة حرمة الغناء في الجملة من الادلة و لا مجال لإنكارها.

الموضع الثاني: في بيان موضوعه و اختلفت فيه اقوال اهل اللغة كما ان كلمات الاصحاب حوله كذلك، فعن لسان العرب، كل من رفع صوته و ولاه فصوته عند العرب غناء و عنه

أيضا: الغناء من الصوت ما طرب به. و عن مجمع البحرين الغناء ككساء الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب أو ما يسمي في العرف غناء و ان لم يطرب الخ. و عن المنجد الغناء من الصوت ما طرب به. و عن الصحاح الغناء من السماع و عن المصباح انه مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب.

و قال النراقي قدس سره في المجلد الثاني من المستند «ان كلمات العلماء من اللغويين و الادباء و الفقهاء مختلفة في تفسير الغناء ففسره بعضهم بالصوت المطرب و الاخر بالصوت المشتمل علي الترجيع و ثالث بالصوت المشتمل علي الترجيع و الاطراب معا و رابع بالترجيع و خامس بالتطريب و سادس بالترجيع مع التطريب و سابع برفع الصوت مع الترجيع و ثامن بمد الصوت و تاسع بمده مع احد الوصفين او كليهما و عاشر بتحسين الصوت و حادي عشر بمد الصوت و موالاته و ثاني عشر و هو الغزالي بالصوت الموزون المفهم المحرك للقلب» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و مع هذا الاختلاف كيف يمكن الجزم باحد هذه الاقوال و مقتضي القاعدة الاقتصار بما يكون متيقنا و المتيقن ما يكون جامعا لجميع الاقوال مع انضمام أن يكون بنحو خاص و لحن مخصوص بارباب الملاهي و يكون علي نحو يصدق عليه عند الفرس (عنوان خوانندگي) و يكون المادة لهويا. و علي الجملة لا بد في الجزم بالحرمة اجتماع جميع القيود المحتملة اذ مع الشك في تحقق الموضوع يجري الاصل النافي في الموضوع و الحكم. اما الاول فان مقتضي الاصل عدم

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 242

______________________________

كون المفهوم صادقا علي المشكوك فيه. و أما الثاني فلان مقتضي اصالة البراءة هو الجواز، لكن مقتضي الورع هو الاحتياط التام.

الموضع

الثالث: في ان الغناء بنفسه حرام و لا يتوقف حرمته علي انضمام غيره من المحرمات كدخول الرجال علي النساء و تكلمهن بالاباطيل و لعبهن بالملاهي علي اقسامها مثل ما كان متعارفا في زمن بني امية و بني العباس خلافا لما عن الكاشاني من أن الغناء بما هو لا حرمة فيه فلا يحرم استماع الغناء اذا كان متضمنا لذكر الجنة و النار و التشويق الي دار القرار و الترغيب الي اللّه و الي اطاعته. و استدل علي المدعي الكاشاني بوجوه:

الوجه الاول: ما ارسله الصدوق قال: سأل رجل علي بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة، يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الغناء المذكر للجنة لا بأس به و لذا يجوز بيع الجارية التي تذكر الجنة بغنائها مع أن ثمن المغنية كثمن الكلب سحت، بمقتضي بعض النصوص لاحظ ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: قلت لأبي الحسن الاول عليه السلام: جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن اربعة عشر ألف دينار، و قد جعل لك ثلثها، فقال: لا حاجة لي فيها، ان ثمن الكلب و المغنية سحت «2».

و فيه اولا: الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات و ثانيا: لا يرتبط الحديث بما نحن بصدده و ليست فيه دلالة علي مدعاه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 243

______________________________

الوجه الثاني: حديثا أبي بصير قال في الاول: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن كسب المغنيات، فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام،

و التي تدعي الي الاعراس ليس به بأس به، و هو قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «1».

و قال في الثاني: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليس بالتي يدخل عليها الرجال «2».

بتقريب ان المستفاد من الحديثين انه لا مانع من الغناء في زف العرائس و يرد عليه ان غاية ما يمكن أن يستفاد من الحديثين جواز الغناء في زف العرائس مع اشتراط عدم دخول الاجانب علي النساء و لا تعرض في الحديثين لحكم الغناء في غير زف العرائس.

الوجه الثالث: النصوص الدالة علي استحباب قراءة القرآن بصوت حسن:

لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و اياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فانه سيجي ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم «3».

و لاحظ ما رواه علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن عليه السلام قال: ذكرت الصوت عنده فقال: ان علي بن الحسين عليه السلام كان يقرأ فربما مر به المار

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب ما يكتسب به باب تحريم كسب المغنية الخ الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 24 من ابواب قراءة القرآن الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 244

______________________________

فصعق من حسن صوته الحديث «1».

و لاحظ ما رواه أيضا عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و

آله: لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن «2».

و لاحظ ما رواه علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان السقاءون يمرون فيقفون ببابه يستمعون قراءته «3». و لاحظ ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: اذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال: انما ترائي بهذا أهلك و الناس، فقال: يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، و رجع بالقرآن صوتك، فان اللّه عز و جل يجب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا «4».

و لاحظ ما رواه عبد اللّه التميمي عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: حسنوا القرآن بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا «5».

و لاحظ ما رواه دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه عليهم السلام مثله و زاد:

و قرأ يزيد في الخلق ما يشاء «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) نفس المصدر الحديث: 6

(6) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 245

______________________________

بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص جواز الغناء في القرآن بل يستفاد استحباب الغناء في القرآن فلا يحرم الغناء الا مع انضمام محرم آخر عليه.

و يرد عليه اولا: ان هذه النصوص كلها ضعيفة سندا كما يظهر لمن يراجع اسنادها. و ثانيا: المستفاد من هذه النصوص استحباب القراءة بصوت حسن و لم يذكر فيها الغناء فيقع التعارض بين هذه النصوص و النصوص الدالة علي حرمة الغناء علي الاطلاق بالعموم من وجه و الترجيح مع دليل المنع لان العامة قائلون

بالجواز مضافا الي انه قد صرح في الحديث الاول من الباب بعدم جواز قراءة القرآن بألحان اهل الفسوق و الكبائر و من الظاهر ان الغناء لحن اهل الفسق و الكبائر.

و لا يخفي ان سيدنا الاستاد قد رجح «1» دليل المنع علي دليل الجواز بلحاظ مخالفة دليل المنع مع العامة مع انه قائل بتساقط الدليلين فيما يكون التعارض بين الطرفين بالعموم من وجه و يكون العموم بالاطلاق لا بالوضع و المقام كذلك.

الوجه الرابع: ما رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه قال:

سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح، قال: لا بأس به ما لم يعص به. و رواه علي بن جعفر في كتابه الا انه قال: ما لم يؤمر به «2». و نقل من بحار الأنوار ج 10 ص 271 (ما لم يزمر به).

بتقريب ان المستفاد من الرواية انه لا باس بالغناء ما دام لا ينضم اليه محرم او ما دام لم يزمر به اي لا ينفخ في المزمار و قال سيدنا الاستاد ان المراد من قوله ما لم يزمر به ان الصوت اللهوي المزماري حرام و لا يكون المراد من الحديث ان

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 308

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 246

______________________________

الغناء في المزمار حرام فان المناسب في التعبيران يقال ما لم يكن في المزمار و ما افاده غير تام فان المفهوم من الجملة. بحسب الفهم العرفي انه لا يتحقق الغناء الا في المزمار و لكن مع ذلك لا يكون دليلا علي مدعي الكاشاني لان المستفاد من الخبر ان الغناء جائز في الفطر و الاضحي و لا

يرتبط بما ادعاه الكاشاني.

الموضع الرابع: هل يجوز الغناء في سوق الابل المسمي بالحداء أم لا ربما يقال بالجواز لعدة نصوص نبوية منقولة عن طرق العامة «1». و حيث انها ضعيفة سندا لا يعتد بها و مقتضي اطلاق ادلة الحرمة حرمته.

الموضع الخامس: هل يجوز الغناء في رثاء الحسين عليه السلام أم لا الحق هو الثاني لان المرجع اطلاق دليل الحرمة و مقتضاه حرمته حتي في رثاء الحسين عليه السلام نعم يمكن أن يقال ان رثاء الحسين عليه السلام خارج عن موضوع الغناء فان المتعارف من الرثاء لا يكون داخلا في موضوع الغناء لعدم المادة لهويا كما ان المتعارف انه لا يقرء الرثاء علي الكيفية اللهوية الغنائية، لكن لو صدق عليه يحرم.

و النصوص الواردة في استحباب الرثاء علي تمامية اطلاقها و شمولها للرثاء الذي يصدق عليه الغناء تعارضها نصوص حرمة الغناء و بعد التعارض يقدم دليل المنع لمخالفتها مع العامة، و يرد علي سيدنا الاستاد انه علي طبق مسلكه يلزم عليه ان يلتزم بالجواز في المقام لان مسلكه في باب التعارض بالعموم من وجه ان كان التعارض بالاطلاق التساقط و عليه تصل النوبة بعده الي اصالة البراءة فلاحظ.

الموضع السادس: هل يجوز الغناء في زف العرائس الحق هو الجواز اذا

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري للسيد الشاهرودي قدس سره ج 1 ص 241- 242

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 247

______________________________

لم ينضم اليه محرم من المحرمات الالهية و الدليل عليه حديثا أبي بصير «1» بل الحق جوازه في الاضحي و الفطر و الفرح لاحظ ما رواه ابن جعفر «2».

الموضع السابع: هل يجوز الغناء في القرآن أم لا الحق هو الثاني لإطلاق دليل الحرمة هذا علي فرض صدق العنوان علي قراءة القرآن

و أما علي تقدير عدم الصدق فخروجها بالتخصص لا بالتخصيص. و أما النصوص الدالة علي استحباب قراءة القرآن بالصوت الحسن فقد مرانها ضعيفة سندا «3» و علي تقدير الغمض عن اسنادها و الالتزام باطلاقها تعارض ادلة الحرمة و في مورد التصادق لا بد من اعمال قانون التعارض و مقتضاه الاخذ بدليل المنع لكون اخبار الجواز موافقة مع العامة و اخبار المنع مخالفة لهم و الترجيح مع المخالف.

الموضع الثامن: هل يجوز تعليمه و تعلمه أم لا الحق هو التفصيل بتقريب انه لو كان التعليم و التعلم باعماله و ايجاده يكون حراما لدليل المنع و اما اذا لم يكن كذلك فلا مانع منهما في حد نفسهما.

الموضع التاسع: هل يحرم استماعه أم لا؟ الحق هو الاول فان اطلاق دليل المنع يقتضي حرمة استماع الغناء كما ان التغني بنفسه حرام لاحظ ما رواه هشام «4». فانه امر بالاجتناب و الامر يقتضي الوجوب مضافا الي ورود النص الدال علي حرمته، لاحظ ما رواه علي بن جعفر «5».

______________________________

(1) لاحظ ص: 243

(2) لاحظ ص: 245

(3) لاحظ ص: 245

(4) لاحظ ص: 236

(5) لاحظ ص: 240

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 248

[مسألة 18: معونة الظالمين في ظلمهم، بل في كل محرم حرام]

(مسألة 18): معونة الظالمين في ظلمهم، بل في كل محرم حرام، اما معونتهم في غير المحرمات من المباحات و الطاعات فلا بأس بها، الا أن يعد ذلك من اعوانهم و المنسوبين اليهم فتحرم (1).

______________________________

و يدل علي المدعي أيضا ما رواه مسعدة بن زياد قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل: بأبي أنت و أمي اني أدخل كنيفا ولي جيران و عندهم جوار يتغنين و يضربن بالعود (و) فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن، فقال عليه السلام: لا تفعل، فقال

الرجل: و اللّه ما أتيتهن انما هو سماع أسمعه بأذني، فقال عليه السلام: باللّه أنت أما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، فقال: بلي و اللّه كأني لم أسمع بهذه الاية من كتاب اللّه من عربي و لا عجمي، لا جرم اني لا أعود ان شاء اللّه، و اني استغفر اللّه، فقال له: قم فاغتسل وصل ما بدا لك، فانك كنت مقيما علي أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لومت علي ذلك، احمد اللّه و سله التوبة من كل ما يكره، فانه لا يكره الا كل قبيح، و القبيح دعه لأهله فان لكل أهلا «1».

فان هذه الرواية تدل بوضوح علي حرمة استماع الغناء بل تدل علي شدة حرمته لكن المذكور في الرواية التغني مع الضرب بالعود فلاحظ.

(1) تعرض الماتن في هذه المسألة لعدة فروع:

الفرع الاول: تحرم معونة الظالمين في ظلمهم بلا خلاف بين المسلمين كما في كلام سيدنا الاستاد علي ما في التقرير و ذكر الماتن في تقريب حرمتها وجوها:

الوجه الاول: العقل و يمكن تقريب الاستدلال بأن العقل يحكم بقبح اعانتهم في ظلمهم و بمقتضي قانون الملازمة بين الحكم العقلي و الشرعي يحكم بحرمتها شرعا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من ابواب الاغسال المسنونة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 249

______________________________

و يرد علي هذا التقريب انه لا سبيل للعقل الي درك ملاكات الاحكام الشرعية و بعبارة اخري ان العقل لا يحيط بجميع الجهات فلا يمكن كشف الحكم الشرعي من ناحية الادراك العقلي.

الوجه الثاني: الاجماع و فيه انه يحتمل استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة فلا يكون اجماعهم تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثالث: قوله تعالي: «وَ لٰا تَرْكَنُوا

إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ» «1» بتقريب ان الركون المحرم الميل اليهم فتدل الاية علي حرمة اعانتهم بطريق اولي. و فيه انه لا اولوية اذ الميل اليهم ان كان المراد منه الميل النفساني الخارج عن تحت الاختيار فهو لا يعقل أن ينهي عنه اذ الاختيار من الشرائط العامة للتكليف و ان كان المراد منه الميل الخارجي فمن الظاهر ان النهي عنه لا يدل علي النهي عن اعانتهم في ظلمهم بالاولوية اذ المفسدة المترتبة علي الميل الخارجي و مصاحبتهم اشد من اعانتهم في ظلمهم في بعض الموارد و بعبارة اخري يمكن ان لا يميل الشخص الي الظالم و لكن لأجل غرض يعينه في ظلمه.

الوجه الرابع: النصوص الكثيرة الدالة علي المدعي «2». و الانصاف انه يتم المدعي بهذه النصوص لاحظ ما رواه مالك بن عطية عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «3». فان هذه الرواية تدل علي حرمة معونة الظالم في ظلمه بلا

______________________________

(1) هود: 113

(2) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به

(3) نفس المصدر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 250

______________________________

اشكال و سند الرواية تام من حيث الاعتبار.

الفرع الثاني: انه تحرم معونة الظالم في كل محرم و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه مالك «1» فان مقتضي اطلاقه حرمة الاعانة فيما يرتكبه حراما فاذا لم نلتزم بحرمة الاعانة علي الاثم علي نحو الاطلاق و قلنا انه لا دليل عليه نلتزم بحرمتها في المقام لكن بشرط صدق عنوان معونة الظالم.

الفرع الثالث: انه تجوز معونتهم في الامور المباحة اذا لم يعد المعين من اعوانه

و المنسوبين اليه و يمكن الاستدلال علي الحرمة بجملة من النصوص منها ما رواه ابن عطية «2» اذ مقتضي الاطلاق حرمة اعانته و لو في المباح و العجب من سيدنا الاستاد حيث يدعي ان المستفاد من الحديث حرمة اعانتهم فيما يتعلق بظلمهم و مع ذلك ذهب الي حرمة اعانتهم في المحرم و لو لم يكن ظلما لان المستفاد من الرواية اذا كان الحرمة في مورد الظلم فبأي دليل التزم بحرمة اعانتهم في المحرم الذي لا يكون ظلما مع انه لا يري الاعانة علي الاثم حراما و علي الجملة الظاهر انه لا مانع من الاطلاق.

و منها ما رواه يونس قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تعنهم علي بناء مسجد «3». فان اعانتهم حتي في بناء المسجد حرام و لكن الظاهر انه لا يمكن الالتزام بالحرمة بهذا المقدار فانه خلاف السيرة الخارجية فعلي فرض تمامية الاطلاق في بعض النصوص كرواية أبي حمزة لا بد من رفع اليد عنها بالسيرة فتأمل.

______________________________

(1) لاحظ ص: 249

(2) لاحظ ص: 249

(3) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 251

______________________________

الفرع الرابع: انه يحرم ان يعمل عملا يعد من اعوانهم و المنسوبين اليهم و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديث أبي حمزة فان المستفاد من الحديث حرمة اعانة الظالمين و لا اشكال في أن كون الشخص بحيث يعد من أعوانهم و المنسوبين اليهم من أظهر مصاديق الاعانة التي نهي عنها و يدل علي المدعي أيضا جملة من الروايات لاحظ ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم «1».

و لاحظ ما رواه

محمد ابن عذافر عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع فما حالك اذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبي فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام لما رأي ما أصابه: أي عذافر انما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات «2».

و لاحظ ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم فقال:

لي يا أبا محمد لا و لا مدة قلم ان احدهم (كم يب) لا يصيب من دنياهم شيئا الا أصابوا من دينه مثله أو حتي يصيبوا من دينه مثله- الوهم من ابن أبي عمير «3».

و لاحظ ما رواه ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل «فدخل خ ل» عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك «اصلحك اللّه خ ل» انه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعي الي البناء يبنيه أو النهر

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 252

______________________________

يكريه، أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاء، و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة قلم ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد «1».

و لاحظ ما رواه ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم

القيامة خنزيرا «2».

و لاحظ ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: ألا و من علق سوطا بين يدي سلطان جعل اللّه ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا، يسلطه اللّه عليه في نار جهنم و بئس المصير «3».

و لاحظ ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اذا كان يوم القيامة نادي مناد أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا، أو ربط كيسا، أو مدلهم مدة قلم، فاحشروهم معهم «4».

و لاحظ ما روي بهذا الاسناد قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من اللّه، و لأكثر ماله الا اشتد حسابه، و لا كثر تبعه إلا كثرت شياطينه «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 9

(3) نفس المصدر الحديث: 10

(4) نفس المصدر الحديث: 11

(5) نفس المصدر الحديث: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 253

[مسألة 19: اللعب بآلات القمار كالشطرنج، و الدوملة، و الطاولي، و غيرها مما اعد لذلك حرام مع الرهن]

(مسألة 19): اللعب بآلات القمار كالشطرنج، و الدوملة، و الطاولي، و غيرها مما اعد لذلك حرام مع الرهن، و يحرم أخذ الرهن- أيضا- و لا يملكه الغالب و يحرم اللعب بها اذا لم يكن رهن أيضا، و يحرم اللعب بغيرها مع الرهن، كالمراهنة علي حمل الحجر الثقيل، أو علي المصارعة، أو علي الطفرة أو نحو ذلك، و يحرم أخذ الرهن، و أما اذا لم يكن رهن فالاظهر الجواز (1).

______________________________

و أيضا روي بهذا الاسناد قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اياكم و أبواب السلطان و حواشيها فان أقربكم من

أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم من اللّه عز و جل، و من آثر السلطان علي اللّه أذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا «1». و غيرها من الروايات.

و صفوة القول انه لا اشكال في أن المستفاد من الروايات الكثيرة حرمة كون الشخص في عداد اعوانهم و المنسوبين اليهم اعاذنا اللّه من الزلل.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الاول: انه يحرم اللعب بآلات المعدة للقمار كالشطرنج تكليفا اذا كان اللعب مع الرهن و لا اشكال في حرمته و وضوح الحكم بحد ادعي انه ضروريات الإسلام و يدل علي المدعي من الكتاب قوله تعالي في سورة المائدة آية 90 (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

و تدل علي المدعي أيضا جملة من النصوص منها ما رواه أبو الجارود عن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 13

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 254

______________________________

أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال: اما الخمر فكل مسكر من الشراب «الي ان قال:» و اما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر، و اما الانصاب فالاوثان التي كانت تعبدها المشركون، و اما الازلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان، و قرن اللّه الخمر و الميسر مع الاوثان «1».

الفرع الثاني: ان الرهن لا يملك و بعبارة أخري لا تحصل الملكية بالقمار المشار اليه في الفرع الاول و ان شئت قلت انه حرام تكليفا و وضعا و

يدل علي المدعي من الكتاب قوله تعالي (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) «2».

فان اكل مال الغير بالقمار ليس بسبب تجارة عن تراض فلا تحصل الملكية الا أن يقال ان الحرمة التكليفية لا تستلزم الحرمة الوضعية و كون القمار من الاسباب الباطلة اول الكلام و الاشكال لكن لا مجال لهذه المناقشة فان بطلان القمار و فساده من ضروريات المذهب و ليس لأحد النقاش فيه بل تقدم انه من ضروريات الإسلام.

مضافا الي انه لا يصدق عنوان التجارة علي المراهنة فتدخل تحت عنوان الباطل الذي لا يحل اكل المال به، اضف الي ذلك ما رواه زياد بن عيسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله «قول اللّه خ ل» عز و جل: «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» فقال: كانت قريش يقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم اللّه عز و جل

______________________________

(1) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 12

(2) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 255

______________________________

عن ذلك «1» فانه يدل بوضوح علي أن شأن نزول الآية الشريفة اي قوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» الكسب بالقمار فلاحظ.

الفرع الثالث: انه يحرم اللعب بالآلات المعدة و لو مع عدم الرهن و قد نقل عن المستند عدم الخلاف في حرمته و يكفي لإثبات المدعي اطلاق قوله تعالي «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» اذ الميسر عبارة عن القمار لكن يشكل بأن صدق الميسر علي اللعب بلا رهن اول الكلام و الاشكال فمع عدم الصدق او الشك فيه لا مجال للأخذ بالاطلاق كما هو ظاهر و ربما

يستدل علي المدعي بالنصوص الدالة علي حرمة اللعب بالشطرنج و النرد «2».

بتقريب ان اللعب بهما يصدق و لو مع عدم الرهن و يرد عليه ان هذا التقريب يقتضي حرمة اللعب بالشطرنج و النرد و الكلام في اللعب بمطلق ما اعد للقمار.

نعم يستفاد من حديث أبي جارود ان كل قمار ميسر «3» لكن السند ضعيف للإرسال. لكن يكفي لإثبات المدعي ما رواه معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: النرد و الشطرنج و الاربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «4».

فهذه الرواية تدل علي حرمة اللعب بالآلات المعدة له و لو مع عدم الرهن الا أن يقال ان الموضوع المأخوذ في الرواية عنوان ما قومر عليه و صدق عنوان القمار علي اللعب بدون الرهن اول الكلام و الاشكال. فان المستفاد من كلام أهل اللغة

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) الوسائل الباب: 102 و 104 من أبواب ما يكتسب به

(3) لاحظ ص: 257

(4) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 256

______________________________

ان القمار عبارة عن المراهنة فعن القاموس و لسان العرب تقمره راهنه فغلبه و قال في مجمع البحرين و تقامروا لعبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك و اصل القمار الرهن علي اللعب بالشي ء من هذه الاشياء، فعليه يشكل الجزم بالحرمة و اللّه العالم.

الفرع الرابع اللعب بالآلات غير المعدة مع الرهن و هل يكون حراما و ما يمكن أن يقال في تقريب الحرمة او قيل وجوه:

الوجه الاول: الاجماع و فيه انه محتمل المدرك فلا يكون تعبديا كاشفا.

الوجه الثاني: صدق

عنوان القمار عليه بدعوي ان القمار فسر بالرهن علي اللعب باي شي ء و تفسيره باللعب بالآلات المعدة للقمار دور ظاهر و فيه انه لا دور اذ لو تبادر من هذا اللفظ اللعب مع الرهن بالآلات المعدة و بعبارة اخري لو تبادر من هذا اللفظ اللعب بالشطرنج او النرد و امثالهما مع الرهن و لم يكن حمله علي غيره صحيحا يختص صدق العنوان بهذا المعنون الخاص و لا يتعدي عنه و في مقام التفسير يرجع الي ما هو مركوز في الذهن.

و ان شئت قلت: الفرق بين المعرف بالفتح و المعرف بالكسر بالاجمال و التفصيل فلا دور و لذا عرفه في مجمع البحرين باللعب بالآلات المعدة له و التزم بعدم الحرمة تكليفا صاحب الجواهر علي ما نقل عنه و لتوضيح المدعي نقول لو كان صدق العنوان مختصا بهذا اللعب الخاص فباي نحو يمكن تعريفه و بكلمة اخري انا لم نحرز صحة اطلاق العنوان علي غير الواجد لهذه الخصوصية و مع الشك في الصدق لا مجال للأخذ بالاطلاق فالنتيجة ان اثبات حرمة اللعب بالآلات التي لا تكون معدة للقمار مع الرهن محل الاشكال.

و قال سيدنا الاستاد ان لفظ القمار يرادف كلمة (برد و باخت) في اللغة الفارسية

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 257

______________________________

و يرد عليه انه علي هذا يلزم أن يكون اللعب حراما اذا كان فيه مغالبة و هل يمكن الالتزام به؟ و صفوة القول انه لو شك في الصدق لا يمكن الأخذ باطلاق الدليل كما هو المقرر بل لنا احراز عدم الموضوع بالاصل لأنا قلنا مرارا لا نري مانعا من جريان الاصل في الشبهة المفهومية و كلمات اهل اللغة عند التعارض تتساقط.

الوجه الثالث: ما دل من النصوص علي

حرمة الرهان في غير الموارد المنصوصة لاحظ ما رواه ابن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام و لا بأس بشهادة المراهن عليه، فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد اجري الخيل و سابق و كان يقول: ان الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوي ذلك فهو قمار حرام «1».

و لاحظ ما رواه الصدوق مرسلا قال: قال الصادق عليه السلام: ان الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، و قد سابق رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اسامة بن زيد و أجري الخيل «2».

و لاحظ ما رواه زيد النرسي في أصله: عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «اياكم و مجالسة اللعان، فان الملائكة لتنفر عند اللعان، و كذلك تنفر عند الرهان، و اياكم و الرهان الا رهان الخف و الحافر و الريش، فانه تحضره الملائكة» الخبر «3». و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا، اما الاولي فبابن سيابة و أما الثانية فبالارسال و اما الثالثة فبالنرسي.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب السبق و الرماية الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 1 من كتاب السبق و الرماية الحديث: 6

(3) مستدرك الوسائل الباب 3 من كتاب السبق و الرماية الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 258

______________________________

الوجه الرابع: ما رواه ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر قال: النعل من كل شي ء قال: و النعل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم «1» و هذه الرواية ضعيفة بياسر.

الوجه الخامس: ما رواه معمر «2». بدعوي أن المستفاد من هذه الرواية ان

كل ما قومر عليه فهو مصداق للميسر و حيث ان المفروض في كلامنا من مصاديق القمار فيكون مشمولا للرواية و فيه ان كون المراهنة في اللعب بغير آلات القمار من مصاديقه اول الاشكال كما مر.

الوجه السادس: ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما انزل اللّه علي رسوله صلي اللّه عليه و آله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» قيل: يا رسول اللّه ما الميسر؟ فقال: كل ما تقومر به حتي الكعاب و الجوز قيل: فما الانصاب؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم قيل: فما الأزلام؟

قال: قداحهم التي يستقسمون بها «3». و هذه الرواية ضعيفة بعمرو بن شمر.

الوجه السابع: ما رواه عبد الحميد بن سعيد قال: بعث أبو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فاخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلما أتي به أكله، فقال له مولي له ان فيه من القمار قال: فدعا بطشت فتقيأ فقاءه «4». بتقريب ان المستفاد من الرواية ان اللعب بغير الالات المعدة مع الرهن مصداق للقمار و فيه ان السند ضعيف بعبد الحميد بن سعيد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 9

(2) لاحظ ص: 255

(3) الوسائل الباب 35 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 259

______________________________

الفرع الخامس: انه لو التزمنا بحلية اللعب بالآلات غير المعدة مع الرهن تكليفا فهل يحل الرهن أم لا؟ ربما يقال بأن المستفاد من قوله (الا أن تكون تجارة عن تراض) ان اكل المال و تملكه جائز اذا كان مصداقا للتجارة فعلي تقدير عدم صدق القمار عليه يكون من مصاديق التجارة فيحل اكل المال به

و لكن هل يمكن الالتزام به و هل يمكن للفقيه أن يفتي بجوازه؟

ربما يقال انه يدل علي حرمة المغالبة و المراهنة وضعا مضافا الي أنه يمكن ان تكون التجارة عبارة عن البيع و لا تصدق علي كل عقد فلا اطلاق في الاية يشمل المقام ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أكل و أصحاب له شاة فقال: ان أكلتموها فهي لكم و ان لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا، فقضي فيه: ان ذلك باطل لا شي ء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه أو كثر، و منع عن أمة فيه «لا عن الغرامة ظ» «1».

بتقريب ان المستفاد من الرواية جواز المراهنة تكليفا اذا لم تكن بالآلات المعدة و حرمتها وضعا حيث حكم عليه السلام بعدم الغرامة.

و فيه ان هذا ينحل الي امرين احدهما الا باحة المشروطة اي اباحة الاكل علي تقديرا كل الشاة بتمامها ثانيهما التغريم و جعل عوض خاص علي تقدير عدم اكلها كذلك و الامام عليه السلام حكم بالبطلان علي النحو الخاص و لم ينف الغرامة الواقعية فليس في المواكلة مراهنة و مغالبة و ان شئت قلت مرجع المواكلة المذكورة الي ايقاع من طرف المالك ينحل الي اباحة مشروطة و تغريم بغرامة معينة علي تقدير خاص.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من الجعالة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 260

[مسألة 20: عمل السحر حرام]

(مسألة 20): عمل السحر حرام (1).

______________________________

و لكن الانصاف انه يصدق علي المؤاكلة المذكورة و امثالها عنوان المغالبة و المراهنة كما انه يظهر من الرواية فسادها وضعا و هذه الرواية رويت بطريقين اذ الشيخ قدس سره روي الحديث باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسي

عن يوسف ابن عقيل فعلي تقدير الخدشة في الطريق الذي ذكره صاحب الكافي قدس سره بواسطة محمد بن عيسي لا يكون اشكال في طريق الشيخ فلاحظ.

و يمكن ان يقال ان مقتضي فساد المعاملة و اكل المال بغير التجارة المستفاد من قوله تعالي (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) بطلان المراهنة و المغالبة بالعوض اذ لا يصدق علي المراهنة عنوان التجارة فيكون محكوما بالفساد بمقتضي الاية الشريفة فتأمل.

(1) قال سيدنا الاستاد: «لا خلاف في حرمة السحر في الجملة بل هي من ضروريات الدين و مما قام عليه اجماع المسلمين «1». و تدل علي حرمته جملة كثيرة من الروايات: لاحظ ما رواه أبو خالد الكابلي قال: سمعت زين العابدين عليه السلام يقول: الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس «الي أن قال:» و الذنوب التي تظلم الهواء السحر و الكهانة و الايمان بالنجوم، و التكذيب بالقدر و عقوق الوالدين الحديث «2».

و لاحظ ما رواه محمد بن الحسين الرضي الموسوي في (نهج البلاغة) قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض أصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج فقال له: يا أمير المؤمنين ان سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 283

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب آداب السفر الي الحج و غيره الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 261

______________________________

طريق علم النجوم فقال عليه السلام: أ تزعم أنك تهدي الي الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، و استغني عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب و دفع المكروه و ينبغي

في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته الي الساعة التي نال فيها النفع و أمن الضر. ثم أقبل عليه السلام علي الناس فقال: أيها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر أو بحر، فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر و الكافر في النار، سيروا علي اسم اللّه «1».

و لاحظ ما رواه نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

المنجم ملعون، و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها ملعون و آكل كسبها ملعون «2».

و لاحظ مرسل الصدوق قال عليه السلام: المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار «3».

و لاحظ الباب 25 من أبواب ما يكتسب به من الوسائل و لاحظ الباب 22 من هذه الابواب من كتاب مستدرك الوسائل و لاحظ أيضا الباب 1 من ابواب بقية الحدود و التعزيرات من المستدرك.

بل يدل علي كونه من الكبائر ما رواه عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال:

حدثني أبو جعفر الثاني عليه السلام قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسي

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب آداب السفر الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 7

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 262

و كذا تعليمه و تعلمه (1).

______________________________

ابن جعفر عليه السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلما سلم و جلس تلا هذه الاية «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ» ثم أمسك فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام ما أسكتك؟ قال: أحب أن أعرف

الكبائر من كتاب اللّه عز و جل، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك باللّه يقول اللّه: «مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» الي أن قال: و السحر لأن اللّه عز و جل يقول: «وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلٰاقٍ» الحديث «1».

و لاحظ ما رواه زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: سئل رسول صلي اللّه عليه و آله عن الساحر، فقال: اذا جاء رجلان عدلان فيشهد ان عليه فقد حل دمه «2».

(1) يمكن أن يستدل علي المدعي بجملة من النصوص منها ما رواه اسحاق ابن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا كان يقول: من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل الا أن يتوب الحديث «3». و هذه الرواية ضعيفة بغياث ابن كلوب و بالخشاب فانهما لم يوثقا مضافا الي أن المستفاد من الحديث حرمة التعلم فقط.

و منها ما رواه ابو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه وحده أن يقتل الا أن يتوب «4». و هذه الرواية ضعيفة بأبي البختري مضافا الي أن المستفاد منها

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 51 من أبواب الشهادات الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 263

و التكسب به (1) و المراد منه ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة علي

______________________________

خصوص حرمة التعلم.

و منها ما روي عن العسكري عن آبائه

عليهم السلام في حديث قال في قوله عز و جل: «وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَي الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ» قال: كان بعد نوح عليه السلام قد كثرت السحرة المموهون، فبعث اللّه عز و جل ملكين الي نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و أداه الي عباد اللّه بأمر اللّه عز و جل، و أمرهم أن يقفوا به علي السحر و أن يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به الناس و هذا كما يدل علي السم ما هو و علي ما يدفع به غائلة السم «الي أن قال:» و ما يعلمان من أحد ذلك السحر و ابطاله حتي يقولا للمتعلم انما نحن فتنة و امتحان للعباد ليطيعوا اللّه فيما يتعلمون من هذا و يبطلوا به كيد السحرة و لا يسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الاضرار به، و دعاء الناس الي أن يعتقدوا أنك به تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه الا اللّه عز و جل، فان ذلك كفر «الي أن قال:» و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم لأنهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم و لا ينفعهم فيه الحديث «1».

و الرواية ضعيفة سندا و حيث ان الروايات ضعيفة سندا و لا تكون بحد التواتر يشكل اثبات المدعي بها الا أن يتم الامر بالإجماع ان تم اجماع تعبدي كاشف.

(1) اذ بعد فرض كونه حراما لا يمكن اخذ الأجرة عليه لأنه لا مالية له عند الشارع و لا يكون قابلا لأن يقابل بالمال و ربما يقال بأن

الحرمة التكليفية تنافي وجوب الوفاء بالعقد و قد تعرضنا في بعض المباحث انه يمكن أن يقال بأن الحرمة التكليفية

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 264

البصر أو السمع أو غيرهما (1).

______________________________

لا تنافي الصحة وضعا و أيضا ذكرنا ان وجوب الوفاء بالعقد ليس حكما تكليفيا بل ارشاد الي اللزوم.

و يؤيد المدعي ما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال من السحت: ثمن الميتة، و ثمن اللقاح الي أن قال: و أجر القاضي و اجر الساحر الحديث «1».

(1) لا يبعد ان ما افاده في تعريفه هو الذي يستفاد من كلمات اللغويين بل يمكن أن يستفاد المدعي من القرآن العظيم في سورة طه «قٰالُوا إِنْ هٰذٰانِ لَسٰاحِرٰانِ يُرِيدٰانِ أَنْ يُخْرِجٰاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمٰا وَ يَذْهَبٰا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْليٰ- فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْليٰ- قٰالُوا يٰا مُوسيٰ إِمّٰا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّٰا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقيٰ- قٰالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعيٰ- فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسيٰ- قُلْنٰا لٰا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْليٰ. وَ أَلْقِ مٰا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مٰا صَنَعُوا إِنَّمٰا صَنَعُوا كَيْدُ سٰاحِرٍ وَ لٰا يُفْلِحُ السّٰاحِرُ حَيْثُ أَتيٰ- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قٰالُوا آمَنّٰا بِرَبِّ هٰارُونَ وَ مُوسيٰ- قٰالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلٰافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنٰا أَشَدُّ عَذٰاباً وَ أَبْقيٰ» «2».

فان المستفاد من الآيات الشريفة ان السحر كيد و خدعة و لا واقع

له و لذا قالوا ان هذان لساحران اي ليس فيهما حقيقة و واقعية و يؤيده قوله تعالي بعد، فأجمعوا كيدكم اي أجمعوا خدعكم و اصرح منه في الدلالة قوله تعالي: يخيل اليه من سحرهم انها تسعي و يؤكده قوله تعالي: إِنَّمٰا صَنَعُوا كَيْدُ سٰاحِرٍ.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) طه الآيات: 63- 71

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 265

و في كون تسخير الجن أو الملائكة أو الانسان من السحر اشكال (1) و الاظهر تحريم ما كان مضرا بمن يحرم الاضرار به دون غيره (2).

[مسألة 21: القيافة حرام]

(مسألة 21): القيافة حرام. و هي: الحاق الناس بعضهم ببعض استنادا الي علامات خاصة علي خلاف الموازين الشرعية في الالحاق (3).

______________________________

قال الراغب في المفردات: الكيد ضرب من الاحتيال فالمستفاد من الكتاب و كلمات اهل اللغة و كلام جملة من الفقهاء ان السحر صرف الشي ء عن وجهه و بعبارة أخري المستفاد منها ان السحر امر لا واقع له.

ان قلت: كيف لا واقع له و الحال انه لا شبهة في تأثير السحر في النفوس و الابدان فانه ربما يوجب جنون شخص و مرض آخر و هكذا، قلت: لا تنافي بين الامرين فانه يمكن أن يكون السحر مجرد خدعة و تخييل و لكن ذلك الامر الخيالي الوهمي يؤثر في البدن أو النفس فلا تغفل.

(1) بل لا ربط بين الامرين فان التسخير امر واقعي نعم ربما يكون مقدمة السحر و الا فنفس التسخير لا يكون مصداقا للسحر و مع الشك لا يشمله حكمه لعدم جواز التمسك بالدليل مع الشبهة في المصداق بل مقتضي استصحاب الحالة السابقة عدم دخوله تحت عنوانه علي ما بنينا عليه من جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية.

(2)

القضية بشرط المحمول ضرورية فان التسخير اذا كان موجبا لإيذاء المسخر و فرض كون ايذائه حراما فلا اشكال في حرمته و اما التسخير بما هو تسخير فلا دليل علي حرمته فلاحظ.

(3) ينبغي أن يبحث في مواضع:

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 266

______________________________

الموضع الاول: هل يجوز الحاق بعض الناس بالبعض علي خلاف الموازين الشرعية. الحق أن يقال ان القائف اذا حصل له العلم يجوز له الالحاق بل يجوز حتي مع حصول الاطمئنان لأن العلم حجة ذاتية و الاطمئنان حجة عقلائية فلا مانع من الالحاق.

الموضع الثاني: هل يجوز ترتيب الاثر علي قوله لغيره؟ الذي يختلج بالبال أن يقال ان علم القيافة اذا كانت من العلوم المتداولة و لها اساس كبقية الصناعات و العلوم فمقتضي كون وظيفة العامي و الجاهل الرجوع الي اهل الخبرة جواز رجوعه اليه كبقية الموارد، فان قول اهل الخبرة حجة في الموضوعات و اما اذا لم يكن كذلك فلا يجوز الاسناد الي قوله و ترتيب الاثر عليه للمنع عن العمل بغير علم و لزوم مراعاة الامارات الشرعية كقاعدة الفراش و امثالها. نعم إذا حصل من قول القائف العلم بما أخبر به يجوز العمل علي طبق العلم لكونه حجة ذاتا كما هو ظاهر و يلحق بالعلم الاطمئنان.

الموضع الثالث: البحث في المستفاد من النص الخاص الوارد في المقام و النص الوارد في المقام روايتان.

الاولي: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي اللّه عليه و آله، قال: قلت: فالقيافة «فالقافه خ ل» قال: ما أحب أن تأتيهم، و قيل: ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون. فقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت

في الناس حين بعث النبي صلي اللّه عليه و آله «1» و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 267

______________________________

و الثانية: ما رواه زكريا بن يحيي قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن ابن الحسين بن علي بن الحسين فقال: و اللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا عليه السلام، فقال له الحسن: اي و اللّه جعلت فداك لقد بغي عليه اخوته. فقال له علي بن جعفر: اي و اللّه و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فاني لم أحضركم؟ قال: قال له اخوته و نحن أيضا: ما كان فينا امام قط حائل اللون فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني قالوا: فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قد قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة، قال: ابعثوا أنتم اليهم فاما أنا فلا و لا تعلموهم لما دعوتموهم و لتكونوا في بيوتكم، فلما جاؤوا أقعدونا في البستان و اصطف عمومته و اخوته و أخواته و أخذوا الرضا عليه السلام و ألبسوه جبة صوف و قلنسوة منها و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا: الحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا:

ليس له هاهنا أب و لكن هذا عم أبيه و هذا عم أبيه و هذا عمه و هذه عمته و ان يكن له هاهنا أب فهو صاحب البستان، فان قدميه و قدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا: هذا أبوه. قال علي بن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له:

أشهد أنك امامي عند اللّه فبكي الرضا عليه السلام ثم قال:

يا عم أ لم تسمع أبي و هو يقول: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: بأبي ابن خيرة الاماء ابن النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم، و يلهم لعن اللّه الأعيبس و ذريته صاحب الفتنة و يقتلهم سنين و شهورا و اياما، يسومهم خسفا و يسقيهم كأسا مصبرة و هو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة يقال مات أو هلك، أي واد سلك؟ أ فيكون هذا ا عم إلا مني، فقلت: صدقت جعلت فداك «1». و هذه الرواية

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1 باب الاشارة و النص علي أبي جعفر الثاني عليه السلام ص 322 الحديث: 14

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 268

[مسألة 22: الشعبذة و هي: إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة حرام]

(مسألة 22): الشعبذة و هي: اراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة حرام، اذا ترتب عليها عنوان محرم كالإضرار بمؤمن و نحوه (1).

[مسألة 23: الكهانة حرام]

(مسألة 23): الكهانة حرام. و هي الاخبار عن المغيبات بزعم انه يخيره بها بعض الجان أما اذا كان اعتمادا علي بعض الامارات الخفية فالظاهر انه لا بأس به اذا اعتقد صحته أو اطمأن به (2).

______________________________

ضعيفة بزكريا فلا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية و اللّه العالم.

(1) الحق ان يقال ان الشعبذة إن كان قسم من اقسام السحر و تكون مثله كما يظهر من كلمات اصحاب اللغة يترتب عليها حكمه بلا فرق و ان كانت غيره كما يظهر من كلام سيدنا الاستاد بأن تكون امرا واقعيا غاية الأمر يتحقق ذلك الامر الواقعي بالسرعة بحيث يوجب تعجب الناظر لا تكون حراما و لا تترتب عليها احكامه و مع الشك يكون موردا للأصل و مقتضاه الجواز. نعم لا اشكال في حرمة الاضرار بالغير كما انه لا اشكال في تحقق الحرام اذا انطبق عليها عنوان من المحرمات الشرعية.

(2) تعرض الماتن اولا لحكم الكهانة و ثانيا لبيان موضوعها و المناسبة تقتضي العكس فنقول يقع الكلام تارة في بيان الكهانة و اخري في بيان حكمها شرعا.

اما المقام الاول فقال الراغب في مفرداته: الكاهن هو الذي يخبر بالاخبار الماضية الخفية بضرب من الظن و العراف الذي يخبر بالاخبار المستقبلة علي نحو ذلك الي آخر كلامه و عن تاج العروس كهن له قضي بالغيب و في التوشيع الكهانة بالفتح و يجوز بالكسر ادعاء علم الغيب» و عن مجمع البحرين «الكهانة كانت في العرب قبل البعث فلما بعث النبي صلي اللّه عليه و آله حرست السماء بطلت

مباني

منهاج الصالحين، ج 7، ص: 269

______________________________

الكهانة و عمل الكهانة قريب من السحر أو أخص منه.

و أما المقام الثاني فتارة يبحث عن حكمها بحسب القواعد الاولية و أخري بحسب النصوص الواردة في المقام. أما حكمها بحسب القاعدة الاولية فان كان اخباره عن شي ء مستندا الي القطع أو الاطمئنان فيجوز و الا فلا يجوز لحرمة الاخبار عن شي ء مع عدم قيام حجة. و أما بحسب النصوص فقد وردت في المقام روايات، فمن تلك الروايات ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي عن اتيان العراف، و قال: من أتاه و صدقه فقد برئ مما أنزل اللّه عز و جل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «1». و هذه الرواية ضعيفة بشعيب.

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2». و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني.

و منها ما رواه الهيثم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله، فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه و آله و سلم: من مشي الي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب «3». و هذه الرواية لا ترتبط بالمقام اذ لا يستفاد منها حكم الكهانة بل في مقام بيان تصديق هؤلاء الاشخاص بلا حجة.

و منها ما رواه أبو سعيد هاشم عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال: أربعة

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 266

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب

به الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 270

______________________________

لا يدخلون الجنة: الكاهن، و المنافق، و مد من الخمر، و القتات و هو النمام «1» و هذه الرواية ضعيفة بأبي سعيد.

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر، و مهر البغي، و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن «2».

و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي بل و بغيره. و لها سند آخر لكن في دلالة الرواية علي المدعي اشكال فان المستفاد من الحديث حرمة أجر الكاهن و لا تنافي بين حلية فعل و حرمة اجرته.

و منها خبر الاحتجاج في ضمن سؤالات الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن مسائل كثيرة، و كان اول سؤاله أنه قال: كيف يعبد اللّه الخلق و لم يروه؟ قال: رأته القلوب لنور الايمان الي أن قال الزنديق: فمن أين اصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال: ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم عن اشياء تحدث، و ذلك من وجوه شتي، فراسة العين، و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فتنة الروح، مع قذف في قلبه، لان ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الي الكاهن، و يخبره بما يحدث في المنازل و الاطراف، و أما أخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك، و هي لا تحجب، و لا ترجم بالنجوم، و انما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس علي

أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه، لإثبات الحجة، و نفي الشبهة، و كان الشيطان

______________________________

(1) الوسائل الباب 164 من العشرة الحديث: 11

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 271

[مسألة 24: النجش حرام]

(مسألة 24): النجش حرام (1) و هو: أن يزيد الرجل في ثمن

______________________________

يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه في خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها الي الأرض، فيقذفها الي الكاهن، فاذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما اصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما اداه اليه الشيطان كما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، و اليوم انما تؤدي الشياطين الي كهانها أخبار الناس بما يتحدثون به و ما يحدثونه و الشياطين تؤدي الي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق و من قاتل قتل، و من غائب غاب، و هم بمنزلة الناس أيضا صدوق و كذوب الحديث «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالارسال و منها جملة من الروايات الواردة في المستدرك (الطبعة القديمة) ج 2 ص 434- 435 الباب 23 من أبواب ما يكتسب به و كلها ضعيفة و حيث ان الروايات ضعيفة لا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

(1) ادعي عدم الخلاف بين الخاصة و العامة علي حرمته و تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان

محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم «2». و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان.

و منها ما رواه القاسم بن السلام باسناد متصل الي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: لا تناجشوا و لا تدابروا: معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو

______________________________

(1) الاحتجاج الطبع الحجري المطبوع في المطبعة المرتضوية في النجف الاشرف ص 185

(2) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 272

السلعة، و هو لا يريد شراءها، بل لان يسمعه غيره فيزيد لزيادته (1) سواء أ كان ذلك عن مواطاة مع البائع أم لا (2).

[مسألة 25: التنجيم حرام]

(مسألة 25): التنجيم حرام. و هو: الاخبار عن الحوادث، مثل الرخص و الغلاء و الحر و البرد و نحوها استنادا الي الحركة الفلكية و الطوارئ الطارئة علي الكواكب، من الاتصال بينها، أو

______________________________

لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد بزيادته، و الناجش خائن، و التدابر الهجران «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالقاسم بن سلام و بغيره.

و منها ما ارسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال لا يبيع احدكم علي بيع بعض و لا يخطب علي خطبته الخبر و عنه صلي اللّه عليه و آله، أنه نهي عن النجش «2».

و لا اعتبار بالمرسلات فلا بد من تحقق حرمته من تعنونه بعنوان آخر من العناوين المحرمة كالغش و الكذب و الا يشكل الالتزام بالحرمة لعدم تمامية الروايات سندا و أما عدم الخلاف فغايته رجوعه الي الاجماع و الحال ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل علي فرض تحققه محتمل المدرك.

و ربما يقال بأن النجش حرام للإضرار بالغير و فيه ان الغير قد فرض اقدامه لأجل النجش و تضرره

انما يكون ناشيا عن اقدامه علي المعاملة الضررية و ان كان الموجب للأقدام النجش فلاحظ.

(1) و هو المستفاد من كلمات اللغويين.

(2) فان مقتضي كلمات أهل اللغة تحققه بكلا القسمين فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) مستدرك الوسائل الباب 35 من أبواب آداب التجارة الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 273

الانفصال، أو الاقتران، أو نحو ذلك، باعتقاد تأثيرها في الحادث، علي وجه ينافي الاعتقاد بالدين (1).

[مسألة 26: الغش حرام]

(مسألة 26): الغش حرام (2). قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

«من غش أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه، و سد عليه معيشته و وكله الي نفسه» و يكون الغش باخفاء الادني في الاعلي، كمزج الجيد بالردي ء و باخفاء غير المراد بالمراد، كمزج الماء باللبن و باظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعا، مثل رش الماء علي بعض الخضروات ليتوهم أنها جديدة، و باظهار الشي ء علي خلاف جنسه، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب و قد يكون بترك الاعلام مع ظهور العيب و عدم خفائه، كما اذا احرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم اعلامه بالعيب فاعتقد انه صحيح و لم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه، فان عدم اعلام البائع بالعيب- مع

______________________________

(1) حرمة التنجيم بالمعني المذكور في المتن من الواضحات بل لا يبعد ان يوجب الاعتقاد المذكور الكفر فضلا عن الفسق و حيث ان الماتن لم يتعرض لهذا الفرع مفصلا نكتفي بهذا المقدار و اللّه العالم بحقائق الأمور.

(2) ادعي علي حرمته في الجملة عدم الخلاف بين الخاصة و العامة و تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما أورده الماتن في الفرع المذكور «1» و في المعتبر منها كفاية لإثبات المدعي.

______________________________

(1) الوسائل الباب

86 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 11 و غيره من الأحاديث الواردة في الباب المذكور.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 274

اعتماد المشتري عليه- غش للمشتري (1).

[مسألة 27: الغش و إن حرم لا يفسد المعاملة به]

(مسألة 27): الغش و ان حرم لا يفسد المعاملة به، لكن يثبت الخيار للمغشوش (2) الا في بيع المطلي بماء الذهب أو الفضة، فانه يبطل فيه البيع، و يحرم الثمن علي البائع، و كذا أمثاله مما كان الغش فيه موجبا لاختلاف الجنس (3).

______________________________

(1) الغش من مفاهيم العرفية و يرادفه في لغة الفرس كلمة (گول زدن) و يتوقف تحققه علي علم الغاش و جهل المغشوش و مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم الفرق بين مصاديقه و أسبابه في تحقق الحرمة، نعم فيما لا يصدق هذا العنوان لا يكون حراما و ان كان المبيع مركبا من الجيد و الردي ء و يدل علي جوازه ما رواه محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض و بعضه أجود من بعض؟ قال: اذا رئيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي ء «1».

(2) لعدم موجب للفساد نعم يثبت الخيار للمغشوش بلحاظ اشتراط الخيار الارتكازي عند تخلف الوصف.

(3) لتخلف الصورة النوعية فان الثمن يقع في مقابل الصورة النوعية العرفية و مع تخلفها تكون المعاملة فاسدة و لتوضيح المقام نقول تارة يكون التخلف في الوصف كالكتابة فان تخلفها لا يوجب الفساد لان البيع وقع علي العبد و اشترط في ضمن العقد كونه كاتبا فلا مقتضي للفساد عند التخلف بل الثابت خيار تخلف الوصف و اما لو تخلفت الصورة النوعية يكون العقد باطلا من اصله لان ايقاع العقد معلق علي الصورة النوعية.

______________________________

(1) الكافي ج 5 كتاب المعيشة باب الرجل يكون عنده ألوان من

الطعام فيخلط بعضها ببعض ص 183 الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 275

[مسألة 28: لا تصح الإجارة علي العبادات التي لا تشرع إلا أن يفعلها الأجير عن نفسه مجانا]

(مسألة 28): لا تصح الاجارة علي العبادات التي لا تشرع الا أن يفعلها الاجير عن نفسه مجانا، واجبة كانت أو مستحبة، عينية كانت أو كفائية، فلو استأجر شخصا علي فعل الفرائض اليومية أو نوافلها، أو صوم شهر رمضان، أو حج الإسلام أو تغسيل الاموات، أو تكفينهم أو الصلاة عليهم، أو غير ذلك من العبادات الواجبة أو المستحبة لم تصح الاجارة، اذا كان المقصود ان يفعلها الاجير عن نفسه (1).

______________________________

و ان شئت قلت: اذا باع الفرس الخارجي يكون العقد واقعا علي هذا العنوان لا علي الجسم بشرط كونه فرسا بل معلق علي كونه فرسا و مع عدم المعلق عليه لا مجال لتحقق المعلق فلاحظ.

(1) بعد فرض ان المقرر من قبل الشارع اتيان العمل مجانا لا يعقل وقوع الاجارة عليه صحيحا اذ علي هذا المبني يشترط في صحة العمل الاتيان به مجانا فلا يمكن للأجير تسليم مورد الاجارة لعدم قدرته عليه و الا يلزم الجمع بين المتناقضين نعم العمدة الاشكال في تمامية الدليل علي هذه الدعوي و الظاهر ان دليله منحصر في الاجماع و التسالم و أما بقية الوجوه فلا تكون صالحة للاستدلال بها و قد ذكر في كلام القوم وجوه:

منها: أنه أكل للمال بالباطل لعدم عود نفع الي المستأجر و فيه اولا ان الجار في الاية الشريفة للسببية لا المقابلة و من الظاهر ان الاجارة من الاسباب الشرعية الصحيحة و ثانيا يمكن أن يتصور عود نفع من عمل الأجير الي المستأجر فلاحظ.

و منها انه مخالف للإخلاص و فيه اولا انه أخص من المدعي اذ لا يتم هذا الدليل الا بالنسبة الي العمل العبادي

و اما في الواجب التوصلي او المستحب كذلك لا يتم، و ثانيا لا منافاة بين الأمرين فان الاجير يأتي بالعمل تقربا الي اللّه بداعي أخذ

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 276

______________________________

الأجرة مضافا الي ان استحقاق الاجير للأجرة يتحقق بالاجارة فالعمل الخارجي ليس لأجل الاستحقاق بل لأجل امره تعالي بالوفاء بما عقد عليه و ان شئت قلت: الداعي علي الداعي لا يوجب انتفاء التقرب و الا يلزم بطلان عمل جميع المكلفين الا الأوحدي كمولي الموحدين عليه السلام لان عمل غير الأوحدي اما ناش من الخوف عن النار و العذاب و اما من الطمع في الجنة و النعيم و اما ناش من كلا الأمرين فلا اشكال من هذه الجهة أيضا.

و منها ان الوجوب يوجب كون العمل ملكا له تعالي فلا يجوز للعبد تمليكه بالاجارة، و فيه انه ما المراد من الملكية فان المراد من الملكية ان كان الملكية الحقيقية المقابلة للاعتبارية فجميع الموجودات مملوكة له تعالي و لا تنافي الاجارة.

و ان كان المراد من الملكية انه واجب ففيه انه عين المدعي و مصادرة بالمطلوب و ان كان المراد من الملكية الملكية الاعتبارية ففساده واضح اذ لا دليل علي كونه تعالي مالكا للعمل الواجب بالملكية الاعتبارية مضافا الي ذلك كله ان هذا الدليل يختص بالواجب و لا يجري في المستحب.

و منها: ان الوجوب يوجب سلب قدرة المكلف و لا بد في متعلق الاجارة كونه مقدورا للأجير. و فيه انه لو كان العمل حراما لا تمكن اجارته لعدم امكان التسليم شرعا و اما الوجوب فلا يمنع عن صحة الاجارة و بعبارة اخري: هذه الدعوي بلا دليل اي لا دليل علي كون الوجوب مانعا عن الصحة و الذي يشترط في مورد

الاجارة ان يكون الاجير قادرا علي التسليم و من الظاهر انه يمكنه مع الوجوب و لذا نري انه لا مانع من وقوع الواجب موردا للشرط و الحال أن القدرة شرط في صحة الشرط مضافا الي أن هذا الدليل أيضا يختص بالواجب و لا يعم المستحب.

و منها: ان الوجوب يوجب اسقاط مالية الواجب و لذا يجوز اجباره علي الاتيان به. و فيه اولا، انه لا دليل علي اشتراط المالية في مورد الاجارة و غاية

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 277

نعم لو استأجره علي أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها اذا كان مما تشرع فيه النيابة جاز (1) و كذا لو استأجره علي الواجب- غير العبادي- كوصف الدواء للمريض أو العلاج له، أو نحو ذلك فانه يصح (2) و كذا لو استأجره لفعل الواجبات التي يتوقف عليها النظام، كتعليم بعض علوم الزراعة و الصناعة و الطب (3) و لو استأجره لتعليم الحلال و الحرام فيما هو محل الابتلاء فالاحوط بل الاظهر البطلان و حرمة الاجرة (4) و في عموم الحكم لما لا يكون محلا للابتلاء اشكال، و الاظهر الجواز و الصحة (5).

______________________________

ما يترتب علي عدم المالية في مورد الاجارة أن تكون المعاملة سفهية و لا دليل علي بطلان العقد السفهي بل الدليل قائم علي بطلان معاملة السفيه، و ثانيا. انه فرق بين اجبار الاجير بالعمل من حيث كونه واجبا و بين اجباره من حيث كونه مورد الاجارة فان الاول ناش من وجوب الامر بالمعروف و الثاني ناش من الحق الناشي عن تملك عمله بالاجارة و كم فرق بين المقامين. و ثالثا ان هذا الدليل أيضا يختص بالواجب فلاحظ فالنتيجة انه لا دليل علي المدعي

الا الاجماع.

(1) اذ فرض جواز النيابة و لا تكون النيابة واجبة و لا تكون مقيدة بالقيد المانع عن صحة الاجارة فلا مانع من صحتها كما هو ظاهر.

(2) لوجود المقتضي و عدم المانع و لعله نتكلم في هذه المواضيع في بحث الاجارة إن شاء اللّه بما ينفع للمقام فانتظر.

(3) الكلام فيه هو الكلام.

(4) للإجماع و التسالم عليه.

(5) لعدم تمامية الاجماع في المقام فيجوز.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 278

[مسألة 29: يحرم النوح بالباطل، يعني الكذب]

(مسألة 29): يحرم النوح بالباطل، يعني الكذب، و لا بأس بالنوح بالحق (1).

______________________________

(1) قد وردت جملة من الروايات في بيان حكم النياحة و حكم كسب النائحة:

منها ما رواه عذافر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و سئل عن كسب النائحة فقال: تستحله بضرب احدي يديها علي الأخري «1». و هذه الرواية ضعيفة بعذافر.

و منها ما رواه الزعفراني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من أنعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها، و من اصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها «2». و هذه الرواية ضعيفة بسلمة.

و منها رواية خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال: سمعت عمي محمد بن علي عليهما السلام يقول: انما تحتاج المرأة الي النوح لتسيل دمعتها و لا ينبغي لها أن تقول هجرا، فاذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح «3». و هذه الرواية مرسلة و لا اعتبار بالمرسلات.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن كسب المغنية و النائحة فكرهه «4».

و المستفاد من هذه الرواية أن كسب النائحة مكروه و الكراهة لا تدل علي الفساد و لا علي الحرمة.

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن

آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في حديث المناهي أنه نهي عن الرنة عند المصيبة و نهي عن النياحة

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 6

(4) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 279

______________________________

و الاستماع اليها و نهي عن تصفيق الوجه «1». و هذه الرواية ضعيفة بشعيب.

و منها ما رواه الحسين بن زيد بن علي عن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: أربعة لا تزال في أمتي الي يوم القيامة الفخر بالاحساب، و الطعن في الأنساب، و الاستسقاء بالنجوم، و النياحة، و ان النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من حرب «2» و هذه الرواية ضعيفة بسليمان.

و منها ما رواه علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن النوح علي الميت أ يصلح؟ قال: يكره «3» و هذه الرواية تدل علي كراهة النياحة و الكراهة لا تدل علي الحرمة.

و منها ما رواه علي بن جعفر أيضا عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال:

سألته عن النوح فكرهه «4». و هذه الرواية ضعيفة بعبد اللّه بن الحسن مضافا الي عدم دلالتها علي الحرمة كما مر آنفا.

و منها عدة نصوص اخر لاحظ ما رواه في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتي تقوم الساعة: الاستسقاء بالانواء، و الطعن في الانساب، و النياحة

علي الموتي «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث: 12

(3) نفس المصدر الحديث: 13

(4) نفس المصدر الحديث: 14

(5) مستدرك الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 280

______________________________

و لاحظ ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، أنه كتب الي رفاعة بن شداد قاضيه علي الاهواز: و اياك و النوح علي الموتي، ببلد يكون لك به سلطان «1»،

و لاحظ ما روي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أنه قال: «صوتان ملعونان يبغضهما اللّه: اعوال عند مصيبة، و صوت عند نعمة» يعني النوح و الغناء «2».

و لاحظ ما رواه جابر- في حديث وفاة ابراهيم بن النبي صلي اللّه عليه و آله- أنه قال: فقال عبد الرحمن. أ تبكي يا رسول اللّه، أ و لم تنه عن البكاء؟ قال: (لا و لكن نهيت عن النوح) الخبر «3».

و لاحظ ما رواه القطب الراوندي في لب اللباب: و لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أربعة: امرأة تخون زوجها في ماله أو في نفسها، و النائحة، و العاصية لزوجها، و العاق «4». و هذه الروايات كلها ضعيفة.

و منها طائفة اخري من الروايات. و من تلك الروايات ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني أيام مني «5».

و منها ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي صلي اللّه عليه و آله: ان آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب اليهم، فأذن لها فلبست ثيابها و تهيأت و كانت من

حسنها كأنها جان، و كانت

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5

(4) نفس المصدر الحديث: 6

(5) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 281

______________________________

اذا قامت فأرخت شعرها جلل جسدها و عقدت بطرفيه خلخالها، فندبت ابن عمها بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقالت:

أنعي الوليد بن الوليد أبا الوليد فتي العشيرة

حامي الحقيقة ماجد يسمو الي طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين و جعفرا غدقا و ميرة

فما عاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم ذلك و لا قال شيئا «1».

و منها ما رواه حنان بن سدير قال: كانت امرأة معنا في الحي و لها جارية نائحة فجاءت الي أبي فقالت: يا عم أنت تعلم أن معيشتي من اللّه ثم من هذه الجارية، فأحب أن تسأل أبا عبد اللّه عن ذلك فان كان حلالا و الا بعتها و أكلت من ثمنها حتي يأتي اللّه بالفرج، فقال لها أبي: و اللّه أني لأعظم أبا عبد اللّه عليه السلام أن اسأله عن هذه المسألة، قال: فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

تشارط؟ فقلت: و اللّه ما أدري تشارط أم لا. فقال: قل لها لا تشارط و تقبل ما اعطيت «2».

و منها ما رواه أبو بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بأس بأجر النائحة التي تنوح علي الميت «3».

و منها ما رواه الصدوق قال: قال عليه السلام: لا بأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا «4».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 281

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 7

(4) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 282

[مسألة 30: يحرم هجاء المؤمن]

(مسألة 30): يحرم هجاء المؤمن (1) و يجوز هجاء المخالف (2).

______________________________

و هذه الطائفة يدل علي جواز النياحة بعضها و بعضها يدل علي جواز كسبها، و عليه يكون مقتضي الصناعة جوازها. غاية الامر يكون الاكتساب بالنياحة مرجوحا.

و لكن اذا تعنونت بعنوان محرم كالكذب يصير حراما و ان شئت قلت النياحة من حيث هي جائزة بمقتضي الاصل الاولي و النصوص و محرمة بالعنوان العارضي الطاري عليها فلاحظ.

(1) الهجاء كما يظهر من مجمع البحرين عبارة عن ذكر معايب الغير و ذمه به و عن القاموس و المصباح و تاج العروس الهجاء ككساء الشتم بالشعر و تعداد المعايب فيه و عن الليث هو الوقيعة بالاشعار و عن الصحاح الهجاء خلاف المدح و المتحصل من كلمات أهل اللغة ان الهجاء عبارة عن الوقيعة و الهتك و الذم و عن بعض الاساطين الاستدلال علي حرمته بالادلة الأربعة و الظاهر ان حرمته مورد اتفاق الاصحاب و يمكن الاستدلال عليها بقوله تعالي «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» «1».

فان الهمز و اللمز الوقيعة في الغير و هتكه فتصدق علي الهجاء.

و تدل علي حرمته جملة من النصوص و هي كثيرة منها ما رواه حماد بن بشير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: قال اللّه عز و جل: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي الحديث «2». و لاحظ الباب 147 و 148 من أبواب أحكام العشرة من الوسائل.

(2) فان المخالف لا يكون مؤمنا و لا يكون من أولياء

اللّه بل المخالف من اعدائه تعالي كما تعرضنا لدليله في بعض المباحث.

______________________________

(1) الهمزة/ 1

(2) الوسائل الباب 146 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 3 و غيره من الأحاديث الواردة في الباب المذكور و الباب 147 و 148 من تلك الابواب

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 283

______________________________

و يدل علي الجواز جملة كثيرة من النصوص منها ما يدل علي وجوب البراءة من أهل البدع و سبهم و تحذير الناس منهم. لاحظ ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام «و يحذرهم الناس» و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

و منها ما يدل علي كفر المخالفين. لاحظ ما رواه المفضل بن عمر قال: دخلت علي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام و علي ابنه في حجره و هو يقبله يمص لسانه و يضعه علي عاتقه و يضمه اليه و يقول: بأبي أنت ما أطيب ريحك و أطهر خلقك. و أبين فضلك، الي أن قال: قلت: هو صاحب هذا الامر من بعدك؟

قال: نعم من أطاعه رشد و من عصاه كفر «2».

و لاحظ ما رواه أبو حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: منا الامام المفروض طاعته، من جحده مات يهوديا أو نصرانيا الحديث «3».

و لاحظ ما رواه المفضل بن عمر أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ان اللّه جعل

عليا علما بينه و بين خلقه، ليس بينه و بينهم علم غيره، فمن تبعه كان مؤمنا، من جحده كان كافرا، و من شك فيه كان مشركا «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من ابواب الامر بالمعروف الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب حد المرتد الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 11

(4) عين المصدر الحديث: 13

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 284

و كذا الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ ببدعته (1).

[مسألة 31: يحرم الفحش من القول]

(مسألة 31): يحرم الفحش من القول، و منه ما يستقبح التصريح به اذا كان في الكلام مع الناس (2).

______________________________

مضافا الي ما ذكر انه لا اشكال في أن التابعين لأعداء آل محمد عليهم السلام سيما المؤسسين للظلم عليهم و غصب حقوقهم و لا سيما الاول و الثاني لا حرمة لهم عند اللّه فيجوز هتكهم و ذمهم و الوقيعة فيهم فان المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي أن يكونوا مهتوكين و لا تكون لهم مكانة عند الاجتماع.

(1) الذي ذكر في كلام الماتن من الوجه يستفاد من بعض النصوص و قد أشرنا اليه فلاحظ.

(2) يظهر من اللغة أن الفحش التكلم بالقبيح و اثبات حرمته بما هو مشكل فانه لا دليل علي حرمة التكلم بما يكون قبيحا كالتصريح بما يستقبح ذكره نعم اذا صدق عليه عنوان محرم يحرم و لكنه خلاف الفرض فلاحظ. لكن تدل جملة من الروايات علي كون الفحش مذموما. و قد عقد صاحب الوسائل بابا و سماه بباب تحريم الفحش و وجوب حفظ اللسان «1».

و لا يبعد أن مفهوم الفحش أعم من السب، فاذا صدق عنوان السب و اجتمع العنوانان يكون حراما بعنوانين علي القول بكون الفحش حراما و السب كما يظهر من بعض القول الموجب للإهانة و الازراء علي المسبوب

و التنقيص و المحكم هو العرف و اما الفحش فهو اعم اذ الفحش يوجب وهن الفاحش و لا يلزم أن يكون هتكا لأحد فان ذكر ما يستقبح ذكره صريحا و علانية من مصاديق الفحش و لا يكون سبا ما دام لا يكون الفاحش طاعنا في شخص و في مقام اهانته.

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 285

غير الزوجة، اما معها فلا بأس به (1).

[مسألة 32: تحرم الرشوة علي القضاء بالحق أو الباطل]

(مسألة 32): تحرم الرشوة علي القضاء بالحق او الباطل (2).

______________________________

و صفوة القول ان مجرد ذكر القبيح لا يكون سبا بلا اشكال و لا كلام. ان قلت:

ان المستفاد من حديث ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: ان من أشر عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه «1». ان الفاحش من أشر الناس فكيف لا يكون دليلا علي حرمة الفحش.

قلت: لا يدل الحديث علي كون الفاحش كذلك علي الاطلاق بل الحديث دليلا علي كون الفاحش الخاص كذلك و هو الذي يكره مجالسته لفحشه و الخاص لا يكون دليلا علي العام مضافا الي أنه لا يبعد أن يقال ان اللسان لسان الكراهة بحسب الفهم العرفي أضف الي ذلك أنه لا اشكال في عدم حرمة التكلم بما يستقبح ذكره في الجملة فلاحظ.

(1) لم يظهر وجه الاستثناء فان الفحش اذا كان حراما يكون كذلك مطلقا و الا فلا يكون حراما كذلك و اللّه العالم.

(2) لجملة من النصوص. لاحظ ما رواه عمار بن مروان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول فقال: كل شي ء غل من الامام فهو سحت، و أكل مال اليتيم و شبهه

سحت، و السحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر، و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة، فاما الرشا في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم جل اسمه و برسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم «2».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 286

______________________________

و لاحظ ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط، و أجر الزانية و ثمن الخمر و أما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «1».

و لاحظ ما رواه يزيد بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السحت فقال: الرشا في الحكم «2».

و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر، و مهر البغي، و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن «3».

و لاحظ ما رواه الصدوق مرسلا قال: قال عليه السلام: أجرا لزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت، و ثمن الخمر سحت، و أجر الكاهن سحت، و ثمن الميتة سحت، فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «4».

و لاحظ ما روي عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب، و ثمن الخمر و مهر الزانية، و الرشوة في الحكم، و اجر الكاهن «5».

و لاحظ ما رواه الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه،

و ان أخذ هدية كان غلولا، و ان أخذ الرشوة فهو مشرك «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5

(4) نفس المصدر الحديث: 8

(5) نفس المصدر الحديث: 9

(6) نفس المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 287

و أما الرشوة علي استنقاذ الحق من الظالم فجائزة (1).

______________________________

و لاحظ ما رواه عمار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كل شي ء غل من الامام فهو سحت، و السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة و منها أجور القضاة و أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر، و الربا بعد البينة، فأما الرشا يا عمار في الاحكام فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم «1».

و لاحظ ما رواه الطبرسي في مجمع البيان قال: روي عن النبي صلي اللّه عليه عليه و آله أن السحت هو الرشوة في الحكم و هو المروي عن علي «2».

و لاحظ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن السحت أنواع كثيرة، فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه «3».

و مقتضي اطلاق هذه النصوص عدم الفرق بين اخذها للحكم بالحق و بين اخذها للحكم بالباطل لكن تمامية الاطلاق تتوقف علي عدم اختصاص مفهوم الرشوة بما يكون في قبال ابطال حق و احقاق باطل و الحال انه يستفاد من جملة من كلمات اهل اللغة اختصاصها بما ذكر فلا تشمل ما يكون في قبال احقاق الحق و عليه يشكل الجزم بالاطلاق اذ المفروض انه لا اطلاق في المفهوم و علي فرض الشك في المفهوم يكون مقتضي عدم عمومية مفهومها عدم الاطلاق كما أن مقتضي اصالة البراءة جوازها

تكليفا و مقتضي اطلاق صحة العقد صحتها وضعا.

(1) لعدم دليل علي المنع.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 12

(2) نفس المصدر الحديث: 15

(3) نفس المصدر الحديث: 16

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 288

و ان حرم علي الظالم أخذها (1).

[مسألة 33: يحرم حفظ كتب الضلال مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو لغيره]

(مسألة 33): يحرم حفظ كتب الضلال مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو لغيره (2).

______________________________

(1) لعدم طيب نفس المالك و اما لو فرض الطيب فاثبات الحرمة يحتاج الي الدليل.

(2) قال في الحدائق في هذا المقام: «ظاهر المنتهي انه اجماع و لم أقف في النصوص علي ما يتعلق بهذا الباب» انتهي «1». و قد ذكر سيدنا الاستاد وجوها للاستدلال بها علي المدعي مع ما فيها من الايراد. الوجه الاول: حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد.

و أورد في هذا الوجه بأن المدرك ان كان حسن العدل و قبح الظلم بدعوي ان قطع مادة الفساد حسن و حفظها ظلم و هتك للشارع فيرد عليه أنه لا دليل علي وجوب دفع الظلم في جميع الموارد و الا فوجب علي اللّه و علي الانبياء و علي الأوصياء دفع الظلم تكوينا مع انه تعالي هو الذي أقدر الانسان علي فعل الخير و الشر و هداه السبيل اما شاكرا و اما كفورا. و ان كان المدرك وجوب الاطاعة و حرمة المعصية لا مره تعالي بقلع مادة الفساد فلا دليل علي وجوب قلع مادة الفساد علي الاطلاق نعم قد قام الدليل بالنسبة الي بعض موارد الفساد كوجوب قلع الهياكل العبادية و كسر الاصنام. نعم اذا كان الفساد موجبا لوهن الحق و سد بابه و احياء الباطل وجب دفعه لأهمية حفظ الحق و هذا وجوب شرعي لا يرتبط بحكم العقل.

الوجه الثاني: قوله تعالي: (وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ

لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ) «2» بتقريب انه قيل

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص: 141

(2) لقمان/ 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 289

______________________________

في تفسير الاية انه يشتري كتابا فيه لهو الحديث فتشمل حفظ كتب الضلال.

و أورد عليه اولا، ان حفظ كتب الضلال لا يرتبط بالاشتراء للإضلال غاية الأمر احتمال ترتب الضلال علي الحفظ و حرمة الحفظ تحتاج الي الدليل و ثانيا: ان الاية تدل علي حرمة الاشتراء علي التفسير المذكور و لا تدل علي حرمة الحفظ كما ان الزنا حرام و لكن حفظ ولد الزنا لا يحرم و كما أن التصوير حرام و اما اقتناء الصورة فليس حراما و ثالثا: انه قيل ان الاية واردة في النضر بن الحارث بن كلدة فانه كان يشتري كتبا فيها احاديث الفرس من حديث رستم و اسفنديار و كان يلهي الناس و يمنعهم عن سماع القرآن و تدبر ما فيه. و رابعا: ان الاشتراء عبارة عن التعاطي و هو كناية عن التحدث بالباطل لا ضلال الناس و لا اشكال في حرمة الاضلال و في المقام الكلام في حفظ كتب الضلال.

الوجه الثالث: قوله تعالي (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) «1». و أورد فيه ان قول الزور قد فسر تارة بالكذب و اخري بالغناء و لا ترتبط الاية بما نحن بصدده من حرمة حفظ كتب الضلال. ان قلت: ان الاية تدل علي وجوب اعدام كتب الضلال لأنها مشتملة علي أظهر مصاديق الكذب. قلت:

لا دليل علي اعدام الأقوال الكاذبة و الا يلزم اعدام كثير من كتب التواريخ المشتملة علي الأخبار الكاذبة.

الوجه الرابع: حديث تحف العقول «2». فان جملة من فقراتها تدل علي المدعي.

و أورد فيه بضعف سند الحديث.

الوجه الخامس: ما رواه عبد الملك بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

______________________________

(1) الحج/ 30

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 290

فلو أمن ذلك (1). أو كانت هناك مصلحة أهم جاز (2) و كذا يحرم بيعها و نشرها و منها: الكتب الرائجة من التوراة و الانجيل و غيرها هذا مع احتمال التضليل بها (3).

______________________________

اني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة، فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها، و اذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي تقضي؟ قلت: نعم، قال: احرق كتبك «1».

فان مقتضي هذه الرواية وجوب الاحراق فلا يجوز الحفظ. و أورد فيه:

بأن التقسيم قاطع للشركة، فان المستفاد من الرواية جواز حفظها مع عدم الحكم و الكلام في المقام في مجرد الحفظ.

الوجه السادس: الاجماع و أورد فيه اولا: بعدم تحققه و ثانيا: بأنه علي فرض تحققه لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم. اذا عرفت ما تقدم فلا بد من اتمام المدعي بالتسالم بين الأصحاب مضافا الي أنه يمكن أن يستفاد المدعي من دليل وجوب اعدام هياكل العبادة و كسر الاصنام بتقريب وحدة الملاك بالاضافة الي أهمية الأمر فان اهم الأمور الاعتقادات و الأحكام الشرعية فكيف لا يجب الاحتياط فيها و ان المعروف عند الاصحاب وجوب الاحتياط في النفوس و الأعراض و الأموال و الحال انه لا اشكال في ان التحفظ علي الأحكام الشرعية أولي و أشد. هذا كله مع احتمال ترتب الفساد و اما مع عدم احتماله فلا وجه لحرمة الحفظ.

(1) و قد تقدم الكلام عليه.

(2) اذ يدخل في باب

التزاحم فلا بد من اعمال قواعد ذلك الباب.

(3) الظاهر من كلامه انه ناظر الي الحرمة التكليفية و من الظاهر ان الحرام

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب آداب السفر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 291

[مسألة 34: يحرم لبس الرجل الذهب حتي التختم به و نحوه]

(مسألة 34): يحرم لبس الرجل الذهب حتي التختم به و نحوه.

و أما التزيين به من غير لبس كتلبيس مقدم الاسنان به فالظاهر جوازه (1).

[مسألة 35: يحرم الكذب]

(مسألة 35): يحرم الكذب (2) و هو: الاخبار بما ليس بواقع (3) و لا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد و ما يكون في مقام الهزل (4)،

______________________________

تسليم كتاب الضلال الي الغير و اما مجرد ايقاع البيع عليه فلا وجه لحرمته تكليفا نعم لا يبعد انه يكون حراما وضعا اذ مع وجوب اعدامه و حرمة حفظه و تسليمه الي المشتري كيف يمكن ان يصح بيعه فلاحظ.

(1) تعرض الماتن لهذه المسألة في مسألة 31 من مسائل شرائط لباس المصلي و قد شرحنا كلامه هناك فراجع.

(2) قال الشيخ: «الكذب حرام بضرورة العقول و الأديان و تدل عليه الادلة الأربعة» انتهي. و تدل علي المدعي جملة كثيرة من النصوص. لاحظ الباب 138 من أبواب أحكام العشرة من كتاب وسائل الشيعة و لاحظ أيضا الباب 120 من هذه الابواب من كتاب مستدرك الوسائل.

و لاحظ ما روي عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال: الايمان هو اداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر، و هو معرفة بالقلب، و اقرار باللسان، و عمل بالاركان «الي أن قال:» و اجتناب الكبائر و هي قتل النفس التي حرم اللّه تعالي، و الزنا، الي أن قال: و الكذب. الحديث «1».

(3) قال في مجمع البحرين: «و الكذب هو الاخبار عن الشي ء بخلاف ما هو فيه سواء العمد و الخطاء اذ لا واسطة بين الصدق و الكذب علي المشهور».

(4) لإطلاق النصوص الدالة علي حرمة الكذب. فان مقتضي اطلاق تلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث: 33

مباني منهاج

الصالحين، ج 7، ص: 292

______________________________

النصوص عدم الفرق و تؤيد المدعي جملة من النصوص لاحظ ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترء علي الكبير أما علمتم أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ما يزال العبد يصدق حتي يكتبه اللّه صديقا، و ما يزال العبد يكذب حتي يكتبه اللّه كذابا «1».

و لاحظ ما رواه الاصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد عبد طعم الايمان حتي يترك الكذب هزله و جده «2».

و لاحظ ما رواه الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال: لا يصلح من الكذب جد و لا هزل، و لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ان الكذب يهدي الي الفجور و الفجور يهدي الي النار، و ما يزال احدكم يكذب حتي يقال كذب و فجر و ما يزال أحدكم يكذب حتي لا تبقي موضع ابرة صدق فيسمي عند اللّه كذابا «3».

و لاحظ ما رواه أبو ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في وصية له قال: يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه و ما بين لحييه دخل الجنة، قلت: و انا لنؤاخذ بما تنتطق به ألسنتنا؟ فقال: و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم؟ انك لا يزال سالما ما سكت فاذا تكلمت كتب لك أو عليك، يا أبا ذر ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه عز و جل فيكتب له بها رضوانه يوم القيامة، و ان الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم

بها فيهوي بها في جهنم ما بين السماء و الأرض، يا ابا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له

______________________________

(1) الوسائل الباب 140 من ابواب أحكام العشرة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 293

نعم اذا تكلم بصورة الخبر- هزلا- بلا قصد الحكاية و الاخبار فلا بأس به (1) و مثله التورية بأن يقصد من الكلام معني له واقع، و لكنه خلاف الظاهر (2).

______________________________

ويل له ويل له، يا أبا ذر من صمت نجي، فعليك بالصمت، و لا تخرجن من فيك كذبة ابدا، قلت يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟

قال: الاستغفار و صلوات الخمس تغسل ذلك «1». و صفوة القول ان المستفاد من الادلة حرمة الأخبار كاذبا بلا فرق بين انواعه و مصاديقه.

(1) توضيح المقام، انا قد ذكرنا في مباحث الألفاظ ان الهيئة في الجمل الاخبارية وضعت لإبراز ان المتكلم في مقام الأخبار و في مقام ابراز الحكاية بخلاف الهيئة في الجمل الانشائية، مثلا هيئة صيغة افعل وضعت لأن المتكلم في مقام ابراز اعتبار اللابدية في ذمة المكلف، و ما ذكر في الأخبار و الانشاء جامع بين جميع الأقسام و اللفظ في جميع الاقسام مستعمل في معناه الحقيقي و انما الاختلاف في الدواعي ففي الأخبار ربما يكون الداعي الحكاية و الاخبار عما في الواقع و في هذه الصورة اذا كانت الجملة مخالفة للواقع يلزم الكذب و الا فلا و لذا لو قال زيد: فلان كثير الرماد و داعيه من هذا الكلام الاخبار عن سخائه و فرض انه لا يكون عنده رماد بالكلية لا يكون المخبر كاذبا نعم اذا كان

بخيلا يكون كلامه كذبا.

(2) اذ التورية ليست من مصاديق الكذب بل من مصاديق التكلم بما هو خلاف الظاهر و بعبارة أخري الموري يوري مقصده عن السامع فالتورية ما يكون ظاهره مخالفا لمراد المتكلم ففرق بين الكذب و التورية بحسب الموضوع، فان الكذب يكون باعتبار مخالفة الحكاية للواقع فلا مخالفة في ظاهر الكلام بل المخالفة في

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 294

______________________________

عدم تطابق الحكاية مع الواقع و اما التورية فهي مخالفة ظاهر الكلام مع مقصود المتكلم و علي هذا لا يحتاج جواز التورية الي دليل لأن المحرم هو الكذب و التورية لا تكون كذبا بل صدقا و لذا قيل انه لا يجوز الكذب و لا يضطر اليه مع امكان التورية.

و قد دلت جملة من النصوص علي جواز التورية لاحظ ما رواه في آخر السرائر نقلا من كتاب عبد اللّه بن بكير بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية: قولي ليس هو هاهنا، قال: لا بأس ليس بكذب «1».

و لاحظ كتاب الخلاف للطوسي ره ج 2 ص 245 مسألة 60 دليلنا علي جوازها قوله تعالي في قصة ابراهيم عليه السلام «قٰالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هٰذٰا بِآلِهَتِنٰا يٰا إِبْرٰاهِيمُ قٰالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ» فأضاف كسر الاصنام الي الصنم الأكبر و انما قال هذا علي تأويل صحيح بأن قال ان كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم فاذا لم ينطقوا فاعلموا انهم (انه) ما فعلوا (فعله) تنبيها علي أن (انه) من لا ينطق و لا يفعل لا يستحق العبادة و الالهية و خرج الكلام مخرجا ظاهره بخلافه و قال في قصة أيوب عليه السلام «وَ خُذْ

بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ» فجعل اللّه لأيوب مخرجا مما حلف (كان) عليه و روي سويد بن حنظلة قال: خرجنا و معنا وايل بن حجر نريد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فاخذه اعداء له و تحرج القوم أن يحلفوا فحلفت باللّه انه أخي فخلي عنه العدو فذكرت ذلك للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: صدقت المسلم أخو المسلم. فالنبي أجاز ما فعل سويد و بين له صواب قوله فيما احتال به ليكون صادقا في يمينه فدل علي ما قلناه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 295

______________________________

و لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: و لقد قال ابراهيم عليه السلام: اني سقيم و اللّه ما كان سقيما و ما كذب، و لقد قال ابراهيم عليه السلام: بل فعله كبيرهم، و ما فعله كبيرهم، و ما كذب، و لقد قال يوسف عليه السلام: أيتها العير انكم لسارقون، و اللّه ما كانوا سرقوا و ما كذب «1».

و لاحظ ما رواه الصيقل، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انا قد روينا عن أبي جعفر عليه السلام في قول يوسف «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ» فقال:

و اللّه ما سرقوا و ما كذب، و قال ابراهيم: «بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم ان كانوا ينطقون» فقال: و اللّه ما فعلوا، و ما كذب، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت: ما عندنا فيها الا التسليم، قال: فقال: ان اللّه أحب اثنين و أبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين و أحب الكذب في الاصلاح، و أبغض

الخطر في الطرقات، و أبغض الكذب في غير الاصلاح ان ابراهيم عليه السلام انما قال: «بل فعله كبيرهم هذا» ارادة الاصلاح، و دلالة علي أنهم لا يفعلون، و قال يوسف عليه السلام، ارادة الاصلاح «2».

و لاحظ ما روي عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل في قصة ابراهيم عليه السلام (قٰالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ) قال: ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم عليه السلام قيل و كيف ذلك فقال:

انما قال ابراهيم فاسألوهم ان كانوا ينطقون فان نطقوا فكبيرهم فعل و ان لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا فما نطقوا و ما كذب ابراهيم عليه السلام. فسئل عن قوله في صورة يوسف (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ) قال: انهم سرقوا يوسف من أبيه

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 141 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 296

______________________________

ألا تري أنه قال لهم حين قالوا ما ذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك و لم يقل سرقتم صواع الملك انما سرقوا يوسف من أبيه فسئل عن قول ابراهيم (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقٰالَ إِنِّي سَقِيمٌ) قال: ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب انما عني سقيما في دينه اي مرتادا «1».

و في المقام كلام و هو انه لا بد من حمل قول ابراهيم عليه السلام حيث قال:

(إِنِّي سَقِيمٌ) و حيث قال: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) و كذا قول يوسف عليه السلام (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ) علي الكذب الجائز للضرورة اما كذب قوله اني سقيم و كذا قول يوسف انكم لسارقون فظاهر اذ أخبر عن كونه سقيما و الحال

أنه لم يكن كذلك و كذلك يوسف أخبر عن كونهم سارقين و الحال انهم لم يكونوا كذلك و أما قول ابراهيم بل فعله كبيرهم الخ اما مركب من قضية حملية و هي قوله بل فعله، كبيرهم و من قضية شرطية و هي قوله فاسألوهم ان كانوا ينطقون و اما مرجع قوله الي قضية شرطية بأن يكون المقدم قوله بل فعله كبيرهم و التالي قوله ان كانوا ينطقون و علي كلا التقديرين يلزم الكذب أما علي الاول فظاهر اذ كون القضية حملية فرضا مخالفة للواقع و أما علي الثاني فلأن صدق القضية الشرطية بصدق التلازم و كذبها بعدم التلازم و حيث انه لا ملازمة بين النطق و الكسر تكون القضية كاذبة.

و تصدي سيدنا الاستاد لإثبات عدم اخبار ابراهيم عليه السلام في قوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) كذبا بتقريب ان المستفاد من الشرطية تعليق الدعوي و الاخبار علي النطق و حيث ان النطق محال فلا يبقي مجال للدعوي توضيح المدعي ان القضية الشرطية في الاخبار كالقضية الشرطية في الانشاء فلو قال المولي ان جاء زيد فاكرمه يكون

______________________________

(1) الاحتجاج المطبوع في المطبعة المرتضوية في النجف الاشرف احتجاجات الصادق عليه السلام ص 194

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 297

______________________________

الشرط راجعا الي الايجاب لا الي الانشاء اذ لا اشكال في تحقق الانشاء و لا يعقل كونه معلقا مع فرض تحققه كما ان القيد لا يرجع الي المادة كي يكون مفاد القضية وجوب الاكرام عند المجي ء.

و بعبارة اخري لا يرجع الي الواجب المعلق بل القيد و الشرط راجع الي الايجاب و الحكم فالحكم بوجوب الاكرام معلق و مقيد بتحقق المجي ء اذا عرفت ذلك فاعلم ان الشرطية في الاخبار أيضا كذلك فلو قال المتكلم

اذا طلعت الشمس فالنهار موجود لا يكون القيد راجعا الي الألفاظ المظهرة للدعوي اذ لا اشكال في تحققها و لا مجال للتعليق فيها كما أنه لا يرجع الي متعلق الخبر اذ انه خلاف الظاهر فالقيد راجع الي الدعوي اي الدعوي معلقة علي طلوع الشمس و مع عدم الطلوع لا وجود للدعوي و في المقام نقول دعوي ابراهيم عليه السلام معلقة علي النطق و حيث ان النطق محال فلا دعوي لإبراهيم عليه السلام.

و ما افاده مع كونه دقيقا غير تام و لا يرجع الي محصل صحيح فانا نسأل انه هل فرق بين الدعوي و الاخبار و هل تغيير العبارات يغير الواقع علي ما هو عليه فان القائل لو قال ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود هل يكون اخباره معلقا أو لا يكون معلقا بل منجزا أو لا يكون له اخبار اصلا لا معلقا و لا منجزا لا سبيل الي الثالث كما أنه لا مجال للأول فالحق هو الوسط.

و بعبارة اخري هذا القائل اما يخبر عن شي ء و اما لا يخبر و علي الاول اما اخباره معلق و اما لا تعليق فيه، لا مجال للقول بانه لا اخبار له باتا كما هو ظاهر كما انه لا اشكال في ان اخباره غير معلق فكما لا تعليق في اصل الانشاء كذلك لا تعليق في أصل الاخبار بل التعليق في متعلق الاخبار كما أن هناك التعليق في متعلق الانشاء و عليه لا مجال لإنكار تحقق الاخبار و لا مورد لأن يقال اصل الاخبار معلق.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 298

كما انه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه (1).

______________________________

و ان شئت فراجع العرف كي يتضح لك الأمر و بعبارة واضحة البحث في

المقام عن الظهور و ليس البحث عقليا بل بحث عرفي ظهوري و لا اشكال في ظهور الكلام في هذه الموارد في الأخبار و التقييد راجع الي متعلق الخبر و لم ترد آية أو رواية علي لزوم كون الانشاء و الاخبار متحدين من هذه الجهة فالاولي ايكال الأمر الي ابراهيم و يوسف عليهما السلام فانهما كانا أعرف بوظيفتهما و علي تقدير كونهما كاذبين في الأقوال المذكورة لا ينقص من مقامهما شي ء فان المنافي للعصمة ارتكاب الحرام و اما ارتكاب ما جعله الشارع حلالا فلا اشكال فيه فلاحظ.

(1) يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي «لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ وَ إِلَي اللّٰهِ الْمَصِيرُ» «1».

و بقوله تعالي «مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ وَ لٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّٰهِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ» «2».

فان المستفاد من الآيتين الشريفتين جواز التقية لدفع الضرر عن النفس حتي في اظهار البراءة عن اللّه و الكفر به اذا كان القلب مطمئنا بالايمان و قد وردت في ذيل الاية الشريفة عدة نصوص «3». فلا اشكال في المدعي.

الا أن يقال ان مورد الآيتين التقية من الكفار و الاكراه فلا يمكن استفادة الحكم علي الاطلاق لكن تكفي لإثبات المدعي النصوص الواردة الدالة علي جواز الحلف

______________________________

(1) آل عمران/ 28

(2) النحل/ 106

(3) تفسير البرهان ج 2 ص 386- 385

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 299

أو عن المؤمن (1) بل يجوز الحلف كاذبا حينئذ (2) و يجوز الكذب أيضا للإصلاح بين المؤمنين (3).

______________________________

لدفع الضرر عن النفس او

المال. لاحظ ما رواه أبو صباح قال: و اللّه لقد قال لي جعفر بن محمد: ان اللّه علم نبيه التنزيل و التأويل فعلمه رسول اللّه عليا عليه السلام قال و علمنا و اللّه ثم قال: ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فانتم منه في سعة «1» و غيره مما ورد في الباب 12 من أبواب الايمان من الوسائل. فانه لو جاز الحلف كاذبا يجوز الكذب بلا حلف بالاولوية.

(1) لاحظ ما رواه الاشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال:

سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف قال: لا جناح عليه و عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه. قال: لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه. كما يحلف علي ماله؟ قال: نعم «2».

(2) للنصوص المشار اليها آنفا فلاحظ.

(3) قال سيدنا الأستاد «يمكن الاستدلال علي المدعي بالكتاب و السنة أما الكتاب فقوله تعالي «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» «3». فان مقتضي الاطلاق محبوبية الاصلاح و لو بالكذب فيقع التعارض بين الاية و دليل حرمة الكذب و بعد التساقط يرجع الي البراءة».

و هذا التقريب لا بأس به من حيث الصناعة لكن لازمه جواز جميع المحرمات الالهية اذا كانت مصداقا للإصلاح مثلا اذا توقف اصلاح ذات البين علي النظر الي

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) الحجرات/ 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 300

و الاحوط- استحبابا- الاقتصار فيهما علي صورة عدم امكان التورية (1).

______________________________

ما يحرم النظر اليه أو أعظم من النظر هل يلتزم سيدنا الاستاد بالجواز؟ و لا أظن أن

يلتزم به و ان كان الظن لا يغني عن الحق شيئا، مضافا الي أن الرواية المعارضة مع الاية و المبانية معها و لو بالتباين الجزئي تضرب علي الجدار و لا تكون حجة.

و الذي يختلج بالبال ان العرف لا يري بين هذا الدليل و ادلة المحرمات معارضة بل يقدم تلك الادلة و يفهم من دليل محبوبية الاصلاح انه محبوب بطريق شرعي و اما السنة فتدل علي المدعي جملة من النصوص منها: ما روي عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي ان اللّه أحب الكذب في الصلاح و أبغض الصدق في الفساد «الي أن قال:» يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و الاصلاح بين الناس «1».

و لاحظ ما روي المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: ثلاثة يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك و الاصلاح بين الناس، و ثلاثة يقبح فيهن الصدق: النميمة، و اخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه، و تكذيبك الرجل عن الخبر قال: و ثلاثة مجالستهم تميت القلب: مجالسة الأنذال و الحديث مع النساء و مجالسة الاغنياء «2».

و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا، فان تم اجماع تعبدي كاشف فهو و الا فيشكل الجزم بالحكم.

(1) وقع الكلام بين الأصحاب بأن جواز الكذب لأجل دفع الضرر هل يتوقف

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 301

______________________________

علي عدم امكان التورية أو يجوز علي الاطلاق فنقول مقتضي اطلاق النصوص عدم الاشتراط و الجواز حتي مع امكان

التورية «1». و لكن في مقابل هذه النصوص ورد بعض الروايات يعارض تلك المطلقات لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكره و اضطر اليه. و قال:

ليس شي ء مما حرم اللّه، الا و قد أحله لمن اضطر اليه «2».

فان مقتضي الشرطية جواز الحلف كذبا عند الضرورة و عدم جوازه عند عدمها و مع امكان التورية لا ضرورة فيقع التعارض بين مفهوم هذه الرواية و تلك الروايات بالعموم من وجه و في مورد الاجتماع يتساقطان و المرجع اطلاق دليل حرمة الكذب و رواية سماعة ضعيفة بالارسال، و لكن في المقام رواية اخري سندها تام لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: انا نمر علي هؤلاء القوم فيستحلفونا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم ما شاءوا. قلت: جعلت فداك بالطلاق و العتاق؟ قال: بما شاءوا «3».

و مفادها مفاد رواية سماعة علي ما ادعي في بعض الكلمات لكن التدبر في الحديث يعطي ان المستفاد منه انه يجوز الحلف كاذبا مع الخوف و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين صورتي امكان التورية و عدم امكانها و بعبارة اخري الموضوع في حديث زرارة لجواز الكذب هو الخوف و لم يقيد الحكم فيه بصورة الضرورة و من الظاهر ان المراد بالخوف، الخوف من الظالم و لا اشكال في تحققه حتي مع امكان التورية و عليه لا يكون الجواز مقيدا بصورة عدم امكان التورية و التقييد استحبابي

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من كتاب الايمان و لاحظ ص 299

(2) نفس المصدر الحديث: 18

(3) نفس المصدر الحديث: 14

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص:

302

و أما الكذب في الوعد، بأن يخلف في وعده فالظاهر جوازه (1).

______________________________

و لا اشكال في حسن الاحتياط.

(1) يستفاد من عدة روايات رجحان الوفاء بالوعد. لاحظ الباب 109 من أبواب أحكام العشرة من كتاب الوسائل منها: ما رواه شعيب العقرقوفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليف اذ اوعد «1».

و لاحظ ما رواه علي بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المؤمن أخو المؤمن عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشه و لا يعده عدة فيخلفه «2».

و لاحظ ما رواه الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال: لا يصلح من الكذب جد و لا هزل، و لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ان الكذب يهدي الي الفجور و الفجور يهدي الي النار، و ما يزال أحدكم يكذب حتي يقال كذب و فجر و ما يزال أحدكم يكذب حتي لا تبقي موضع ابرة صدق فيسمي عند اللّه كذابا «3».

و لاحظ ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته «4».

بل المستفاد من جملة منها وجوب الوفاء به لاحظ ما رواه هشام بن سالم قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فيخلف اللّه بدأ، و لمقته تعرض و ذلك قوله: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا

______________________________

(1) الوسائل الباب 109 من أبواب أحكام

العشرة الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 6

(3) الوسائل الباب 140 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 303

علي كراهة شديدة (1). نعم لو كان حال الوعد بانيا علي الخلف فالظاهر حرمته (2) و الاحوط- لزوما- الاجتناب عن وعد أهله بشي ء و هو لا يريد أن يفعله (3).

______________________________

تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1».

فان المستفاد من هذه الرواية بوضوح وجوب العمل بالوعد و ان العمل به كالعمل و الوفاء بالنذر غير أن خلف الوعد لا كفارة فيه بخلاف حنث النذر حيث تثبت فيه الكفارة و السر في عدم الفتوي بالوجوب السيرة الخارجية الجارية علي عدم العمل بالوعد حتي من الأتقياء مع عدم رمي المخلف بالفسق حتي من المتشرعة و هذا يكشف عن عدم الوجوب و ان شئت قلت: ان كان العمل بالوعد واجبا كالنذر مثلا لم يكن مورد التأمل و لذاع و شاع و لم يكن مجال للبحث و لا يتوهم من كلامنا انا ندعي أن السيرة جارية علي خلف الوعد بل المراد ان المتشرعة لا يلتزمون بالعمل بالوعد بلا نكير من أحد فلاحظ. فالحق أن خلف الوعد لا يكون معصية كما في المتن.

(1) الاولي في التعبير أن يقال العمل بالوعد مستحب مؤكد و السر فيه ان المستفاد من جملة من النصوص وجوب الوفاء به و حيث انه لا يمكن الالتزام بالوجوب نلتزم باستحبابه المؤكد فلا مجال للالتزام بالكراهة اذ المستحب له حكم واحد و لا ينحل الي حكمين.

(2) اذ يدخل تحت عنوان الكذب في الاخبار فيحرم.

(3) يستفاد من بعض النصوص جواز الكذب في الوعد

بالنسبة الي الزوجة و الأهل لاحظ حديث أنس و حماد «2». و لاحظ ما رواه عيسي بن حسان قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 109 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 3

(2) لاحظ ص: 300

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 304

[مسألة 36: تحرم الولاية من قبل السلطان الجائر إلا مع القيام بمصالح المؤمنين]

(مسألة 36): تحرم الولاية من قبل السلطان الجائر (1) الا مع القيام بمصالح المؤمنين (2).

______________________________

سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا يريد بذلك الاصلاح ما بينهما أو رجل وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتم لهم «1». لكن الحديثين ضعيفان سندا فلا وجه للحكم بالجواز و اللّه العالم.

(1) قال سيدنا الاستاد «الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في حرمة الولاية من قبل الجائر في الجملة» انتهي موضع الحاجة من كلامه. و تدل علي المدعي جملة من النصوص. لاحظ الباب 45 من أبواب ما يكتسب به من كتاب وسائل الشيعة و لاحظ ما رواه مهران بن محمد بن أبي نصر «بصير» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: ما من جبار الا و معه مؤمن يدفع اللّه عز و جل به عن المؤمنين، و هو أقلهم حظا في الآخرة، يعني أقل المؤمنين حظا بصحبة الجبار «2».

و لاحظ أيضا الباب 42 من أبواب ما يكتسب به من الوسائل و لاحظ الباب 38 من هذه الابواب من كتاب مستدرك الوسائل.

(2) ما يمكن أن يستدل به علي المدعي او استدل وجوه:

الوجه الاول: ان المقام يدخل في كبري باب التزاحم فان الولاية من قبل الظالم و ان كانت حراما لكن اذا

تعنونت بعنوان راجح كما هو المفروض ترتفع حرمتها.

و يرد عليه أن الميزان في ذلك الباب رجحان أحد الملاكين علي الاخر فلا بد

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 305

______________________________

من ملاحظة هذه الجهة و عليه لا يمكن الالتزام بالجواز بمجرد تعنون الموضوع بعنوان حسن و ان شئت قلت لا اشكال في عدم مقاومة ملاك العمل المستحب لملاك المحرم فالنتيجة أن الدليل أخص من المدعي.

الوجه الثاني: الاجماع و فيه أنه علي تقدير حصوله كما هو لا يبعد لا يكون تعبديا كاشفا فلا اثر له.

الوجه الثالث: قوله تعالي «قٰالَ اجْعَلْنِي عَليٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» «1». فان مثل يوسف عليه السلام لا يسئل الامر الحرام. و فيه أن يوسف له شأنية التصدي لأمر الأمة و بعبارة واضحة أن يوسف نبي من انبياء اللّه العظام و له التصدي للأمور فهو الحاكم الواقعي و ان لم يكن في الظاهر كذلك فلاحظ.

الوجه الرابع: الاخبار الواردة في المقام. لاحظ الباب 46 من أبواب ما يكتسب به من كتاب وسائل الشيعة و لاحظ ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من تولي عرافة قوم اتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان الي عنقه، فان قام فيهم بأمر اللّه عز و جل أطلقه اللّه، و ان كان ظالما هوي به في نار جهنم و بئس المصير «2».

و لاحظ ما رواه في عقاب الاعمال عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في حديث قال: من أكرم أخاه فانما يكرم

اللّه عز و جل، فما ظنكم بمن يكرم اللّه عز و جل أن يفعل به و من تولي عرافة قوم «و لم يحسن فيهم» حبس علي شفير جهنم بكل يوم ألف سنة، و حشر و يده مغلولة الي عنقه، فان كان قام فيهم بأمر اللّه أطلقها اللّه

______________________________

(1) يوسف/ 55

(2) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 306

و عدم ارتكاب ما يخالف الشرع المبين (1) و يجوز- أيضا- مع الاكراه من الجائر بأن يأمره بالولاية، و يتوعده علي تركها، بما يوجب الضرر بدنيا أو ماليا عليه، أو علي من يتعلق به، بحيث يكون الاضرار بذلك الشخص اضرارا بالمكره عرفا، كالإضرار بأبيه أو بأخيه أو ولده أو نحوهم ممن يهمه أمرهم (2).

______________________________

و ان كان ظالما هوي به في نار جهنم سبعين خريفا «1».

و لاحظ ما رواه محمد بن ادريس في (آخر السرائر) نقلا من كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب اليه يسأله عن العمل لبني لعباس و أخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل العذر، و ما خلا ذلك فمكروه و لا محالة قليله خير من كثيره و ما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه يسبب و علي يديه ما يسرك فينا و في موالينا، قال: فكتبت اليه في جواب ذلك اعلمه ان مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل الي ادخال المكروه علي عدوه، و انبساط اليد في التشفي منهم بشي ء أتقرب به اليهم. فأجاب: من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا

و ثوابا «2».

(1) اذا كان ارتكاب الحرام ملازما عاديا مع الولاية، يكون مقتضي اطلاق النصوص جوازها علي الاطلاق فلاحظ.

(2) لا اشكال عندهم في أن الاكراه يوجب ارتفاع الحرام عنده و المقام من صغريات تلك الكبري و يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي «3». فان

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 9

(3) لاحظ ص: 289

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 307

______________________________

المستفاد من الاية الشريفة أن الكفر باللّه جائز مع الاكراه فكيف ببقية المنكرات.

و يمكن الاستدلال علي المدعي أيضا بجملة من النصوص الدالة علي جواز الشرك باللّه و سب أمير المؤمنين عليه السلام، لاحظ ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الايمان و أظهروا الشرك، فآتاهم اللّه أجرهم مرتين «1».

و لاحظ ما رواه مسعدة بن صدقة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان الناس يروون أن عليا قال علي منبر الكوفة: أيها الناس انكم ستدعون الي سبي فسبوني، ثم تدعون الي البراءة مني فلا تبرءوا مني، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس علي علي عليه السلام، ثم قال: انما قال: انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة مني و اني لعلي دين محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم و لم يقل: و لا تبرّءوا مني، فقال له السائل: أ رأيت ان اختار القتل دون البراءة فقال: و اللّه ما ذلك عليه، و ماله الا ما مضي عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، فأنزل اللّه عز و جل فيه: «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله

و سلم عندها: يا عمار ان عادوا فعد فقد أنزل اللّه عذرك، و أمرك أن تعود ان عادوا «2».

و لاحظ ما رواه محمد بن مروان قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: ما منع ميثم رحمه اللّه من التقية؟ فو اللّه لقد علم ان هذه الاية نزلت في عمار و اصحابه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الامر و النهي الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 308

______________________________

و لاحظ ما رواه عبد اللّه بن عطا قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجلان من أهل الكوفة اخذا فقيل لهما: ابريا عن أمير المؤمنين عليه السلام فبرئ واحد منهما: و أبي الاخر، فخلي سبيل الذي برئ و قتل الاخر، فقال: أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه و أما الذي لم يبرء فرجل تعجل الي الجنة «1».

و لاحظ ما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن رجلا أتي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: أوصني فقال: لٰا تُشْرِكْ بِاللّٰهِ شيئا و أن احرقت بالنار و عذبت الا و قلبك مطمئن بالايمان و والديك فاطعهما الحديث «2».

و لاحظ ما رواه بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان التقية ترس المؤمن، و لا ايمان لمن لا تقية له، فقلت له: جعلت فداك قول اللّه تبارك و تعالي:

«إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» قال: و هل التقية الا هذا «3».

و لاحظ ما رواه محمد بن ميمون عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ستدعون

الي سبي فسبوني و تدعون الي البراءة مني فمدوا الرقاب فاني علي الفطرة «4».

و لاحظ ما رواه أخو دعبل بن علي الخزاعي عن علي بن موسي الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: انكم ستعرضون علي سبي، فان خفتم علي أنفسكم فسبوني، ألا و انكم ستعرضون علي البراءة مني فلا تفعلوا فاني علي الفطرة «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 6

(4) عين المصدر الحديث: 8

(5) عين المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 309

______________________________

و لاحظ ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد و يطلب مالا يجد، فاقتلوه و لن تقتلوه، ألا و انه سيأمركم بسبي و البراءة مني فأما السب فسبوني فانه لي زكاة و لكم نجاة، و اما البراءة فلا تبرءوا «تتبروا» مني فاني ولدت علي الفطرة و سبقت الي الايمان و الهجرة «1».

و لاحظ ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في احتجاجه علي بعض اليونان قال: و آمرك أن تصون دينك، و علمنا الذي أودعناك، فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد و لا تفش سرنا الي من يشنع علينا و آمرك أن تستعمل التقية في دينك فان اللّه يقول: «لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً» و قد اذنت لكم في تفضيل أعدائنا ان ألجأك الخوف اليه و في اظهار البراءة ان حملك الوجل عليه و في ترك الصلوات المكتوبات ان خشيت علي حشاشة

نفسك الآفات و العاهات فان تفضيلك أعدائنا عند خوفك لا ينفعهم و لا يضرنا، و ان اظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا و لا ينقصنا و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها، و مالها الذي به قيامها، و جاهها الذي به تمسكها، و تصون من عرف بذلك أولياءنا و اخواننا، فان ذلك افضل من أن تتعرض للهلاك، و تنقطع به عن محمل في الدين و صلاح اخوانك المؤمنين، و اياك ثم اياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فانك شائط بدمك و دماء اخوانك معرض لنعمتك و نعمتهم للزوال، مذل لهم في أعداء دين اللّه، و قد أمرك اللّه باعزازهم، فانك ان خالفت وصيتي كان ضررك علي إخوانك و نفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 310

______________________________

بنا «1».

و لاحظ ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) انه قيل له: مد الرقاب أحب إليك أم البراءة من علي؟ فقال: الرخصة أحب إلي أما سمعت قول اللّه عز و جل في عمار: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «2».

و لاحظ ما رواه عبد اللّه بن عجلان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته فقلت له: ان الضحاك قد ظهر بالكوفة و يوشك أن ندعي الي البراءة من علي فكيف نصنع؟ قال: فابرأ منه، قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: أن تمضوا علي ما مضي عليه عمار بن ياسر، اخذ بمكة فقالوا له: ابرء من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فبرأ منه فأنزل اللّه عز و جل عذره:

إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «3».

و لاحظ ما رواه عبد اللّه بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه ذكر أصحاب الكهف فقال: لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم، فقيل له: و ما كلفهم قومهم؟

فقال كلفوهم الشرك باللّه العظيم، فاظهروا لهم الشرك، و أسروا الايمان حتي جاءهم الفرج «4».

و لاحظ ما رواه درست عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما بلغت تقية أحد ما بلغت تقية أصحاب الكهف، انهم كانوا يشدون الزنانير، و يشهدون الاعياد فاتاهم اللّه أجرهم مرتين «5».

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث: 12

(3) نفس المصدر الحديث: 13

(4) نفس المصدر الحديث: 14

(5) نفس المصدر الحديث: 15

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 311

______________________________

و لاحظ ما رواه الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان أصحاب الكهف أسروا الايمان و أظهروا الكفر، و كانوا علي اجهار الكفر أعظم أجرا منهم علي اسرار الايمان «1».

و لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث).

أن جبرئيل نزل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا محمد ان ربك يقرؤك السلام، و يقول لك: ان أصحاب الكهف أسروا الايمان و أظهروا الشرك فآتاهم اللّه أجرهم مرتين، و ان أبا طالب أسر الايمان و أظهر الشرك فاتاه اللّه أجره مرتين و ما خرج من الدنيا حتي أتته البشارة من اللّه بالجنة «2».

و لاحظ ما رواه المرتضي في رسالة (المحكم و المتشابه) نقلا من تفسير النعماني عن علي عليه السلام قال: و أما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار فان اللّه نهي المؤمن أن يتخذ الكافر وليا، ثم من عليه باطلاق الرخصة له عند التقية

في الظاهر «الي أن قال»: قال اللّه تعالي: «لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ، فهذه رحمة تفضل اللّه بها علي المؤمنين رحمة لهم ليستعملوها عند التقية في الظاهر، و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: ان اللّه يحب ان يؤخذ برخصه كما يجب أن يؤخذ بعزائمه «3».

و لاحظ ما رواه المفيد (ره) في الارشاد قال: استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ستعرضون من بعدي علي سبي فسبوني، فمن عرض عليه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 16

(2) نفس المصدر الحديث: 17

(3) نفس المصدر الحديث: 20

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 312

______________________________

البراءة مني فليمدد عنقه، فان برئ مني فلا دنيا له و لا آخرة «1».

فاذا كان الاكراه موجبا لارتفاع الحرمة عن الشرك و سب مثل علي عليه السلام روحي فداه الذي يكون بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم افضل الخلائق من الأولين و الاخرين فلا اشكال في كونه موجبا لجواز بقية المحرمات عند الاكراه و يمكن الاستدلال أيضا علي المدعي بما دل علي رفع ما استكرهوا عليه لاحظ ما رواه صفوان بن يحيي و أحمد بن محمد بن أبي نصر جميعا عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا، قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: وضع عن أمتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2».

فان مقتضي هذه الرواية ان الاكراه يقتضي رفع الحرمة مما استكره عليه المكلف و ربما

يستدل علي المدعي بالروايات الواردة في باب الولاية اكراها و قد عقد صاحب الوسائل لها بابا مخصوصا و إليك تلك الطائفة:

الاولي ما رواه الأنباري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت اليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته اليه أذكر أني أخاف علي خيط عنقي، و أن السلطان يقول لي انك رافضي، و لسنا نشك في أنك تركت العمل للسلطان للرفض فكتب إلي ابو الحسن عليه السلام: فهمت كتابك «كتبك خ ل» و ما ذكرت من الخوف علي نفسك، فان كنت تعلم أنك اذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم تصير أعوانك

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 21

(2) الوسائل الباب 12 من كتاب الايمان الحديث: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 313

______________________________

و كتابك أهل ملتك و اذا صار إليك شي ء واسيت به فقراء المؤمنين حتي تكون واحدا منهم كان ذا بذا و الا فلا «1». و هذه الرواية ضعيفة بالانباري.

و الثانية ما رواه الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل مسلم و هو في ديوان هؤلاء و هو يحب آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم و يخرج مع هؤلاء في بعثهم فيقتل تحت رأيتهم قال: يبعثه اللّه علي نيته قال: و سألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء ان يصيب معهم شيئا فيعينه اللّه به فمات في بعثهم، قال: هو بمنزلة الأجير إنه انما يعطي اللّه العباد علي نياتهم «2». و هذه الرواية لا تدل علي المدعي.

و الثالثة ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل

قال: لا الا ان لا يقدر علي شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة، فان فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الي أهل البيت «3». و هذه الرواية لا تدل علي المدعي.

و الرابعة: ما ارسله الحسن بن موسي قال: روي أصحابنا عن الرضا عليه السلام أنه قال رجل: أصلحك اللّه كيف صرت الي ما صرت اليه من المأمون؟ فكأنه أنكر ذلك عليه، فقال له ابو الحسن الرضا عليه السلام: يا هذا أيما أفضل النبي أو الوصي؟

فقال: لا بل النبي فقال: أيهما أفضل مسلم أو مشرك؟ فقال: لا بل مسلم قال: فان العزيز عزيز مصر كان مشركا و كان يوسف عليه السلام نبيا، و ان المأمون مسلم و أنا وصي، و يوسف سئل العزيز أن يوليه حين قال: اجْعَلْنِي عَليٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) عين المصدر الحديث: 2

(3) عين المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 314

______________________________

اني حفيظ عليم، و أنا اجبرت علي ذلك الحديث «1». و الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم الدلالة علي المدعي.

و الخامسة: ما رواه الريان بن الصلت قال: دخلت علي علي بن موسي الرضا عليه السلام فقلت له: يا بن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، ان الناس يقولون:

انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا، فقال عليه السلام: قد علم اللّه كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك و بين القتل اخترت القبول علي القتل، ويحهم أما علموا أن يوسف عليه السلام كان نبيا رسولا فلما دفعته الضرورة الي تولي خزائن العزيز قال له: اجْعَلْنِي عَليٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، و دفعتني الضرورة الي قبول

ذلك علي اكراه و اجبار بعد الاشراف علي الهلاك علي أني ما دخلت في هذا الأمر الا دخول خارج منه، فالي اللّه المشتكي و هو المستعان «2».

و هذه الرواية تدل علي جواز قبول الولاية حفظا للنفس.

و السادسة: ما رواه أبو الصلت الهروي قال: ان المأمون قال للرضا عليه السلام يا بن رسول اللّه قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و ورعك و عبادتك، و أراك أحق بالخلافة مني، فقال الرضا عليه السلام: بالعبودية للّه عز و جل أفتخر، و بالزهد في الدنيا أرجو لنجاة من شر الدنيا، و بالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، و بالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند اللّه عز و جل، فقال له المأمون. فاني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة و أجعلها لك و أبايعك فقال له الرضا عليه السلام: ان كانت هذه الخلافة لك و جعلها اللّه لك فلا يجوزان تخلع لباسا ألبسك اللّه، و تجعله لغيرك، و ان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك،

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 315

______________________________

فقال له المأمون: يا بن رسول اللّه لا بد لك من قبول هذا الأمر، فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا، فما زال يجهد به أياما حتي يئس من قبوله، فقال له: ان لم تقبل الخلافة و لم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي، فقال الرضا عليه السلام: و اللّه لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام، عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما، تبكي علي

ملائكة السماء و الأرض، و أدفن في أرض غربة الي جنب هارون الرشيد، فبكي المأمون و قال له: يا بن رسول اللّه و من الذي يقتلك أو يقدر علي الإساءة إليك و أنا حي؟ فقال الرضا عليه السلام: أما اني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت، فقال المأمون: يا بن رسول اللّه انما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك و دفع هذا الأمر عنك ليقول الناس: انك زاهد في الدنيا، فقال له الرضا عليه السلام: و اللّه ما كذبت منذ خلقني اللّه عز و جل، و ما زهدت في الدنيا للدنيا، و اني لأعلم ما تريد، فقال المأمون: و ما أريد؟ قال الأمان علي الصدق، قال: لك الأمان قال: تريد أن يقول الناس: ان علي بن موسي الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، أما ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟ قال: فغضب المأمون، ثم قال: انك تتلقاني أبدا بما أكرهه، و قد أمنت سطوتي، فباللّه اقسم لئن قبلت ولاية العهد و الا أجبرتك علي ذلك، فان فعلت و الا ضربت عنقك، فقال الرضا عليه السلام: قد نهاني اللّه أن القي بيدي الي التهلكة، فان كان الأمر علي هذا فافعل ما بدا لك، و انما أقبل ذلك علي أن لا أولي أحدا، و لا أعزل أحدا، و لا أنقض رسما و لا سنة، و اكون في الأمر من بعيد مشيرا فرضي بذلك منه و جعله ولي عهده علي كراهية منه عليه السلام لذلك «1». و هذه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 316

[مسألة 37: ما يأخذه السلطان المخالف المدعي للخلافة العامة من الضرائب المجعولة علي الأراضي و الاشجار و النخيل يجوز شراؤه و أخذه منه مجانا]

(مسألة 37): ما يأخذه السلطان المخالف المدعي للخلافة العامة من الضرائب المجعولة علي الاراضي

و الاشجار و النخيل يجوز شراؤه و أخذه منه مجانا، بلا فرق بين الخراج، و هو: ضريبة النقد و المقاسمة، و هي: ضريبة السهم من النصف و العشر و نحوهما،

______________________________

الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم الدلالة علي المدعي اذ الكلام في جواز الولاية من قبل الجائر مع الاكراه علي الاطلاق و الرواية لا تدل علي الاطلاق السابعة ما رواه محمد بن عرفة قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول اللّه ما حملك علي الدخول في ولاية العهد؟ قال: ما حمل جدي أمير المؤمنين عليه السلام علي الدخول في الشوري «1». و الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم الدلالة علي المدعي.

و الثامنة: ما رواه محمد بن زيد الرزامي عن الرضا عليه السلام ان رجلا من الخوارج قال له: أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت له و هم عندك كفار، و أنت ابن رسول اللّه، فما حملك علي هذا؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام أ رأيتك هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر و أهل مملكته؟ أ ليس هؤلاء علي حال يزعمون أنهم موحدون و أولئك لم يوحدوا اللّه و لم يعرفوه؟ و يوسف بن يعقوب نبي ابن نبي، ابن نبي، فسأل العزيز و هو كافر فقال: «اجْعَلْنِي عَليٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» و كان يجلس مجلس الفراعنة، و انما أنا رجل من ولد رسول اللّه أجبرني علي هذا الأمر و أكرهني عليه ما الذي أنكرت و نقمت علي؟ فقال: لا عتب عليك أشهد أنك ابن رسول اللّه و أنك صادق «2».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) عين المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 317

و كذا المأخوذ بعنوان الزكاة (1).

______________________________

و الرواية ضعيفة سندا مضافا

الي انه ربما يقال بعدم دلالتها علي المدعي فتأمل.

و ملخص القول ان هذه النصوص اما مخدوشة سندا أو دلالة أو سندا و دلالة فلا يترتب عليها شي ء.

(1) قال سيدنا الأستاد المشهور بل المجمع عليه بين الأصحاب هو الجواز و المخالف الفاضل القطيفي و المحقق الأردبيلي قدس سرهما انتهي. و يمكن الاستدلال علي الجواز بوجوه:

الوجه الاول: ما دل من النصوص علي جواز اخذ جوائز السلطان «1». فان مقتضي هذه النصوص حلية ما يؤخذ من الجائر و لو كان المأخوذ من الزكاة و المقاسمة و الخراج.

الوجه الثاني: النصوص الخاصة الدالة علي المطلوب منها: ما رواه الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من ابل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال: فقال:

ما الابل الا مثل الحنطة و الشعير لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه، قيل له: فما تري في مصدق- يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير- يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا، و يأخذ حظه فيعز له بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: ان كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 و 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به

(2) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 318

______________________________

و قد استدل علي المدعي بثلاث فقرات من هذه الرواية الفقره الاولي: ان السائل فرض جواز الاخذ أمرا

مفروغا عنه و انما يسئل عن مورد أخذ الجائر أزيد من المقدار المقرر الشرعي و الامام روحي فداه يجيب بأنه يجوز الاخذ الا ما كان معلوم الحرمة و ربما يقال كما عن المحقق الأردبيلي قدس سره انه لا يستفاد من الرواية الجواز صراحة نعم ظاهر الرواية جواز الاشتراء لكن لا يمكن رفع اليد عن حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير و كذلك حكم الشرع بحرمة التصرف في أموال الناس بالظهور فقط و المفروض أن ما يأخذ الجائر بعنوان الصدقة غصب اذ لا حق له.

و فيه ان الجواز مقتضي صراحة الرواية فان الضمير في قوله عليه السلام لا بأس به يرجع الي المأخوذ صدقة مضافا الي أنه يكفي الظهور فان الدليل الدال علي حرمة التصرف في مال الغير قابل للتخصيص فيخصص بدليل المجوز كحديث الحذاء.

الفقرة الثانية: ان السائل يحتمل عدم جواز اشتراء صدقات نفسه عن الجائر و لذا يسئل الامام عنه و الامام عليه السلام يجيب عنه بالجواز و لعل تعليق الجواز علي الاخذ و العزل من باب أنه لا يتشخص المال في الصدقة الا بعزل الجائر.

الفقرة الثالثة: ان السائل يحتمل عدم كفاية العزل السابق و يجيب الامام عليه السلام بالكفاية و ان الكيل طريق الي معرفة المقدار و قد عرف بالكيل السابق.

ان قلت: الرواية واردة في الصدقة فلا تكون دليلا علي المدعي بالنسبة الي الخراج و المقاسمة. قلت: اولا التقابل بين المصدق و القاسم يدل علي العموم فيستفاد الحكم بالنسبة الي الزكاة من لفظ المصدق و بالنسبة الي غيرها من لفظ القاسم و ثانيا اطلاق القاسم يقتضي عدم الفرق بين الأقسام الثلاثة مضافا الي امكان دعوي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 319

و الظاهر براءة ذمة

المالك بالدفع اليه (1)،

______________________________

عدم الفصل بمقتضي الفهم العرفي و بحسب السؤال.

و منها ما رواه زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و أخوه من هبيرة ارزا بثلاثمائة ألف. قال: فقلت له: و ويلك أو ويحك انظر الي خمس هذا المال، فابعث به اليه، و احتبس الباقي فأبي علي قال: فأدي المال و قدم هؤلاء، فذهب أمر بني أمية قال: فقلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال مبادرا للجواب: هو له هو له، فقلت له: انه قد أداها فعض علي اصبعه «1».

بتقريب ان الظاهر من الرواية جواز اشتراء الحقوق المذكورة من الجائر و بعبارة أخري حيث فرض كون طرف المعاملة ظالما يعلم أن المراد من العامل من يكون عاملا للظالم الجائر و ظلمه يتصور في اخذه الخراج و المقاسمة و الصدقة فتدل الرواية علي المدعي من جواز اخذ هذه الحقوق من الظالم.

و منها ما رواه الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه فقال: ما يمنع ابن أبي السمال «السماك خ ل الشمال» أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي:

لم تركت عطائك قال: مخافة علي ديني قال: ما منع ابن أبي السمال «السماك خ ل الشمال» أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أن لك في بيت المال نصيبا «2».

بتقريب أن الظاهر جواز الأخذ من الظالم من هذه الحقوق فلاحظ.

(1) لجملة من النصوص «3». و يعارضها ما رواه أبو أسامة زيد الشحام قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتونا و يأخذوا

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6

(3) لاحظ

الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 320

بل الظاهر انه لو لم تأخذه الحكومة و حولت شخصا علي المالك في أخذه منه جاز للمحول أخذه و برئت ذمة المحول عليه (1) و في جريان الحكم المذكور فيما يأخذه السلطان المسلم المؤالف أو المخالف الذي لا يدعي الخلافة العامة أو الكافر اشكال (2).

[مسألة 38: اذا دفع إنسان مالا له إلي آخر ليصرفه في طائفة]

(مسألة 38): اذا دفع انسان مالا له الي آخر ليصرفه في طائفة

______________________________

منا الصدقة فنعطيهم اياها أ تجزي عنا؟ فقال: لا انما هؤلاء قوم غصبوكم أو قال:

ظلموكم أموالكم و انما الصدقة لأهلها «1».

لكن في سند الرواية اشكالا و هو أن طريق الشيخ الي حماد بن عيسي ضعيف و من الممكن ان حماد الواقع في السند حماد بن عيسي و اما الجمع بين المتعارضين بحمل هذه الرواية علي الاستحباب كما عن الشيخ الطوسي فكما تري و اما الترجيح، من حيث المخالفة مع العامة ففي خبر الشحام و للرواية سند آخر لا بأس به ظاهرا فيشكل الحكم فان قلنا بأن مقتضي الجمع العرفي حمل المعارض علي الاستحباب فهو و الا فلا بد من الاحتياط و اللّه العالم.

(1) أما براءة ذمة الدافع فبمقتضي النصوص المشار اليها و أما جواز أخذ المحول فلجواز اخذ الحقوق المذكورة من الجائر بعد أخذها ممن يكون عليه.

و بعبارة اخري: الذي يأخذه الجائر يتعين في الحق الشرعي و يجوز أخذه منه فلا فرق بين مصاديقه فتأمل.

(2) لعدم الدليل عليه و مقتضي القاعدة الاقتصار علي مورد قيام الدليل فيه و هو من يدعي الخلافة فلاحظ. و بعبارة اخري: الاجزاء علي خلاف القاعدة و يحتاج الي الدليل ففي كل مورد قام الدليل عليه يؤخذ به و الا فلا.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث:

6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 321

من الناس و كان المدفوع اليه منهم فان فهم من الدافع الاذن في الاخذ من ذلك المال جاز له أن يأخذ منه مثل أحدهم أو أكثر علي حسب الاذن و ان لم يفهم الاذن لم يجز الاخذ منه أصلا و ان دفع له شيئا مما له مصرف خاص كالزكاة ليصرفه في مصارفه فله أن يأخذ منه بمقدار ما يعطيه لغيره اذا كان هو أيضا من مصارفه و لا يتوقف الجواز فيه علي احراز الاذن من الدافع (1).

______________________________

(1) الوجه في التفريق و التفصيل ان جواز الاخذ في القسم الاول موقوف علي الاذن المالكي فلو لم يحرز اذن المالك صراحة أو ظهورا يشكل الاخذ بل يحرم لعدم احراز الاذن و أما في القسم الثاني فيتوقف الجواز علي الاذن الشرعي اذ علق الاذن علي كون الموضوع مصرفا شرعيا و المفروض ان المدفوع اليه من مصاديق المصرف فيجوز له الاخذ هذا بحسب القاعدة الاولية و في المقام عدة نصوص.

منها: ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا قال: نعم «1» و مقتضي هذه الرواية هو الجواز لكن موردها خصوص الزكاة.

و منها: ما رواه الحسين بن عثمان عن أبي ابراهيم عليه السلام في رجل اعطي ما لا يفرقه فيمن يحل له أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و ان لم يسم له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «2» و هذه الرواية تدل علي الجواز مطلقا.

و منها: ما رواه ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها مواضعها و هو ممن

تحل له الصدقة قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث: 1

(2) عين المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 322

[مسألة 39: جوائز الظالم حلال و إن علم إجمالا أن في ماله حرام]

(مسألة 39): جوائز الظالم حلال و ان علم اجمالا أن في ماله حرام (1).

______________________________

لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره قال: و لا يجوز له أن يأخذ اذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة الا باذنه «1». و هذه الرواية مخدوشة سندا باليونسي.

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن (يستأمر) صاحبه؟. قال: نعم «2». و هذه الرواية تدل علي الجواز علي الاطلاق لكن موردها دفع المال للصرف في المساكين. و بعبارة اخري: فرض ان المال دفع ليصرف و يعطي لطائفة من الناس و هم المساكين و يعارضها في موردها رواية اخري له قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتي يأذن له صاحبه «3».

و بعد التعارض تصل النوبة الي القاعدة الاولية و مقتضاها عدم الجواز الا مع قيام قرينة علي شمول الاذن للمدفوع اليه و أما بالنسبة الي القسم الثاني المذكور في المتن فمضافا الي أن الجواز مقتضي القاعدة يدل عليه حديث ابن عثمان و يؤيد المدعي حديث ابن يسار.

(1) تارة لا يعلم المدفوع اليه بوجود الحرام في أموال الجائر و أخري يعلم بوجوده في أمواله أما في الصورة الاولي فيجوز الاخذ منه بأي سبب شرعي و يمكن الاستدلال علي المدعي بالنصوص الواردة في

المقام منها: ما رواه أبو ولاد قال:

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2

(3) عين المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 323

______________________________

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و أنا امر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن إلي و ربما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنا (الحظ) و عليه الوزر «1».

و منها: ما رواه أبو المعز قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقال: أصلحك اللّه امر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: نعم قلت:

و احج بها؟ قال: نعم «2».

و منها: ما رواه محمد بن هشام أو غيره قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

امر بالعامل فيصلني بالصلة اقبلها؟ قال: نعم قلت: و احج معها؟ قال: نعم و حج منها «3».

و منها: ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية «4».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس «5».

و منها: ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه فقال: ما يمنع ابن أبي السمال (السماك خ ل الشمال) أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي:

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) عين المصدر الحديث: 2

(3) عين المصدر الحديث: 3

(4) عين المصدر الحديث:

4

(5) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 324

______________________________

لم تركت عطائك؟ قال: مخافة علي ديني قال: ما منع ابن أبي السمال «السماك الشمال خ ل» أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم ان لك في بيت المال نصيبا «1».

و منها: ما رواه داود بن رزين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها أو الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه «2».

و منها: ما رواه يونس بن يعقوب عن عمر أخي عذافر قال: دفع إلي انسان ستمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد اللّه عليه السلام فكانت في جوالقي فلما انتهيت الي الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه و رافقت عامل المدنية بها فقال: انت الذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم قال: اذا قدمنا المدينة فأتنا حتي نعوضك قال: فلما انتهيت الي المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم فقال: ما أعطاك خير مما أخذ منك الي أن قال: فائت عامل المدينة فتنجز ما وعدك فانما هو شي ء دعاك اللّه إليك لم تطلبه منه «3».

و منها ما رواه محمد بن قيس بن رمانة قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فذكرت له بعض حالي فقال يا جارية هاتي ذلك الكيس هذه أربعمائة دينار وصلني بها أبو جعفر فخدها و تفرح بها الحديث «4».

و منها: ما رواه الفضل بن الربيع عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) نفس المصدر الحديث: 8

(4) نفس المصدر الحديث:

9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 325

______________________________

في حديث ان الرشيد بعث اليه بخلع و حملان و مال فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال اذا كان فيه حقوق الامة فقلت: ناشدتك باللّه أن لا ترده فيغتاظ قال: اعمل به ما احببت «1».

و منها: ما رواه عبد اللّه الفضل عن أبيه في حديث ان الرشيد أمر باحضار موسي ابن جعفر عليه السلام يوما فأكرمه و أتي به بحقة الغالية ففتحها بيده فغلفه بيده ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير فقال موسي بن جعفر عليه السلام:

و اللّه لو لا أني أري من ازوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا «2».

و منها: ما رواه سفيان بن نزار في حديث ان المأمون حكي عن الرشيد أن موسي بن جعفر عليه السلام دخل عليه يوما فأكرمه ثم ذكر انه أرسل اليه مائتي دينار «3».

و منها ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ان الحسن و الحسين عليهما السلام كان يغمزان معاوية و يقعان فيه و يقبلان جوائزه «4».

و منها: ما رواه في الاحتجاج عن الحسين عليه السلام انه كتب كتابا الي معاوية و ذكر الكتاب و فيه تفريع عظيم و توبيخ بليغ فما كتب اليه معاوية بشي ء يسوؤه و كان يبعث اليه في كل سنة الف ألف درهم سوي عروض و هدايا من كل ضرب «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 10

(2) نفس المصدر الحديث: 11

(3) نفس المصدر الحديث: 12

(4) نفس المصدر الحديث: 13

(5) نفس المصدر الحديث: 14

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 326

______________________________

و منها: ما رواه محمد بن عيسي عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لا بأس بجوائز السلطان «1».

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لي أبو الحسن موسي عليه السلام مالك لا تدخل مع علي في شراء الطعام اني اظنك ضيقا قال: قلت: نعم فان شئت وسعت علي قال: اشتره «2».

و منها: ما رواه زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و أخوه من هبيرة ارزا بثلاثمائة ألف قال: فقلت له: ويلك أو ويحك انظر الي خمس هذا المال فابعث به اليه و احتبس الباقي فأبي علي قال: فأدي المال و قدم هؤلاء فذهب أمر بني امية قال: فقلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال مبادرا للجواب: هو له هو له فقلت له: انه قد اداها فعض علي اصبعه «3».

و منها: ما رواه محمد بن أبي حمزة عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول: ظلمني فقال: اشتره «4».

و منها: ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اشتري من العامل الشي ء و أنا اعلم انه يظلم فقال اشتر منه «5».

و منها: ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من ابل الصدقه و غنم الصدقة و هو يعلم انهم يأخذون منهم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 16

(2) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

(5) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 327

______________________________

أكثر من الحق الذي يجب عليهم قال: فقال: ما الابل الا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه قيل له: فما تري في مصدق

يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها فيبيعنا فما تقول في شرائها منه؟ فقال: ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يحيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حنطته فيعزله بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه فقال: ان كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل «1».

و منها: ما رواه محمد بن عيسي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن شراء الخيانة و السرقة قال: اذا عرفت ذلك فلا تشتره الا من العمال «2».

و منها: ما رواه جميل بن صالح قال: أرادوا بيع تمر عين ابن أبي زياد فأردت أن أشتريه فقلت حتي استأذن أبا عبد اللّه عليه السلام فأمرت مصادفا فسأله فقال له:

قل له: فليشتره فانه ان لم يشتره اشتراه غيره «3».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا «4».

و منها: ما رواه عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه قال: سألته عن الرجل أ يشتري من العامل و هو يظلم؟ فقال: يشتري منه «5».

و ربما يقال: انه لا يجوز أخذ الجوائز من الظالم الا مع العلم بأن له مالا

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) نفس المصدر الحديث: 6

(3) الوسائل الباب 53 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(4) نفس المصدر الحديث: 2

(5) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 328

و كذا كل ما كان في يده يجوز اخذه منه و تملكه و التصرف فيه باذنه (1).

______________________________

حلالا كي يحتمل ان المأخوذ منه و استدل عليه بما رواه الحميري

أنه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام يسأل عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته و هو فيها أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني اليه فان لم آكل طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة؟ و ان أهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي أن انال منها و أنا أعلم ان الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شي ء ان أنا نلت منها؟ الجواب: ان كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل بره و الا فلا «1».

و هذه الرواية مرسلة فلا اعتبار بها. و اما الصورة الثانية و هي صورة العلم بوجود الحرام في أموال الظالم و لكن لا يعلم بوجود الحرام في المدفوع فان لم يكن جميع الاطراف محل الابتلاء يجوز الاخذ للنصوص المشار اليها بل صرح في بعض النصوص بجواز الاشتراء من الظالم ما لم يعلم بوجود الحرام لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار «2» بل القاعدة تقتضي الجواز و هي قاعدة اليد بتقريب: ان المدفوع ان كان من الحقوق الشرعية يجوز أخذه منه بمقتضي الروايات و ان لم يكن منها فهو له بمقتضي قاعدة اليد و حيث انه ليس جميع الاطراف محل الابتلاء كما هو المفروض لا تعارض في جريان القاعدة بالنسبة الي بعض الاطراف و هو المدفوع اليه.

(1) لقاعدة اليد بل يمكن الاستدلال عليه بالنصوص المشار اليها فانه يستفاد من هذه النصوص انه يجوز الاخذ من الظالم ما دام لا يعلم بوجود الحرام فيه

______________________________

(1) الوسائل

الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 15

(2) لاحظ ص: 327

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 329

الا أن يعلم انه غصب فلو اخذ منه حينئذ وجب رده الي مالكه ان عرف بعينه (1) فان جهل و تردد بين جماعة محصورة فان أمكن استرضائهم وجب (2).

______________________________

فالنتيجة اطلاق الجواز كما في المتن.

(1) بلا اشكال و لا كلام فانه لا ريب في وجوب رد المال الي مالكه و يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا … «1».

(2) مقتضي اطلاق كلام الماتن انه مع امكان استرضاء الجميع يجب بأي نحو كان إلا مع استلزام تحصيل الرضا الضرر أو الحرج النافين للحكم الضرري و الحرجي كما هو المقرر في محله و لم يظهر وجه ما أفاده اذ الواجب علي الاخذ ايصال المال الي مالكه و المفروض انه لا يمكنه فلا بد من اعمال القواعد و لا يبعد جواز تعيين المالك بالقرعة لاحظ ما رواه جميل قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة أ ليس حقا؟ فقال زرارة: بلي هي حق فقال الطيار: أ ليس قد ورد انه يخرج سهم المحق؟ قال: بلي. قال: فتعال حتي ادعي انا و انت شيئا ثم نساهم عليه و ننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: انما جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا أمرهم الي اللّه ثم اقترعوا إلا خرج سهم المحق فاما علي التجارب فلم يوضع علي التجارب فقال الطيار: أ رأيت ان كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: اذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح فان كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح «2».

و ما رواه

منصور بن حازم قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) النساء/ 58

(2) الوسائل 13 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 330

و الا رجع في تعيين مالكه الي القرعة (1) و ان تردد بين جماعة غير محصورة تصدق به عن مالكه مع الاذن من الحاكم الشرعي علي الاحوط ان كان يائسا عن معرفته و الا وجب الفحص عنه و ايصاله اليه (2).

______________________________

عن مسألة فقال: هذه تخرج في القرعة ثم قال: فأي قضية أعدل من القرعة اذا فوضوا أمرهم الي اللّه عز و جل أ ليس اللّه يقول: فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «1» فان المستفاد من الحديثين انه لو دار أمر مال بين شخصين أو أشخاص يحرز المالك بالقرعة.

(1) كما هو المستفاد من النص.

(2) تعرض الماتن في هذا المتن لفروع ثلاثة: الاول: انه لو لم يكن من بيده المال آيسا عن المالك يجب عليه الفحص و يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «2» فان مقتضي الاطلاق وجوب الايصال بلا فرق بين كون الامانة مالكية أو شرعية كاللقطة و مجهولة المالك و السرقة و الخيانة غاية الامر يقيد وجوب الايصال بصورة امكانه اذ كل تكليف مشروط بالقدرة فان علم بعدم القدرة علي الايصال لا يجب كما انه لو علم بامكان الايصال يجب و أما لو شك في القدرة فما هي الوظيفة؟

ربما يقال: ان السيرة العقلائية تقتضي وجوب الفحص فانهم في مواقع الشك في القدرة يقدمون علي العمل الا في صورة اليأس و بعبارة اخري: بمجرد الشك في التكليف من ناحية الشك في القدرة لا يقفون بل مع احتمال القدرة يقدمون. و

يمكن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 17

(2) النساء/ 58

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 331

______________________________

أن يقال: ان الوجه في عمل العقلاء به عدم مؤمن و حجة في مقابل الموالي فمع وجود القدرة و تحقق التكليف لا عذر لهم و أما في الشريعة المقدسة فحيث جعل اصالة البراءة عن التكليف عند الشك فيمكن للمكلف أن يحتج به و يجعل الاصل عذرا لعدم القيام فالقياس مع الفارق و عليه يكون الوجوب المستفاد من الاية مختصا بصورة العلم بامكان الايصال و يقع التعارض بين مفاد الاية و ما دل من النصوص علي وجوب التصدق بالعموم من وجه فان ما به الافتراق من ناحية اخبار التصدق صورة اليأس عن الايصال و ما به الافتراق من ناحية الاية غير مجهول المالك من بقية الامانات.

و فيه: مع امكان الايصال تتحقق المعارضة لكن الاية تقدم علي تلك الادلة بوجهين: احدهما: ان العموم الوضعي يقدم علي العموم الاطلاقي و عموم الاية وضعي فان الجمع المحلي عمومه وضعي. ثانيهما: ان الرواية المتعارضة مع الكتاب تضرب عرض الجدار مضافا الي أن وجوب الفحص و الطلب يستفاد من جملة من النصوص فعلي فرض وجود الاطلاق في ادلة التصدق لا تبقي تلك الادلة بحالها بل تقيد بما يدل علي وجوب الفحص.

و من النصوص التي تدل علي وجوب الطلب ما دام لا يحصل اليأس ما رواه معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل كان له علي رجل حق ففقد و لا يدري أحي هو أم ميت و لا يعرف له وارث و لا نسب و لا بلد قال: اطلبه قال:

ان ذلك قد طال فاصدق به؟ قال: اطلبه «1».

و يدل علي وجوب الفحص عن المالك ما رواه

يونس بن عبد الرحمن قال:

سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام و أنا حاضر الي أن قال: فقال: رفيق كان لنا

______________________________

(1) تهذيب الاحكام ج 8 ص: 188 حديث: 21

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 332

______________________________

بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأي شي ء نصنع به؟ قال تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بشي ء قال له: علي من جعلت فداك؟ قال: علي اهل الولاية «1». و هذه الرواية ضعيفة بالعبيدي.

و مما يمكن أن يستدل به علي المدعي ما رواه حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أو دعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده فان أمكنه أن يرده علي أصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فان أصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر و الغرم فان اختار الاجر فله الاجر و ان اختار الغرم غرم له و كان الاجر له «2». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و قد وردت عدة روايات في بيان حكم ميراث المفقود يستفاد من بعض تلك الروايات وجوب الفحص عن الوارث لاحظ ما رواه هشام بن سالم قال: سأل خطاب الاعور أبا ابراهيم عليه السلام و أنا جالس فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالاجر ففقدناه و بقي له من أجره شي ء فلا نعرف له وارثا قال: فاطلبوه قال: فقد طلبناه فلم نجده

قال: فقال: مساكين و حرك يديه قال: فأعاد عليه قال:

اطلب و اجهد فان قدرت عليه و الا هو كسبيل مالك حتي يجي ء له طالب و ان حدث بك حدث فأوص به ان جاء له طالب أن يدفع اليه «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب اللقطة

(3) تهذيب الاحكام ج 9 ص 389 حديث 1387

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 333

______________________________

و لكن لا يمكن استفادة حكم المقام من تلك النصوص مضافا الي التعارض الواقع في تلك الروايات كما ان الروايات الواردة في حكم اللقطة لا يستفاد منها حكم المقام و لكن يكفي لوجوب الفحص دليلا الاية الشريفة مضافا الي بعض النصوص و قد اشرنا اليه.

الفرع الثاني: انه يجب التصدق مع اليأس عن معرفة المالك و قد وقع الكلام بين القوم في حكم مجهول المالك و ذكرت في هذا المقام وجوه:

الوجه الاول: انه يجب التصدق و يمكن أن يستدل علي المدعي بجملة من النصوص منها: ما رواه علي بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كتاب بني امية فقال لي: استأذن لي علي أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت له «عليه» فأذن له فلما أن دخل سلم و جلس ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

لو لا ان بني امية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا و لو تركهم الناس و ما في ايديهم ما وجدوا شيئا الا ما وقع في ايديهم قال: فقال الفتي: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟

قال: ان قلت لك تفعل؟ قال: أفعل قال له فاخرج من جميع ما كسبت «اكتسبت» في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به الحديث «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه أبو أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أمر غلامه ان يبيع كرمه عصيرا فباعه خمرا ثم أتاه بثمنه فقال: ان أحب الاشياء إلي أن

______________________________

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب ما يكتسب به

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 334

______________________________

يتصدق بثمنه «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه علي بن ميمون الصائغ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يكنس من التراب فابيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به فاما لك و اما لأهله قال قلت فان فيه ذهبا و فضة و حديدا فبأي شي ء ابيعه؟ قال: بعه بطعام قلت: فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم «2». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه علي الصائغ قال: سألته عن تراب الصواغين و انا نبيعه قال:

أما تستطيع أن تستحله من صاحبه؟ قال: قلت: لا اذا أخبرته اتهمني قال: بعه قلت بأي شي ء نبيعه؟ قال: بطعام قلت: فأي شي ء أصنع به؟ قال: تصدق به إما لك و اما لأهله «لأهلك خ ل» قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا أصله؟ قال:

نعم «3». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه أبو علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت:

جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بالفي درهم فلما وفيت المال خبرت ان الارض وقف فقال: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها الي من وقفت عليه

قلت: لا أعرف لها ربا قال «تصدق بغلتها» «4» و السند ضعيف و منها: ما رواه حفص «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا. و منها ما رواه يونس «6» و السند ضعيف.

______________________________

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 17 من أبواب عقد البيع و شروطه

(5) لاحظ ص: 332

(6) لاحظ ص: 331

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 335

______________________________

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال: لا يصلح ثمنه ثم قال: ان رجلا من ثقيف اهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله راويتين من خمر فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاهريقتا و قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها «1». و هذه الرواية تامة سندا و لكن لا يستفاد منها وجوب التصدق بل المستفاد منها ان الافضل التصدق.

الوجه الثاني ان حكمه وجوب الخمس فيه و انه ملك لمن وضع يده عليه و الدليل عليه ما رواه علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام و الشاهد في الرواية قوله عليه السلام في عداد ما يجب فيه الخمس «و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب «2».

و أورد علي هذا الوجه سيدنا الاستاد «3» أولا بأن الرواية ناظرة الي وجوب الخمس في موارده علي نحو القضية الحقيقية و لا يكون الرواية في مقام

بيان جواز التملك. و بعبارة اخري: الرواية تدل علي وجوب الخمس في موارد حصول الملكية بأسبابها و لا تكون في مقام بيان ذكر السبب فلا بد من اتمام الموضوع بدليل خارجي لا بهذه الرواية و ثانيا بأن دلالة الرواية علي المدعي علي فرض تماميتها بالظهور لا بالصراحة و حيث ان المستفاد من اخبار التصدق وجوبه يقيد هذه الرواية بتلك الاخبار و يختص مورد الخمس بعد التقييد باللقطة هذا ملخص كلامه.

و يرد علي الاشكال الاول في كلامه انه لا اشكال بحسب الفهم العرفي ان المستفاد

______________________________

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث: 5

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 519

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 336

______________________________

من حديث ابن مهزيار صيرورة المال الذي لا يكون مالكه معلوما للأخذ. و بعبارة اخري. لا اشكال في أن العرف يفهم من الحديث ان المال المأخوذ الذي يكون مالكه مجهولا من الغنائم و الفوائد التي يجب فيها الخمس و العرف ببابك و أما الاشكال الثاني المذكور في كلامه فيرده انه لا تنافي بين هذا الحديث و حديث ابن مسلم الدال علي أن الافضل التصدق.

و ان شئت قلت: ان المستفاد من حديث ابن مهزيار صيرورة المأخوذ ملكا للأخذ غاية الامر يجب فيه الخمس و حيث ان الخمس بعد المئونة فلا يتعلق به الخمس اذا صرف في المئونة و بمقتضي حديث ابن مسلم أفضل مصارفه الصدقة فلا تنافي بين الحديثين بوجه و اللّه العالم و علي فرض التعارض يكون الترجيح من حيث الاحدثية مع حديث ابن مهزيار.

و في المقام رواية رواها اسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال: سألته عن

رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد أعلمه من مضي من آبائه انها ليست لهم و لا يدري لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال: ما احب أن يبيع ما ليس له قلت: فانه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي و لا اظنه يجي ء لها رب ابدا قال: ما احب أن يبيع ما ليس له قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: ابيعك سكناي و تكون في يدك كما هي في يدي قال: نعم يبيعها علي هذا «1».

ربما يستفاد منها التنافي مع ما في حديث ابن مهزيار و لكن علي فرض التعارض يكون الترجيح مع حديث ابن مهزيار لكونه أحدث و الحديث ينسخ كما ينسخ القران. ثم ان حديث ابن مهزيار يعارض بالاطلاق عموم الاية الشريفة الآمرة برد

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 337

______________________________

الامانات الي أهلها و النسبة بينهما العموم من وجه فان الاية الشريفة شاملة لجميع الامانات و تختص بمورد امكان الايصال و الرواية تختص بمجهول المالك و تعم مورد امكان الايصال و غيره فيقع التعارض بين الطرفين في مجهول المالك الممكن ايصاله الي مالكه فتقيد الرواية بالآية لوجهين المتقدمين من أقوائية العموم عن الاطلاق و ان المعارض مع الكتاب يضرب علي الجدار.

الوجه الثالث: ان حكم مجهول المالك العمل فيه و اخراجه صدقة قليلا قليلا و الدليل عليه ما رواه نصر بن حبيب قال: كتبت الي عبد صالح عليه السلام لقد وقعت عندي مأتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك

في اعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا فكتب اعمل فيها و اخرجها صدقة قليلا قليلا حتي يخرج «1».

و الحديث ضعيف سندا مضافا الي أنه يمكن أن يكون المال في مورد الرواية للإمام من باب انه عليه السلام وارث من لا وارث له فلا ترتبط بالمقام.

الوجه الرابع: وجوب حفظه و الايصاء به عند الوفاة علي ما في كلام سيدنا الاستاد «2» و استدل بما رواه هشام بن سالم قال: سأل حفص الاعور أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده جالس قال: انه كان لأبي اجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث فقال أبو عبد اللّه عليه السلام تدفع الي المساكين ثم قال:

رأيك فيها ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد اللّه: تطلب وارثا فان وجدت وارثا و الا فهو كسبيل مالك ثم قال: ما عسي أن يصنع بها ثم قال: توصي بها فان جاء طالبها و الا فهي كسبيل مالك «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ميراث الخنثي و ما أشبهه الحديث: 3

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 521

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الدين و القرض الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 338

______________________________

و أورد سيدنا الاستاد في الاستدلال بالرواية انها واردة في الحق الكلي و الكلام في المقام في العين الشخصية و أورد أيضا بأنها واردة في قضية شخصية فلا يستفاد منها العموم و يرد علي الايراد الاول ان الرواية صريحة في أن موردها العين الخارجية و هي الدراهم و ان أبيت عن الصراحة فلا أقلّ من الظهور و أما الايراد الثاني فيرده ان العرف يفهم

من الرواية انه عليه السلام في مقام بيان حكم مجهول المالك.

نعم يمكن أن يقال: ان هذه الرواية موردها معلوم المالك و كلامنا في مجهول المالك كما انه يمكن أن يقال: ان الرواية ناظرة الي مورد عدم وجود الوارث فيكون المال ملكا للإمام عليه السلام فهذه الرواية كرواية اخري لهشام بن سالم قال: سأل حفص الاعور أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر فقال: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء فهلك الاجير فلم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين فقلت: اني ضقت بذلك زرعا قال: هو كسبيل مالك فان جاء طالب اعطيته «1» فلا تعارض بين هذه الطائفة و حديث ابن مهزيار.

الوجه الخامس: ان مجهول المالك ملك و للإمام عليه السلام و الدليل عليه ما رواه داود بن ابي يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رجل: اني قد اصبت مالا و اني قد خفت فيه علي نفسي اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه قال: فقال له ابو عبد اللّه عليه السلام: و اللّه لو اصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اي و اللّه قال: فأنا و اللّه ماله صاحب غيري قال: فاستحلفه ان يدفعه الي من يأمره قال: فحلف فقال:

فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الا من مما خفت منه قال: فقسمته بين اخواني «2».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 338

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ميراث الخنثي و ما يشبهه الحديث: 10

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث: 1

مباني منهاج

الصالحين، ج 7، ص: 339

[مسألة 40: يكره بيع الصرف و بيع الأكفان و بيع الطعام و بيع العبيد]

(مسألة 40): يكره بيع الصرف و بيع الاكفان و بيع الطعام و بيع العبيد كما يكره أن يكون الانسان جزارا أو حجاما (1) و لا سيما

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي انه يمكن ان يكون المال في تلك الواقعة فقد من الامام روحي له الفداء.

الوجه السادس: وجوب دفعه الي الحاكم الشرعي بتقريب: انه ولي الغائب فلا بد من الدفع اليه. و فيه: انه لا دليل علي ولايته و انما ولايته من باب الحسبة و قد علم الوظيفة من الشرع بالنسبة الي مجهول المالك فلا وجه لدفعه اليه ان قلت: يجب الدفع اليه اما من حيث ولايته و اما من حيث كونه اعرف بمصرفه قلت:

اما ولايته فلا دليل عليها و اما كونه اعرف من حيث الحكم فنعم لكن بعد الرجوع اليه و معرفة الحكم فلا فرق بينه و بين مقلده فانهما كليهما عارفان بالحكم غاية الامر احدهما بالاجتهاد و الاخر بالتقليد و اما بالنسبة الي الموضوع فلا دليل علي كونه اعرف مضافا الي انه لو قلنا ان حكمه وجوب الخمس يكون كبقية افراد ما يجب فيه الخمس و لا يجب دفع الخمس الي الحاكم بل المعتبر بالنسبة الي السهم المبارك اذنه فلاحظ.

الفرع الثالث: انه يجب ان يكون التصدق باذن الحاكم الشرعي و الظاهر انه لا دليل عليه و مقتضي الاطلاق و الاصل العملي عدم الوجوب فلاحظ.

(1) لجملة من النصوص منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: دخلت علي ابي عبد اللّه عليه السلام فخبرته انه ولد لي غلام قال: أ لا سميته محمدا؟ قلت قد فعلت قال:

فلا تضرب محمد اولا تشتمه جعله اللّه قرة عين لك في حياتك و خلف صدق

بعدك قلت: جعلت فداك في اي الاعمال اضعه؟ قال: اذا عدلته (عزلته) عن خمسة اشياء فضعه حيث شئت لا تسلمه صيرفيا فان الصيرفي لا يسلم من الربا و لا تسلمه بياع اكفان فان صاحب الاكفان يسره الوباء اذا كان و لا تسلمه بياع طعام فانه لا يسلم

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 340

مع الشرط بأن يشترط اجرة (1) و يكره أيضا التكسب بضراب الفحل

______________________________

من الاحتكار و لا تسلمه جزارا فان الجزار تسلب منه الرحمة و لا تسلمه نخاسا فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: شر الناس من باع الناس «1».

و منها: ما رواه طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام قال: ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: اني اعطيت خالتي غلاما و نهيتها ان تجعله قصابا او حجاما او صائغا «2».

و منها غيرهما من الروايات الواردة في الباب 21 من أبواب ما يكتسب به من الوسائل.

(1) لجملة من الروايات منها: ما رواه سماعة قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام:

السحت انواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط الحديث «3».

و منها: ما رواه ابو بصير يعني المرادي عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن كسب الحجام فقال: لا بأس به اذا لم يشارط «4».

و منها: ما رواه زرارة قال: سألت ابا جعفر عليه السلام عن الحجام فقال:

مكروه له ان يشارط و لا بأس عليك ان تشارطه و تماكسه و انما يكره و لا بأس عليك «5».

و لا يبعد ان يكون مقتضي الجمع بين النصوص انه مكروه مع الشرط و اما مع عدم الشرط فلا كراهة فيه فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب ما

يكتسب به الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(5) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 341

بأن يوجره لذلك أو بغير اجارة بقصد العوض (1) أما لو كان بقصد المجانية فلا يأس بما يعطي بعنوان الهدية (2).

[مسألة 41: لا يجوز بيع أوراق اليانصيب]

(مسألة 41): لا يجوز بيع أوراق اليانصيب فاذا كان الاعطاء بقصد البدلية من المائة المحتملة فالمعاملة باطلة (3) و أما اذا كان الاعطاء مجانا و بقصد الاشتراك في مشروع خيري فلا بأس به (4) و علي

______________________________

(1) لاحظ ما ارسله الصدوق قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن عسيب الفحل و هو اجر الضراب «1».

و المستفاد من حديث حنان بن سدير قال: دخلنا علي ابي عبد اللّه عليه السلام و معنا فرقد الحجام الي ان قال: فقال له: جعلني اللّه فداك ان لي تيسا اكريه فما تقول في كسبه؟ قال: كل كسبه فانه لك حلال و الناس يكرهونه قال حنان:

قلت لأي شي ء يكرهونه و هو حلال؟ قال: لتعيير الناس بعضهم بعضا «2».

و من حديث معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

قلت له: اجر التيوس قال: ان كانت العرب لتعايره به و لا بأس «3»، عدم الكراهة و المستفاد من المرسل مرجوحية اخذ الاجرة لا المعاملة عليه.

(2) لعدم دليل علي الكراهة في هذه الصورة و بعبارة اخري: المنهي عنه الاخذ بعنوان الاجر و اما الهبة فلا.

(3) للغرر و الجهل و احتمال عدم ما قصد كونه مبيعا.

(4) لعدم ما يقتضي المنع و الشركة جائزة بلا كلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب

ما يكتسب به الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 342

كلا التقديرين فالمال المعطي لمن أصابت القرعة باسمه اذا كان المتصدي لها شركة غير أهلية من المال المجهول مالكه (1) و لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي (2).

[مسألة 42: يجوز إعطاء الدم إلي المرضي المحتاجين إليه]

(مسألة 42): يجوز اعطاء الدم الي المرضي المحتاجين اليه (3) كما يجوز اخذ العوض في مقابله علي ما تقدم (4) و يحرم حلق اللحية علي الاحوط (5).

______________________________

(1) اذ الماتن يري ان الحكومة غير مالكة فالمال المأخوذ من مصاديق مجهول المالك.

(2) قد مر الكلام قريبا من هذه الجهة فراجع.

(3) فان جوازه علي طبق القاعدة ما لم يعرض عليه عنوان محرم.

(4) قد مر انه لا دليل علي حرمة بيع الدم فراجع.

(5) قال سيدنا الاستاد: «المشهور بل المجمع عليه بين الشيعة و السنة هو حرمة حلق اللحية» «1» انتهي. و ما يمكن ان يستدل به علي المدعي او استدل وجوه:

الوجه الاول قوله تعالي: «وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ» «2».

بتقريب: ان التغيير بأمر الشيطان حرام و حلق اللحية تغيير في خلق اللّه فيحرم و فيه: ان المراد من الاية غير واضح و المروي عن الباقر و الصادق عليهما السلام «3» ان المراد منه تغيير دين اللّه. و ان شئت قلت: لا اشكال في حرمة تغيير مخلوق اللّه سبحانه في الجملة و لكن ليس حلق اللحية منه و اما التغيير علي نحو الاطلاق فغير

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 257

(2) النساء/ 118

(3) راجع التبيان للطوسي ج 3 ص: 334

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 343

______________________________

حرام قطعا و الا يلزم حرمة قطع الاخشاب و جري الانهار و امثالهما و هو كما تري.

الوجه الثاني: جملة من النصوص الدالة

علي اعفاء اللحي منها: مرسل الصدوق قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: حفوا الشوارب و اعفوا اللحي و لا تشبهوا باليهود «1».

و منها مرسله الاخري قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم و انا نحن نجز الشوارب و نعفي اللحي و هي الفطرة «2».

و منها: ما رواه علي بن غراب عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حفوا الشوارب و اعفوا اللحي و لا تشبهوا بالمجوس «3». و منها ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره «4».

و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا.

الوجه الثالث: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه قال: حلق اللحية من المثلة و من مثل فعليه لعنة اللّه «5».

بتقريب: ان الرواية تدل علي أن حلق اللحية من أفراد المثلة و عليه لعنة اللّه و فيه اولا: ان السند ضعيف بموسي. و ثانيا: ان التمثيل هو التنكيل بالغير بقصد الاهانة فالخبر يدل علي ان ازالة لحية الغير بقصد اهانته من افراد المثلة فلا تربط

______________________________

(1) الوسائل الباب 67 من ابواب آداب الحمام الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) مستدرك الوسائل الباب 40 من أبواب آداب الحمام الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 344

______________________________

الرواية بما نحن فيه الا ان يقال: ان المثلة حرام و بمقتضي الرواية يكون الحلق من افرادها حكومة فلاحظ.

الوجه الرابع: ما رواه جابر عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ليس منا من سلق و لا خرق و لا حلق «1» و السند ضعيف الوجه الخامس: ما نقل

عن الكازروني في المنتقي «2» و السند ضعيف.

الوجه السادس: ما رواه اسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: انه اوحي اللّه الي نبي من انبيائه قل للمؤمنين: لا تلبسوا لباس اعدائي و لا تطعموا مطاعم اعدائي و لا تسلكوا مسالك اعدائي فتكونوا اعدائي كما هم اعدائي «3».

بتقريب: ان حلق اللحية من مسالك الاعداء فيحرم بمقتضي حرمة سلوك مسالكهم. و فيه: ان السند ضعيف مضافا الي ان الظاهر من الخبر ان المنهي عنه اخذ مسلكهم زيا و شعارا فلا يصدق علي مجرد مماثلة عملهم لعملهم.

الوجه السابع: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله: «غيروا الشيب و لا تشبهوا باليهود و النصاري «4» بتقريب: ان النبي صلي اللّه عليه و آله نهي عن مشابهة اليهود و حلق اللحية من مصاديق المنهي عنه. و فيه: انه علي تقدير شمول الحديث لما نحن فيه لا اثر له لأنهما ضعيفان سندا.

الوجه الثامن: ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له ان يأخذ من لحيته؟ قال: اما

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر

(3) الوسائل الباب 19 من أبواب لباس المصلي الحديث: 8

(4) الوسائل الباب 41 من أبواب آداب الحمام الحديث: 8 و 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 345

و يحرم أخذ الاجرة عليه كذلك (1) الا اذا كان ترك الحلق يوجب سخرية و مهانة شديدة لا تتحمل عند العقلاء فيجوز حينئذ (2).

[آداب التجارة]

اشارة

آداب التجارة:

[مسألة 43: يستحب التفقه فيها ليعرف صحيح البيع و فاسده و يسلم من الربا]

(مسألة 43): يستحب التفقه فيها ليعرف صحيح البيع و فاسده و يسلم من الربا (3).

______________________________

من عارضيه فلا بأس و اما من مقدمها فلا «1» و مقتضي التفصيل فيه حرمة الاخذ من المقدم و اما الاخذ من العارض فلا بأس.

الوجه التاسع: الاجماعات المنقولة و الشهرة المحققة بين العامة و الخاصة الوجه العاشر: الارتكاز المتشرعي فانهم بما هم كذلك يرون ان هذا العمل حراما و اللّه العالم بحقايق الأحكام.

(1) فان الحرام لا يقابل بالاجر و اجره سحت فتأمل.

(2) اذا قلنا بالحرمة لا يمكن رفع اليد عنها بمجرد تحقق السخرية و الاهانة نعم اذا وصل الي حد الحرج الشخصي يمكن القول بالجواز من باب ارتفاع الالزامات الشرعية بالحرج فلاحظ.

(3) لاحظ ما رواه الاصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول علي المنبر: يا معشر التجار الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر و اللّه للربا في هذه الامة اخفي من دبيب النمل علي الصفا شوبوا أيمانكم بالصدق التاجر فاجر و الفاجر في النار الا من أخذ الحق و أعطي الحق «2».

و ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه

______________________________

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب آداب الحمام الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب آداب التجارة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 346

و مع الشك في الصحة و الفساد لا يجوز له ترتيب آثار الصحة بل يتعين عليه الاحتياط (1) و يستحب ان يساوي بين المبتاعين فلا يفرق بين المماكس و غيره بزيادة السعر في الاول او بنقصه (2) أما لو فرق بينهم لمرجحات شرعية كالعلم و التقوي و نحوهما فالظاهر أنه لا بأس به

(3).

______________________________

السلام من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم «1».

و ما رواه الصدوق قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا يقعدن في السوق الا من يعقل الشراء و البيع «2».

و ما رواه المفيد قال: قال الصادق عليه السلام: من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه و من لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط الشبهات «3».

(1) فان مقتضي الاصل الاولي هو الفساد فمع الشك في الصحة لا بد من الاحتياط.

(2) لخبر عامر بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال في رجل عنده متاع فسعره سعرا معلوما فمن سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر و من ماكسه و أبي أن يبتاع منه زاده قال: لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس فأما ان يفعله بمن أبي عليه و كايسه و يمنعه ممن لم يفعل ذلك فلا يعجبني الا أن يبيعه بيعا واحدا «4».

(3) لعدم شمول الدليل لمثل الفرض فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) الفروع من الكافي ج 5 ص 152 حديث 10

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 347

و يستحب أن يقيل النادم (1) و يشهد الشهادتين عند العقد (2) و يكبر اللّه تعالي عنده (3) و يأخذ الناقص و يعطي الراجح (4).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه الجعفري عن بعض أهل بيته قال: ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لم يأذن لحكيم بن حزام بالتجارة حتي ضمن له اقالة النادم و انظار المعسر و أخذ الحق وافيا و غير واف «1».

و ما رواه أبو حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال

أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه تعالي عثرته يوم القيامة «2».

(2) لاحظ ما رواه حنان عن أبيه قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الفضل أ ما لك مكان تقعد فيه فتعامل الناس؟ قال: قلت: بلي قال: ما من رجل مؤمن يروح او يغدو الي مجلسه او سوقه فيقول: حين يقع رجله في السوق اللهم اني اسألك من خيرها و خير اهلها الا وكل اللّه عز و جل به من يحفظه و بحفظ عليه حتي يرجع الي منزله فيقول له: قد اجرت من شرها و شر اهلها بذلك هذا باذن اللّه عز و جل و قد رزقت خيرها و خير اهلها في يومك هذا فاذا جلس مجلسه قال:

حين يجلس: «اشهد ان لا إله الا اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمدا عبده و رسوله» الحديث «3». و لكن الرواية لا تدل علي المدعي.

(3) لاحظ ما رواه حريز عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا اشتريت شيئا من متاع او غيره فكبر الحديث «4».

(4) يدل علي استحباب اعطاء الزيادة جملة من النصوص منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام علي جارية قد اشترت

______________________________

(1) الفروع من الكافي ج 5 ص 151 حديث 4

(2) الفروع من الكافي ج 5 ص 153 حديث 16

(3) الفروع من الكافي ج 5 ص 155 باب من ذكر اللّه تعالي في السوق حديث 1

(4) الفروع من الكافي ج 5 ص 156 حديث 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 348

[مسألة 44: يكره مدح البائع سلعته و ذم المشتري لها]

(مسألة 44): يكره مدح البائع سلعته و ذم المشتري لها (1).

______________________________

لحما من قصاب و هي تقول: زدني فقال له

امير المؤمنين عليه السلام زدها فانه اعظم للبركة «1».

و منها: ما رواه ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا يكون الوفاء حتي يرجح «2».

و منها: ما رواه حماد بن بشير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يكون الوفاء حتي يميل الميزان «3». و منها: مرسل الكليني قال: و في خبر آخر: لا يكون الوفاء حتي يرجح «4».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: قال من اخذ الميزان بيده فنوي ان يأخذ لنفسه وافيا لم يأخذه الا راجحا و من اعطي فنوي ان يعطي سواء لم يعط الا ناقصا «5».

و الظاهر انه لا يستفاد من هذه الروايات الا استحباب اعطاء الزائد و اما استحباب اخذ الناقص فلا يستفاد منها نعم لا يبعد أن يستفاد المدعي من حديث اسحاق بن عمار فان المستفاد منه ان الراجح اخذ الناقص مضافا الي ان مناسبة الحكم و الموضوع مقتضية لذلك فلاحظ.

(1) لاحظ ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من باع و اشتري فليحفظ خمس خصال و الا فلا يشترين و لا يبيعن: الربا و الحلف و كتمان العيب و الحمد اذا باع و الذم اذا اشتري «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

(5) نفس المصدر الحديث: 5

(6) الفروع من الكافي ج 5 ص 150 حديث 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 349

و كتمان العيب اذا لم يؤد الي غش (1) و الاحرم كما تقدم (2) و الحلف علي البيع (3) و البيع في

المكان المظلم الذي يستر فيه العيب (4) بل كل ما كان كذلك (5).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه السكوني.

(2) و تقدم الكلام عليه فراجع.

(3) لاحظ ما رواه السكوني و ما رواه ابو حمزة رفعه قال: قام امير المؤمنين عليه السلام علي دار ابن ابي معيط و كان تقام فيها الابل فقال: يا معاشر السماسرة اقلوا الأيمان فانها منفقة للسلعة ممحقة للربح «1».

و ما رواه درست بن ابي منصور عن ابي الحسن موسي عليه السلام قال: ثلاثة لا ينظر اللّه اليهم: احدهم رجل اتخذ اللّه بضاعة لا يشتري الا بيمين و لا يبيع الا بيمين «2».

و ما رواه ابو اسماعيل رفعه عن امير المؤمنين عليه السلام انه كان يقول: اياكم و الحلف فانه ينفق السلعة و يمحق البركة «3» و غيرها من الروايات المذكورة في الباب 25 من ابواب آداب التجارة من الوسائل.

(4) لاحظ ما رواه هشام بن الحكم قال: كنت ابيع السابري في الظلال فمر بي ابو الحسن الاول عليه السلام راكبا فقال لي يا هشام ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل «4».

(5) لا يبعد ان يستفاد المدعي من حديث هشام فان المستفاد منه ان ما يوجب ستر

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من ابواب آداب التجارة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 85 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 350

و الربح علي المؤمن زائدا علي مقدار الحاجة (1) و علي الموعود بالاحسان (2) و السوم ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس (3) و أن يدخل السوق قبل غيره (4) و مبايعة الادنين (5).

______________________________

العيب مرجوح شرعا.

(1) لاحظ ما روي عن ابي عبد اللّه عليه السلام

قال: ربح المؤمن علي المؤمن ربا الا ان يشتري بأكثر من مأئة درهم فاربح عليه قوت يومك او يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم «1».

(2) لاحظ ما رواه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: اذا قال الرجل للرجل: هلم احسن بيعك يحرم عليه الربح «2».

(3) لاحظ ما رواه علي بن اسباط رفعه قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن السوم ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس «3».

(4) لاحظ ما رواه جابر الجعفي عن ابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لجبرئيل: اي البقاع احب الي اللّه تعالي؟ قال: المساجد و احب اهلها الي اللّه اولهم دخولا اليها و آخرهم خروجا منها قال: فاي البقاع ابغض الي اللّه تعالي؟ قال: الاسواق و ابغض اهلها اليه اولهم دخولا اليها و آخرهم خروجا منها «4».

(5) لاحظ مرسل الصدوق قال: و قال عليه السلام: اياك و مخالطة السفلة فان

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(3) الفروع من الكافي ج 5 ص 152 حديث 12

(4) الوسائل الباب 60 من ابواب آداب التجارة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 351

و ذي العاهات و النقص في أبدانهم (1) و المحارفين (2) و طلب تنقيص الثمن بعد العقد (3) و الزيادة وقت النداء لطلب الزيادة أما الزيادة بعد سكوت المنادي فلا بأس بها (4) و التعرض للكيل أو الوزن أو العد أو المساحة

______________________________

السفلة لا يؤل الي خير «1».

(1) لاحظ ما رواه ميسر بن عبد العزيز قال: قال ابو عبد اللّه عليه

السلام: لا تعامل ذا عاهة فانهم اظلم شي ء «2». و ما رواه أيضا «3».

(2) لاحظ ما رواه الوليد بن صبيح قال: قال لي: ابو عبد اللّه عليه السلام:

لا تشتر من محارف فان صفقته لا بركة فيها «4».

و ما رواه أيضا قال: قال الصادق عليه السلام: لا تشتر لي من محارف شيئا فان خلطته لا بركة فيها «5». و غيرهما من الروايات المذكورة في الباب 21 من ابواب آداب التجارة من الوسائل.

(3) لاحظ ما رواه ابراهيم الكرخي (الكلابي خ ل) قال: اشتريت لأبي عبد اللّه عليه السلام جارية فلما ذهبت انقدهم قلت: أستحطهم قال: «ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن الاستحطاط بعد الضمنة «6» و غيره مما ورد في الباب 44 من أبواب آداب التجارة من الوسائل.

(4) لاحظ ما رواه امية بن عمرو عن الشعيري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب آداب التجارة الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(5) نفس المصدر الحديث: 3

(6) الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 352

اذا لم يحسنه حذرا من الخطأ (1) و الدخول في سوم المؤمن (2) بل الاحوط تركه (3) و المراد به الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري أو بذل مبيع له غير ما بذله البائع مع رجاء تمامية المعاملة بينهما (4) فلو انصرف احدهما عنها أو علم بعدم تماميتها بينهما فلا كراهة (5) و كذا لو كان البيع مبنيا علي المزايدة (6) و أن يتوكل بعض أهل البلدان

______________________________

كان أمير المؤمنين يقول: اذا نادي

المنادي فليس لك ان تزيد و انما يحرم الزيادة النداء (تسمع به) و يحلها السكوت «1».

(1) لاحظ ما رواه مثني الحناط عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل من نيته الوفاء و هو اذا كال لم يحسن ان يكيل قال: فما يقول الذي حوله؟ قلت: يقولون لا يوفي قال هذا «هويه» ممن لا ينبغي له ان يكيل «2».

(2) لما في حديث المناهي قال: و نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم «3».

(3) فانه نهي عنه صريحا و لعله للخروج عن شبهة الخلاف.

(4) كما هو مقتضي الاطلاق فانه يستفاد من اللغة صدق العنوان في كلا الموردين فيعمهما الحكم بمقتضي الاطلاق.

(5) لعدم موضوع الكراهة.

(6) لخروجه عن موضوع النهي فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب التجارة

(3) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 353

لمن هو غريب عنه (1) بل الاحوط استحبابا تركه (2) و تلقي الركبان الذين يجلبون السلعة (3).

______________________________

(1) قال في الحدائق: «و منها أن لا يتوكل حاضر لباد و المراد بالبادي الغريب الجالب للبلد أعم من أن يكون من البادية أو قرويا و معناه أن يحمل البدوي أو القروي متاعه الي بلد فيأتيه البلدي و يقول له: انا ابيعه لك باعلي ما تبيعه قبل أن يعرفه السعر و يقول: أنا ابيع لك و اكون سمسارا كذا ذكره في المسالك و قد اختلف الاصحاب في ذلك تحريما و كراهة فذهب الشيخ في النهاية الي الثاني و هو قول العلامة في المختلف و اختيار المحقق في الشرائع و

الشهيد في الدروس و في المبسوط و الخلاف الي الاول» «1» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها: ما رواه عروة بن عبد اللّه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث: لا يبع حاضر لباد و المسلمون يرزق اللّه بعضهم من بعض «2».

و منها: ما رواه جابر قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض «3».

(2) خروجا عن شبهة الخلاف.

(3) لجملة من النصوص منها: ما رواه عروة بن عبد اللّه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا يتلقي (يلتقي خ ل) احدكم تجارة خارجا من المصر الحديث «4».

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص 52

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(3) عين المصدر الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 354

وحده الي ما دون أربع فراسخ (1) فلو بلغ أربعة فلا كراهة (2) و كذا لو اتفق ذلك بلا قصد (3) و الظاهر عموم الحكم لغير البيع من المعاملة كالصلح و الاجارة و نحوهما (4).

[مسألة 45: يحرم الاحتكار]

(مسألة 45): يحرم الاحتكار (5).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه منهال القصاب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تلق فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن التلقي قال: و ما حد التلقي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة قلت: و كم الغدوة و الروحة؟ قال: أربعة فراسخ قال ابن أبي عمير:

و ما فوق ذلك فليس بتلق «1».

(2) كما هو المستفاد من رواية

القصاب.

(3) لخروجه عن مورد النص.

(4) لإطلاق النصوص و لا يخفي ان النصوص الواردة في المقام كلها ضعيفة سندا فلا وجه للالتزام بالحرمة- كما عن المبسوط و الخلاف- كما انه لا وجه للالتزام بالكراهة- كما عن النهاية- و التمسك باخبار من بلغ مشكل او لا بعدم تمامية دلالتها علي المدعي و ثانيا: علي فرض تماميتها لا تستفاد منها الكراهة.

(5) قال في الحدائق: «و قد اختلف الاصحاب أيضا في كراهته و تحريمه فنقل في المختلف عن الصدوق في الهداية القول بالتحريم قال: و به قال ابن براج و الظاهر من كلام ابن ادريس و اختاره في المسالك و قال العلامة في المنتهي و الشيخ في المبسوط و المفيد في المقنعة انه مكروه» «2» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

و العمدة النصوص الواردة في المقام فنقول: منها: ما رواه السكوني عن أبي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1

(2) الحدائق ج 18 ص 58

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 355

______________________________

عبد اللّه عليه السلام قال: الحكرة في الخصب أربعون يوما و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام فما زاد علي الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون و ما زاد علي ثلاثة ايام في العسرة فصاحبه ملعون «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك؟ قال: ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فانه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام «2» و هذه الرواية تامة سندا لكن لا تدل علي الحرمة بل تدل علي الكراهة و الكراهة أعم من

الحرمة.

و منها: ما رواه ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الجالب مرزوق و المحتكر ملعون «3». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الحكرة الا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن «4». و هذه الرواية لا تعرض فيها لحكم الحكرة بل ناظرة الي ما فيه الحكرة.

و منها: ما رواه أبو مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: ايما رجل اشتري طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع «5» و هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

(5) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 356

______________________________

ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه ابو البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه ان عليا عليه السلام كان ينهي عن الحكرة في الامصار فقال: ليس الحكرة الا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: مرسل الصدوق قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: لا يحتكر الطعام الا خاطئ «2».

و منها: مرسله الاخر قال: و نهي امير المؤمنين عن الحكرة في الأمصار «3» و المرسلان ضعيفان كما هو ظاهر.

و منها: ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: الحكرة في ستة اشياء: في الحنطة

و الشعير و التمر و الزيت و السمن و الزبيب «4» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها: ما رواه ورام بن ابي فراس في كتابه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم عن جبرئيل عليه السلام قال: اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال: لثلاثة: المحتكرين و المدمنين الخمر و القوادين «5». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 8

(3) نفس المصدر الحديث: 9

(4) نفس المصدر الحديث: 10

(5) نفس المصدر الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 357

______________________________

و منها: ما رواه اسماعيل بن ابي زياد عن ابي عبد اللّه عن ابيه عليهما السلام قال:

لا يحتكر الا خاطئ «1». و هذه الرواية لا تدل علي الحرمة و غاية دلالتها المرجوحية مضافا الي ما في سندها من الاشكال.

و منها: ما رواه في نهج البلاغة عن امير المؤمنين عليه السلام في كتابه الي مالك الاشتر قال: فامنع من الاحتكار فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله منع منه و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل واسعا لا يجحف بالفريقين من البائع و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل و عاقب في غير اسراف «2». و هذه الرواية مرسلة مضافا الي انها تدل علي المنع عن الاحتكار مطلقا اضف الي ذلك انه يستفاد منها انه لا بد في البيع علي الاطلاق من السماحة.

و منها ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الحكرة فقال: انما الحكرة ان تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فان كان في المصر طعام او متاع «يباع»

غيره فلا بأس ان تلتمس بساحتك الفضل «3».

و هذه الرواية لا تدل علي حكم الاحتكار بل تبين موضوعه فلاحظ. و مثله: ما رواه حماد «4».

و الكلام فيه هو الكلام و يستفاد من ذيل الرواية اثبات البأس في امساك الزيت او الزبيب اذا لم يكن عند غير من امسكه حيث قال: و سألته عن الزيت «الزبيب» فقال: اذا كان عند غيرك فلا بأس بامساكه.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 12

(2) نفس المصدر الحديث: 13

(3) الوسائل الباب 28 من ابواب آداب التجارة الحديث: 1

(4) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 358

و هو حبس السلعة و الامتناع من بيعها لانتظار زيادة القيمة مع حاجة المسلمين اليها و عدم وجود الباذل لها (1) و الظاهر اختصاص الحكم

______________________________

و منها ما رواه سالم الحناط قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام: ما عملك؟

قلت: حناط و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست قال: فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون محتكر فقال: يبيعه احد غيرك؟ قلت: ما ابيع انا من الف جزء جزءا قال: لا بأس انما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام و كان اذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النّبيّ صلي اللّه عليه و آله فقال: يا حكيم بن حزام اياك ان تحتكر «1» و هذه الرواية لا بأس بسندها و يستفاد منها حرمة الاحتكار في الجملة.

(1) قال الشيخ الاعظم قدس سره «احتكار الطعام و هو كما في الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء». و قال في الحدائق «2»:

«الاحتكار و هو افتعال من الحكرة بالضم و هو جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء»

و قال في مجمع البحرين «و هو ان يشتريه و يحبسه ارادة الغلاء» فعلي هذا يكون نظر الماتن في القيود المذكورة الي انا نعلم عدم حرمة الاحتكار الا مع الاحتياج و عدم باذل و الظاهر ان ما افاده تام اذ من الظاهر ان مجرد الاحتكار لا يكون حراما قطعا و يدل علي المدعي ما رواه الحلبي «3» و لاحظ ما رواه أيضا «4» و يستفاد من هذه الرواية اختصاص الحكرة المحرمة بالاشتراء و لكن هل يمكن الالتزام به.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) ج 18 ص 58

(3) لاحظ ص: 355

(4) لاحظ ص: 357

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 359

بالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت لا غير (1) و ان كان الاحوط استحبابا الحاق الملح بها (2) بل كل ما يحتاج اليه عامة المسلمين من الملابس و المساكن و المراكب و غيرها (3) و يجبر المحتكر علي البيع في الاحتكار المحرم من دون أن يعين له السعر (4).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه غياث «1» و لاحظ حديثي ابي البختري و السكوني «2».

(2) قال في الحدائق: «و أما الملح فنقله في النهاية و الشرائع قولا في المسألة و قد عرفت انه قول الشيخ في المبسوط قال في المسالك: هذا القول قوي». انتهي كلامه و لا اشكال في حسن الاحتياط و الخروج عن الخلاف.

(3) مقتضي بعض الروايات عموم الحكم لاحظ ما عن نهج البلاغة و التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضي مرجوحيته و لا اشكال في حسن الاحتياط اخوك دينك فاحتط لدينك.

(4) يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه حذيفة بن منصور عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: نفد الطعام علي عهد رسول اللّه صلي اللّه

عليه و آله و سلم فأتاه المسلمون فقالوا يا رسول اللّه قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء الا عند فلان فمره ببيعه قال: فحمد اللّه و اثني عليه ثم قال: يا فلان ان المسلمين ذكروا ان الطعام قد نفد الا شي ء (شيئا خ ل) عندك فاخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه «3».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بمحمد بن سنان مضافا الي الاشكال في دلالتها اذ يمكن ان يكون امره صلي اللّه عليه و آله من باب الامر بالمعروف كما انه يمكن ان يكون ناشيا من ولايته علي الناس.

______________________________

(1) لاحظ ص: 355

(2) لاحظ ص: 356

(3) الوسائل الباب 29 من أبواب آداب التجارة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 360

نعم اذا كان السعر الذي اختاره مجحفا بالعامة اجبر علي الاقل منه (1).

______________________________

و يمكن الاستدلال عليه بما رواه غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله مربا لمحتكرين فأمر بحكرتهم ان تخرج الي بطون الاسواق و حيث تنظر الابصار اليها فقيل لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: لو قومت عليهم فغضب «رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله» حتي عرف الغضب في وجهه فقال: انا اقوم عليهم؟ انما السعر الي اللّه يرفعه اذا شاء و يخفضه اذا شاء «1».

و الكلام فيه هو الكلام و لكن قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب في ان الامام يجبر المحتكرين علي البيع. و لا يخفي ان الاجبار علي البيع خلاف القاعدة الاولية و خلاف حرمة الاكل بالباطل فانه لا يتحقق التجارة عن تراض بالاجبار و خلاف قاعدة «الناس مسلطون علي اموالهم» «2» و هل يمكن

الالتزام بجواز الاجبار بمجرد عدم الخلاف الا ان يتم المدعي بالتسالم فلاحظ.

(1) قال في الحدائق: «قال في المسالك- بعد اختيار قول المشهور و هو انه لا يسعر عليه-: و هو اظهر الا مع الاجحاف فيؤمر بالنزول عنه الي حد ينفي الاجحاف و الا لا نتفت فائدة الاجبار اذ لا يجوز ان يطلب في ماله ما لا يقدر علي بذله او يضر بحال الناس و الغرض دفع الضرر». انتهي و المستفاد من حديث غياث «3» عدم جواز التسعير.

و ربما يتمسك بقاعدة الاضرار بتقريب: ان الاجحاف يوجب الضرر. و يرد عليه اولا: انه معارض بالضرر الوارد علي البائع فان سلب اختياره عن بيع ماله

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من ابواب آداب التجارة الحديث: 1

(2) بحار الأنوار ج 2 ص 272

(3) مر آنفا

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 361

[الفصل الأول شروط العقد]

اشارة

الفصل الاول شروط العقد البيع هو: نقل المال بعوض بما أن العوض مال لا لخصوصية فيه و الاشتراء هو اعطاء الثمن بازاء ما له غرض فيه بخصوصه في شخص المعاملة فمن يبيع السكر مثلا يريد حفظ مالية ماله في الثمن لكن المشتري انما يطلب السكر لحاجته فيه فاذا كان الغرض لكلا المتعاملين أمرا واحدا كمبادلة كتاب بكتاب مثلا لم يكن هذا بيعا بل هو معاملة مستقلة (1).

______________________________

حسب ما يريد ضرر عليه. و ثانيا ان دليل لا ضرر لا يثبت جواز التسعير فان مفاده النفي لا الاثبات. و لا يخفي ان التمسك بقاعدة لا ضرر مبني علي المشهور في مفاد القاعدة و اما علي مسلك شيخ الشريعة الذي سلكناه فلا مجال للاستدلال بها علي المدعي و ربما يقال: في دفع الاشكال بأن الامر بالتنزيل من دون تسعير و يرد عليه بأنه كما

لا يجوز التسعير لا يجوز التنزيل بلا فرق فلاحظ.

(1) يظهر من كلام الماتن امور: الاول: اعتبار المالية في المبيع حيث قال في تعريف البيع «نقل المال» و الحال انه لا يعتبر في المبيع المالية و لذا يصدق البيع علي بيع مقدار من التراب الذي لا مالية له و العرف ببابك.

الثاني: ان ما افاده يشمل نقل المنفعة و الحال انه يعتبر في صدق البيع ان يتعلق بالعين. و بعبارة اخري: لا يصدق البيع علي نقل المنفعة.

الثالث: انه عرف البيع بالنقل بعوض بما ان العوض مال لا لخصوصية فيه.

و الحال انه يمكن ان يقال: ان البيع عبارة عن تمليك عين بعوض بلا تقييد بهذا القيد نعم الغالب في البيع النظر الي تحصيل المال بلا خصوصية لكن لو فرض

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 362

[مسألة 1: يعتبر في البيع الإيجاب و القبول]

(مسألة 1): يعتبر في البيع الايجاب و القبول (1) و يقع بكل لفظ دال علي المقصود و ان لم يكن صريحا فيه (2) مثل بعت (3).

______________________________

ان زيدا يحتاج الي كتاب فلاني و بكر يحتاج الي الحنطة فباع و ملك مقدارا من الحنطة بذلك الكتاب يصدق عليه انه باع الحنطة بالكتاب و كيف يمكن الالتزام بكونه معاملة مستقلة و الحال انه يصدق عليه تعريف البيع نعم لو بادل ماله بمال آخر بحيث يكون متعلق الانشاء المبادلة بين شيئين لا يصدق عليه البيع و لا عنوان آخر من عناوين المعاملات بل يكون معاملة مستقلة و اما لو هلك عينا بعوض كذائي يصدق عليه البيع.

و صفوة القول: ان البيع عبارة عن تمليك العين بعوض و الاشتراء عبارة عن قبوله و تملك تلك العين المباعة بذلك العوض و عليه لا يفرق بين الموارد و لا تصل النوبة الي

البحث في ان ما وقع بيع او معاملة مستقلة اذ لو ملك احد المتعاملين ماله من الاخر بعوض و تملك الاخر كذلك يصدق عليه البيع بلا فرق بين كون كلا العوضين من الأعيان او من الاثمان او بالاختلاف فان الميزان في صدق البيع تحقق ما ذكر فلاحظ.

(1) بلا اشكال لان البيع من العقود و كل عقد يتوقف علي الايجاب و القبول و ليس البيع من الإيقاعات.

(2) و الوجه فيه: انه لا دليل علي اشتراط وقوعه بنحو خاص غاية ما في الباب لزوم كونه باللفظ فيكفي كل لفظ دال عليه. و بعبارة اخري: لا بد من تحقق عنوان البيع كي يترتب عليه الاحكام الشرعية فلا فرق في تحقق المقصود بين الالفاظ الدالة عليه. و ان شئت قلت: المعتبر صدق هذا العنوان عرفا و عند العقلاء و الزائد عليه لا دليل عليه و مدفوع بالاطلاق.

(3) بلا اشكال و لا كلام و عليه السيرة و لا ينافي كون لفظ البيع من الاضداد

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 363

و ملكت (1) و بادلت و نحوها في الايجاب (2) و مثل قبلت و رضيت و تملكت و اشتريت و نحوها في القبول (3) و لا يشترط فيه العربية (4).

______________________________

و حقيقة في الشراء أيضا فانه لا شبهة في أن المنصرف اليه منه الايجاب و ارادة القبول منه تحتاج الي القرينة الصارفة.

(1) فان التمليك و ان كان مشتركا بين البيع و الهبة و لكن التمليك بالعوض هو البيع كما هو ظاهر.

(2) قال السيد في حاشيته: «البيع ليس مبادلة بل تمليك عين بعوض» الي أن قال: «و لذا يشكل ايجابه بقوله بادلنا أو تبادلنا أو عاملنا أو تعاملنا». و الحق ما أفاده قدس سره

فان البيع ليس عبارة عن المبادلة. و ان شئت قلت: المبادلة قائم بالطرفين و البيع أمر قائم بشخص البائع نعم لو أراد من قوله بادلت التمليك بالعوض و كان هذا الاستعمال صحيحا و يصدق عليه البيع لا يكون مانع من صحته و لا يبعد أن يكون كذلك عرفا.

(3) بلا اشكال و لا كلام اذ لا وجه للمنع غاية ما في الباب في مورد الاشتراك يعين المراد بالقرينة فما أفاده تام.

(4) ذكرت في تقريب اشتراطها وجوه: الاول: التأسي بالنبي صلي اللّه عليه و آله فانه كان ينشئ العقود و الايقاعات بالعربي و فعله حجة كقوله و تقريره. و فيه:

انه لا دليل علي وجوب التأسي به علي الاطلاق نعم لو علم ان فعله بعنوان التشريع و المولوية يجب الاقتداء لكن لا دليل علي أن فعله بهذا العنوان في المقام و بعبارة اخري: لا دليل علي أن فعله ناش من اللزوم و الاشتراط بل يمكن أن يقال: ان العربية لو كانت شرطا و واجبا لبان و ظهر و كيف يمكن أن يبقي مثل هذا الحكم مجهولا مع كونه عام البلوي و مورد ابتلاء أكثر الناس في كل يوم و ليلة في كل مدينة و قرية.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 364

______________________________

الثاني: ان عدم صحة الانشاء بالعربي غير الماضي يستلزم عدم جوازه بغير العربي بالاولوية و فيه: اولا لا اولوية و لا ارتباط بين المقامين و ثانيا: ان عدم جواز الانشاء بغير الماضي اول الكلام و الاشكال و يدل علي جوازه بغير الماضي ما ورد في بعض النصوص حين يسأل الامام بقوله: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يريد ان يبيع بيعا فيقول: ابيعك بده دوازده فقال: لا بأس

الخ «1».

الثالث: ان مفهوم العقد لا يتحقق في الخارج الا بالانشاء بالالفاظ العربية.

و فساد هذا الوجه اوضح من ان يخفي اذ مرجع هذه الدعوي الي انكار العقود غير العربية بأقسامها في جميع العالم و هذه الدعوي في غاية الفساد. و علي الجملة الانشاء عبارة عن ابراز ما في النفس بمبرز بلا اشتراطه بشي ء فكل مبرز لما في النفس إنشاء اعم من أن يكون بالعربي او بغير العربي بل اعم من ان يكون ملحونا او غير ملحون و الميزان الكلي صدق عنوان ذلك العقد علي ما تحقق في الخارج و صفوة القول: ان المرجع اطلاق ادلة صحة العقود او عمومها فما دام لم يرد مقيد في مورد نأخذ بالاطلاق و نحكم بالصحة و هذا هو الميزان الكلي.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «لا بد من التفصيل بين كون الملحون غلطا كلفظ بغت بدل بعت و ما لم يكن غلطا فنلتزم بعدم الصحة في الاول و بالصحة في الثاني» «2».

و فيه: انه ما الفرق بين المقامين اذ يرد عليه اولا: ان الملحون كيف يجتمع مع عدم كونه غلطا و الحال انه لا واسطة بين الغلط و الصحيح. و ثانيا: ان الغلط بأي وجه لا يكون مصداقا للعقد و ان شئت قلت: الميزان في الصحة صدق عنوان

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب أحكام العقود الحديث: 3

(2) مصباح الفقاهة ج 3 ص: 38

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 365

كما لا يقدح فيه اللحن في المادة أو الهيئة (1) و يجوز إنشاء الايجاب بمثل اشتريت (2) و ابتعت (3) و تملكت (4) و إنشاء القبول بمثل شريت

______________________________

العقد علي ما تحقق في الخارج فلو انشأ البيع بلفظ النكاح و صدق عليه

البيع يشمله دليل الصحة الا ان يقال: بأنه لا يصدق العقد علي العقد الغلط و هل يمكن الالتزام به و علي ضوء ما ذكرنا نقول: لو لا قيام اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم علي اشتراط العربية في العقد يكون مقتضي القاعدة هو الجواز و لذا نلتزم بصحة العقد بغير العربية حتي في النكاح اذ الميزان صدق العنوان و لا شبهة في صدقه علي العقد الفارسي او التركي او غيرهما من اللغات نعم الاحتياط حسن في جميع الموارد.

(1) قد ظهر وجه ما افاده مما تقدم آنفا فلا نعيد.

(2) قال الراغب في المفردات و يجوز الشراء و الاشتراء في كل ما يحصل به شي ء و الظاهر ان استعمال اشتريت في القرآن في البيع كثير «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ «1» «اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» «2» فلا اشكال في الجواز.

(3) ربما يقال: بأن لفظ ابتعت لا يمكن ان ينشأ به البيع اذ فيه اشرب معني المطاوعة فلا بد من ان يستعمل في مقام القبول. و فيه: اولا ينقض بالايجاب بلفظ اتجر فان الاتجار يصدق علي فعل البائع و ثانيا: بالحل و هو ان المطاوعة صادقة اذ المراد منها مطاوعة الذات للمبدإ سواء كان المبدأ صادرا من الذات كالاتجار و الاكتساب و الاحتطاب أم كان صادرا من شخص آخر.

(4) البيع تمليك للمبيع و تملك للثمن فلا يكون البيع تمليكا ابتداء نعم لو

______________________________

(1) لقمان/ 6

(2) البقرة/ 90

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 366

و بعت و ملكت (1).

[مسألة 2: اذا قال: بعني فرسك بهذا الدينار]

(مسألة 2): اذا قال: بعني فرسك بهذا الدينار فقال المخاطب بعتك فرسي بهذا الدينار ففي صحته و ترتب الاثر عليه بلا أن ينضم اليه إنشاء القبول من الامر اشكال و كذلك الحكم

في الولي علي الطرفين أو الوكيل عنهما فانه لا يكتفي فيه بالايجاب بدون القبول (2).

[مسألة 3: يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الإيجاب و القبول]

(مسألة 3): يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الايجاب و القبول فلو قال البائع بعت فلم يبادر المشتري الي القبول حتي انصرف البائع عن البيع لم يتحقق العقد و لم يترتب عليه الاثر أما اذا لم ينصرف و كان ينتظر القبول حتي قبل صح (3).

______________________________

قلنا بجواز إنشاء البيع بكل مبرز لا مانع من إنشائه بهذا اللفظ أيضا و يكون المراد منه في مقام الانشاء التمليك في الرتبة الاولي و التملك في الرتبة الثانية فلاحظ.

(1) كما هو ظاهر و لا اشكال في جواز إنشاء القبول بكل واحد من الثلاثة اما بالاول و الاخير فظاهر و اما بالوسط فلان البيع من الفاظ الاضداد.

(2) وجه الاشكال ظاهر اذ العقد مركب من الايجاب و القبول و المفروض عدم تحقق القبول و انما الصادر عن المشتري مجرد الاستدعاء نعم لو قدم القبول علي الايجاب يكون موردا لكلام الاصحاب و انه جائز اولا.

(3) الماتن و ان صرح باشتراط الموالاة و لكن في الحقيقة انكر اشتراطها بل المقدار اللازم تحقق القبول قبل انصراف الموجب عن ايجابه و اشتراطه من الواضحات اذ لو لم يقبل حتي رجع الموجب عن ايجابه لا يتحقق العقد و لا مجال للصحة و علي الجملة ان الماتن ليس قائلا باشتراط الموالاة.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 367

______________________________

و الذي يمكن ان يقال في تقريب اشتراطها او قيل وجوه: الوجه الاول:

ما عن الشهيد قدس سره و هو ان كل امرين او امور يجمعها عنوان واحد كالصلاة و الاذان و امثالهما يعتبر في تحقق ذلك العنوان و صدقه علي الخارج عدم الفصل بين تلك الامور بحيث تنعدم

الصورة و من هذا القبيل العقد فانه لو فصل بين ايجابه و قبوله بحيث انتفت الموالاة لا يصدق عليهما عنوان العقد. و بعبارة اخري: الامر المتدرج الذي له صورة اتصالية في العرف اذا انفصلت بين اجزائه بحيث لا يصدق عليه ذلك العنوان لا يترتب عليه الاثر الشرعي المترقب منه و العقد من هذا القبيل فانه لا بد من عدم الفصل بين ايجابه و قبوله و الا لا يصدق عليه العقد.

و فيه اولا: ان العقد عبارة عن الالتزام النفساني فانه اذا ارتبط احد الالتزامين بالاخر و ابرز بمبرز يصدق عليه العقد فلا يرتبط بعالم اللفظ. و ثانيا نفرض ان العقد عبارة عن الايجاب و القبول لكن لا يلزم في صدق العنوان في كل مورد تحقق الموالاة بين اجزاء ذلك المركب و لذا نري انه يصدق قراءة القرآن و ختمه علي من قرأ منه في كل شهر مقدارا بحيث يختمه في طول سنة و يترتب عليه الاثر الشرعي و ليكن المقام من هذا القبيل. و ثالثا نفرض عدم صدق العقد عليه لكن يكفي صدق عنوان البيع و التجارة عليه.

الوجه الثاني: ما عن المحقق النائيني قدس سره و هو ان العقد المعاوضي خلع و لبس فيلزم اللبس عند الخلع و الا يلزم الاضافة بلا محل. و فيه: اولا: ان هذا الاشكال سار في الفصل القصير فان حكم الامثال واحد. و ثانيا: ان الخلع من قبل الموجب و ان كان متحققا لكن اللبس من قبله أيضا متحقق فان البائع يجعل ماله للمشتري و يجعل ملك المشتري لنفسه. و بعبارة اخري: يخلع الملك عن نفسه و يجعل ذلك الملك للمشتري فالخلع و اللبس من قبل البائع في زمان واحد كما

مباني

منهاج الصالحين، ج 7، ص: 368

كما أنه لا يعتبر وحدة المجلس (1) فلو راجعا بالتلفون فأوقع أحدهما الايجاب و قبل الاخر صح (2) أما المراجعة في المكاتبة ففيها اشكال و الاظهر الصحة ان لم ينصرف البائع و كان ينتظر القبول (3).

______________________________

انه كذلك من قبل المشتري كما ان الامر كذلك بالنسبة الي العقلاء و الشارع.

الوجه الثالث: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره و هو انه مع عدم الموالاة اما يطابق القبول مع الايجاب و اما لا يطابق اما علي الأول فيلزم تحقق الانتقال من حين الايجاب فيكون القبول مثل الاجازة في البيع الفضولي علي الكشف و اما علي الثاني فيلزم عدم التطابق بين الايجاب و القبول و الحال انه يشترط. و فيه: اولا ان هذا الاشكال جار في الفصل القصير فان حكم الامثال واحد. و ثانيا: لا يلزم التطابق بين الايجاب و القبول بهذا المعني فان البائع يجعل ملكه للمشتري في مقابل الثمن من زمان الايجاب و المشتري يقبل من زمان القبول و الاثر الشرعي و العقلائي مترتب علي العقد من زمان القبول.

فتحصل انه لا دليل علي اشتراط الموالاة و علي فرض دعوي الاجماع و فرض حصوله يرد باحتمال كونه مدركيا و صفوة القول: ان الميزان صدق العنوان في ترتب الاثر الشرعي و الذي يدل علي عدم اعتبارها ان السيرة جارية علي ارسال الهدية من البلاد النائية و ربما يكون الفصل الزمني بين ايجابها و قبولها شهر او شهور و هل يمكن الالتزام بعدم الصحة؟.

(1) لعدم الدليل عليه.

(2) لا يبعد ان المراجعة بالتليفون تعد مجلسا واحدا و لا يبعد ان نلتزم بتحقق خيار المجلس ما دام لا يقطع الارتباط بالتلفون.

(3) اما وجه الاشكال فلانه ربما يقال بعدم

صدق العقد و اما الجزم بالصحة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 369

[مسألة 4: الظاهر اعتبار التطابق بين الايجاب و القبول في الثمن و المثمن و سائر التوابع]

(مسألة 4): الظاهر اعتبار التطابق بين الايجاب و القبول في الثمن و المثمن و سائر التوابع (1) فلو قال: بعتك هذا الفرس بدرهم بشرط أن تخيط قميصي فقال المشتري اشتريت هذا الحمار بدرهم أو هذا الفرس بدينار أو بشرط أن اخيط عباءك أو بلا شرط شي ء أو بشرط أن تخيط ثوبي أو اشتريت نصفه بنصف دينار أو نحو ذلك من أنحاء الاختلاف لم يصح العقد (2) نعم لو قال: بعتك هذا الفرس بدينار فقال اشتريت كل نصف منه بنصف دينار صح و كذا في غيره

______________________________

فلعدم الدليل علي البطلان و الميزان صدق العنوان نعم اذا وصلت النوبة الي الشك في الصدق العرفي لا يمكن الحكم بالصحة بل لا بد من الحكم بالبطلان لاستصحاب عدم الصدق علي ما هو المقرر عندنا من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية فلاحظ.

(1) بلا اشكال فانه لو لم يكن التطابق بين الثمن و المثمن لا يكون العقد متحققا بل يكون الايجاب اجنبيا عن القبول بل لا يصح اطلاق القبول علي مثله اذ القبول اشرب فيه المطاوعة و هي منتفية علي الفرض و قس عليه سائر التوابع.

(2) كل ذلك لعدم التطابق و قلنا ان التطابق مقوم لتحقق العقد فانه لو قال بعتك هذا الكتاب بدرهم بشرط ان تخيط ثوبي مرجعه تعليق البيع علي التزام الطرف بخياطة الثوب فلو قال المشتري قبلت بلا شرط لا يتحقق التطابق فلا يصح العقد كما انه لو قال البائع بعتك هذا الكتاب بدرهم مع الخيار الي يومين فقال المشتري قبلت بلا خيار لا يتحقق العقد اذ البيع مع الخيار معلق علي التزام المشتري بالخيار فالقبول بلا التزام

بالخيار لا يكون قبولا لإيجاب البائع فلا يتحقق العقد.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 370

مما كان الاختلاف فيه بالاجمال و التفصيل (1).

[مسألة 5: إذا تعذر اللفظ لخرس و نحوه قامت الإشارة مقامه]

(مسألة 5): اذا تعذر اللفظ لخرس و نحوه قامت الاشارة مقامه (2) و ان تمكن من التوكيل (3) و كذا الكتابة مع العجز عن الاشارة (4) أما مع القدرة عليها ففي تقديم الاشارة أو الكتابة و جهان بل قولان (5) و الاظهر الجواز بكل منهما (6) بل يحتمل ذلك حتي مع التمكن من اللفظ (7).

______________________________

(1) و الوجه فيه ان التطابق حاصل علي الفرض و الفرق بالاجمال و التفصيل غير المضر كما في المتن.

(2) لصدق عنوان الموضوع علي اشارته المبرزة لما في نفسه و صدق انه باع مثلا علي اشارته المفهمة و لا دليل علي اعتبار ازيد من هذا المقدار.

(3) اذ لا مدخلية للفظ الا في الموارد التي يكون اللفظ بما هو مطلوب كالقراءة في الصلاة مثلا.

(4) لصدق العنوان عليها.

(5) ربما يقال: ان الاشارة تتقدم علي غيرها لكونها اصرح و ربما يقال: الكتابة تتقدم لكونها اضبط و لكن هذه الوجوه استحسانية و ليس علي اثبات المدعي دليل فالمرجع اطلاق ادلة العقود و الايقاعات.

(6) كما ظهر وجهه فان الميزان صدق العنوان الذي اخذ في موضوع الحكم الشرعي و المفروض صدقه.

(7) لكون المعاطاة صحيحة علي طبق القاعدة كما تعرض لها الماتن في الفرع الآتي و عليه يكفي الاشارة او الكتابة و لو مع امكان التلفظ نعم اذا قام الدليل علي لزوم اللفظ في مورد نلتزم به.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 371

[مسألة 6: الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة]

(مسألة 6): الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة بأن ينشئ البائع البيع باعطائه المبيع الي المشتري و ينشئ المشتري القبول باعطاء الثمن الي البائع (1).

______________________________

(1) ينبغي ان يقع البحث في مقامين: احدهما: ان البيع المعاطاتي يفيد الملك ثانيهما: ان البيع المعاطاتي لازم كالبيع اللفظي الا في مورد ثبوت الخيار

بسببه و دليله فنقول: أما المقام الاول فقد اختلفوا في حكم المعاطاة و الآراء فيها متعددة و حيث ان الحق عندنا انها تفيد الملك كالبيع اللفظي نتعرض لما يمكن الاستدلال به علي المدعي و اذا ثبت المدعي بالدليل يظهر بطلان بقية الاقوال و الآراء و لا ضرورة في تعرض الاقوال و الآراء و ما استدل به علي المدعي أو يمكن الاستدلال به عليه وجوه.

الوجه الاول: السيرة القطعية من العقلاء و من المتشرعة علي ترتيب أثر الملكية علي الحاصل بالمعاطاة و هذه السيرة متصلة بزمان المعصوم عليه السلام و لم يردع عنها و لا مجال لان يقال هذا السيرة كبقية السيرات الناشئة عن عدم المبالات بالدين فان هذه السيرة جارية بين جميع عقلاء العالم و المتدينين و لو كانت مردوعة من قبل الشارع لشاع و ذاع لكثرة الابتلاء بموردها في جميع الامصار و جميع البلدان و مورد ابتلاء أكثر الناس.

ان قلت: ان الاجماع قام علي عدم افادة المعاطاة الملكية. قلت: لم يقم و لم يحصل اجماع تعبدي عليه غاية ما في الباب نقل الاجماع عليه و قد حقق في محله انه لا اعتبار بالإجماع المنقول. و قال سيدنا الاستاد: «ان الشك في الرد يدفع بالاصل» «1». و يرد عليه: ان مجرد عدم الردع لا يترتب عليه الاثر و اثبات الامضاء بالاصل يتوقف علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 2 ص 93

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 372

______________________________

الوجه الثاني قوله تعالي: قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1». بتقريب: ان المستفاد من لفظ احل الاحلال في المحل و الاقرار في المقر فالبيع في حكم الشارع الاقدس واقع في

محله و مقره بخلاف الربا فانه حرام و في وعاء الشرع لا محل له و التحريم الشرعي يمنع عنه و يمكنك أن تقول: ان المستفاد من قوله: «احل اللّه البيع» كلا الامرين من الوضع و التكليف و لا يلزم استعمال اللفظ في الاكثر بل استعمل اللفظ في الجامع فلا حريم للبيع لا وضعا و لا تكليفا بخلاف الربا فانه محرم وضعا و تكليفا.

و ان أبيت عما ذكر فلا اشكال في ان المستفاد من الجملة الاولي الحلية الوضعية و من الثانية الحرمة الوضعية اذ من الظاهر ان الحلية التكليفية من دون الجواز الوضعي لا اثر لها و الشارع الاقدس في مقام بيان ما هو حلال بنظره في المعاملات الواقعة في الخارج مضافا الي ان الحلية التكليفية امر ظاهر واضح فالنتيجة ان الاية الشريفة تدل علي ان المعاطاة تفيد الملكية اذ لا اشكال في انها من مصاديق البيع خارجا فان البيع تمليك العين بالعوض فالمعاطاة بيع و البيع حلال فالمعاطاة كذلك. و ان شئت قلت: ان الاية الشريفة كما تدل علي المقصود في البيع اللفظي كذلك تدل علي المدعي في البيع المعاطاتي فلاحظ.

الوجه الثالث: قوله تعالي: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» «2». فان المستفاد من الاية حصر سبب أكل المال و تملكه في التجارة عن تراض بلا فرق بين ان يكون الاستثناء متصلا او منقطعا اما علي الاول فظاهر فان المستفاد منها عدم التمليك بجميع

______________________________

(1) البقرة/ 274

(2) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 373

______________________________

الاسباب لكونها باطلة الا التجارة عن تراض و اما علي الثاني فربما يقال: ان الاية تفيد حكم السبب الباطل و تفيد صحة التملك

بالتجارة عن تراض و لا تفيد الحصر لكن لنا ان نقول: ان الاية في مقام بيان السبب الباطل و السبب الصحيح و مقتضي كون المولي في مقام البيان حصر الصحيح في التجارة عن تراض.

و ان شئت قلت: انه لا اشكال في ان العرف يفهم من الاية حصر السبب الصحيح في التجارة عن تراض. و كيف كان لا اشكال في ان المستفاد من الاية صحة التجارة عن تراض و حيث ان المعاطاة مصداق لها تشملها الاية و بها يثبت المدعي.

و ربما يقال: ان المستفاد من حديث خالد بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء ترك و ان شاء اخذ؟ قلت: بلي قال: لا بأس به انما يحل الكلام و يحرم الكلام «1» انه يتقوم صحة البيع باللفظ و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها مضافا الي انه كيف يمكن رفع اليد عن السيرة بهذه الرواية.

و ربما يستدل بجملة من الروايات علي لزوم اللفظ في صحة البيع فمن تلك الروايات ما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: ان المصاحف لن تشتري فاذا اشتريت فقل: انما اشتري منك الورق و ما فيه من الاديم «ادم خ ل» و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا «2».

و منها: ما رواه سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن بيع المصاحف

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 31 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 374

______________________________

و

شرائها فقال: لا تشتر كتاب اللّه و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين و قل اشتري منك هذا بكذا و كذا «1». و منها جملة اخري من النصوص الواردة في بيان كيفية بيع المصحف و قد مر بعضها في المسألة 14 من المكاسب المحرمة.

و مما يدل علي لزوم اللفظ ما رواه حنان بن سدير قال: كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام فقال له جعفر بن حنان ما تقول في العينة في رجل يبايع رجلا فيقول:

ابايعك بده دوازده و بده يازده فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: هذا فاسد و لكن يقول:

اربح عليك في جميع الدراهم كذا و كذا و يساومه علي هذا فليس به بأس و قال:

اساومه و ليس عندي متاع قال: لا بأس «2».

و منه: ما رواه العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يبيع البيع فيقول: ابيعك بده دوازده او ده يازده فقال: لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة «3».

و منه: ما رواه سماعة «4» و منه: ما رواه بريد بن معاوية «5».

بتقريب: ان المستفاد من هذه النصوص لزوم اللفظ في إنشاء البيع و فيه:

ان غاية ما يستفاد منها ان إنشاء البيع في هذه الموارد باللفظ و لكن هل تدل هذه النصوص علي لزوم اللفظ في مقام الانشاء مضافا الي انه هل يمكن رفع اليد عن السيرة الجارية بمثل هذه النصوص فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 5

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار الحديث: 1

(5) الوسائل الباب 19 من ابواب عقد البيع و شروطه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 375

______________________________

و اما المقام

الثاني فما يمكن ان يستدل به علي لزوم المعاطاة أو استدل به وجوه:

الوجه الاول: استصحاب الملكية بعد الفسخ و الظاهران الاستصحاب المشار اليه شخصي اذا لشك في بقاء الملكية الحاصلة و ليس منشأ الشك في البقاء تردد الفرد الحادث بين الطويل و القصير كما في مورد تردد الحيوان الحادث بين البق و الفيل بل الشك من ناحية ان شخص الحادث هل هو باق بعد الفسخ أم لا؟.

و اركان الاستصحاب و ان كانت تامة لكن لا يجري لكونه معارضا باستصحاب عدم الجعل الزائد.

و بعبارة اخري: الاستصحاب في الحكم الكلي غير جار و لنا أن نقول: هذا الاشكال غير وارد في المقام اذ التعارض بين الاستصحابين فيما يكون الشك في سعة دائرة الجعل و المجعول كما في وجوب صلاة الجمعة فانا لو شككنا انها واجبة في زمان الغيبة كما هي واجبة في زمان الحضور او وجوبها مختص بزمان الحضور يقع التعارض بين الاصلين فان مقتضي استصحاب بقاء الوجوب وجوبها في زمان الغيبة و مقتضي استصحاب عدم جعل الوجوب أزيد من زمان الحضور عدم وجوبها في زمانها و بعد التعارض تصل النوبة الي البراءة عن الوجوب و أما في المقام فلا اشكال في تحقق الملكية المستمرة غاية الامر نحتمل ان الفسخ يرفعها كالطلاق بالنسبة الي الزوجية فان العلقة الزوجية تتحقق بالنكاح مستمرة غاية الامر الطلاق يرفع الزوجية فافهم و اغتنم.

الوجه الثاني قوله تعالي: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» «1» بتقريب: ان المستفاد من الاية الشريفة حصر سبب التملك الجائز في التجارة عن تراض و من الظاهر ان الفسخ

______________________________

(1) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 376

______________________________

من جانب واحد

لا يكون مصداقا للتجارة عن تراض فجواز التملك بالفسخ يحتاج الي الدليل. و بعبارة واضحة: ان تملك مال الغير بالفسخ و اعمال الخيار ليس مصداقا للتجارة فلا يكون جائزا بمقتضي الاية فالمعاطاة لازمة.

الوجه الثالث: قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» فان المستفاد من الاية ان الوفاء بالعقد و اتمامه واجب و حيث ان الفسخ بما هو ليس حراما تكليفا يستفاد من الاية انه لا اثر للفسخ اذ العقد بعد تحققه لا ينفسخ و من ناحية اخري ان المعاطاة مصداق للعقد فيجب اتمامها و يحرم فسخها فالنتيجة انها لازمة و لا سبيل للفسخ اليها و هذا هو المطلوب.

الوجه الرابع: ان المستفاد من جملة من النصوص وجوب الوفاء بالشرط لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له و لا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّه عز و جل «2».

و منها: ما رواه أيضا عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلمون عند شروطهم الاكل شرط خالف كتاب اللّه عز و جل فلا يجوز «3».

و منها: ما رواه ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشرط في الاماء لا تباع و لا توهب قال: يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث لان كل شرط خالف الكتاب باطل «4».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين اشتركا في مال

______________________________

(1) المائدة/ 1

(2) الوسائل الباب 6 من ابواب الخيار الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 377

______________________________

و ربحا فيه ربحا و كان المال دينا

عليهما فقال: أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و الربح لك و ما توي فعليك فقال: لا بأس به اذا اشترط عليه و ان كان شرطا يخالف كتاب اللّه عز و جل فهو رد الي كتاب اللّه عز و جل الحديث «1».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السلام ان علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما «2».

بتقريب ان الشرط عبارة عن الالتزام و حيث انه لا فرق بين أن يكون الالتزام مبرزا باللفظ و بين أن يكون مبرزا بالفعل يكون المعاطاة من مصاديق الكبري فيجب الوفاء بالالتزام الملكي و لا يجوز الفسخ.

و فيه: ان الشرط عبارة عن الارتباط بين أمرين و الالتزام الابتدائي ليس من مصاديق الشرط فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط.

الوجه الخامس: ما رواه سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده امانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرؤ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «3».

بتقريب ان مقتضي الاطلاق عدم جواز التصرف في مال الغير وضعا و تكليفا فلا يجوز التصرف في ماله لا التصرف الخارجي و لا الاعتباري و بعد هذا التقريب لا مجال لان يقال انه بعد الفسخ يشك في كون المال مالا للغير اذ يمكن انتقاله الي الفاسخ اذ مع فساد اعمال الفسخ لا مجال لاحتمال انتقال متعلقه الي الفاسخ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1

مباني

منهاج الصالحين، ج 7، ص: 378

و لا فرق في صحتها بين المال الخطير و الحقير (1) و قد تحصل باعطاء البائع

______________________________

و لكن يرد علي الاستدلال ان الظاهر من الجملة التصرف الخارجي لا الاعتباري و يؤيد المدعي انه لا يجوز تملك مال الغير الا بطيب نفسه بل التملك يحتاج الي تحقق احد أسبابه من الصلح أو الهبة و نحوهما.

الوجه السادس: دليل خيار المجلس لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله البيعان بالخيار حتي يفترقا الحديث «1» و غيره من الروايات الواردة في الباب 1 من ابواب الخيار من الوسائل.

فان المستفاد منه انه بعد الافتراق يتحقق اللزوم و حيث ان المعاطاة من مصاديق البيع تلزم بالافتراق. و لكن يمكن أن يرد في التقريب بأن المستفاد من هذه الروايات ان خيار المجلس يزول بالافتراق و لا تدل تلك الاخبار علي اللزوم علي الاطلاق فكما ان المستفاد من دليل خيار الحيوان بقائه الي ثلاثة أيام كذلك المستفاد من دليل خيار المجلس بقائه ببقاء المجلس و زواله بزواله و فيه انه صرح في بعض النصوص بأنه «فاذا افترقا وجب البيع» «2» فالنتيجة ان مقتضي جملة من الادلة لزوم المعاطاة. ان قلت: قام الاجماع علي عدم كونها لازمة قلت: المحصل منه الكاشف عن رأي المعصوم غير موجود و المنقول منه ليس حجة فلا معارض للوجوه الدالة علي المدعي.

(1) فان مقتضي اطلاق الادلة المستدل بها علي إفادة المعاطاة الملكية و صحتها و انها كالبيع اللفظي عدم الفرق بين الحقير و الخطير كما أن مقتضي ادلة اللزوم اطلاقا أو عموما كذلك فلا وجه للتفريق. ان قلت: السيرة جارية علي عدم

______________________________

(1)

الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 379

المبيع و أخذ المشتري بلا اعطاء منه كما لو كان الثمن كليا في الذمة أو باعطاء المشتري الثمن و أخذ البائع له بلا اعطاء منه كما لو كان المثمن كليا في الذمة (1).

______________________________

الاكتفاء بالمعاطاة في الاموال الخطيرة و انما يكتفي العقلاء بها في الاموال الحقيرة قلت: اولا لا نسلم السيرة المدعاة و هذا سوق التجار و الكسبة. و ثانيا: علي فرض تمامية السيرة لا تكون هذه السيرة مقيدة للإطلاقات أو مخمصة للعموم اذ لم يعلم وجهها.

(1) فيكون الاعطاء ايجابا و الاخذ قبولا و يتحقق العقد بهذا الاعطاء و الاخذ و قد ينعكس بأن يعطي المشتري الثمن و يأخذه البائع. ان قلت: يلزم تقديم القبول علي الايجاب قلت: يمكن الجواب عن هذا الاشكال بوجوه:

الاول: أنه لا دليل علي توقف العقد علي الايجاب و القبول بل يمكن تحققه من ايجابين مرتبطين و ان شئت قلت: ان البيع يتحقق و يتركب من الامرين: أحدهما تمليك البائع ماله بالثمن. ثانيهما: تملك المشتري مال البائع بازاء الثمن فانه يتركب الامران و يتحقق العقد فلا مانع من تقدم الاشتراء علي البيع. و صفوة القول: عدم توقف العقد علي القبول بمعني المطاوعة.

الثاني: سلمنا توقف العقد علي القبول و المطاوعة لكن مع ذلك نقول:

بأنه لا يلزم تأخره عن الايجاب اذ تارة تكون مطاوعة للإيجاب و في هذا الفرض لا يعقل تحقق المطاوعة قبله فان الانكسار لا يتحقق قبل الكسر و محال و اخري يكون المراد من المطاوعة مطاوعة اسم المصدر فانه بهذا المعني يمكن تحققها قبل الايجاب فان المشتري قبل ايجاب البائع يرضي بالمبادلة و يتملك العين

بالثمن و يأخذ فان المطاوعة الاخذ و القبول و المشتري أخذ و قبل فيصح العقد و يتحقق مع تقديم القبول.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 380

______________________________

الثالث: النصوص الخاصة الواردة في مواردها لاحظ ما رواه سماعة قال:

سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شرائها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: لا الا أن يشتري معها شيئا من غيرها رطبة أو بقلا فيقول: اشتري منك هذه الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بكذا و كذا فان لم تخرج الثمرة كان رأس المال المشتري في الرطبة و البقل الحديث «1».

و لاحظ الروايات الواردة في الباب 18 من أبواب المتعة من الوسائل منها:

ما رواه أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف اقول لها اذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و بسنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما و تسمي من الاجر «من الاجل يب» ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فاذا قالت: نعم فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولي الناس بها الحديث «2».

و منها: ما رواه ثعلبة قال: تقول: أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه نكاحا غير سفاح و علي أن لا ترثيني و لا أرثك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما و علي أن عليك العدة «3».

و منها: ما رواه هشام بن سالم قال: قلت: كيف يتزوج المتعة؟ قال يقول:

أتزوجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما فاذا مضت تلك الايام كان طلاقها في شرطها و لا عدة لها عليك «4». و لاحظ الروايات الواردة في الباب 2 من

أبواب المهور من مستدرك الوسائل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 18 من ابواب المتعة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 381

[مسألة 7: الظاهر أنه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر في البيع العقدي]

(مسألة 7): الظاهر انه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر في البيع العقدي من شرائط العقد و العوضين و المتعاقدين (1) كما ان الظاهر ثبوت الخيارات الآتية ان شاء اللّه تعالي علي نحو ثبوتها في البيع العقدي (2).

[مسألة 8: الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات بل الايقاعات]

(مسألة 8): الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات بل الايقاعات (3).

______________________________

بقي شي ء و هو: ان المعاطاة من باب المفاعلة التي تقوم بطرفين فلا تتحقق و لا تصدق علي الاعطاء من طرف و الاخذ من طرف آخر بل لا بد من الاعطاء من الطرفين و الاخذ كذلك. و الجواب عن هذه الشبهة ان لفظ المعاطاة بما لها من المعني لم يرد في آية أو رواية و المراد بها في كلام الاصحاب العقد الفعلي في قبال اللفظي و لذا لا يلزم تحقق هذا المفهوم بل اللازم تحقق عنوان العقد و البيع و التجارة و هذه العناوين تحصل بالاعطاء من جانب و الاخذ من جانب آخر.

(1) ما أفاده ظاهر فانا بنينا علي ان المعاطاة من مصاديق البيع و العقد فكل شرط او قيد ثبت اعتباره بالدليل اطلاقا او عموما في البيع يعتبر وجوده في المعاطاة كما يعتبر اعتباره في العقد اللفظي الا ان يقوم دليل دال علي خصوص شرط في خصوص عقد خاص.

(2) الامر كما افاده فان مقتضي الاطلاق و العموم عدم الفرق بين مصاديق البيع فقوله عليه السلام: «البيعان بالخيار» يثبت الخيار للمتبايعين ما دام بقاء المجلس بلا فرق بين العقد اللفظي و الفعلي.

(3) اذ قلنا انه لا فرق بين اللفظ و الفعل من حيث تحقق الابراز بكل منهما و الميزان الكلي في كل عقد و ايقاع ان يعتبر و يبرز اعتباره النفساني بمبرز

خارجي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 382

الا في موارد خاصة كالنكاح (1) و الطلاق (2) و العتق و التحليل (3) و النذر و اليمين (4) و الظاهر جريانها في الرهن و الوقف (5).

______________________________

بلا فرق بين المبرز القولي و الفعلي و عليه القاعدة الاولية تقتضي جريان المعاطاة في كل عقد و ايقاع الا في مورد يقوم دليل علي لزوم كون المبرز مطلق اللفظ او اللفظ الخاص.

(1) بدعوي قيام الاجماع علي اشتراط إنشائه باللفظ و لا يبعد ان يستفاد الاشتراط من النصوص الواردة في إنشاء النكاح المنقطع و المتعة و تحقيق الحال موكول الي محله.

(2) فان الدليل قد دل علي لزوم وقوعه باللفظ المخصوص.

(3) اما التحليل فلاشتراط اللفظ الخاص فيه كما في كلام بعضهم قال في الجواهر: «اما الصيغة فلا خلاف في اعتبارها فيه بل الاجماع بقسميه عليه» «1» الي آخر كلامه. و اما العتق فقال في الجواهر: «اما العتق فعبارته الصريحة التحرير بأن يقول: انت او هو او فلان او نحو ذلك حرّ فإنه لا خلاف نصا و فتوي في حصول التحرير به» «2» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

(4) لعدم موضوعهما بدون اللفظ اما اليمين فظاهر و اما النذر فلان المستفاد من دليله تحققه باللفظ فلاحظ.

(5) ربما يقال بعدم جريانها في الرهن و الوقف أما في الاول فلان المعاطاة جائزة و الجواز ينافي الاستيثاق و اما الوقف فحيث انه أمر قربي و الامر القربي لا رجوع فيه فلا يمكن تحققه بالمعاطاة التي تكون جائزة. و فيه: ان المعاطاة لازمة مضافا الي أن كون الوقف أمرا قربيا أول الكلام و الاشكال فالنتيجة ان المعاطاة

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 30 ص 298

(2) جواهر الكلام ج 34 ص 95

مباني

منهاج الصالحين، ج 7، ص: 383

[مسألة 9: في قبول البيع المعاطاتي للشرط سواء أ كان شرط خيار في مدة معينة أم شرط فعل أم غيرهما إشكال]

(مسألة 9): في قبول البيع المعاطاتي للشرط سواء أ كان شرط خيار في مدة معينة أم شرط فعل أم غيرهما اشكال و ان كان القبول لا يخلو من وجه فلو أعطي كل منهما ماله الي الاخر قاصدين البيع و قال احدهما في حال التعاطي: جعلت لي الخيار الي سنة مثلا و قيل الاخر صح شرط الخيار و كان البيع خياريا (1).

[مسألة 10: لا يجوز تعليق البيع علي أمر غير حاصل حين العقد]

(مسألة 10): لا يجوز تعليق البيع علي أمر غير حاصل حين العقد سواء أعلم حصوله بعد ذلك كما اذا قال: بعتك اذا هل الهلال أم جهل حصوله كما لو قال: بعتك اذا ولد لي ولد ذكر و لا علي أمر مجهول الحصول حال العقد كما اذا قال: بعتك ان كان اليوم يوم الجمعة مع جهله بذلك أما مع علمه بذلك فالوجه الجواز (2).

______________________________

تجري في جميع العقود و الايقاعات الا في موارد خاصة فلاحظ.

(1) لم يظهر لي وجه الاشكال الا من ناحية قصور المعاطاة عن إفادة الالتزام الشرطي و الالتزام بالخيار و من الظاهر انه لا وجه للإشكال من هذه الناحية فان المقاولة قبل العقد تكون قرينة علي العقد الواقع علي النحو الكذائي و الشرط الذي بني عليه كما أنه يمكن اقتران المعاطاة باللفظ الدال علي الشرط المقصود كما في عبارة الماتن فالحق قابليتها لقبول الشرط و شرط الخيار فلاحظ.

(2) ذكرت للمنع عن التعليق وجوه: الوجه الاول: الإجماع. و فيه: انه يمكن أن يكون الاجماع مستندا الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون حجة الوجه الثاني: ان التعليق في العقد غير معقول فلا يوجد عقد تعليقي في الخارج.

و فيه: ان المحال التعليق في الانشاء اذ لا يمكن الانشاء معلقا فان مرجعه الي التناقض

مباني منهاج الصالحين،

ج 7، ص: 384

______________________________

و أما التعليق في المنشأ فهو أمر ممكن و واقع فان الوصية إنشاء للملكية لما بعد الموت فالانشاء فعلي و المنشأ معلق علي الوفاة نظير الواجب المشروط فان في كل واجب مشروط يكون إنشاء الوجوب من قبل المولي فعليا لكن الوجوب معلق علي الشرط فلا استحالة في نفس التعليق فلا يصح أن يقال: ان التعليق لا يوجد في الخارج بل يوجد.

الوجه الثالث: ان وجوب الوفاء متعلق بالعقد الفعلي و بعبارة اخري: وجوب الوفاء لا ينفك عن العقد زمانا فلا بد من تحقق العقد التنجيزي و الا يلزم التخلف.

و يرد عليه اولا: ان وجوب الوفاء ليس حكما تكليفيا بل الامر بالوفاء ارشاد الي اللزوم و اللزوم غير منفك عن العقد مطلقا بلا فرق بين كونه منجزا و كونه معلقا فان العقد في المعلق متحقق بالفعل و لا يجوز نقضه و فسخه. و ثانيا سلمنا كونه وجوبا تكليفيا لكن نقول يكون وجوب الوفاء تابعا للعقد فان كان منجزا يترتب عليه بالفعل و ان كان معلقا يترتب عليه عند حصول المعلق عليه. و ثالثا: هذا الاشكال انما يلزم لو كان المعلق عليه امرا استقباليا و اما اذا كان أمرا حاليا كما لو قال بعتك ان قدم زيد من السفر فلا يتوجه اشكال التخلف. و رابعا: ان هذا الاشكال لا يتوجه بالنسبة الي العقود التي يتأخر عنها مقتضاها بحسب طبعها كالوصية و التدبير و أمثالهما.

الوجه الرابع: ان اسباب العقود و الايقاعات توقيفية فلا بد من الاقتصار فيه علي المقدار المعلوم كونه صحيحا و هو ما يكون خاليا عن التعليق. و فيه: ان الميزان باطلاق الدليل و عمومه فان دليل الصحة اذا كان مطلقا أو عاما يؤخذ باطلاقه

أو عمومه و يحكم بصحة العقد المعلق و ان لم يكن مطلقا أو عاما كما لو كان الدليل مهملا لا مجال للأخذ بالاطلاق لعدمه فرضا.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 385

[مسألة 11: إذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد]

(مسألة 11): اذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد فان علم برضا البائع بالتصرف فيه حتي مع فساد العقد جاز له التصرف فيه (1).

______________________________

الوجه الخامس: ان ادلة صحة العقود منصرفة الي المتعارف منها و المتعارف من العقود ما يكون منجزا. و فيه: اولا: انه لا وجه للانصراف. و ثانيا: ان عدم تعارف التعليق في العقود اول الكلام فالنتيجة: انه لا دليل علي بطلان التعليق في العقود فعلي هذا ما أفاده في المتن من الفساد في بعض صور التعليق مبني علي الاحتياط نعم لا يبعد ان يقال: بأن الفقيه يطمأن ببطلان التعليق في الجملة فلو باع زيد داره في شهر رجب معلقا علي هلال رمضان بأن يحصل الانتقال من ذلك الوقت يبطل اما علي تقدير عدم صدق البيع عليه- كما هو ليس ببعيد- فالبطلان واضح و اما علي تقدير الصدق فبطلانه من باب التعليق و صفوة القول: ان بطلان التعليق في الجملة مما لا اشكال فيه.

(1) اذ يجوز التصرف في مال الغير برضاه و طيب نفسه فما أفاده من الجواز علي طبق القاعدة و بعبارة اخري: المستفاد من قوله: «لا يحل دم امرؤ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «1»» و كذا الاجماع علي ان المالك اذا رضي بالتصرف في ماله بما أنه ماله جواز التصرف بهذا النحو و الا فلا يجوز و لذا اذا اعتقد احد ان الطعام الفلاني ملك لزيد و الحال انه في الواقع ملكه فأجاز في أكله لثالث و حلله

و ذلك الثالث يعلم بأنه ملك للمجيز و ليس ملكا لزيد لا يجوز له الاكل اذ المفروض ان المالك لم يأذن في التصرف بما أنه ماله بل اذن له بعنوان انه لزيد و علي هذا نقول لا يجوز للأخذ التصرف في المأخوذ بالعقد الفاسد الا مع الاذن الثانوي و أما الاذن المترتب علي العقد فلا اثر له لأنه ملكه من الاخر و يأذن ان يتصرف فيه بعنوان انه ملكه اي ملك الاخذ و ماله. و صفوة القول: انه لم يثبت

______________________________

(1) لاحظ ص: 377

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 386

و إلا وجب عليه رده الي البائع (1).

______________________________

من الشرع جواز التصرف في مال الغير اذا كان من هذا القبيل فلاحظ.

(1) ما يمكن أن يستدل به علي وجوب الرد وجوه: الوجه الاول: ما رواه سماعة «1» بتقريب: ان المستفاد من الحديث حرمة جميع الافعال المتعلقة به التي منها كونها في يده و امساكه فلا يجوز الامساك بل يجب الرد. و يمكن الايراد في الاستدلال بأن الحلية و الحرمة لا يتعلقان بالمال فلا بد من تقدير فعل فيكون الحرام ذلك الفعل كالتصرف فيحرم التصرف في مال الغير لكن مجرد الامساك ليس تصرفا في مال الغير كي يقال: انه حرام نعم امساك مال الغير و الامتناع عن الدفع حرام بلا اشكال و أما الامساك المجامع مع التخلية بين المال و مالكه فلا يكون حراما و ان شئت قلت: الامساك بما هو كالنظر اليه فهل يكون النظر الي مال الغير حراما. و صفوة القول: ان الامساك بما هو لا يكون مصداقا للتصرف.

الوجه الثاني: النبوي المعروف و هو قوله صلي اللّه عليه و آله «علي اليد ما أخذت حتي تؤدي» «2».

و تقريب المدعي

بالحديث بوجهين: احدهما: ان الحديث و ان لم يكن متعرضا للحكم التكليفي و لكن الحكم الوضعي المستفاد من الرواية ملازم للحكم التكليفي فيجب رد العين مع بقائها ورد مثلها أو قيمتها مع تلفها و الا فأي أثر يترتب علي الوضع بلا ترتب الحكم التكليفي عليه. و اورد عليه بأن الملازمة و ان كانت تامة و لكن التخلية تكفي و أما الرد فلا دليل عليه لا شرعا و لا عقلا.

ثانيهما: ان حديث علي اليد ان لم يكن مختصا ببيان الحكم التكليفي فلا أقلّ من

______________________________

(1) لاحظ ص: 377

(2) نقل عن سنن البيهقي ج 9 كتاب العارية ص 90 و كنز العمال ج 5 ص 257 و مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب الغصب الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 387

______________________________

كونه دالا علي كلا الحكمين من الوضع و التكليف فيدل علي وجوب الرد مع بقاء العين و دفع البدل مع التلف. و اورد فيه بأن ارادة الحكم التكليفي من حديث علي اليد يحتاج الي التقدير و ارادة الحكم الوضعي منه لا تحتاج الي التقدير و لا يعقل الجمع بين التقدير و عدمه مضافا الي أن الحديث ضعيف سندا.

الوجه الثالث: انه يستفاد من بعض النصوص وجوب رد مال الغير الي صاحبه لاحظ ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحل له امساكه؟ فقال: اذا عرف صاحبه رده عليه و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و ان جاءك طالب لا تتهمه رده عليه «1».

و ما رواه حفص بن غياث قال: سألت

ابا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟

فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعمل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فان اصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر و الغرم فان اختار الاجر فله الاجر و ان اختار الغرم غرم له و كان الاجر له «2». و غيرهما من النصوص الدالة علي المدعي.

الوجه الرابع: قوله تعالي: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «3» فان الاية الشريفة تدل علي وجوب رد اموال الغير الي ملاكها فلا اشكال في وجوب الرد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب اللقطة الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب اللقطة الحديث: 1

(3) النساء/ 58

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 388

و اذا تلف و لو من دون تفريط وجب عليه رد مثله ان كان مثليا و قيمته ان كان قيميا و كذا الحكم في الثمن اذا قبضه بالبيع الفاسد (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في مقامين: احدهما: في تحقق الضمان في صورة التلف و دليله ثانيهما في ان التالف اذا كان مثليا يتحقق ضمانه بالمثل و ان كان قيميا يتحقق ضمانه بالقيمة فنقول: أما المقام الاول فما يمكن أن يستدل به علي الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد أو استدل وجوه:

الوجه الاول: النبوي المعروف «علي اليد ما أخذت» و يرد علي الاستدلال بالرواية انها ضعيفة سندا و عمل المشهور بها علي تقدير تحققه لا أثر له لعدم انجبار الرواية الضعيفة بعملهم.

الوجه الثاني: الروايات الدالة علي أن الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري

اخذها صاحبها و أخذ المشتري ولده بالقيمة «1».

بتقريب: ان ضمان الولد بالقيمة مع كون الولد نماء لم يستوفه يستلزم ضمان الاصل بالاولوية. و يرد علي الاستدلال ان المفروض في مورد الروايات كون البائع غاصبا و لا اشكال في الضمان في هذا الفرض انما الكلام في وجه الضمان في المقام حيث ان البائع نفس المالك فلا وجه لقياس المقام علي ذلك الباب فلاحظ.

الوجه الثالث: ما رواه سماعة «2» فان مقتضي هذه الرواية عدم حلية مال احد لغيره الا بطيب نفسه. و فيه: ان الحرمة لا تتعلق بالاعيان فلا بد من تقدير فعل حتي يصح و حيث ان الاطلاق يقتضي عدم التقييد يكون المقدر مطلق فعل المكلف فيكون مفاد الرواية حرمة التصرف في مال الغير و لا يستفاد من حرمة التصرف الضمان

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 2 و 3 و 5

(2) لاحظ ص: 377

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 389

______________________________

الذي يكون من الاحكام الوضعية.

الوجه الرابع: ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و اكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه «1».

فان المستفاد من هذا الحديث و نحوه ان مال المؤمن كدمه فكما أن اراقة دمه يوجب الضمان كذلك اتلاف ماله و انه لا يذهب هدرا. و فيه: ان الكلام في التلف لا الاتلاف مضافا الي ان وحدة السياق تقتضي أن يكون المراد الحرمة التكليفية فكما أن سبابه و قتاله و أكل لحمه معصية كذلك التصرف في ماله بل لا يبعد أن يقال: ان الظاهر من لفظ الحرمة الحرمة التكليفية لا الحرمة بمعني الاحترام أي

كما ان دمه حرام أن يراق كذلك لا يجوز اتلاف ماله فلا ترتبط الرواية بباب الضمان.

الوجه الخامس: النصوص الدالة علي عدم ذهاب حق احد لاحظ ما رواه الحلبي و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته هل تجوز شهادة أهل ملة من غير أهل ملتهم قال: نعم اذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم انه لا يصلح ذهاب حق أحد «2».

و ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة أهل الملة قال:

فقال: لا تجوز الا علي أهل ملتهم فان لم تجد غيرهم جازت شهادتهم علي الوصية لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 158 من ابواب العشرة الحديث: 3

(2) الفروع من الكافي ج 7 ص 4 باب الاشهاد علي الوصية الحديث: 2

(3) نفس المصدر ص 398 حديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 390

______________________________

و ما رواه ضريس الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل الملل هل تجوز علي رجل من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا الا ان لا يوجد في تلك الحال غيرهم فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية لأنه لا يصلح ذهاب حق امرء مسلم و لا تبطل وصيته «1».

فانها تشمل المقام و يرد عليه اولا: ان الاستدلال بهذه الروايات علي المدعي يتوقف علي كون المراد بالحق المال و بعدم ذهابه الضمان و الحال ان النصوص ناظرة الي ان حق الوصية لا يذهب بعدم شاهد من اهل ملته و ثانيا: ان المستفاد منها انه لا يصلح ذهاب حق احد و من الظاهر ان الحكم لا يثبت موضوع نفسه.

و بعبارة اخري: ثبوت الحق و هو الضمان اول الكلام و

الاشكال. و ثالثا: ان الكلام في التلف و غاية ما يستفاد من الروايات المشار اليها تحقق الضمان بالاتلاف.

الوجه السادس: قاعدة لا ضرر «2» بتقريب: ان المستفاد من القاعدة نفي الضرر في الشريعة المقدسة و حيث ان عدم الضمان ضرر بالنسبة الي من تلف ماله عند الغير يحكم بضمان صاحب اليد. و فيه اولا: يتوقف علي ان تكون القاعدة نافية و حاكمة علي ادلة الأحكام كما هو المشهور و اما علي مسلك شيخ الشريعة فلا حيث ان مفادها علي ذلك المسلك النهي عن الاضرار فلا ترتبط بالمقام.

و ثانيا: مقتضي القاعدة نفي الحكم الضرري. و بعبارة اخري: يستفاد من القاعدة ان الشارع لم يجعل الحكم الضرري في الشريعة المقدسة و اما اذا كان الضرر ناشئا عن عدم جعل الشارع فلا تفي القاعدة بنفيه كما في المقام حيث

______________________________

(1) نفس المصدر ص 399 حديث: 7

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب احياء الموات.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 391

______________________________

ان الضرر ناش من عدم جعل الضمان. و ان شئت قلت: ان القاعدة تنفي و لا تثبت. و ثالثا الضمان بالبدل الواقعي ربما يكون ضررا بالنسبة الي المشتري اذ ربما يشتري شيئا بدرهم و الحال انه يسوي دينارا فالحكم بالضمان الواقعي ضرر علي المشتري فيتعارض الضرران. و بعبارة اخري: المشتري لم يقدم علي الضمان ازيد من هذا المقدار فالحكم بضمانه اكثر من المسمي ضرر عليه.

الوجه السابع: قاعدة الاقدام بتقريب: ان كل طرف من طرفي المعاملة اقدم علي الضمان. و بعبارة اخري: القابض يقدم و يدخل بكون المال مضمونا عليه بالمسمّي فاذا لم يسلم له المسمي يرجع الي المثل او القيمة. و قد اوردت في هذا التقريب ايرادات:

منها: انه ربما يحصل الاقدام و لا

ضمان كما لو تلف المبيع قبل القبض و الظاهر ان هذا الايراد غير وارد اذ المشتري اقدم في البيع الصحيح علي ضمان المبيع بالمسمي لكن بمقتضي دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» نلتزم بانفساخ العقد عند التلف فلا يبقي موضوع للضمان كما انه يمكن ان يقال:

- كما قيل- ان عدم الضمان بلحاظ الاشتراط الضمني و هو ضمان البائع لو تلف المبيع قبل القبض بل يمكن ان يقال: انه لا مقتضي للضمان قبل القبض بدعوي ان المرتكز في اذهان العقلاء ان الضمان مشروط بالقبض و الا فلا ضمان علي المشتري.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 391

و منها: انه ربما لا يكون الاقدام محققا و مع ذلك يتحقق الضمان كما لو شرط المشتري في ضمن العقد الفاسد ضمان المبيع علي البائع. و فيه: ان الاقدام بالضمان حاصل غاية الامر قد شرط في ضمن العقد شرطا فاسدا فلا يكون الضمان بلا اقدام بل تحقق الضمان بالاقدام.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 392

______________________________

و منها: انه لو باع بلا ثمن او آجر بلا اجرة لا يكون اقدام و مع ذلك يتحقق الضمان. و فيه: ان البيع بلا ثمن لا يكون بيعا بل يكون تمليكا مجانيا كما ان الاجارة بلا اجرة لا تكون اجارة بل تمليك للمنفعة مجانا فلا موجب للضمان.

و منها: انه اقدم علي الضمان الخاص لا ضمان المثل و القيمة. و عن المحقق الخراساني الجواب عن هذا الايراد بأنهما اقدما علي اصل الضمان في ضمن الضمان الخاص و الشارع الاقدس امضي الضمان و لم يمض الخصوصية و هذا

الجواب غير تام اذهما لم يقدما علي امرين بل أقدما علي امر خاص و المفروض انه لم يمض من قبل الشارع.

و هذا الايراد متين اذا عرفت ما تقدم نقول: الذي يختلج بالبال ان يقال:

منشأ الضمان بمقتضي السيرة و الارتكاز المتشرعي هو وضع اليد علي مال الغير بلا مجوز و حيث ان وضع اليد في المقام بغير مجوز شرعي فيوجب الضمان. ان قلت: علي هذا يلزم الضمان في المأخوذ بالعقد الفاسد حتي فيما لا يكون صحيحه موجبا للضمان كالهبة الفاسدة قلت: وجه عدم الضمان هناك القصور في المقتضي فان حديث علي اليد لكون سنده ضعيفا غير قابل للاستناد اليه و السيرة انما يقتصر عليها بمقدار احرازها و حيث لم تحرز هناك لا نلتزم بالضمان و اللّه العالم بالاحكام و عليه التكلان.

و اما المقام الثاني فما يمكن ان يستدل به علي المدعي او استدل أيضا وجوه:

الوجه الاول حديث علي اليد «1» و اورد في هذا الوجه بايرادين.

احدهما: الاشكال في سند الحديث بأنه لا اعتبار به و عمل المشهور به علي فرض تحققه لا يكون جابرا ثانيهما: ان مفاد الحديث لا ينطبق علي ما ذهب اليه المشهور

______________________________

(1) لاحظ ص: 386

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 393

______________________________

فان المشهور قائلون بضمان المثل في المثلي و في القيمي بالقيمة من اول الامر و المستفاد من الحديث ان العين بنفسها في العهدة غاية الامر مع تعذر ادائها تصل النوبة الي المثل و مع تعذره تصل النوبة الي القيمة.

و يمكن ان يقال: ان المستفاد من الحديث اثبات اصل الضمان و لا تعرض فيه للمثل او القيمة بأن نقول: يستفاد من الرواية ان العين المأخوذة مضمونة الي زمان ادائها الي اهلها و اما اذا تلفت

فبأي شي ء يتحقق الضمان فالحديث ساكت عن هذه الجهة و كيف كان بعد سقوط الحديث سندا لا وجه للبحث في مفاده.

الوجه الثاني قوله صلي اللّه عليه و آله: «ان حرمة ماله كحرمة دمه» لاحظ ما رواه ابو بصير «1». و فيه انه قد تقدم ان المستفاد من الحديث بقرينة وحدة السياق حرمة ماله تكليفا و عدم جواز التصرف فيه فلا تعرض فيه للجهة الوضعية و علي فرض كونه متعرضا للجهة الوضعية انما يكون متعرضا لأصل الضمان و اما دلالته علي ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة فلا.

الوجه الثالث: النصوص الدالة علي ان الامة اذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشتري اخذها صاحبها و اخذ المشتري ولده بالقيمة «2».

و فيه انه لا يستفاد من هذه النصوص ان الضمان في المثلي بالمثل بل لا تدل علي كون ضمان القيمي بالقيمة علي نحو الإطلاق نعم لا تخلو عن اشعار بالنسبة الي ضمان القيمي بالقيمة.

الوجه الرابع: الاجماع علي المدعي. و فيه: انه علي تقدير الاجماع يحتمل استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا

______________________________

(1) لاحظ ص: 389

(2) الوسائل الباب 88 من ابواب نكاح العبيد و الاماء

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 394

______________________________

عن رأي المعصوم.

الوجه الخامس: قوله تعالي: «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» «1» بتقريب: ان المستفاد من الاية ان المماثلة معتبرة فيما يعتدي به علي المعتدي فان كان مثليا لا بد من المثلية و ان كان قيميا فلا بد من القيمة.

و افاد سيدنا الاستاد بأن الاستدلال بالآية علي المدعي يتوقف علي امور ثلاثة:

الاول ان يكون لفظ «ما» في الاية الشريفة موصولة لا مصدرية. الثاني: ان يكون المراد من الموصول الشي ء المعتدي به

بأن يكون المعني «فاعتدوا عليه بمثل الشي ء الذي اعتدي به عليكم». الثالث: ان يكون المراد بالمثل الوارد في الاية المثل في المثلي و القيمة في القيمي و المقدمات الثلاث كلها مخدوشة.

اما الامر الاول فيمكن ان يكون لفظ (ما) مصدرا لا موصولا فيكون المراد ان الاعتداء الفعلي مثل فعله الاعتدائي اي اذا كان اعتدائه الضرب فاضربه و ان كان شتما فاشتمه فلا يرتبط بالمقام بالكلية.

و اما الامر الثاني فيرد فيه: انه لا دليل علي كون المراد بالموصول العين الخارجية بل يمكن ان يكون المراد به الفعل اي ان كان ضربا فاضربه و يمكن ان يكون المراد اعم من الفعل فتدل الاية علي جواز الضرب بالضرب و الشتم بالشتم و اتلاف المال باتلاف المال فلا يستفاد من الاية المدعي بل لا يستفاد من الاية جواز التملك لان المستفاد منها- علي ما فرض- جواز الاعتداء بالمثل فيجوز الاتلاف لا التملك.

و اما الامر الثالث فالمستفاد من الاية علي فرض التنزل وجوب المثل مطلقا او وجوب المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

فتحصل انه لو تمت المقدمات الثلاث لا تترتب عليها النتيجة اذ المستفاد من

______________________________

(1) البقرة/ 194

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 395

______________________________

قوله تعالي «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» جواز الاعتداء و لا يستفاد من هذه الجملة الحكم الوضعي و هو الضمان بل المستفاد منه الحكم التكليفي.

الوجه السادس: أن يقال: مقتضي السيرة و الارتكاز العقلائي انه لو وضع أحد يده علي مال الغير بلا اذن من مالكه تكون العين مضمونة و يجب علي الواضع ردها الي مالكها و ما دام لم يسلمها الي مالكها لا يخرج عن ضمانها فاذا تلفت العين تصل النوبة الي مثلها ان كان لها المثل من

حيث ان المثل أقرب الي التالف و ان لم يكن له المثل تصل النوبة الي القيمة و لذا لو تلفت و بعد التلف عادت بدعاء ولي من أولياء اللّه يجوز للضامن ردها بل يجب عليه و ليس للمضمون له الامتناع عن القبول كما أنه لو أمكنه رد مثلها يجوز ردها و ليس للطرف الامتناع. و مما يتفرع علي ما ذكرنا انه لو لا النص الخاص يكون الميزان في القيمي بقيمة يوم الاداء و السر في جميع ما ذكر ان العين بنفسها مضمونة غاية الامر في مقام الاداء تصل النوبة الي المثلي أو القيمي من باب الاقربية الي التالف.

و العجب مما أفاده سيدنا الاستاد في هذا المقام- علي ما في تقرير مقرر بحثه- حيث قال: «ان العقلاء متفقون علي ان الانسان اذا أخذ مال غيره و وضع يده عليه بغير سبب شرعي ضمنه بجميع خصوصياته الشخصية و المالية و النوعية و انه لا يخرج عن عهدته الابرد عينه علي مالكه و اذا تلفت العين وجب علي الضامن رد ما هو اقرب اليها لان تلفها لا يسقط الضمان عنه جزما و من الواضح ان الاقرب الي العين التالفة انما هو المثل في المثلي و القيمة في القيمي و علي هذا فلا يكتفي برد احدهما في موضع الاخر الا برضي المالك و هذا واضح لا شك فيه» «1» انتهي.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 3 ص 150

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 396

و لا فرق في جميع ذلك بين العلم بالحكم و الجهل به (1) و لو باع أحدهما ما قبضه كان البيع فضوليا تتوقف صحته علي اجازة المالك و سيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه تعالي (2).

[الفصل الثاني: شروط المتعاقدين]

اشارة

الفصل الثاني: شروط

المتعاقدين

[الأول: البلوغ]

(مسألة 1): يشترط في كل من المتعاقدين امور: الاول: البلوغ فلا يصح عقد الصبي في ماله (3).

______________________________

فان كون المثل اقرب الي التالف لا فرق فيه بين المثلي و القيمي و انما يكتفي في القيمي بالقيمة بلحاظ عدم امكان المثل لا ان الاقرب اليه القيمة هذا بحسب القاعدة الاولية و اما بحسب النص الخاص فقد استفيد من حديث أبي ولاد «1» ان الميزان في الضمان في القيمي بقيمة يوم الغصب و قد تعرضنا لمفاد الحديث في كتاب الاجارة و الماتن لم يتعرض لهذه الجهة في المقام.

(1) اذ لا فرق في الحكم الوضعي بين العالم و الجاهل و الميزان في الضمان وضع اليد علي مال الغير و المفروض تحققه.

(2) و نتعرض لما يصل اليه نظرنا القاصر ان شاء اللّه تعالي.

(3) ما يمكن ان يستدل به في المقام أو استدل امور الاول: الاجماع. و حاله في الاشكال ظاهر اذ لا يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم.

الثاني: قوله تعالي: «وَ ابْتَلُوا الْيَتٰاميٰ حَتّٰي إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الاجارة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 397

______________________________

رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1»، بتقريب: ان المستفاد من الاية انه يشترط في جواز دفع ماله اليه بلوغه و رشده فما دام لم يبلغ و لم يرشد لا يجوز امره و لا ينفذ فعله فلا تكون معاملاته صحيحة. و فيه: ان المستفاد من الاية الشريفة عدم جواز الدفع اليه قبل البلوغ و الرشد و هذا لا يدل علي بطلان معاملاته.

الثالث: النصوص منها: ما رواه حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: متي يجب علي الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة و يقام عليه و

يؤخذ بها؟

قال: اذا خرج عنه اليتم و أدرك قلت فلذلك حد يعرف به؟ فقال: اذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو انبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامة و اخذ بها و اخذت له قلت: فالجارية متي تجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و يؤخذ لها؟. قال: ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية اذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع اليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و اقيمت عليها الحدود التامة و اخذ لها و بها قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتي يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «2».

بتقريب: ان المستفاد من الرواية انه لا يجوز أمر الصبي قبل البلوغ. و فيه:

ان الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما أرسله الصدوق قال و قد روي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قول اللّه عز و جل «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» قال: ايناس الرشد حفظ المال «3» و المرسل لا اعتبار به.

______________________________

(1) النساء/ 6

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 2 من أحكام الحجر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 398

______________________________

و منها: ما أرسله الصدوق أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: اذا بلغت الجارية تسع سنين دفع اليها مالها و جاز أمرها في مالها و اقيمت الحدود التامة لها و عليها «1» و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا بلغ أشده ثلاث عشرة

سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب علي المحتلمين احتلم أو لم يحتلم و كتب عليه السيئات و كتبت له الحسنات و جاز له كل شي ء الا أن يكون ضعيفا أو سفيها «2». و هذه الرواية ضعيفة سندا بالوشاء.

و منها: ما رواه ابو الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله ابي و انا حاضر عن اليتيم متي يجوز امره؟ قال: حتي يبلغ اشده قال:

و ما اشده قال: احتلامه قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة او أقلّ او اكثر و لم يحتلم قال: اذا بلغ و كتب عليه الشي ء (و نبت عليه الشعر ظ) جاز عليه امره الا ان يكون سفيها او ضعيفا «3».

و هذه الرواية تامة سندا فان ابا الحسين كنية آدم بن المتوكل و هو موثق فلا اشكال في السند و يستفاد منها المدعي اذ المستفاد منها ان اليتيم لا يجوز امره الا بعد البلوغ و الرشد و في المراجعة الاخيرة تبين عدم تمامية السند. و يدل علي المدعي ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله ابي و انا حاضر عن قول اللّه عز و جل «حَتّٰي إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ» قال: الاحتلام قال: فقال:

يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها فقال: لا اذا أتت عليه ثلاث عشرة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا الحديث: 11

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 399

و ان كان مميزا اذا لم يكن باذن الولي بل و ان كان باذنه اذا كان الصبي مستقلا في التصرف

(1) و أما اذا كان المعاملة من الولي و كان الصبي و كيلا عنه في إنشاء الصيغة فالصحة لا تخلو من وجه وجيه (2).

______________________________

سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيئات و جاز أمره الا أن يكون سفيها أو ضعيفا فقال: و ما السفيه؟ فقال: الذي يشتري الدرهم بأضعافه قال: و ما الضعيف؟ قال:

الابله «1» و الرواية ضعيفة سندا و منها: ما رواه ابن مسلم الذي يأتي قريبا.

(1) فان مقتضي اطلاق دليل المنع عدم الفرق بين المميز و غيره و ان شئت قلت:

المستفاد من النص ان الميزان في الاعتبار هو البلوغ و مع عدمه لا يكون الصادر منه صحيحا فلاحظ.

(2) بتقريب: انه لا دليل علي المنع و لنا أن نقول: مقتضي اطلاق قوله عليه السلام في حديث ابن سنان: «جاز عليه أمره» ان غير البالغ لا يجوز أمره بلا فرق بين الموارد اذ لا دليل علي كون المراد من الامر استقلاله فلا يشمل مورد الوكالة في اجراء الصيغة. و بعبارة اخري: ان المستفاد من الحديث ان غير البالغ لا يكون مستقلا بالامر فلا يكون التصدي لإجراء الصيغة مصداقا للدليل. و يرد عليه: انه لا دليل علي التقييد و مقتضي الاطلاق عدم نفوذ امره لا مستقلا و لا غير مستقل.

و أفاد سيدنا الاستاد انه يدل علي المدعي استثناء السفيه اذ لا شبهة في صحة عقد السفيه اذا كان بعنوان الوكالة في اجراء الصيغة. و فيه: علي فرض تمامية المدعي نقول: لا بد من اقامة الدليل هناك من اجماع أو غيره. و صفوة القول:

ان مقتضي الصناعة عدم نفوذ ما يصدر عن غير البالغ بمقتضي هذه الرواية.

و يمكن الاستدلال علي المدعي أيضا بما رواه محمد بن مسلم عن

أبي عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 400

______________________________

عليه السلام قال: عمد الصبي و خطاه واحد «1». فان مقتضي هذه الرواية ان عمد الصبي بمنزلة الخطأ فكما انه لا يترتب الاثر علي العقد الصادر عن الخطأ كذلك لا يترتب علي عمده.

و قال سيدنا الاستاد: انه لا يمكن ان يراد الاطلاق من هذه الرواية بل لا بد من كونها ناظرة الي حكم الدية و ذلك لوجود المانع اولا و عدم المقتضي ثانيا أما وجود المانع فلكونه مخالفا لضرورة المذهب اذ لازم هذا القول ان الصبي اذا اخل عمدا في صلاته زيادة أو نقيصة بنحو لا يكون مضرا في حال الخطأ تكون صلاته صحيحة فلو تكلم مثلا في صلاته عمدا أو صلي مع البدن النجس و هكذا تكون صلاته صحيحة و أيضا لو افطر عمدا يكون صومه صحيحا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ بل يلزم الالتزام ببطلان صلاته مطلقا لان الصلاة الصادرة عن الشخص بغير الاختيار بصورة الخطأ باطلة فلزوم هذا المحذور يمنع عن الالتزام بالاطلاق.

و يرد عليه: ان الالتزام بالاطلاق يتوقف علي عدم قيام دليل علي التقييد و المفروض قيام الضرورة- بحسب دعواه- علي خلاف الاطلاق فيقيد الاطلاق بهذا المقدار و تقييد المطلق ليس عزيزا.

و أما عدم المقتضي فلان تنزيل العمد منزلة الخطأ يتوقف علي ان يكون لكل من العمد و الخطأ اثر بالنسبة الي الفاعل كي يصح التنزيل و الحال انه لا مصداق لهذه الكبري في المقام الا الجنايات حيث ان حكم جناية العمد تغاير حكم جناية الخطأ و بمقتضي النص تكون الجناية العمدية الصادرة عن الصبي كالجناية الخطائية و اما الانشاء الصادر عن الخطاء فلا

حكم له شرعا بل الحكم يترتب علي الانشاء

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 401

و كذا اذا كان تصرفه في غير ماله باذن المالك و ان لم يكن باذن الولي (1).

______________________________

الارادي.

و يرد عليه: ان هذا الاشتراط لا دليل عليه فان المستفاد من الرواية ان ما يصدر عن الصبي يحسب في وعاء الشرع بحكم الخطاء فان كان للخطاء حكم يترتب ذلك الحكم علي فعله العمدي و ان لم يكن محكوما بحكم تكون نتيجة التنزيل عدم ترتب اثر علي فعله العمدي فلاحظ.

(1) بتقريب: انه لا دليل علي المنع و الادلة الاولية تقتضي الصحة. و فيه:

انه يمكن الاستدلال علي المنع بوجهين: الاول: اطلاق حديث ابن سنان «1» فان مقتضي اطلاق هذه الرواية انه لا يجوز امره الا بعد البلوغ و اما قبل تحقق بلوغه فلا يجوز امره فلا تجوز وكالته و لا يجوز عقده و لا ايقاعه و تخصيص الرواية بالتصرف في ماله بلا وجه و قد مر ضعف الحديث سندا.

الثاني: اطلاق حديث ابن مسلم «2» فان مقتضي اطلاق هذه الرواية كما تقدم ان عمد الصبي خطأ فلا يترتب علي عمده اثر. بقي شي ء و هو انه ربما يقال:

بأن السيرة جارية علي ترتيب الاثر علي معاملات الصبي في المحقرات كالخبز و نحوه. و فيه: ان السيرة العقلائية و ان كانت جارية و غير قابلة للإنكار لكنها مردوعة بالنصوص المتقدمة و أما سيرة المتشرعة فعلي فرض تسلمها يمكن أن يكون الوجه فيها ان الصبي يكون كالواسطة بين البائع و المشتري لا أن يكون الصبي مستقلا في المعاملة كما انها يمكن أن تكون بلحاظ العلم بالرضا بالتصرف. و الانصاف ان الاعتماد علي السيرة في

غير محله اذ نري عدم مبالاة الناس في كثير من الامور.

اضف الي ذلك ان السيرة المدعاة يمكن ان المنشأ فيها فتاوي الاصحاب.

______________________________

(1) لاحظ ص: 398

(2) لاحظ ص: 400

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 402

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل فلا يصح عقد المجنون و ان كان قاصدا إنشاء البيع (1).

[الثالث: الاختيار]

اشارة

الثالث: الاختيار فلا يصح بيع المكره (2).

______________________________

و اما حديث عبيد بن زرارة قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة الصبي و المملوك فقال: علي قدرها يوم اشهد تجوز في الامر الدون و لا تجوز في الامر الكبير «1» فلا يمكن ان يكون مدركا للمقام اذ مورده الشهادة في المحقرات فلا وجه لقياس المقام علي ذلك الباب.

(1) قال في الجواهر في هذا المقام «لا اجد فيه خلافا بل الاجماع بقسميه عليه بل الضرورة من المذهب بل الدين لا لعدم القصد فانه قد يفرض في بعض افراد الجنون بل لعدم اعتبار قصده و كونه لفظه كلفظ النائم بل اصوات البهائم» «2» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

(2) ما يمكن ان يستدل به علي المدعي او استدل به وجوه: الأول: الاجماع.

و فيه: انه لا يمكن الاستناد الي الاجماع اذ يمكن ان يكون مستندا الي الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: النصوص الدالة علي حرمة التصرف في مال الغير منها ما رواه سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده امانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «3».

بتقريب: انه لو كان بيع المكره صحيحا لكان التصرف جائزا للمشتري.

______________________________

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث: 5

(2) جواهر الكلام ج 22 ص 265

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 403

______________________________

و فيه: ان البيع لو كان جائزا لا يبقي المال في ملك البائع بل

ينتقل الي ملك المشتري و اما التصرف الاعتباري و هو البيع فهو صادر عن نفس المالك لا عن المشتري. الا ان يقال: ان البيع و ان كان فعل البائع لكن تملك المبيع فعل المشتري. هذا اولا و ثانيا ان دليل عدم الحل يختص بالتصرفات الخارجية و لا يشمل التصرف الاعتباري.

الوجه الثالث: قوله تعالي: «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «1» فان المستفاد من الاية انه لا يصح تملك مال الغير الا بالتجارة عن تراض فاذا كانت التجارة عن اكراه لا تصح. و بعبارة اخري:

المستفاد من الاية حصر سبب الاكل في التجارة عن تراض فالتجارة الا كراهية فاسدة بحكم الكتاب.

الوجه الرابع: النصوص الدالة علي فساد طلاق المكره و عتقه لاحظ ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن طلاق المكره و عتقه فقال: ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه بعتق فقلت: اني رجل تاجر امر بالعشار و معي مال فقال:

غيبه ما استطعت وضعه مواضعه فقلت: فان حلفني بالطلاق و العتاق فقال: احلف له ثم اخذ تمرة فحفر بها من زبد كان قد امه فقال: ما ابالي حلفت لهم بالطلاق و العتاق او آكلها «2».

و ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: لو ان رجلا مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتي يتخوف علي نفسه ان يعتق او

______________________________

(1) النساء/ 29

(2) الوسائل الباب 37 ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 404

______________________________

يطلق ففعل لم يكن عليه شي ء «1».

و ما رواه اسماعيل الجعفي في حديث انه قال لأبي جعفر عليه السلام: امر بالعشار فيحلفني بالطلاق و العتاق قال: احلف

له «2». و ما رواه يحيي بن عبد اللّه بن الحسن عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يجوز طلاق في استكراه و لا تجوز يمين في قطيعة رحم الي ان قال: و انما الطلاق ما اريد به الطلاق من غير استكراه و لا اضرار الحديث «3».

بتقريب: عدم الفصل بين طلاقه و عتقه و بين بقية عقوده و ايقاعاته.

الوجه الخامس: النصوص الدالة علي رفع الاكراه في الشريعة المقدسة لاحظ ما رواه حريز عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي تسعة اشياء: السهو و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطروا عليه و الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفة «4».

بتقريب: ان مقتضي اطلاق الحديث عدم اختصاص المرفوع بالحكم التكليفي كما انه لا يختص الدليل بمتعلقات الاحكام بل يعم الموضوع فكما ان مقتضي الحديث انه لو اكره المكلف علي شرب الخمر يجوز له الشرب كذلك مقتضاه انه لو اكره علي الطلاق او البيع لا يترتب الفراق علي طلاقه و لا يترتب الانتقال علي بيعه فالنتيجة ان بيعه فاسد.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) الوسائل الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 405

و هو من يأمره غيره بالبيع المكروه له علي نحو يخاف من الاضرار به لو خالفه بحيث يكون وقوع البيع منه من باب ارتكاب أقل المكروهين (1).

______________________________

مضافا الي ان الامام عليه السلام في بعض الموارد حكم ببطلان بعض الامور الوضعية و استشهد

بقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لاحظ ما رواه الحلبي عن ابي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا ثم قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقو او ما أخطئوا «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ببركة تطبيقه عليه السلام الكبري الكلية علي المورد ان حديث الرفع لا يختص بالتكاليف فقط فلا تغفل.

(1) لا يخفي انه تارة يكون الشي ء مكروها من حيث الطبع كأكل المرو وضع اليد علي النار و امثالهما و اخري يكون الكراهة ناشيا عن الشرع او العقل فان الانسان لا يكره كثيرا من المحرمات بل يشتاق اليها و يميل و لكن يتركها و يكرهها بلحاظ الشرع فالمراد الجامع لا خصوص المكروه الطبعي و يترتب علي ذلك ان اختيار المكره عند الاكراه لا يلزم ان يكون من باب اختيار أقلّ المكروهين فانه ربما لا يكون المكره بالفتح كارها لما يختاره بل الاكراه متقوم بصدق ان الاقدام بلحاظ دفع الضرر عن ناحية المكره بالكسر فتحقق الاكراه يتوقف علي امور.

الاول: ان يكون الفعل بتوعيد الغير فان لم يكن توعيد بل ارتكاب العمل بلحاظ ترضية خاطر الغير بلا توعيد منه لا يكون اكراها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الايمان الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 406

و لو لم يكن البيع مكروها و قد أمره الظالم بالبيع فباع صح (1) و كذا لو أمره بشي ء غير البيع و كان ذلك الشي ء موقوفا علي البيع المكروه فباع فانه يصح كما اذا أمره بدفع مقدار من المال و لم يمكنه

الا ببيع

______________________________

الثاني: انه يشترط في تحققه التوعيد فان الغير اذا وعده علي ارتكاب ذلك العمل بأن قال له: اذا ارتكبت ذلك العمل جعلتك صاحب المنصب الفلاني لا يكون هذا اكراها.

الثالث: أن يكون الاكراه متوجها بنفس العمل و أما ان لم يكن كذلك مثلا لو أكره المكره علي مقدار من المال و المكره بالفتح باع داره لأداء هذا المقدار لا يكون مكرها في بيع الدار بل انما يصدق الاكراه علي بيع الدار فيما توجه الاكراه الي بيعها.

ثم انه هل يشترط في صدق الاكراه عدم كون الضرر المتوعد عليه حقا فلو أوعده بمطالبة دين عليه أو بقصاص ثابت عليه لا يصدق عليه الاكراه؟ أفاد سيدنا الاستاد بأنه مشروط به و استدل عليه بوجهين: احدهما: انصراف دليل حديث رفع الاكراه عن المورد المذكور. ثانيهما: ان شمول الحديث خلاف الامتنان.

و الظاهر عدم تمامية الوجه الثاني فان رفع الحكم تكليفا و وضعا عن مورد الاكراه منة بالنسبة الي المكره بالفتح و اما الوجه الاول فلا يبعد تمامية الانصراف اذ لو كان المكره بالفتح مستحقا للقصاص من زيد فاكره علي شرب الخمر بأن اوعده بالقصاص منه هل يمكن الالتزام بحلية الشرب و الحال ان القصاص حق؟.

الانصاف ان الالتزام بارتفاع حرمة الشرب مشكل فلاحظ.

(1) فان البيع في مفروض الكلام لم يصدر عن اكراه بل عن اختيار. و ان شئت قلت: ان البيع لم يصدر عن خوف و لم يقع لدفع الضرر.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 407

داره فباعها فانه يصح بيعها (1).

[مسألة 2: إذا أكره أحد الشخصين علي بيع داره]

(مسألة 2): اذا اكره احد الشخصين علي بيع داره كما لو قال الظالم فليبع زيد أو عمرو داره فباع احدهما داره بطل البيع الا اذا علم اقدام الاخر علي البيع (2).

[مسألة 3: لو أكره علي بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل]

(مسألة 3): لو اكره علي بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل (3) و لو باع الاخر بعد ذلك صح (4) و لو باعهما دفعة بطل فيهما جميعا (5).

______________________________

(1) قد مر بيان المدعي و تقريب دليله آنفا.

(2) فان الميزان في شمول حديث الرفع صدق الاكراه فان علم بأن الاخر يبيع لا يصدق الاكراه بالنسبة الي العالم يبيع الاخر فلو باع مع هذا الفرض يكون بيعه صحيحا و اما اذا لم يكن كذلك فباع لأجل الخوف عن الضرر المتوعد عليه يكون بيعه باطلا.

(3) لصدق انه مكره عليه فيبطل و ان شئت قلت: انه بعد الاكراه علي الجامع مضطر الي بيع احد الامرين اذا لكلي لا يتحقق في الخارج الا في ضمن الفرد و الشخص و الاضطرار الناشي عن الاكراه رافع للتكليف فلا اشكال. و بعبارة اخري: نقول: يصدق علي بيع الفرد الاول انه مكره عليه فيشمله دليل الرفع و علي فرض التنزل يشمله دليل رفع الاضطرار.

(4) لعدم كونه مكرها عليه.

(5) لأنه مكره في بيع احدهما و لا يكون مورد الاكراه عن غيره متميزا كي يقال: الفرد المكره عليه باطل و الاخر صحيح فاما يكون كلاهما صحيحا و اما يكون كلاهما باطلا و اما يكون احدهما صحيحا و الاخر باطلا لا سبيل الي الاول لحديث الرفع و لا سبيل الي الثالث لعدم مرجح في احد الطرفين فيبقي الثاني.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 408

[مسألة 4: لو أكرهه علي بيع دابته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة]

(مسألة 4): لو أكرهه علي بيع دابته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة و صح بيع الولد (1).

[مسألة 5: لا يعتبر في صدق الاكراه عدم امكان التفصي بالتورية]

(مسألة 5): لا يعتبر في صدق الاكراه عدم امكان التفصي بالتورية فلو اكرهه علي بيع داره فباعها مع قدرته علي التورية لم يصح البيع (2).

[مسألة 6: المراد من الضرر الذي يخافه علي تقدير عدم الإتيان بما أكره عليه ما يعم الضرر الواقع علي نفسه و ماله و شأنه]

(مسألة 6): المراد من الضرر الذي يخافه علي تقدير عدم الاتيان بما اكره عليه ما يعم الضرر الواقع علي نفسه و ماله و شأنه و علي بعض من يتعلق به ممن يهمه أمره فلو لم يكن كذلك فلا اكراه فلو باع حينئذ صح البيع (3).

______________________________

و يمكن تقريب الاستدلال بنحو آخر و هو ان بيع كليهما معا مصداق للإكراه فانه كما يكون بيع احدهما مصداقا للإكراه يكون بيعهما معا كذلك فيكون مشمولا لدليل الفساد.

(1) الوجه فيه ظاهر فان بيع دابته مورد الاكراه فيبطل و أما بيع ولدها فلا يكون موردا للإكراه فلا وجه لبطلان بيعه.

(2) الظاهر انه لا يمكن المساعدة عليه اذ مع امكان التورية و عدم قصد التمليك و البيع كيف يصدق عنوان الاكراه. و بعبارة اخري: كيف يصدق عنوان الاكراه مع طريق الفرار عن شر المكره و ما أفاده في المقام ينافي مع تقرير بحثه حسب ما كتبه المقرر.

(3) الميزان في صدق الاكراه التوعيد علي أمر يكون ضررا بالنسبة الي المكره بالفتح و يهمه و يكرهه بحيث يقدم علي مورد الاكراه من باب اختيار أقلّ المحذورين و أما ان لم يكن كذلك بأن لا يكون ضررا بالنسبة اليه أو يكون و لكن لا يهمه و لا يكرهه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 409

[الرابع: من شرائط المتعاقدين القدرة علي التصرف]

اشارة

البيع الفضولي الرابع: من شرائط المتعاقدين القدرة علي التصرف لكونه مالكا أو وكيلا عنه أو مأذونا منه أو وليا عليه (1).

______________________________

فلا يصدق الاكراه و علي هذا يمكن أن يكن التوعيد بالنسبة الي نفسه او احد متعلقيه و لا يصدق الاكراه كما لو لم يهمه و لا يكرهه و يمكن ان يكون التوعيد و الاضرار الي واحد بعيد عنه و مع ذلك يصدق

الاكراه كما لو كان المتوعد عليه يهمه بل لا يبعد ان يصدق الاكراه بالتوعيد علي امر غير ضرري بالنسبة الي فرد كما لو اوعده علي ترفيع مرتبة احد اقربائه و الحال ان المكره بالفتح يكرهه فيرجح البيع علي ترفيع درجة ذلك القريب اذ يصدق انه اكره عليه.

الا ان يقال: ان دليل رفع الاكراه منصرف عن صورة التوعيد علي الامر الجائز بالجواز بالمعني الاعم فلا يشمل التوعيد علي الواجب او المستحب او المكروه او المباح بل ينحصر في التوعيد علي الحرام فلاحظ.

(1) قال الشيخ الاعظم قدس سره: «و من شروط المتعاقدين ان يكونا مالكين او مأذونين من المالك» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه. و الظاهر من هذه الجملة ان المدعي من الواضحات التي لا مجال للبحث فيها و الاستدلال لها.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص منها: ما رواه سليمان بن ابن صالح عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 410

فلو لم يكن العاقد قادرا علي التصرف لم يصح البيع (1) بل توقفت

______________________________

و منها: ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: و نهي عن بيع ما ليس عندك و نهي عن بيع و سلف «1».

و منها: ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل قال: سألت ابا الحسن الاول عليه السلام عن رجل اشتري

من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال و لم يقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل (فليقل خ ل) له ليمنعها اشد المنع فانها باعته ما لم تملكه «2».

و منها: ما رواه الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام: ان بعض اصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما زرعوا في حدودها و تؤذيهم عمال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعة و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتجرح من شرائها لأنه يقال: ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان فان جاز شرائها من السلطان كان ذلك صونا (صوابا خ ل) و صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة يفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع اولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه فأجابه:

الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها او بأمره أو رضي منه «3».

فلا يجوز بيع غير المملوك بل لا بد في البائع اما كونه مالكا او وكيلا عنه او مأذونا منه او وليا عليه كما في المتن.

(1) اذ المفروض صدوره عن غير اهله فيكون باطلا.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 411

صحته علي اجازة القادر علي ذلك التصرف مالكا كان أو وكيلا عنه أو مأذونا منه أو وليا عليه فان أجاز صح و ان رد بطل و هذا هو المسمي بعقد الفضولي (1).

______________________________

(1)

وقع الكلام بين القوم في صحة العقد الفضولي بالاجازة و ما يمكن أن يستدل به أو استدل علي الصحة وجوه:

الوجه الاول قوله تعالي: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1» بتقريب: ان الخطاب متوجه الي الملاك فاذا صار العقد الفضولي ملحوقا بالاجازة من المالك يصير عقدا له و منتسبا اليه و بعد الانتساب يشمله عموم الدليل. و ان شئت قلت: الامور التكوينية كالأكل و الشرب و القيام و القعود لا تكون قابلة للانتساب الي غير فاعلها و أما الامور الاعتبارية كالبيع و الاجارة و نحوها قابلة للانتساب الي الغير اما بالوكالة السابقة و اما بالاجازة اللاحقة.

و يرد علي هذا الاستدلال اولا ان قوله تعالي: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لا يتكفل لبيان صحة العقد بل المستفاد منه هو لزومه بعد فرض صحته. توضيح المدعي: ان الاية الشريفة امر فيها بالوفاء بالعقد و الوفاء عبارة عن الاتمام فان الدرهم الوافي عبارة عن الدرهم التام فالايفاء اتمام للعقد و عدم فسخه و هدمه و من الظاهر ان فسخ العقد بأن يقول البائع مثلا: «فسخت البيع» ليس محرما فيكون الامر بالوفاء ارشادا الي اللزوم اي ان الفسخ لا يؤثر و العقد لا ينهدم بالفسخ فالاية متعرضة للزوم العقد.

اذا عرفت هذا نقول: لا اشكال في ان الاهمال غير معقول في معقول في الواقع و عليه العقد الذي حكم عليه باللزوم اما خصوص العقد الباطل و اما الجامع بين الباطل و الصحيح و اما خصوص العقد الصحيح اما الاحتمال الاول فغير معقول فانه كيف

______________________________

(1) المائدة/ 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 412

______________________________

يمكن ان يحكم الشارع بلزوم العقد الذي يكون باطلا كما ان الاحتمال الثاني كذلك اذ لا يمكن الحكم بلزوم العقد الباطل فينحصر الامر في الاحتمال الثالث فالنتيجة

ان الاية لا تتعرض للصحة بل متعرضة للزوم العقد.

و بعبارة واضحة ان الاية ناظرة الي مرحلة متأخرة عن الصحة و لا تعرض لها لنفس الصحة. ان قلت: نستفيد الصحة من اللزوم بالملازمة قلت: ما افيد يمكن اتمامه في القضية الخارجية بأن يشير المولي الي عقود خارجية و يحكم بلزومها فانه بمقتضي دليل الاقتضاء نحكم بصحتها و أما اذا كانت القضية حقيقية فلا مجال لهذا البيان اذا الحكم في القضية الحقيقية علي نحو قضية الشرطية و التالي يترتب علي المقدم بعد فرض وجوده و ان شئت قلت: الحكم غير متعرض لموضوع نفسه فالاية الشريفة في قوة قول القائل «اذا وجد عقد صحيح في الخارج اوف به».

هذا اولا و ثانيا: كيف يمكن تصحيح العقد الفاسد بالاجازة اللاحقة و الحال ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه مثلا العقد الغرري اذا صار غير غرري بقاء هل يمكن الحكم بصحته؟ كلا. و المقام كذلك فان المستفاد من الدليل بطلان بيع غير المالك. و بعبارة اخري: قد علم من الدليل بطلان العقد الصادر عن غير المالك و العقد الصادر عن غير المالك لا ينقلب عما هو عليه و مقتضي دليل بطلان العقد الغرري فساده و لو مع ارتفاع الغرر بقاء كذلك مقتضي دليل بطلان عقد غير المالك عدم صحته باجازة المالك.

و ببيان آخر: ان العقد الصادر عن غير المالك لا يزول عنه هذا العنوان حتي بعد الاجازة و بالاجازة لا يصدق عليه انه صادر عن المالك بل غايته صدق انه مرضي للمالك و مجاز من قبله و يمكن ان يقال: انه لا يصدق انه باع داره بل يصدق انه رضي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 413

______________________________

بالبيع الواقع سابقا فالبيع الذي وقع

فضوليا كان فاقدا لشرط الصحة و الانتساب بعد الاجازة لا يوجب صدق حدوث بيع آخر.

و صفوة القول: ان البيع الصادر الفاقد للشرط باق بحاله و هو محكوم بالبطلان و ما حكم عليه بالبطلان لا يحكم عليه بالصحة و الا يلزم صحة الفاقد لبقية الشرائط بعد تماميتها و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟. اضف الي ذلك ان صحة الانتساب بالاجازة محل الكلام و الاشكال فان البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابرازه بمبرز لفظي او فعلي و لا اشكال في ان الاعتبار النفساني امر تكويني كما ان الابراز باللفظ او الفعل امر تكويني أيضا و الامر الاعتباري متعلق بذلك الاعتبار النفساني و اما نفس الاعتبار فهو تكويني بلا اشكال و عليه كيف يكون قابلا للانتساب الي المجيز بالاجازة و اما صحة العقد بالوكالة او الاذن فبالسيرة و الادلة الاخر فلا مجال لقياس احد المقامين علي الاخر فلاحظ.

الوجه الثاني: قوله تعالي: «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1» بتقريب: ان الاجازة اللاحقة يوجب نسبة البيع السابق الي المجيز و بعد الانتساب يكون بيعا للمالك و مقتضي حلية البيع صحته بعد الانتساب.

و يرد علي الاستدلال ما اورد في سابقه طابق النعل بالنعل فلا نعيد.

الوجه الثالث، قوله تعالي: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «2» فان التجارة السابقة تصير تجارة عن تراض للمالك بالاجازة اللاحقة فيترتب عليها الاثر المرغوب فيه. و الاشكال هو الاشكال فلاحظ.

______________________________

(1) البقرة/ 275

(2) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 414

______________________________

الوجه الرابع: حديث عروة البارقي قال: قدم جلب فأعطاني النبي صلي اللّه عليه و آله دينارا فقال: اشتر بها شاة فاشتريت شاتين بدينار فلحقني رجل فبعت احدهما منه بدينار ثم اتيت النبي صلي اللّه عليه و آله بشاة و

دينار فرده علي و قال: بارك اللّه لك في صفقة يمينك الحديث «1».

بتقريب: ان المستفاد من الرواية انه لم يكن وكيلا عن النبي صلي اللّه عليه و آله الا في شراء شاة فكان شرائه اولا ثم بيعه ثانيا فضوليا و امضي النبي صلي اللّه عليه و آله ما صنعه بقوله: «بارك اللّه» الي آخره فيصح العقد الفضولي بالاجازة.

و فيه: ان الرواية ضعيفة سندا و لا جابر لها مضافا الي الاشكال في دلالتها من جهات منها احتمال انه كان مأذونا من النبي صلي اللّه عليه و آله و وكيلا مفوضا فلا يكون فضوليا.

الوجه الخامس: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال: ذاك الي سيده ان شاء أجازه و ان شاء فرق بينهما قلت:

أصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و ابراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: ان أصل النكاح فاسد و لا تحل اجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه السلام: انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجازه فهو له جائز «2».

بتقريب: ان المستفاد من عموم التعليل ان لحوق اجازة من بيده الامر يصحح العقد السابق. و يرد عليه اولا ان الاجازة المتأخرة من المالك اذا كانت مقتضية لاستناد العقد السابق اليه و يصير العقد السابق عقدا له بالفعل فلا نحتاج الي الاستدلال

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه

(2) الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 415

______________________________

بالرواية و اما اذا لا توجب الاستناد فلا مجال للاستدلال بها اذ المفروض في مورد الرواية استناد العقد الي من يكون العقد له فان العبد هو الزوج

و هو احد ركني العقد في النكاح و المفروض انتساب العقد اليه غاية الامر نقصان العقد بلحاظ عدم مقارنته لإذن المولي و في الفضولي العقد صادر من غير المالك فكيف يمكن الاستدلال بالرواية لصحته.

و بعبارة اخري: من عموم التعليل نتعدي الي كل مورد يكون العقد صادرا ممن له العقد و يكون مشروطا باذن الغير كنكاح بنت الاخ بدون اذن العمة و كنكاح بنت الاخت بلا اذن الخالة و أما في باب الفضولي فلا مجال للاستدلال بالرواية لخروجه عن موردها.

و ثانيا: يشكل التعدي بعموم التعليل الي غير مورد العبد اذ المستفاد من عموم التعليل كبري كلية و هي ان العبد اذا أوقع ايقاعا بلا اذن مولاه او عقد عقدا كذلك ثم لحقته الاجازة، يصح ذلك العقد و اما التعدي الي غير العبد فبأي وجه.

و ببيان واضح: لا بد في التعميم من التحفظ علي وحدة الموضوع مثلا لو قال المولي لا تأكل الرمان لأنه هامض يتعدي الي كل مأكول هامض و لكن لا يتعدي الي مشروب هامض فلا بد من أن يكون التعدي في مورده.

لكن الظاهر عدم تمامية الاشكال اذ كما يفهم من قول المولي لا تأكل الرمان لأنه هامض ان الرمان لا موضوعية له بل الميزان بأكل الهامض يفهم في المقام ان العبد لا خصوصية له بل المعيار في الصحة لحوق الاجازه ممن بيده الامر فيصح عقد بنت الاخ علي عمتها بلا اذنها السابق و باجازتها اللاحقة.

و بعبارة اخري: ان المستفاد من الرواية ان الميزان في امكان الصحة عدم عصيان اللّه ففي كل مورد يكون المنشأ للبطلان معصية اللّه لا يصح العقد و لو مع اجتماع الشرائط

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 416

______________________________

و ارتفاع الموانع كما لو

صار البيع الغرري غير غرري بعد تحقق العقد و أما المانع عن الصحة ان كانت معصية الخلق يمكن تصحيح العقد بالاجازة اللاحقة ممن يكون الامر بيده و علي هذا يمكن الالتزام بصحة الفضولي بالاجازة بهذه الرواية بأن نقول:

وجه فساد بيع الفضولي عدم الاذن من المالك و هذا عصيان خلقي فاذا أجاز جاز.

ان قلت: ان كان العقد ينتسب اليه بالاجازة فلا نحتاج الي الاستدلال بالرواية بل يكفي الادلة الاولية المقتضية للصحة و ان لم ينتسب اليه بالاجازة فلا يمكن الاستدلال بالرواية اذ مورد الرواية فرض انتساب العقد الي من يكون له كما مر من ان الركن في عقد النكاح الزوجان. قلت: مقتضي دليل اشتراط كون البائع مالكا للمبيع عدم تأثير الانتساب بالاجازة و ان شئت قلت: الاجازة المتأخرة تقتضي تعنون العقد الفضولي بكونه مرضيا للمالك. و ببيان آخر: المجيز يرضي بما وقع لا انه يبيع و صفوة القول: ان البيع الفضولي لا يخرج عن هذا العنوان و المفروض ان دليل المنع يقتضي بطلانه علي الاطلاق لكن ببركة الرواية نحكم بالصحة مع الاجازة اذ نقصانه خلقي لا خالقي و لا وجه لاختصاص التعليل بمورد يكون الانتساب الي من له العقد مفروغا عنه فان الميزان المستفاد من الحديث عدم كونه معصية له تعالي.

الوجه السادس: اخبار التحليل كرواية ابي بصير و زرارة و محمد بن مسلم كلهم عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الانفال الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 417

______________________________

و رواية علي

بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطه: من أعوزه شي ء من حقي فهو في حل «1» و غيرهما من الروايات الواردة في الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل.

بتقريب: ان المستفاد من هذه الاخبار ان ما يصل الي الشيعة من حقوق الائمة عليهم السلام من ايدي المخالفين بالبيع و نحوه من النواقل مورد اجازتهم و امضائهم عليهم السلام فيكون بيع الفضولي صحيحا باجازة المالك.

و فيه: ان هذه الاخبار علي قسمين: احدهما: ما يدل علي حلية الخمس للشيعة و عدم وجوبه عليهم لاحظ ما عن أمير المؤمنين عليه السلام «2» فان المستفاد من هذه الرواية ان امير المؤمنين روحي فداه من علي شيعته و جعلهم في حل بالنسبة الي حقهم. و بعبارة اخري: لا يجب الخمس علي الشيعة و لاحظ بقية روايات الباب 4 من ابواب الانفال من الوسائل الدالة علي هذا المعني و هذا القسم من تلك النصوص يعارضها ما يدل علي وجوب الخمس و الترجيح مع الدال علي الوجوب لكون عدم الوجوب مسلك العامة و أيضا تقدم تلك النصوص بالاحدثية كما ذكرنا في بحث الخمس و علي فرض التعارض تصل النوبة الي عموم الفوق و المرجع اطلاق قوله تعالي: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» الاية «3» مضافا الي عدم دلالة هذا القسم علي المدعي و لا تربط هذه الرواية بمسألة الفضولي.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) لاحظ ص: 416

(3) الانفال/ 43

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 418

______________________________

ثانيهما ما يدل علي حلية ما يصل الي الشيعة من المخالفين او من غير المخالفين لاحظ ما رواه يونس بن يعقوب قال: كنت

عند ابي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم «1».

فان هذا القسم من النصوص يدل علي حلية ما يصل من حقهم الي الشيعة من ذلك و لا يرتبط هذا القسم أيضا بمسألة الفضولي بل فرض ان حقهم وصل الي الشيعة و الامام روحي فداه رخص في التصرف فلا يرتبط بالمدعي.

الوجه السابع: النص الدال علي صحة نكاح الفضولي بالاجازة اللاحقة لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام انه سأله عن رجل زوجته امه و هو غائب قال: النكاح جائز ان شاء المتزوج قبل و ان شاء ترك فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه «2».

و لاحظ ما رواه ابو عبيدة قال: سألت ابا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوجهما و ليان لهما و هما غير مدركين قال: فقال: النكاح جائز ايهما ادرك كان له الخيار فان ماتا قبل ان يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر الا ان يكونا قد ادركا و رضيا قلت: فان ادرك احدهما قبل الاخر قال: يجوز ذلك عليه ان هو رضي قلت:

فان كان الرجل الذي ادرك قبل الجارية و رضي النكاح ثم مات قبل ان تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه حتي تدرك و تحلف باللّه ما دعاها الي اخذ الميراث الارضاها بالتزويج ثم يدفع اليها الميراث و نصف المهر قلت: فان ماتت

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الانفال الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب عقد

النكاح الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 419

______________________________

الجارية و لم تكن ادركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: لا لأن لها الخيار اذا ادركت قلت: فان كان ابوها هو الذي زوجها قبل ان تدرك قال: يجوز عليها تزويج الأب و يجوز علي الغلام و المهر علي الاب للجارية «1».

بتقريب: ان النكاح مع كونه اهم لان الولد منه اذا جاز الفضولي فيه و صح مع الاجازة اللاحقة فبطريق اولي يصح البيع الفضولي بالاجازة. و فيه: انه لا اشكال في ان النكاح اهم من البيع لكن الاولوية المدعاة ممنوعة اذ كونه اهم يقتضي ان لا يتضيق في اسبابه و تتسع دائرتها كي ينسد باب الزنا و الفجور فلا يمكن الحكم بالاولوية.

الوجه الثامن: ما رواه الحلبي قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ثوبا و لم يشترط علي صاحبه شيئا فكرهه ثم رده علي صاحبه فأبي ان يقيله (يقبله) الا بوضعية قال: لا يصلح له ان يأخذه بوضيعة فان جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد علي صاحبه الأول ما زاد «2».

بتقريب: ان المستفاد من الرواية ان الاقالة بالوضيعة باطلة فالبيع الواقع بعد الاقالة فضولي و صحيح. و يرد عليه انه لم يفرض في الرواية ان المشتري اجاز البيع كي يكون داخلا في الفضولي. مضافا انه لو كان داخلا في البيع الفضولي يكون تمام الثمن ملكا للمشتري فعلي البائع ان يدفعه اليه و يأخذ ما اعطاه عند الاقالة فلا يرتبط المقام بالفضولي و لذا نقول: حكم وارد في مورد خاص لا نعرف وجهه و يمكن ان يكون الوجه فيه ان المال باق في ملك المشتري لكن حيث ان المشتري اراد رد العين و رضي بالوضيعة يكون

راضيا ببيع ماله فيكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب ميراث الازواج الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام العقود الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 420

______________________________

البيع برضي المالك و لا يكون فضوليا و علي اي حال لا يمكن الاستدلال بالرواية علي المدعي.

الوجه التاسع: ما رواه عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن السمسار أ يشتري بالاجر فيدفع اليه الورق و يشترط عليه انك تأتي بما تشتري فما شئت اخذته و ما شئت تركته فيذهب فيشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول:

خذ ما رضيت ودع ما كرهت قال: لا بأس «1».

بتقريب: انه يحتمل ان يكون دفع الورق بعنوان التوكيل في الاشتراء غاية الامر يأمره بجعل الخيار كي يكون في سعة في القبول و الرد و يحتمل ان يكون من باب الفضولي فاذا اراد يجيز و اذا لم يرض يرد فيدل الحديث علي صحة بيع الفضولي بالاجازة و يحتمل ان يدفع المال الي السمسار بعنوان القرض كي يشتري المتاع لنفسه ثم انه يشتري منه ما يريد و يرد مالا يريد و حيث ان الامام عليه السلام لم يفصل و حكم بالصحة علي الاطلاق يستفاد منه صحة الفضولي بالاجازة.

و فيه: ان الظاهر من الحديث بقرينة المتعارف الخارجي هو التوكيل فيكون الحديث اجنبيا عن مسألة الفضولي.

الوجه العاشر: ما رواه ابن أشيم عن ابي جعفر عليه السلام عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع اليه رجل الف درهم فقال: اشتر بها نسمة و اعتقها عني و حج عني بالباقي ثم مات صاحب الالف فانطلق العبد فاشتري اباه فأعتقه عن الميت و دفع اليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه و بلغ ذلك موالي

ابيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الالف فقال موالي العبد (موالي عتق العبد خ ل) المعتق انما اشتريت اباك بمالنا و قال الورثة: انما اشتريت اباك بمالنا و قال موالي

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب أحكام العقود الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 421

______________________________

العبد: انما اشتريت اباك بمالنا فقال ابو جعفر عليه السلام: اما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد و اما المعتق فهو رد في الرق لموالي ابيه و اي الفريقين بعد اقاموا البينة علي انه اشتري اباه من اموالهم كان له رقا «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية ان الشراء ان كان بمال مالك العبد المعتق بالفتح فالشراء باطل بالقطع لأنه اشتري بمال مالكه و ان كان بمال مالك العبد المأذون فالبيع صحيح و لكنه خارج عن الفضولي و ان كان بمال الميت فالبيع يكون فضوليا اذ المفروض انه وقع بعد موته بدون اذن الورثة و المفروض انهم اجازوه بعد تحققه و الدليل عليه مطالبتهم العبد و الامام عليه السلام حكم بأنهم اذا اقاموا البينة علي انه اشتري العبد بمالهم يكون رقا لهم فيعلم منه ان البيع يصح بالاجازة.

و فيه: ان الرواية ضعيفة بابن اشيم فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

الوجه الحادي عشر: النصوص الواردة في اتجار غير الولي بمال اليتيم لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام في مال اليتيم قال: العامل به ضامن و لليتيم الربح اذا لم يكن للعامل مال و قال: ان عطب اداه «2».

و ما رواه ربعي ابن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه قال: في رجل عنده مال اليتيم فقال: ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس

ماله و ان هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن «3» و ما رواه زرارة و محمد بن مسلم «4».

فان هذه النصوص تدل علي صحة الاتجار بمال اليتيم فنقول: اذا كانت الصحة

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب بيع الحيوان

(2) الوسائل الباب 75 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 422

______________________________

مع اجازة الولي يدخل في بيع الفضولي فيكون دليلا علي المدعي و اذا كانت الصحة غير متوقفة علي اجازة الولي يكون المقام اولي بالصحة اذ الصحة بلا اجازة من بيده الامر تقتضي الصحة مع اجازة من بيده الامر.

و فيه: انه لم يفرض في هذه النصوص الاجازة من الولي فلا ترتبط بالمقام كما انه لو كان من باب صحة العقد الفضولي بلا اجازة او مع الاجازة لكان مقتضاه ان تكون الخسارة علي اليتيم كما ان له الربح و الحال ان المستفاد منها ليس كذلك فعليه يكون حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا مجال لاستفادة حكم المقام منه فلاحظ.

الوجه الثاني عشر: الاخبار الدالة علي انه لو دفع رجل مالا الي رجل ليشتري ضربا من المتاع مضاربة فاشتري غير الذي اذن له المالك تكون الخسارة علي العامل و يكون الربح بينهما «1».

بتقريب: ان المفروض في هذه النصوص ان العامل تصرف في المال بطريق غير مأذون من قبل المالك فلو قلنا بأن الصحة تتوقف علي اجازة المالك يدخل في بيع الفضولي و يصح بالاجازة اللاحقة فان قلنا بأن العرف يفهم عدم الفرق بين الموارد تكون هذه النصوص بحسب الفهم العرفي دليلا علي المدعي و ان قلنا بأنه لا دليل علي التعميم و لا بد من

الاقتصار علي موردها تكون النصوص المشار اليها مؤيدة للمدعي كما أنه لو قلنا بأن الصحة لا تتوقف علي الاجازة تصير النصوص مؤيدة اذ المفروض ان البيع وقع بلا اذن من المالك و مع ذلك حكم عليه شرعا بالصحة فيكون نظير المقام.

و فيه: انه لا وجه للقول بأن الصحة تتوقف علي الاجازة اذ لا دليل عليه فلا يكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب المضاربة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 423

______________________________

الحكم بالصحة من باب صحة البيع الفضولي. مضافا الي انه لو كان من ذلك الباب لما كان وجه لكون الربح بينهما بل الربح كله للمالك و حيث ان العامل خالف المالك و خان لا يكون لعمله احترام كي يتوهم انه يستحق الاجرة فالحكم بالصحة حكم تعبدي وارد في مورد خاص و لا يكون مؤيدا للمقام اذ لا ارتباط بين المقامين.

الوجه الثالث عشر: ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثم قدم سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال: خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال: خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيع الابن قال أبوه أرسل ابني فقال: لا ارسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك سيد الوليدة الاول أجاز بيع ابنه «1».

فان المستفاد من الرواية ان بيع الوليدة كان فضوليا لكن يصح باجازة المالك و بعبارة اخري: قوله عليه السلام: «حتي ينفذ لك ما باعك» دليل علي صحة البيع بالاجازة مضافا الي ذيل الحديث الدال علي اجازة المالك البيع لاستخلاص ولده و علي الجملة لا اشكال

في دلالة الحديث علي صحة بيع الفضولي.

و ربما يقال: لا مجال للاستدلال بهذا الحديث لأنه غير معمول به في مورده فكيف ببقية الموارد و ذلك لان اجازته كان بعد الرد و الاجازة بعد الرد لا اثر لها اجماعا و الدليل علي كون اجازته مسبوقة بالرد أخذه الوليدة و حكمه عليه السلام بالرد و منا شدة المشتري اذ لو لا الرد لم يكن وجه للتوسل و المناشدة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 424

______________________________

و فيه: اولا: لا دليل في الرواية علي الرد فان الرد أمر إنشائي و لا بد من إنشائه و مجرد أخذ الوليدة لا يتحقق به الرد فان أخذ الوليدة قبل الاجازة علي طبق القاعدة لأنها ملكه هذا اولا.

و ثانيا: لا دليل علي عدم تأثير الاجازة بعد الرد و الاجماع المدعي ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم و علي فرض تماميته القدر المتيقن منه هو الرد القولي فالانصاف ان هذه الرواية تدل علي المدعي و لا اشكال في دلالتها كما أنه لا اشكال في سندها و هذه الرواية تخصص دليل المنع فان المنع عن بيع ما لا يملك باطلاقه يقتضي فساد بيع الفضولي و لو مع الاجازة اللاحقة كما ان مقتضي فساد تملك مال الغير بغير تجارة عن تراض فساده و لو مع الاجازة اللاحقة لكن يقيد الاطلاقات كتابا و سنة بهذا الحديث الشريف فان نسبة هذه الرواية الي الاطلاقات نسبة الخاص الي العام و المقيد الي المطلق اذ موردها خصوص البيع مع لحوق الاجازة من المالك.

ثم انه لا بد من التعرض للوجوه التي يمكن الاستدلال بها علي بطلان الفضولي و لو مع الاجازة

فنقول: من تلك الوجوه ما رواه محمد بن القاسم «1» بتقريب:

ان الامام عليه السلام منع عن دفع المال الي البائع معللا بأنه باع مالا يملكه فالنتيجة ان البيع الفضولي باطل. و فيه: اولا: ان الرواية ضعيفة بالبرقي فلا تصل النوبة الي ملاحظة الدلالة. و ثانيا: ان البائع حيث ان المفروض عدم كونه مالكا لا وجه لدفع المال اليه فعدم دفع المال اليه أعم من فساد البيع و صحته.

و منها: ما رواه الحميري «2» بتقريب: ان المستفاد من الرواية ان البيع

______________________________

(1) لاحظ ص: 410

(2) لاحظ ص: 410

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 425

______________________________

يشترط فيه اما أن يكون مباشره هو المالك أو يكون بأمره أو برضي منه فلا يصح بيع الفضولي. و فيه: السند مخدوش بالارسال فلا تصل النوبة الي مرحلة الدلالة.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:

سأله رجل من اهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و اهل الأرض يقولون: هي ارضهم و اهل الأسنان يقولون: هي من ارضنا فقال: لا تشترها الا برضا اهلها «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث انه يشترط في صحة البيع ان يكون برضي مالكه فلا يصح بيع الفضولي لعدم كونه مقرونا برضا المالك. و فيه: ان حديث محمد بن قيس يقيد اطلاق هذه الرواية و لا مانع عن التقييد فان مقتضي حديث محمد بن قيس كفاية الاجازة اللاحقة بنص الامام عليه السلام حيث قال عليه السلام: «خذ ابنه حتي ينفذه». فلاحظ.

و منها الاجماع نسب الي الشيخ الطوسي ادعائه. و فيه: ان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه لا يكون حجة سيما مع القطع بفساده فانه نقل عن الشيخ قدس سره دعوي الاجماع علي

الصحة في كتاب النهاية الذي قيل: انه آخر كتبه.

و منها: ما دل من العقل و النقل علي حرمة التصرف في مال الغير بدون اذنه و حرمة التصرف تستلزم فساد المعاملة. و فيه: انه لا نسلم حرمة التصرف الاعتباري في مال الغير فان الحرام التصرف الخارجي و اما مجرد الانشاء و تمليك مال الغير فكونه حراما اول الكلام بل لا اشكال في عدم حرمته تكليفا مضافا الي ان حرمة المعاملة تكليفا لا تستلزم الفساد.

و منها: ان القدرة علي التسليم شرط في صحة البيع. و فيه: انه يكفي في الصحة قدرة المالك علي التسليم و لذا لا يشترط في صحة بيع الوكيل قدرته علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 426

و المشهور ان الاجازة بعد الرد لا أثر لها و لكنه لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد نفوذها (1).

______________________________

التسليم بل يكفي قدرة الموكل عليه.

و منها: ان الفضولي غير قاصد لمدلول اللفظ فيكون كالهاذل فلا اثر لإنشائه.

و فيه: انه ليس الامر كذلك بل الفضولي كالمالك يقصد التمليك و التملك غاية الامر يرتكب فعل المالك غصبا عصيانا او عن عذر.

(1) ذكرت في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه الاول: الاجماع علي عدم صحة الاجازة بعد الرد. و فيه: انه علي فرض تحققه محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الثاني: ان العقد ارتباط بين الطرفين فلا بد من بقاء الالتزام من كل الطرفين حين التزام الاخر كي يرتبط احدهما بالاخر و حيث ان المالك احد طرفي العقد فلا بد من بقاء التزامه الي حين الاجازة.

و فيه: ان طرف العقد الفضولي غير المالك و الكلام في رد المالك مضافا الي الاشكال في

اصل الدعوي فان القابل بعد ايجاب الموجب لورد الايجاب ثم قبل بحيث لا يضر بالموالاة المعتبرة علي تقدير القول بها يصح و لا يكون الرد السابق موجبا لبطلان قبوله.

الثالث: انه يوجد بعد العقد الفضولي شأنية المبادلة و قابلية النقل و الانتقال في المال و المالك يمكنه سلب هذه القابلية بمقتضي عموم تسلط الناس علي اموالهم و فيه: انه لا يوجد في المال بعد العقد الفضولي شي ء كي يسقط بالرد.

الرابع: ان الاجازة بعد الرد كالرد بعد الاجازة فكما انه لا اثر للثاني كذلك لا يكون اثر للأول. و فيه: ان القياس مع الفارق فان الرد بعد الاجازة تصرف

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 427

و أما الرد بعد الاجازة فلا أثر له جزما (1).

[مسألة 7: لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضولي]

(مسألة 7): لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضولي فان

______________________________

في مال الغير اذ بالاجازة ينتقل المال الي الطرف فلا وجه لكون الرد مؤثرا و اما الاجازة بعد الرد فهو تصرف في مال نفسه فعلي تقدير تمامية صحة الفضولي بالاجازة يتم الامر بها و ان كانت مسبوقة بالرد.

فانقدح انه لا دليل علي بطلان الاجازة بعد الرد نعم لو قلنا بأنه لا يمكن تصحيح الفضولي بالاجازة علي القاعدة بل يتوقف علي النص الخاص يشكل الامر فانا تمسكنا لصحة بيع الفضولي بالاجازة بحديث بيع الوليدة «1» فان قلنا: ان المستفاد منه ان اجازة مالك الوليدة كانت بعد الرد- كما هو ليس ببعيد- نلتزم بصحة الاجازة بعد الرد و اما ان لم نقل بذلك يشكل الحكم و الجزم به.

و يمكن اثبات المدعي بتقريبين: احدهما: ان مخاصمة المالك دالة علي رده لبيع الوليدة فان العرف يفهم منها الرد فاجازته كانت بعد رده. ثانيهما: انه عليه السلام لم يفصل

بين كون الاجازة قبل الرد و بعده بل قال عليه السلام: «خذ ابنه حتي ينفذ» و لم يفصل و مقتضي الاطلاق و عدم التفصيل عدم الفرق و عموم الحكم فلاحظ. مضافا الي امكان الاستدلال علي المدعي بحديث زرارة «2» فان المستفاد منه تأثير الاجازة و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين كونها قبل الرد و بعده.

(1) اذ بالاجازة يتحقق العقد و ينتقل كل من العوضين الي الاخر فلا اثر للرد بعدها لأنه تصرف في مال الغير. و ان شئت قلت: انه لا دليل علي كون الرد موجبا لانتقال مال احد الي الاخر كما انه لا دليل علي ان الرد موجب لانفساخ العقد.

______________________________

(1) لاحظ ص: 423

(2) لاحظ ص: 414

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 428

أجازه المالك صح و لا أثر للمنع السابق في البطلان (1).

______________________________

(1) يقع الكلام تارة في المقتضي للصحة مع النهي السابق و اخري في المانع مع وجود المقتضي فيقع الكلام في مقامين اما المقام الاول فيمكن تقريب المدعي بوجهين: احدهما: شمول العمومات و الاطلاقات للمورد فانه علي فرض تمامية الاطلاقات و امكان الاستناد اليها لصحة الفضولي بالاجازة يمكن التمسك بها و لو مع النهي السابق اذ المفروض تحقق الاستناد بالاجازة فالبيع بيع المالك بعد الاجازة و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين سبق النهي و عدمه لكن قد تقدم انه لا يمكن التمسك بالاطلاقات لإثبات المدعي.

ثانيهما: عموم التعليل الوارد في حديث زرارة «1» فان المفروض في مورد الرواية و ان كان عدم اذن السيد لا نهيه عن النكاح و لكن عموم العلة يقتضي عموم الحكم و لو مع النهي السابق. و بعبارة اخري: المستفاد من الرواية ان الميزان في الصحة عدم تحقق معصية اللّه و العلة

تعمم.

و أما حديث محمد بن قيس فلا يمكن الاستناد اليه للمدعي اذ المفروض فيه عدم الاذن حيث قال: «باعها بغير اذني» و لم يفرض النهي عن البيع و أما المقام الثاني فما يمكن أن يقال في وجه المنع ان الكراهة الباطنية تكفي في عدم تأثير الاجازة كما أن الاجازة بعد الرد لا تؤثر. و بعبارة اخري: النهي السابق ناش عن الكراهة و تلك الكراهة باقية بعد عقد الفضولي و هي تكفي للرد فلا أثر للإجازة بعده.

و فيه: انه قد مر انه لا دليل علي المدعي و ان الاجازة بعد الرد تؤثر مضافا الي أن كفاية الكراهة في تحقق الرد بها محل الاشكال فان الرد بنفسه أمر إنشائي فلا يتحقق بمجرد الكراهة.

______________________________

(1) لاحظ ص: 414

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 429

[مسألة 8: إذا علم من حال المالك انه يرضي بالبيع فباعه]

(مسألة 8): اذا علم من حال المالك انه يرضي بالبيع فباعه لم يصح و توقف علي الاجازة (1).

______________________________

(1) تارة يتكلم فيما هو مقتضي القاعدة الاولية و اخري في مقتضي النص الخاص أما الكلام في الناحية الاولي فيمكن أن يقال: ان المستفاد من الادلة انه لا يجوز التصرف في مال احد بالتصرف الاعتباري الا مع الولاية أو الوكالة أو الاذن و مجرد الرضا الباطني لا أثر له فلا بد من استناد العقد الي المالك و مجرد الرضا لا يوجب الاستناد.

و اما الكلام في الناحية الثانية فربما يستدل علي كفاية الرضا الباطني بما رواه ابن مسلم «1» بتقريب: ان المستفاد من الرواية جواز اشتراء مال الغير برضاه فيكفي الرضا الباطني في بيع مال الغير. و اورد في هذا الاستدلال بأن لسان الرواية النفي لا الاثبات اي المستفاد من الرواية انه لا يصح الاشتراء الا برضا المالك و لا

يستفاد منها كفاية الرضا. و بعبارة اخري: الذي يستفاد من الحديث لزوم رضا المالك فلا ينافي اشتراط امر آخر فعليه لو باع الفضولي مال الغير مع كونه راضيا بالبيع لا يصح الا بالاجازة.

و لقائل ان يقول: ان مقتضي جواز تملك مال الغير بالتجارة عن تراص صحة بيع مال الغير اذا كان راضيا فان مقتضي اطلاق الاية كفاية التجارة مقرونة برضا المالك فيكفي رضا المالك و لو كان البائع غيره ان قلت: يقع التعارض بين هذا الدليل و ما يدل علي فساد بيع مال الغير قلت: التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه فان مقتضي الاية صحة التجارة عن تراض و لو كان البائع غير المالك و مقتضي ذلك الدليل فساد بيع غير المالك و لو مع رضا المالك و ما به الافتراق من هذا الطرف بيع غير المالك مع عدم رضا المالك و ما به الافتراق من ذلك الطرف

______________________________

(1) لاحظ ص: 425

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 430

[مسألة 9: إذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنه مالك أو لبنائه علي ذلك]

(مسألة 9): اذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده انه مالك أو لبنائه علي ذلك كما في الغاصب فأجازه المالك صح و يرجع الثمن الي المالك (1).

[مسألة 10: لا يكفي في تحقق الإجازة الرضا الباطني]

(مسألة 10): لا يكفي في تحقق الاجازة الرضا الباطني بل

______________________________

بيع المالك عن تراض و ما به الاجتماع بيع غير المالك مع رضاه و الاية تقدم اذ ما خالف الكتاب مطروح.

لكن يشكل الالتزام بهذه المقالة فان المستفاد من الاية الشريفة- و لو من باب الانصراف- خصوص التجارة الصادرة عن المالك سيما مع ملاحظة قوله تعالي: «عَنْ تَرٰاضٍ» فان الظاهر ان الجار للنشو فيلزم ان تكون التجارة ناشئة عن الرضا لا مقارنة معه الا ان يقال: لا دليل علي هذه الدعوي بل يكفي في الصدق مجرد رضا المالك.

قال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالي: «عَنْ تَرٰاضٍ» اي يرضي كل واحد منكما بذلك و العمدة في الاشكال الانصراف فلاحظ.

(1) بتقريب: ان الفضولي انشأ مفهوم البيع و هو التمليك لا مجانا و قصد نفسه لغو فاذا اجازه المالك يصح البيع و يدخل الثمن في كيس المالك. و يرد عليه:

انه لو قصد الفضولي دخول المبيع في ملك المشتري و دخول الثمن في ملكه فاما نقول: بأنه مناف لحقيقة المعاوضة و انها متقومة بدخول كل من العوضين في ملك المالك الاخر و اما نقول بأنه لا ينافي فعلي الاول لا بد من دخول الثمن في ملك المالك و لا يمكن دخوله في ملك الفضولي- كما عليه العلامة قدس سره- فلا يكون هذا البيع قابلا للإجازة اذ لو أجاز ما أنشأه الفضولي لا يصح لما ذكر و لو أجاز علي أن يدخل الثمن في ملكه فلا يمكن لان المفروض ان إنشاء الفضولي لم

يكن كذلك و أما علي الثاني فلا وجه لرجوع الثمن الي المالك فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 431

لا بد من الدلالة عليه بالقول مثل رضيت و أجزت و نحوهما أو بالفعل مثل أخذ الثمن أو بيعه أو الاذن في بيعه أو اجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك (1).

______________________________

(1) اذا قلنا ان المقتضي لصحة الفضولي بالاجازة تحقق الانتساب و صيرورة العقد الفضولي عقدا للمالك بالاجازة فلا مجال للاكتفاء بالرضا الباطني اذ بالرضا لا يتحقق الانتساب كما ان الملاك لو كان عموم العلة الواردة في نكاح العبد بلا اذن المولي أو حديث محمد بن قيس الوارد في بيع الوليدة بلا اذن مولاها يلزم تحقق الاجازة بمبرز فان الوارد في احدهما عنوان الاجازة بقوله عليه السلام «فاذا أجازه جاز» و عنوان الاجازة لا يتحقق بمجرد الرضا و الوارد في الاخر عنوان الانفاذ بقوله عليه السلام «خذ ابنه حتي ينفذ» و الانفاذ كالإجازة لا يتحقق بالرضا الباطني فقط فعلي جميع التقادير يلزم الابراز غاية الامر لا يشترط فيه خصوص اللفظ بل يتحقق بكل مبرز.

و ربما يقال: انه يستفاد من جملة من النصوص كفاية الرضا الباطني منها:

ما ورد في سكوت البكر من ان سكوتها اذنها «1».

و فيه: ان سكوتها اقرار عرفي اذ لا يكون في الرد و الانكار ما يوجب الخجل فسكوتها اقرارها مضافا الي ان الشارع الاقدس جعل سكوتها اقرارها فلا وجه لسراية الحكم الي بقية الموارد و لذا لا مجال للاستدلال بهذه النصوص علي كفاية سكوت المالك و عدم رده في جواز بيع داره بعد السؤال عنه. و بعبارة اخري:

حكم خاص وارد في مورد مخصوص.

و منها: ما ورد في ان السكري اذا زوجت نفسها في حال السكر

و بعد الافاقة

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 432

______________________________

اذا اقامت معه يكون النكاح صحيحا «1».

و فيه اولا: يمكن ان يقال بأن الاقامة بعد الافاقة نحو من المبرز و يكفي في المبرز كل امر يكون كاشفا في نظر العرف. و ثانيا: انه حكم خاص وارد في ذلك المورد كما قلنا ان الامر كذلك في سكوت البكر. و ثالثا: ان العقد في مورد السكري منسوب الي من يكون ركنا و لا يكون داخلا في الفضولي فلا يرتبط احد المقامين بالاخر.

و منها: ما ورد في ان سكوت المولي كاف في اجازة نكاح العبيد «2».

و فيه: اولا: ان السكوت بنفسه يكون مصداقا للإذن احيانا و ثانيا: انه حكم خاص في مورده كما مر و ثالثا: انه خارج عن مورد الفضولي فان العبد ركن في نكاحه غاية الامر يشترط في صحته اذن مولاه.

و منها: ما ورد في سقوط الخيار ببعض الافعال و انها رضي من ذي الخيار لاحظ ما رواه علي بن رئاب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط أم لم يشترط فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة الايام فذلك رضا منه فلا شرط الحديث «3» و غيره مما ورد في الباب 4 من ابواب الخيار من الوسائل.

و فيه: ان المستفاد من النص ان الفعل الكذائي رضا منه اي يكون كاشفا عن الرضا اذ من الواضح ان الفعل لا يكون مصداقا للرضا بل مباين معه مضافا الي ان قياس الاجازة باسقاط الخيار لا وجه له و لا ربط بين الموردين فالنتيجة انه يلزم

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب عقد النكاح و

اولياء العقد

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الاماء

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 433

[مسألة 11: الظاهر أن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفا حكميا]

(مسألة 11): الظاهر ان الاجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفا حكميا (1).

______________________________

في تحقق الاجازة من مبرز.

(1) قد وقع الكلام بين الاعلام في أن الاجازة المتأخرة كاشفة كشفا حقيقيا عن صحة العقد السابق أو يكون كاشفا كشفا حكميا أو انقلابيا أو تكون ناقلة؟

ربما يقال: بأن الاجازة المتأخرة امارة صحة العقد السابق فلا تكون مؤثرة في شي ء و هذا أمر ممكن ثبوتا، لكن لا دليل عليه فان المستفاد من الادلة عموما و خصوصا ان الاجازة المتأخرة مؤثرة في صحة العقد.

و ربما يقال: ان الاجازة و ان كانت مؤثرة لكن فرق بين الشروط العقلية و الشرعية فان الشرط الشرعي يجوز أن يكون مقدما أو مؤخرا و مع ذلك يكون مؤثرا بخلاف الشروط العقلية حيث يلزم التقارن بينها و بين المشروط و في مقام اثبات المدعي مثل بغسل المستحاضة فان غسلها بعد العشاء يؤثر في صحة صوم اليوم الماضي.

و فيه: انه لا فرق بين الشرط الشرعي و العقلي من هذه الجهة. و بعبارة اخري:

لا يعقل أن يؤثر المعدوم في الموجود نعم يمكن تصور الشرطية بنحو المقارنة بأن يكون الشرط تعقب العقد بالاجازة فان عنوان التعقب أمر فعلي و مقارن مع العقد لكن يحتاج اثباته الي دليل مفقود في المقام.

و ربما يقال- في مقام تقريب الكشف-: ان السبب التام للملك هو العقد لعموم قوله تعالي: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1» و بالاجازة ينكشف تمامية العقد.

و فيه ان العقد لو كان تمام السبب فلا احتياج الي الاجازة مضافا الي أن العقد ما دام

______________________________

(1) المائدة/ 2

مباني منهاج

الصالحين، ج 7، ص: 434

______________________________

لا يكون منتسبا الي المالك لا أثر له.

اذا عرفت ما تقدم نقول: ان الاجازة من الامور التعليقية و لذا يجوز تعلقها بالامر المتقدم كما يجوز تعلقها بالامر المقارن و بالامر المتأخر و المفروض ان الاجازة تتعلق بما يكون صادرا عن الفضولي و الاصيل و الملكية الحاصلة بفعلهما هي الملكية المطلقة اي من زمان العقد اذ الإهمال غير معقول في الواقع فيلزم اما التقييد و اما الاطلاق.

و في المقام اشكال عن الشيخ الاعظم قدس سره و هو: ان مضمون البيع ليس الا إنشاء طبيعي المبادلة بين المالين لا المبادلة المقيدة بزمان خاص و الا لزم القول بثبوت الملكية من زمان الايجاب فيما يكون القبول متأخرا لان القبول رضا بالايجاب السابق نعم بما ان الانشاء أمر زماني لا بد من وقوعه في الزمان فلا تقيد بالزمان.

و مما تقدم علم ما في هذه الدعوي اذ بعد محالية الاهمال يلزم احد الامرين من التقييد أو الاطلاق فلا اشكال في تحقق الملكية من زمان العقد و الاجازة تتعلق بما تحقق و النتيجة الكشف الانقلابي و ليس المراد بالكشف الانقلابي ان العقد ينقلب عن عدم الجواز الي الجواز كي يقال: انه أمر غير معقول اذ الشي ء لا ينقلب عما هو عليه بل المراد من الانقلاب اعتبار الملكية في الفاصل بين العقد و الاجازة للمالك و اعتبارها بعدها في ذلك الفصل للمشتري.

و أما النقض بالقبول فقد أجاب عنه سيدنا الاستاد بأن الايجاب معلق علي القبول دائما فلا أثر له قبل القبول فالنقض غير وارد اذ فرق بين القبول و الاجازة فان العقد الفضولي غير معلق علي الاجازة.

و الذي يخطر ببالي القاصر عدم تمامية ما أفاده فان البيع تمليك للمبيع

في مقابل الثمن و القبول يتعلق بهذا التمليك و لا يعقل أن يكون الايجاب معلقا علي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 435

______________________________

القبول اذ القبول تحققه يتوقف علي الايجاب. و بعبارة اخري: تعنون القبول بهذا العنوان يتوقف علي تحقق الايجاب فلو توقف الايجاب علي القبول يدور فالحق ان الايجاب لا يتوقف و لا يعلق علي القبول بل الايجاب و هو التمليك يتحقق و لو مع عدم تحقق القبول غاية الامر لا يترتب علي الايجاب وحده أثر و انما الاثر يترتب علي العقد المركب من الايجاب و القبول.

و لكن مع ذلك لا يكون النقض واردا لان السيرة الجارية بين العقلاء في باب البيع و بقية العقود الالتزام بتحقق الاثر بعد تمامية العقد فنقول: الموجب يعتبر الملكية من حين الايجاب و القبول المتأخر يتعلق بالايجاب المتقدم علي النحو المذكور و لكن الاثر العقلائي و الشرعي لا يترتب الا من حين تمامية العقد. و ان شئت قلت: المستفاد من الادلة كذلك فهذا الاشكال غير وارد علي القول بالكشف الانقلابي.

ان قلت: ان العقد قبل الاجازة لا يكون متعلق الامضاء الشرعي و الاعتبار الشرعي يتعلق به بعد الاجازة و الانتساب فلا بد من تحقق الملكية بعد الاجازة فلا مجال للقول بالكشف الانقلابي. قلت: ان الاعتبار الشرعي و ان كان بعد الاجازة لكن متعلق الاعتبار متقدم زمانا.

و لتوضيح المدعي نقول: تارة يكون زمان الاعتبار و المعتبر فعليا كما لو باع زيد داره من بكر فان زمان الاعتبار و الملكية واحد و اخري يكون الاعتبار فعليا و المعتبر متأخرا كما في الوصية فان اعتبار الملكية من الموصي فعلي لكن الملكية لا تحصل الا بعد موت الموصي نظير الوجوب المشروط و ثالثة يكون الاعتبار فعليا

و زمان المعتبر متقدم فانه أمر ممكن و لذا لا مانع من ان يبيع المالك ماله من قبل مدة او من بعد مدة و انما الأشكال في عدم الدليل علي صحته و كونه مخالفا للسيرة فاذا كان جائزا ثبوتا فتلتزم في باب الفضولي بأن الاجازة توجب الانقلاب و يدل علي

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 436

______________________________

ما ذكرنا ما رواه ابو عبيدة «1» فان المستفاد من الرواية ان الاجازة كاشفة عن ثبوت الزوجية من حين العقد و اما لو كانت الاجازة ناقلة فلا يكون معقولا بعد موت احد الزوجين.

كما انه يدل علي المدعي حديث محمد بن قيس «2» فانه لو كانت الاجازة ناقلة كان و طي المشتري للوليدة قبل الاجازة وطيا لمملوكة الغير فيجب عليه مهر المثل و الحال ان الامام عليه السلام لم يتعرض لهذه الجهة بل الظاهر من قوله عليه السلام «حتي ينفذ» هو الكشف فان الظاهر من هذا القول انفاذ ما ارتكبه الفضولي.

ان قلت: ان العبرة في الانفاذ بزمان المعتبر لا بزمان الاعتبار و لذا لا يمكن الالتزام بتعلق الوجوب و الحرمة بالخروج عن الدار المغصوبة. و بعبارة اخري لا يمكن ان يقال: بأن الخروج قبل الدخول حرام و بعد الدخول واجب فان الفعل الواحد لا يمكن ان يتعلق به حكمان في الزمان الواحد و لو كان زمان الاعتبار مختلفا و عليه لا يمكن الالتزام بكون العين في زمان العقد للمالك و للمشتري و ان كان زمان اعتبار احدهما مغايرا لزمان الاعتبار الاخر.

قلت: فرق بين الاحكام التكليفية و الوضعية فان الحكم التكليفي ناش عن المصلحة في المتعلق فيكون الفعل محبوبا و النهي تابع للمفسدة الموجودة في المتعلق فيكون الفعل مبغوضا و لا يعقل أن

يكون الفعل الواحد في زمان واحد محبوبا و مبغوضا و أما الاحكام الوضعية فالمصلحة في الاعتبار و مع تعدد زمان الاعتبار لا مانع منه فلا مانع من اعتبار ملكية الدار في زمان العقد و بعده لمالكها و بعد الاجازة يعتبر ملكيتها في ذلك الزمان للمشتري و بعبارة اخري لا يلزم التضاد.

______________________________

(1) لاحظ ص: 418

(2) لاحظ ص: 423

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 437

فنماء الثمن من حين العقد الي حين الاجازة ملك مالك المبيع و نماء المبيع ملك للمشتري (1).

______________________________

و ان شئت قلت: لا نري محذورا عن الاعتبارين في الاحكام الوضعية من التضاد و غيره فيعتبر في يوم السبت مثلا ملكية شي ء لزيد يوم الاحد و يوم الاثنين يعتبر ملكية ذلك الشي ء في ذلك اليوم لغيره.

ان قلت: ان الاعتبارات الشرعية ازلية أو من أول الشريعة المقدسة فيلزم اعتبار المبيع مثلا للمالك و للمشتري في زمان واحد في أول الشريعة. و بعبارة اخري:

ما ذكرت انما يتم في القضايا الخارجية فانه ينفصل احد الاعتبارين عن الاعتبار الاخر و أما في القضايا الحقيقية كالأحكام الشرعية فالاعتبارات في زمان واحد فلا يتم ما ذكرت في دفع الاشكال.

قلت: الاحكام الشرعية و ان كانت من قبيل القضايا الحقيقة لكن الاحكام المجعولة الشرعية مجعولة علي موضوعاتها و ما دام لم يتحقق الموضوع في الخارج لا يترتب عليه الحكم و المفروض ان اعتبار الملكية للمشتري في الفضولي بعد اجازة المالك فلا يكون زمان الاعتبارين متحدا. و بعبارة واضحة مرجع القضية الحقيقية الي القضية الشرطية و ما دام لا يكون الشرط موجودا في الخارج لا يوجد المشروط.

(1) ما أفاده من آثار الكشف فان النماء تابع للأصل فاذا كانت الدابة مملوكة للمشتري بالاجازة يكون ولدها له أيضا

و هكذا الامر في جانب الثمن و يترتب علي ما ذكر كثير من الآثار مثلا لو تزوج رجل امرأة فضولا و قبل الاجازة وطئها يكون وطيها داخلا في الزنا و يوجب الحد و أما لو لم يحد و اجيز العقد لا يحد لأنه بعد الاجازة يعتبر ذلك الوطء وطئا للزوجة.

و سيدنا الاستاد فرق بين الحد و التعزير و قال: أما الحد فيسقط بالاجازة» بالتقريب الذي ذكرنا «و أما التعزير فلا يسقط لان الحرمة لا تتبدل بالاباحة بالاجازة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 438

[مسألة 12: لو باع باعتقاد كونه وليا أو وكيلا فتبين خلافه]

(مسألة 12): لو باع باعتقاد كونه وليا أو وكيلا فتبين خلافه فان أجازه المالك صح و ان رد بطل (1) و لو باع باعتقاد كونه أجنبيا فتبين كونه وليا أو وكيلا صح و لم يحتج الي الاجازة (2) و لو تبين كونه مالكا ففي صحة البيع من دون حاجة الي اجازته اشكال و الاظهر هو الصحة (3).

[مسألة 13: لو باع مال غيره فضولا ثم ملكه قبل إجازة المالك]

(مسألة 13): لو باع مال غيره فضولا ثم ملكه قبل اجازة المالك ففي صحته بلا حاجة الي الاجازة أو توقفه علي الاجازة أو بطلانه رأسا وجوه اقواها أوسطها (4).

______________________________

كما ان المبغوضية لا تتبدل بعدمها بالاجازة فلا بد من التعزير». و الظاهر ان ما افاده تام فان الفعل الواحد كما سبق لا يعقل ان يكون مبغوضا و حراما و في ذلك الوقت يكون حلالا.

(1) و الوجه فيه ظاهر اذ الاعتقاد لا يغير الواقع فان العقد المفروض فضولي فيحتاج الي الاجازة.

(2) اذ العقد صدر من أهله و وقع في محله فلا وجه لعدم الصحة.

(3) يشكل الالتزام بالصحة اذ المستفاد من دليل التجارة عن تراض اشتراط الرضا بما انه مالك و بعبارة اخري: لا بد في صحة التجارة تحققها عن المالك بما هو مالك و المفروض انتفاء هذه الحيثية و لذا لو قدم احد طعامه للغير و اباح له الاكل و يعتقد ان الطعام لغيره لا يجوز الاكل اذ المفروض عدم رضا المالك بالتصرف نعم يمكن ان يقال: انه لو رضي بعد الالتفات و الاجازة يصح ببركة عموم التعليل الوارد في نكاح العبد بدون اجازة المولي.

(4) ربما يقال بالصحة و لو مع عدم الاجازة بتقريب: ان العقد بقاء عقد

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 439

______________________________

للمالك فيصح. و لكن يرد عليه: ان العقد

حين صدوره لم يكن عقدا للمالك و المفروض انه لم يحدث بعد العقد ما يوجب نسبته اليه فلا وجه للصحة و انما الكلام فيما يلحقه الاجازة.

و قد ذكرت للمنع وجوه: الاول: ان الفضولي قصد البيع للمالك و المفروض ان المالك لم يجز البيع فكيف يصح؟ و بعبارة اخري: البيع وقع للمالك الاصيل و الكلام في وقوعه بالاجازة للفضولي. و اجيب: بأن البيع متقوم بالمالين لا بالمالكين و قصد وقوع البيع للمالك لغو كما ان قصده لغيره كذلك. و هذا الجواب مخدوش اذ البيع تمليك و تملك و يتقوم التمليك و التملك بالطرفين و المفروض ان الفضولي تملك الثمن للمالك و ملك المبيع من المشتري فكيف يصح بالاجازة. و ان شئت قلت: ما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع.

الثاني: انه يعتبر في البائع امور ثلاثة: كونه مالكا، كونه راضيا، كونه قادرا علي التسليم و الفضولي فاقد لهذه الامور. و اجيب بأن البيع يستند الي المالك بالاجازة و حين الاجازة يكون المجيز واجدا لجميع الامور المذكورة.

و يرد عليه: ان العقد انتسب الي الفضولي من حين العقد و تحصيل الحاصل محال. الا ان يقال: بالاجازة ينتسب العقد اليه بما انه مالك. مضافا الي ان الاجازة اللاحقة تقتضي صدق عنوان الرضا بما تحقق و اما الانتساب بحيث يصدق ان المجيز باع فلا.

الثالث: انه لا بد من تعلق الاجازة بما وقع و الامر ليس كذلك في المقام فان المبيع يدخل في ملك البائع الفضولي من حين اشترائه من المالك و الاجازة تصحح العقد من ذلك الحين. و بتقريب آخر: ان المبيع يدخل بالبيع الفضولي في ملك الاصيل من ذلك الحين و الحال ان المبيع بعد ذلك العقد يدخل

في ملك

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 440

______________________________

الفضولي بالعقد مع المالك و ما دام لا يدخل في ملكه لا مجال لان يدخل في ملك الاصيل فالنتيجة: ان ما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع و لذا نلتزم بان المالك في مقام الاجازة لو اجاز العقد الفضولي من زمان متأخر لا يصح.

الرابع: انه علي الكشف يلزم أن يكون المال ملكا لمالكين في زمان العقد احدهما: المالك الاصلي و ثانيهما: المشتري. و بعبارة اخري: المشتري يتلقي الملك من المجيز و المجيز يتلقي الملك من المالك الاصلي فيتوقف ملكيته علي ملكية المالك الاصلي و الحال ان ملكيته تنفي مالكية المشتري فيلزم من وجود الشي ء عدمه.

و اجيب عن هذا الاشكال بأنه انما يلزم لو قلنا بتحقق الملكية بالاجازة من حين العقد و أما لو قلنا بكونه مالكا من حين بيع الاصيل فلا يلزم هذا الاشكال.

الخامس: ان العقد الثاني واقع علي ملك المشتري علي الكشف فيتوقف علي أجازته و الحال ان اجازته تتوقف علي صحة العقد الثاني اذ لو لم يكن العقد الثاني تاما لا يتم ملكية المشتري فان المفروض ان عقده وقع مع الفضولي فالاشكال من جهة لزوم الدور. و اجيب: بأن هذا المحذور انما يلزم علي تقدير الالتزام بتحقق الملكية من حين العقد و أما لو قلنا بتحققها من حين الاجازة لا يلزم هذا الاشكال فلاحظ.

السادس: ان بيع المالك الاصلي رد للبيع الفضولي فلا أثر للإجازة بعده.

و فيه: اولا: ان البيع ليس ردا بل معدم لموضوع الاجازة بالنسبة الي البائع و الكلام في اجازة الفضولي. و ثانيا: انه لا دليل علي ابطال الرد للإجازة الواقعة بعده. و ثالثا: ان الرد علي فرض كونه مانعا عن الاجازة انما

يكون بالنسبة الي الراد لا بالنسبة الي شخص آخر.

السابع النصوص الدالة علي عدم جواز بيع ما ليس عنده لاحظ ما رواه سليمان

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 441

______________________________

ابن صالح «1» و ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع فاقا و له علي الربح ثم اشتريه فأبيعه منه فقال:

أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك؟ قلت: بلي قال: فلا بأس قلت: فان من عندنا يفسده قال: و لم؟ قلت: قد باع ما ليس عنده؟ قال: فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده قلت: بلي قال: فانما صلح من اجل انهم يسمونه سلما ان ابي كان يقول: لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه «2».

و ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل اتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد او نسية فابتاعه الرجل من اجله، قال: ليس به بأس انما يشتريه منه بعد ما يملكه «3».

و ما رواه منصور بن حازم ابي عبد اللّه عليه السلام في رجل امر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه قال: لا بأس بذلك انما البيع بعد ما يشتريه «4».

فان مقتضي هذه النصوص فساد البيع حتي بعد الاجازة و هل يمكن تصحيحه بعموم التعليل الوارد في تزويج العبد بلا اذن مولاه؟ الظاهر انه لا يمكن لان العقد حين وقوعه فضولا كان امره بيد المالك الاصلي و المفروض انه لم يجزه بل اجازه المالك الثاني مضافا الي ان الاجازة الصادرة من المولي في تزويج العبد تؤثر في تحقق التزويج من حين تحققه و في

المقام لا يمكن الالتزام به بل لا بد من الالتزام بالصحة من تحقق الملكية للفضولي بالاشتراء من المالك فلا يكون المقام من

______________________________

(1) لاحظ ص: 409

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث: 8

(4) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 442

[مسألة 14: لو باع مال غيره فضولا فباعه المالك من شخص آخر]

(مسألة 14): لو باع مال غيره فضولا فباعه المالك من شخص آخر صح بيع المالك و يصح بيع الفضولي أيضا ان أجازه المشتري (1).

[مسألة 15: إذا باع الفضولي مال غيره و لم تتحقق الإجازة من المالك]

(مسألة 15): اذا باع الفضولي مال غيره و لم تتحقق الاجازة من المالك فان كانت العين في يد المالك فلا اشكال و ان كانت في يد البائع جاز للمالك الرجوع بها عليه و ان كان البائع قد دفعها الي المشتري جاز له الرجوع علي البائع و علي المشتري و ان كانت تالفة رجع علي البائع ان لم يدفعها الي المشتري أو علي أحدهما ان دفعها اليه بمثلها ان كانت مثلية و بقيمتها ان كانت قيمية (2).

______________________________

مصاديق تلك الكبري و بهذا البيان يعلم انه لا يمكن تصحيحه بحديث الوليدة لعين البيان فلاحظ.

(1) أما صحة بيع المالك فالوجه فيها ظاهر فان البيع صدر من أهله و وقع في محله و أما صحة بيع الفضولي مع اجازة المشتري فعلي القول بالنقل، فالوجه فيها انه يصح بيع الفضولي بالاجازة كما مر و المقام من مصاديق تلك الكبري و لا محذور في الالتزام بالصحة و أما علي القول بالكشف فيشكل الالتزام بالصحة اذ المفروض ان الاجازة تكشف عن الصحة من حين العقد الفضولي و المفروض ان ذلك الحين يكون ملكا للمالك الاصلي و لا موجب لاعتبار الملكية في ذلك الزمان لغيره و الالتزام بالملكية من الزمان المتأخر لا دليل عليه اذ الاجازة لا بد من تعلقها بما وقع و الحال ان ما وقع فضولا غير قابل للإجازة فلاحظ.

(2) في هذه المسألة فروع: الفرع الاول انه لو باع الفضولي مال الغير و لم تتحقق الاجازة و كان المال في يد مالكه فلا اشكال و الامر كما افاده

فانه لا يترتب علي بيع الفضولي اثر.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 443

______________________________

الفرع الثاني: ان المال ان كان في يد الفضولي جاز للمالك الرجوع عليه فان لكل مالك اخذ مملوكه ممن كان ماله عنده اعم من ان يكون غاصبا او غير غاصب.

و ان شئت قلت: لا اشكال في ان وضع اليد علي مال الغير بغير حق يقتضي الضمان بمقتضي السيرة العقلائية، و عليه يمكن للمالك ان يراجع كل فرد وضع يده علي ماله و الزامه بايصاله اليه.

الفرع الثالث: انه لو دفع المال الي المشتري كان للمالك الرجوع علي كل واحد منهما كما مر آنفا.

الفرع الرابع: انه ان كان المال تالفا فللمالك ان يرجع علي كل منهما ان كان دفع المال الي المشتري فيأخذ المثل ان كان التالف مثليا و القيمة ان كان قيميا و ما يمكن ان يستدل به علي المدعي وجوه:

الوجه الاول: حديث «علي اليد ما اخذت حتي تؤديه» «1». و يرد علي الاستدلال بهذا الحديث اولا انه لا اعتبار بسنده فلا تصل النوبة الي دلالته فانه نبوي غير معتبر. و ثانيا: لا يبعد ان يكون المراد بالحديث ان المال ما دام في يد الغير و لم يصل الي مالكه يكون مضمونا علي الاخذ و اما ضمانه بأي شي ء فلا تعرض في الحديث كما انه يمكن ان يقال: ان الحديث في مقام بيان الحكم التكليفي و هو انه ما دام المال لا يصل الي مالكه يكون علي الاخذ ايصاله اليه فلا تعرض للضمان فضلا عن كيفيته. و ربما يقال: ان المستفاد من الحديث انه يجب اداء نفس المال ما دام موجودا و مع تعذره تصل النوبة الي مثله و علي فرض تعذره تصل النوبة الي

قيمته فلا ينطبق علي ما هو المشهور عند القوم من وجوب المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

الوجه الثاني: ما دل من النص علي ان «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» ففي

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب الغصب الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 444

______________________________

حديث ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: سباب المؤمن فسوق و قتاله كفروا كل لحمه معصية للّه و حرمة ماله كحرمة دمه «1» فكما ان دم المسلم لا يذهب هدرا كذلك مال المسلم لا يذهب هدرا.

و فيه: اولا ان المستفاد من هذه النصوص الحكم التكليفي اي كما ان سبابه حرام كذلك التصرف في ماله و بعبارة اخري: لا يستفاد من هذه الطائفة الا الحكم التكليفي بلحاظ السياق. و ثانيا: انه علي فرض تسليم الدلالة يختص هذا الدليل بصورة الاتلاف و اما صورة التلف فلا يتوهم ان تلف مال احد بتلف سماوي يوجب ضمان الغير. و ثالثا انه علي فرض الدلالة علي المدعي تدل علي اصل الضمان و اما كيفيته فلا تدل هذه النصوص عليها.

الوجه الثالث: ما دل من النص علي عدم حل مال المسلم الا بطيب نفسه «2».

و فيه: ان المستفاد من هذه الطائفة الحكم التكليفي و اما الضمان فلا و علي تقدير التسليم لا دلالة علي كيفيتها.

الوجه الرابع: النصوص الدالة علي ان الامة المبتاعة اذا اولدها المشتري فوجدت مسروقة يأخذها صاحبها و يأخذ قيمة الولد من المشتري «3». و فيه انه لا يستفاد من هذه النصوص ما هو المشهور بين القوم من ضمان المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

الوجه الخامس: قوله تعالي: «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا

اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» «4» و الاستدلال بالآية علي المدعي يتوقف علي امور ثلاثة: الاول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 12

(2) لاحظ ص: 402

(3) الوافي ج 3 ص 101 الجزء العاشر الباب 118

(4) البقرة/ 194

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 445

______________________________

ان يكون المراد بلفظ «ما» الموصول و اما اذا كان مصدريا فلا يرتبط بالمقام.

و بعبارة اخري: يمكن ان تكون الاية ناظرة الي الاعتداء الفعلي اي يكون المراد من الاية ان مَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ الفعل الذي اعتدي به عليكم فلا يرتبط بالضمان بل غايته جواز الاتلاف. و بعبارة ثالثة: الاتلاف مقابل الاتلاف و اما الضمان فلا يستفاد من الاية.

الثاني: ان يكون المراد بالموصول المعتدي به و يكون المراد به الاعيان الخارجية و لا دليل عليه بل يمكن ان يكون المراد به الفعل اي ان كان الاعتداء عليه بالضرب فاضرب و ان كان بالشتم فاشتم و ان كان بالاخذ فخذ و اما الضمان فلا يستفاد من الاية.

الثالث: أن يكون المراد من المثل المثل في المثلي و القيمة في القيمي و لا يستفاد هذا من الاية الشريفة فانه لا دليل علي هذه الدعوي و علي جميع التقادير لا دلالة في الاية علي الضمان كما هو المدعي. و يضاف الي ما تقدم انه علي فرض تسلم الدعوي تكون الاية دالة علي ضمان المثل في جميع الموارد فيجب المثل مطلقا في المثلي و القيمي فلا تنطبق الاية علي المدعي فان المدعي ضمان القيمي بالقيمة ابتداء و الحال انه لا يستفاد من الاية.

اضف الي ذلك كله ان غاية ما يستفاد من الاية الضمان في صورة الاتلاف و أما مع التلف السماوي فلا دلالة في الاية علي الضمان فلاحظ.

الوجه

السادس: الاجماع بتقريب: ان الاجماع قائم علي ضمان المثل بالمثلي و القيمي بالقيمة. و فيه: انه كيف يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه السابع: السيرة العقلائية فانها تقتضي ضمان العين بجميع خصوصيتها

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 446

______________________________

و مع تعذرها تصل النوبة الي المثل و مع تعذره تصل النوبة الي القيمة. و ان شئت قلت: ان مقتضي القاعدة بحكم السيرة كون العين بنفسها في عهدة الضامن و انما تصل النوبة الي المثل و القيمة من باب البدلية و اللابدية و تكون القيمة في طول المثل فلا ينطبق علي المدعي أيضا و يترتب علي ما ذكرنا ان الميزان بقيمة يوم الاداء غاية الامر ترفع اليد عن القاعدة الاولية بالنص الخاص اعني حديث أبي ولاد قال: اكثريت بغلا الي قصر بني هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلما صرت الي قرب قنطرة الكوفة خبرت ان صاحبي توجه الي النيل فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت انه توجه الي بغداد فاتبعته فظفرت به و فرغت فيما بيني و بينه و رجعت الي الكوفة و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما فاخبرت صاحب البغل بعذري و أردت ان اتحلل منه فيما صنعت و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبي أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة و اخبرته بالقصة و أخبره الرجل فقال لي: ما صنعت بالبغل فقلت: قد رجعته سليما قال: نعم بعد خمسة عشر يوما قال: فما تريد من الرجل؟ قال: اريد كري بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما فقال: اني ما أري لك حقا لأنه اكتراه الي قصر بني هبيرة فخالف فركبه الي النيل

و الي بغداد فضمن قيمة البغل و سقط الكري فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكري قال: فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع فرحمته مما أفتي به أبو حنيفة و اعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت ابا عبد اللّه عليه السلام بما افتي به ابو حنيفة فقال: في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء مائها و تمنع الارض بركنها قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فما تري انت؟ قال: اري له عليك مثل كري البغل ذاهبا من الكوفة الي النيل و مثل كري البغل من النيل الي بغداد و مثل كري البغل من بغداد الي الكوفة و توفيه اياه قال: قلت جعلت فداك قد علفته

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 447

[مسألة 16: المنافع المستوفاة مضمونة]

(مسألة 16): المنافع المستوفاة مضمونة، و للمالك الرجوع بها علي من استوفاه (1).

______________________________

بدراهم فلي عليه علفه؟ قال: لا لأنك غاصب فقلت أ رأيت لو عطب البغل او انفق أ ليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فان اصاب البغل كسر او دبر او عقر فقال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه الحديث «1». فان مقتضاه وجوب اداء قيمة يوم الغصب في القيميات و اللّه العالم بحقايق الاشياء.

(1) ما يمكن ان يقال في وجه الضمان امور:

الأول: حديث علي اليد، فان اطلاقه يشمل المنافع المستوفاة و قد مر الاشكال في سند الحديث، فلا تصل النوبة الي ملاحظة الدلالة.

الثاني: قوله عليه السلام حرمة مال المؤمن كحرمة دمه، بتقريب انه كما يشمل الأعيان كذلك يشمل المنافع المستوفاة و قد مر ان المستفاد منه ليس الا الحكم التكليفي.

الثالث: ما دل علي عدم حلية

مال أحد الا باذنه و لا اشكال في صدق المال علي المنافع. و فيه: انه قد مر ان المستفاد من تلك الطائفة مجرد الحكم التكليفي و اما الوضعي فلا.

الرابع: قاعدة نفي الضرر، فان استيفاء المنفعة و عدم الجبران بالغرامة ضرر علي المالك و الضرر منفي في الشريعة. و فيه أولا انما يتم علي المذهب المشهور في مفاد القاعدة و اما علي مسلك شيخ الشريعة فلا. و ثانيا: ان القاعدة تنفي و لا تثبت.

و ثالثا: ان اثبات الضمان علي المستوفي ضرر عليه فلا وجه لترجيح احد الضررين علي الاخر. و بعبارة اخري: عدم الحكم بالضمان ضرر علي المالك

______________________________

(1) تهذيب الاحكام ج 7 ص 215 حديث: 25

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 448

______________________________

و الحكم به ضرر علي المستوفي و لا مرجح.

و رابعا: ان المنافع تنعدم و تنصرم بنفسها أعم من الاستيفاء و عدمه فعدم الحكم بالضمان ليس ضررا بل من قبيل عدم النفع.

الخامس: السيرة العقلائية علي عدم هدر أموال الناس فالمستوفي للمنافع ضامن للبدل بمقتضي السيرة و بمقتضي قاعدة من اتلف مال الغير فهو له ضامن، فان هذه القاعدة متصيدة من النصوص الواردة في الموارد المختلفة: لاحظ ما رواه أبان بن عثمان «1».

و لاحظ الباب 7 من أبواب أحكام الرهن من الوسائل و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن القصار يفسد، فقال: كل اجير يعطي الاجرة علي ان يصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصار و الصائغ احتياطا للناس، و كان أبي يتطول عليه اذا كان مأمونا «3».

و ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان

أمير المؤمنين عليه السلام يضمن الصباغ و القصار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس و كان لا يضمن من الغرق و الحرق و الشي ء الغالب- الحديث «4».

و ما رواه اسماعيل بن أبي الصباح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام الرهن الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب أحكام الاجارة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 449

______________________________

عن الثوب أدفعه الي القصار فيخرقه، قال: اغرمه فانك انما دفعته اليه ليصلحه و لم تدفع اليه ليفسده «1».

و رواية السكوني، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ان امير المؤمنين عليه السلام رفع اليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب فضمنه امير المؤمنين عليه السلام «2».

و رواية ابي بصير، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يضمن القصار و الصائغ يحتاط به علي اموال الناس، و كان ابو جعفر عليه السلام يتفضل عليه اذا كان مأمونا «3».

و ما رواه الحلبي، عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده، فقال: كل عامل اعطيته اجرا علي ان يصلح فافسد فهو ضامن «4».

و ما في كتاب (المقنع) قال: كان امير المؤمنين عليه السلام يضمن القصار و الصائغ، و كل من اخذ شيئا ليصلحه فافسده «5».

و ما رواه وهب عن جعفر، عن ابيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام كان يقول: من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن، و قال: من استعار حرا صغيرا فعيب فهو ضامن «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث: 10

(3) نفس المصدر الحديث: 12

(4) نفس المصدر الحديث: 19

(5) نفس المصدر الحديث:

22

(6) الوسائل الباب 1 من أحكام العارية الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 450

______________________________

فانه يستفاد من هذه الموارد ان اتلاف مال الغير يوجب الضمان شرعا و عن بعض انه التزم بعدم ضمان المنافع المستوفاة، و استدل بقوله صلي اللّه عليه و آله و سلم الخراج بالضمان «1» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي انه يمكن ان يكون المراد بالخراج اجرة الاراضي الخراجية، فالمقصود من الحديث ان تلك الاراضي مضمونة بحسب التقبيل و الاجارة و أيضا استدل علي مذهبه بجملة من النصوص:

منها ما رواه معاوية بن ميسرة قال سمعت ابا الجارود يسأل ابا عبد اللّه عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرجل الذي اشتري منه الدار حاصر فشرط انك ان اتيتني بمالي ما بين ثلث سنين فالدار دارك فاتاه بماله قال له شرطه قال ابو الجارود فان ذلك الرجل قد اصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال هو ماله و قال ابو عبد اللّه عليه السلام أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري «2».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام الرجل يرتهن الرهن الغلام او الدار فيصيبه الآفة علي من يكون؟ قال: علي مولاه ثم قال: أ رأيت لو قتل قتيلا علي من كان يكون؟ قلت: هو في عنق العبد، قال أ لا تري فلم يذهب مال هذا ثم قال: أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ قلت لمولاه قال: و كذلك يكون عليه ما يكون له «3».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: حدثني

من سمع ابا عبد اللّه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج الي بيع داره فجاء الي اخيه،

______________________________

(1) السنن للبيهقي ج 5

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث: 3

(3) الوافي ج 10 في رهن الغلام ص 116

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 451

و كذا الزيادات العينية مثل اللبن و الصوف و الشعر و السرجين و نحوها، مما كان له مالية، فانها مضمونة علي من استولي عليها كالعين (1)، اما المنافع غير المستوفاه ففي ضمانها اشكال، و الضمان اظهر (2).

______________________________

فقال: ابيعك داري هذه، و تكون لك احب إلي من ان تكون لغيرك علي ان تشترط لي ان انا جئتك بثمنها الي سنة ان ترد علي، فقال: لا بأس بهذا ان جاء بثمنها الي سنة ردها عليه، قلت: فانها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟

فقال: الغلة للمشتري، الا تري انه لو احترقت لكانت من ماله «1».

بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص انه لو كانت العين في ضمان شخص تكون منافعها له و فيه: ان المستفاد من هذه النصوص ان المنافع تابعة للعين في المملوكية اي ان كانت عين مملوكة لشخص يكون منافعها مملوكة له أيضا و لا يرتبط بالمقام.

(1) بعين البيان الجاري في العين و بذلك التقريب.

(2) ما يمكن ان يستدل به علي الضمان في المقام وجوه:

الوجه الاول: حديث علي اليد بتقريب انه يشمل المنافع غير المستوفاة فان المنافع تابعة للعين و بتبع العين تكون مأخوذة و فيه: ان الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه «2» و فيه: انه ضعيف سندا مضافا

الي انه ناظر الي الحكم التكليفي و لا تعرض للضمان فيه.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 451

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الانفال الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 452

______________________________

الوجه الثالث: قوله عليه السلام حرمة مال المسلم كحرمة دمه «1» و قد تقدم ان المستفاد من هذه الاخبار الحكم التكليفي.

الوجه الرابع: ما دل علي عدم حلية مال احد الا بطيب نفسه لاحظ ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: من كانت عنده امانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «2».

و ما روي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انه قال في خطبة الوداع:

ايها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ و لا يحل لمؤمن مال اخيه الا عن طيب نفس منه «3» و الكلام فيه هو الكلام فان المستفاد منه الحكم التكليفي.

الوجه الخامس: قاعدة نفي الضرر و قد تقدم الكلام حول الاستدلال بها و قلنا ان لسانها النفي لا الاثبات مضافا الي أن الضمان ضرر علي الضامن و لا ترجيح لأحد الطرفين علي الاخر.

الوجه السادس: قاعدة الاتلاف المتصيدة من الموارد الخاصة و أفاد سيدنا الاستاد في هذا المقام «4» «بأن التقويت لا يصدق علي فوت المنافع غير المستوفاة الا اذا استند الفوت الي القابض و أما اذا لم يصدق كما لو لم يستفد المالك باختياره مع امكانه فلا يصدق عنوان التفويت عليه فلا يشمله دليل من اتلف» و هذا التقريب لا

بأس به لكن لازمه عدم الالتزام بالضمان في مورد الغصب مع امكان الاستيفاء للمالك.

الوجه السابع: الاجماع، و فيه انه كيف يمكن تحصيل الاجماع التعبدي

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 12 و الباب 158 من تلك الابواب الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) مصباح الفقاهة ج 3 ص: 143

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 453

______________________________

الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثامن: السيرة العقلائية الجارية علي الضمان فان وضع اليد علي مال الغير بلا اذنه يقتضي ضمانه بجميع خصوصياته فلا فرق في تحقق الضمان بين المنافع المستوفاة و غيرها.

و ربما يستدل علي عدم الضمان بالنصوص الواردة في الامة المسروقة المبيعة منها: ما رواه جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري جارية فاولدها فوجدت مسروقة، قال يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته «1».

و منها: ما رواه زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء رجل فيقيم البينة علي أنها جاريته و لم يبع و لم يهب قال: فقال ترد اليه جاريته و يعوضه مما انتفع قال: كان معناه قيمة الولد «2».

و منها: ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء مستحق الجارية فقال: يأخذ الجارية المستحق و يدفع اليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي اخذت منه «3».

و منها: ما رواه زرارة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل اشتري جارية من سوق المسلمين فخرج بها الي ارضه فولدت

منه اولادا ثم اتاها من يزعم انها له و اقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع اليه الجارية و يعوضه في قيمة ما اصاب

______________________________

(1) الوافي ج 10 الباب 118 ص 101

(2) نفس المصدر

(3) نفس المصدر

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 454

[مسألة 17: المثلي ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، و القيمي: ما لا يكون كذلك]

(مسألة 17): المثلي ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، و القيمي: ما لا يكون كذلك، فالالات و الظروف و الاقمشة المعمولة في المعامل في هذا الزمان من المثلي، و الجواهر الاصلية من الياقوت و الزمرد و الالماس و الفيروزج و نحوها من القيمي (1).

[مسألة 18: الظاهر أن المدار في القيمة المضمون بها القيمي قيمة زمان القبض لا زمان التلف، و لا زمان الاداء]

(مسألة 18): الظاهر ان المدار في القيمة المضمون بها القيمي قيمة زمان القبض لا زمان التلف، و لا زمان الاداء (2).

______________________________

من لبنها و خدمتها «1».

و بما ورد في حكم بيع وليدة الغير «2» بتقريب ان الامام عليه السلام لم يتعرض لحكم المنافع غير المستوفاة فيعلم انها لا توجب الضمان.

و الانصاف: انه لا بأس بهذا الاستدلال فان التعرض لضمان المنافع المستوفاة و عدم التعرض لغيرها يدل علي التفصيل و التفريق لكن موردها جهل القابض بكون المبيع غصبا فلا يشمل مورد العلم بالغصبية و عليه لا بد من التفصيل بين صورتي العلم و الجهل.

(1) لم يرد هذا العنوان في الادلة الشرعية كي يبحث عنه بل قلنا: ان مقتضي القاعدة الاولية ضمان التالف بنفسه و يجب رده و مع تعذره تصل النوبة الي مثله من حيث انه اقرب اليه و المثل مفهوم عرفي واضح لدي الكل و قد تقدم انه لا فرق بين المثلي و القيمي من هذه الجهة فان مثل التالف اقرب اليه من القيمة مطلقا فمع امكانه تصل النوبة اليه بعد تعذر رد العين و مع تعذره تصل النوبة الي القيمة فلاحظ.

(2) الاقوال مختلفة في المقام. فمن تلك الاقوال: ان المناط قيمة يوم التلف

______________________________

(1) نفس المصدر

(2) لاحظ ص: 423

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 455

______________________________

و الدليل عليه ان يوم التلف يوم الانتقال الي القيمة فلا بد من ملاحظته.

و فيه:

انه لا اشكال في أن التكليف مشروط بالقدرة و مع تلف العين لا يكلف بادائها لعدم امكانه، و لكن هذا لا يقتضي الانتقال الي قيمة ذلك اليوم بل يمكن اعتبار اشتغال الذمة بنفس العين أو بمثلها أو بالقيمة علي اختلاف الاقوال فيها بحسب ما يفهم من الدليل فلا مانع من اعتبار اشتغال الذمة بنفس العين و يترتب عليه وجوب اداء قيمة زمان الاداء.

و من تلك الاقوال: وجوب رد علي القيم من زمان الغصب الي يوم الاداء و قد قرب المدعي بوجوه الوجه الاول: ان الضمان لا يختص بوقت دون آخر ففي كل يوم ارتفعت القيمة تكون الذمة مشغولة بها و النتيجة اعتبار اعلي القيم من زمان الغصب الي زمان الاداء.

و فيه: ان العين قبل تلفها مضمونة بنفسها فلا وجه لاعتبار قيمتها قبل تلفها كما انه لو قلنا بأنها بعد التلف في الذمة لم يكن وجه لاعتبار القيمة بعد التلف أيضا.

الوجه الثاني: ان المستفاد من حديث أبي ولاد الحناط «1» ان المغصوب مضمون علي الغاصب من يوم الغصب و كل يوم يصدق عليه هذا العنوان فان رد نفس العين فهو و إلا فإن رد اعلي القيم فقد رد قيمة يوم المخالفة بقول مطلق لدخول السفلي في العليا، ضرورة عدم وجوب اداء قيمة كل يوم و لورد القيمة النازلة لم يرد القيمة بقول مطلق فلا بد من دفع اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الاداء.

و فيه: انه مع بقاء العين لا موضوع لدفع القيمة و أما مع تلف العين فالمستفاد من الحديث وجوب اداء قيمة يوم الغصب و الدليل علي المدعي قوله عليه السلام «و لو شهد شاهد ان علي قيمة يوم الاكتراء» فان يوم الاكتراء

هو يوم الغصب اذ

______________________________

(1) لاحظ ص: 446

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 456

______________________________

الاكتراء في الاسفار القريبة في نفس يوم السفر لا من القبل بأيام، هذا بالنظر الي الرواية و أما مع قطع النظر عنها فان قلنا ببقاء العين في الذمة بعد تلفها فلا تصل النوبة الي الانتقال الي القيمة و ان قلنا بانتقالها الي القيمة تشتغل الذمة بفرد من أفراد القيمة فلا وجه لتغيرها فلا مجال للقول بوجوب اداء اعلي القيم.

الوجه الثالث: ان الغاصب بمجرد وضع يده علي العين المغصوبة تشتغل ذمته فان ادي العين أو اعلي القيم تبرأ ذمته يقينا و الا يشك في البراءة و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك.

و فيه: انه علي تقدير بقاء العين يجب ادائها و لا تصل النوبة الي القيمة و بعد تلفها و القول بالانتقال الي القيمة تشتغل الذمة بقيمة العين في ذلك الحين فلا وجه لملاحظة اعلي القيم هذا بحسب مقتضي القاعدة و أما بحسب الرواية الخاصة فيلزم رعاية قيمة يوم الغصب مضافا الي انه قد قرر في محله ان مقتضي دوران الامر بين الاقل و الاكثر سيما في غير الارتباطي اجراء الاصل من الاكثر.

الوجه الرابع: ان مقتضي الاستصحاب بقاء الاشتغال الي زمان اداء اعلي القيم.

و فيه: ان مقتضي الاستصحاب عدم الاشتغال الا بالاقل، مضافا الي ان الاصل العملي لا مجال له مع النص الخاص و مقتضاه رعاية قيمة يوم الغصب.

الوجه الخامس: ان مقتضي قاعدة لا ضرر وجوب اداء الاعلي و الا يتضرر المالك و فيه: ان ضرر المالك معارض بضرر الضامن، و الغاصب يؤخذ باشق الاحوال لا أصل له، مضافا الي أن كل ضامن ليس غاصبا و ثانيا: ان الحديث يتكفل للنفي لا الاثبات. و ثالثا: لا

مجال للأخذ بالقاعدة مع النص الخاص. و رابعا: ان الاستدلال يتم علي المسلك المشهور في مفاد القاعدة و اما علي مسلك شيخ الشريعة فلا.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 457

______________________________

الوجه السادس: ان الغاصب ازال يد المالك عن العين في جميع الازمنة و منها زمان علو القيمة فان رد العين فقد خرج من الضمان و أما مع تلف العين فلا يخرج عن الضمان الا بدفع أعلي القيم، اذ المفروض انه حال بين المالك و ماله و لذا يجب بدل الحيلولة.

و فيه: ان قياس المقام بذلك الباب مع الفارق فان بدل الحيلولة مع بقاء العين فانها تجب بلحاظ الحيلولة بين المال و مالكه و أما مع التلف فبمقتضي القاعدة الاولية نلتزم بوجوب القيمة وقت الاداء و بلحاظ النص الخاص نلتزم بوجوب اداء قيمة يوم الغصب.

الوجه السابع: قوله تعالي «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» «1» بتقريب ان المستفاد منه ان الاعتداء بمقدار الاعتداء و مع علو القيمة يصدق انه اعتدي بهذا المقدار فيجوز اخذ الاعلي.

و فيه: ان دلالة الاية الكريمة علي الحكم الوضعي محل الكلام و الاشكال كما مر سابقا و ثانيا انه لا تصل النوبة الي اشتغال الذمة قبل التلف و أما بعد التلف فبمقتضي النص الخاص يلزم ملاحظة يوم الغصب فلا تصل النوبة الي الاستدلال بالآية.

الوجه الثامن: ان المفروض كون اليد يد ضمان في جميع الازمنة و من جملة تلك الازمنة زمان علو القيمة فلا بد من رعاية الاعلي.

و فيه: انه مع بقاء العين لا ضمان للقيمة و الا يلزم الجمع بين العوض و المعوض، مضافا الي انه خلاف الاجماع و التسالم و ان كان المراد وجوب مراعاة الاعلي بعد التلف فهو عين

المدعي، مضافا الي أنه خلاف النص الخاص.

______________________________

(1) البقرة/ 194

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 458

______________________________

و من تلك الاقوال: ان المناط بيوم الاداء بتقريب ان العين باقية في العهدة حتي بعد التلف غاية الامر من باب عدم امكان ردها و مثلها تصل النوبة الي القيمة فالميزان بقيمة وقت الاداء.

و فيه: ان الامر و ان كان كذلك لكن هذا حسب القاعدة الاولية و مع قطع النظر عن النص الخاص و أما معه فلا بد من متابعته.

و من تلك الاقوال: ان العبرة باعلي القيم من يوم القبض الي يوم التلف بتقريب ان العين ما دامت باقية تكون مضمونة فمراتب القيمة المختلفة تثبت في عهدة الضامن و أما اذا تلفت تستقر القيمة فلا اثر لاختلافها بعده.

و فيه: ان العين ما دامت باقية لا تصل النوبة الي القيمة و بعد تلفها تكون باقية في العهدة فيكون الميزان بقيمة يوم الاداء هذا بحسب القاعدة و أما مع النص الخاص فلا بد من ملاحظته و استفادة المراد منه.

و من تلك الاقوال: ان العبرة بأعلي القيم من يوم التلف الي يوم الاداء بتقريب ان الانتقال الي القيمة يوم التلف فمراتب الاختلاف مضمونة و السفلي في العليا محفوظة.

و فيه: انه بعد التلف اذا كانت العين باقية في العهدة فالميزان بقيمة يوم الاداء كما مر و ان كانت متبدلة بالقيمة فالميزان بذلك المتبدل اليه فلا يتم ما افيد.

و من تلك الاقوال: ان الميزان بقيمة يوم الغصب لرواية أبي ولاد «1» و محل الشاهد في الرواية قوله عليه السلام «نعم قيمة بغل يوم خالفته» و في المراد من هذه الجملة احتمالات:

الاول: ان يكون لفظ القيمة مضافا الي البغل و لفظ البغل مضافا الي اليوم بتتابع

______________________________

(1) لاحظ ص:

446

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 459

______________________________

الاضافات و يكون المستفاد من الجملة ان المناط قيمة يوم الغصب.

و فيه: ان تتابع الاضافات و ان كان جائزا كقول الشاعر: «و ليس قرب قبر حرب قبر» لكن في المقام يشكل الالتزام به لوجهين احدهما: ان لفظ البغل في بعض النسخ مع حرف التعريف و المعرف باللام لا يضاف ثانيهما: ان اسماء الذوات لا تضاف الي الزمان و لا تقيد به.

الثاني: ان لفظ القيمة يضاف الي البغل اولا ثم تضاف الي اليوم و النتيجة تلك النتيجة و هذا الاحتمال و ان كان مصونا من الاشكالين لكن هذا الاستعمال غير معهود.

الثالث: ان يضاف اولا لفظ القيمة الي لفظ البغل و ثانيا يضاف المجموع الي اليوم و مثل هذا الاستعمال صحيح كقولهم ماء رمان زيد و ماء ورد بكر و تكون النتيجة تلك النتيجة لكن قد مر ان لفظ البغل معرف في بعض النسخ و المعرف لا يضاف.

الرابع أن يكون الظرف اي اليوم متعلقا بقوله عليه السلام نعم اي يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل فيكون المراد ان يوم المخالفة يوم الضمان و لا تعرض لمقدار القيمة و في هذا الاحتمال اشكالان احدهما: ان لازمه تحقق الضمان بالقيمة قبل التلف و الحال انه لا قائل به و ما دامت العين موجودة تكون مضمونة بنفسها.

ثانيهما: ان تحقق الضمان يوم الغصب امر ظاهر لا يحتاج الي البيان الا أن يقال ان اصل الضمان يوم الغصب امر ظاهر لكن الضمان بالقيمة غير ظاهر بل خلاف الواقع فلا بد من طرح الاشكال بنحو آخر بأن يقال: ان كان المراد الضمان بالقيمة علي كل حال فهو خلاف الاجماع و التسالم و ان كان المراد اصل الضمان فهو امر

واضح مضافا الي أنه لا وجه لذكر القيمة فهذا الاحتمال ساقط.

الخامس: أن يكون اليوم ظرفا للقيمة بلا اضافة و يؤيد هذا الاحتمال كون

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 460

______________________________

لفظ البغل معرفا في بعض النسخ و غير قابل للإضافة كما مر، و أيضا يؤيده كون القيمة اقرب الي لفظ اليوم من لفظ نعم و الاقرب يمنع الا بعد فيكون الظرف متعلقا بلفظ القيمة و يكون المستفاد من الجملة ان الواجب قيمة يوم الغصب و قد ذكرت في المقام وجوه من الاشكال:

الوجه الاول: انه لو كان المناط قيمة يوم المخالفة فلا وجه لتعرضه عليه السلام ليوم الاكتراء بقوله عليه السلام «أو يأتي صاحب البغل» فلا خصوصية ليوم الغصب.

و الجواب: انه لا يبعد أن يكون الوجه فيه ان يوم الاكتراء هو يوم الغصب اذ الاكتراء في الاسفار القريبة يكون في يوم السفر بخلاف الاسفار البعيدة فان يوم الاكتراء قبل يوم السفر بايام و قصر ابن هبيرة قريب من الكوفة فيوم الاكتراء هو يوم السفر كما ان يوم الغصب نفس ذلك اليوم كما هو المستفاد من الحديث.

الوجه الثاني: انه قال ابو ولاد «قلت فان اصاب البغل كسر أو دبر أو غمز فقال عليه السلام عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه» حيث ان الظاهر من هذه الجملة المباركة هو ان الضمان بقيمة يوم الرد لان الظرف متعلق بلفظ «عليك» فتكون هذه الجملة منافية لما قبلها حيث قلنا ان المستفاد من الجملة السابقة ان الميزان بقيمة يوم الغصب.

و اورد عليه: بأن اللازم علي هذا أن يكون استقرار الضمان حين الرد و الحال انه واضح البطلان لان ضمان المغصوب يستقر علي الغاصب من زمان الغصب.

و اورد عليه أيضا: بأنه

علي هذا التقريب تكون الرواية متعرضة لمقدار التفاوت و انه يجب اداء ما به التفاوت في يوم الرد من غير تعرض لبيان هذا التفاوت و انه هل يلاحظ من يوم الغصب أم يلاحظ من يوم التلف أم يلاحظ من يوم الرد فتكون

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 461

______________________________

الجملة السابقة الدالة علي كون الميزان بيوم الغصب قرينة علي المراد من هذه الجملة.

و قيل: ان الظرف في الجملة المذكورة متعلق بلفظ القيمة فيكون المراد ان مجرد رد العين لا اثر له بل لا بد من رد ما به التفاوت بين الصحيح و المعيب.

و عن الشيخ قدس سره الايراد فيه بأن الظرف متعلق بعليك لا قيد للقيمة اذ لا عبرة في ارش العيب بيوم الرد اجماعا لان النقص الحادث تابع في تعيين قيمته لأصل العين.

و اورد عليه سيدنا الاستاد بأن الاجماع علي التبعية لا يدفع هذا الاحتمال فانه لو تحقق ان الميزان في تعيين الارش بيوم الرد يكشف ان الميزان في اصل ضمان العين بيوم الرد فان الاجماع قائم علي اتحاد زمانيهما، و أفاد بأن الحق في الجواب ان يقال انه لا ملزم لهذا الوجه و لا دليل عليه بل الجملة السابقة الدالة علي أن الميزان بيوم الغصب يدل علي بطلان هذا الاحتمال.

و ان ابيت عما ذكر نقول ان مقتضي القاعدة العربية أن يكون الظرف متعلقا بلفظ العيب لاقتران احدهما بالاخر فيكون المراد من الجملة ان العيب الموجود في زمان الرد مضمون و لا تعرض في هذه الجملة ليوم الغصب و لا ليوم التلف و لا ليوم الاداء.

و عن الشيخ الاعظم قدس سره انه ضعف هذا الاحتمال بأن العيب اذا نقص أو المعيب اذا صح لا يسقط الضمان بمقتضي

الفتوي فلا عبرة بالعيب يوم الرد، بل العبرة بالعيب الحادث.

و اورد عليه سيدنا الاستاد بأن نسبة هذا الي الفتوي غير سديد اذ الفتاوي في المقام مختلفة فانه قيل بالسقوط مطلقا و بعدمه كذلك و قول بالتفصيل بين الوصف القابل للزيادة و النقيصة كالسمن و بين ما لم يكن كذلك كوصف الصحة فاذا زال

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 462

______________________________

السمن حكم بالضمان بخلاف ما اذا حدثت نقطة في عين الدابة ثم ارتفعت فان ذلك لا يوجب الضمان فلا مجال للنسبة المذكورة.

مضافا الي أن مقتضي حديث علي اليد و مقتضي السيرة العقلائية انه يكفي في ارتفاع الضمان رد المغصوب الي مالكه صحيحا فالعيب الحادث المرتفع حين الرد لا يوجب الضمان كما ان نقصه يقتضي الارتفاع بذلك المقدار المرتفع.

الوجه الثالث: من وجوه الايراد علي الاستدلال بالحديث علي المدعي ان أبا ولاد سئل الامام عليه السلام عن الذي يعرف القيمة فاجاب عليه السلام «انت و هو، فاما يحلف هو علي القيمة فيلزمك، فان رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك» و هذا يدل علي أن الميزان بيوم التلف لا يوم الغصب بتقريب ان البينة علي المدعي و اليمين علي المنكر فلا مجال لاجتماع كلا الامرين بالنسبة الي شخص واحد فلا بد من التفصيل بأن نقول تارة هما متفقان علي القيمة السابقة علي يوم التلف و اخري غير متفقين ففي الصورة الاولي اذا ادعي الغاصب تنزل القيمة عن قيمة يوم التلف يكون وظيفته البينة لان الحلف وظيفة المنكر.

و بعبارة اخري: مع الاتفاق علي القيمة السابقة يكون الغاصب المدعي للنقصان مدعيا و عليه اقامة البينة و

أما لو لم يتفقا بل اختلفا في اصل القيمة زيادة و نقيصة يكون الغاصب منكرا للزيادة و المالك مدعيا لها فالحلف علي الغاصب فاذا جعلنا العبرة بيوم التلف أمكن دفع الاشكال بهذا النحو المذكور.

و أما اذا قلنا بان المناط يوم المخالفة فلا بد في دفع الاشكال من الالتزام باتفاقهما علي القيمة في اليوم السابق علي يوم المخالفة أو علي الاتفاق علي القيمة في اليوم المتأخر عن يوم المخالفة كي يتم الامر و ينطبق ما في الحديث

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 463

[مسألة 19: إذا لم يمض المالك المعاملة الفضولية فعلي البائع الفضولي أن يرد الثمن المسمي الي المشتري]

(مسألة 19): اذا لم يمض المالك المعاملة الفضولية فعلي البائع الفضولي أن يرد الثمن المسمي الي المشتري (1).

______________________________

من اجتماع اقامة البينة و الحلف بالنسبة الي شخص واحد و هذا بعيد عن مفاد الرواية فالنتيجة ان المناط قيمة يوم التلف.

و اورد عليه سيدنا الاستاد: بأن جعل المناط قيمة يوم التلف ثم حمل صورة اقامة البينة علي فرض و صورة الحلف علي فرض آخر خلاف الظاهر من الحديث فان الظاهر منه اجتماع الامرين في صورة واحدة.

فالحق في مقام دفع الاشكال أن يقال: ان قانون ان البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر ليس قانونا عقليا كي لا يكون قابلا للتخصيص بل قانون شرعي قابل للتخصيص و المقام من موارد الاستثناء و لا مانع عقلا ان الشارع الاقدس رعاية لحال المالك و ارغاما لأنف الغاصب يجعل كلا الامرين في عرض واحد في اختيار المالك.

و بعبارة اخري: نبقي الحديث علي ظاهره بلا تصرف فيه و نلتزم بعدم اشكال.

و ربما يقال: كما عن المحقق الايرواني ان قانون اقامة البينة و الحلف يجري في المخاصمات و في مورد الرواية لم تفرض مخاصمة كي يتوجه الاشكال المذكور بل ارجاع الي

امر عادي جار بين الطرفين فان السائل يسئل من يعرف القيمة فاجاب عليه السلام هذا أمر بينكما فاما هو يحلف و تذعن و اما ان تحلف و هو يذعن فلم يفرض مخاصمة شرعية كي تصل النوبة الي اقامة البينة أو الحلف.

و لا يبعد ان ما افاده خلاف الظاهر فان الامام عليه السلام وظيفته بيان الحكم الشرعي و حمل كلامه علي الموضوع العادي خلاف الظاهر و اللّه العالم.

(1) اذ المفروض ان المعاملة باطلة لعدم تحقق الاجازة و الثمن ملك للمشتري فلا بد من رده اليه و هذا ظاهر و ربما يقال: انه لا يجب عليه رده بل الواجب التخلية

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 464

فاذا رجع المالك علي المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة فليس للمشتري الرجوع علي البائع في مقدار الثمن المسمي (1) و يرجع في الزائد عليه اذا كان مغرورا (2).

______________________________

بين المال و مالكه بدعوي انه لا دليل علي وجوب الرد، بتقريب ان مجرد الامساك لا يكون تصرفا في العين كي يكون حراما و لذا لو أطارت الريح ثوب زيد الي دار جاره لا يكون بقائه في دار زيد تصرفا في الثوب فلا يكون حراما فلا يجب رد المقبوض بالعقد الفاسد الي مالكه فورا.

و الذي يختلج بالبال: أن يقال ان القابض قبض مال الغير بلا حق فلا يقاس بمورد اطارة الريح فان اطارة الريح امر خارج عن الاختيار. و أما في المقام فان المفروض انه بالاختيار قبض مال الغير فبمقتضي السيرة العقلائية لا بد من رده الي مالكه.

و أما الاستدلال علي وجوب الرد بعدم جواز التصرف في مال الغير فغير صحيح لان مجرد الامساك لا يكون تصرفا كما ان الاستدلال علي المدعي بقوله لا

يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه غير سديد لان الحلية و الحرمة لا يتعلقان بالاعيان الا مع تقدير فعل فيكون معناه عدم جواز التصرف فيه، و المفروض ان مجرد الامساك ليس تصرفا. و أما الاستدلال بقوله صلي اللّه عليه و آله «علي اليد ما اخذت حتي تؤديه» «1» ففيه ان السند ضعيف فلا تصل النوبة الي ملاحظة الدلالة، فلاحظ.

(1) اذ المفروض ان البائع الفضولي رد الثمن المسمي الي المشتري. و ان شئت قلت: ان المشتري قد التزم بالضمان بهذا المقدار و وضع يده علي مال الغير و قد فرض ان الثمن رد اليه فليس له الرجوع الي البائع في مقدار الثمن المسمي.

(2) تارة يكون المشتري مغرورا من قبل البائع، و اخري لا يكون مغرورا اما

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب الغصب الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 465

______________________________

في صورة عدم كونه مغرورا فلا موجب لرجوعه اليه اذ باختياره وضع يده علي مال الغير بلا وجه شرعي فيكون ضامنا علي طبق القاعدة فلا بد من خروجه من الضمان.

و اما اذا كان مغرورا فما يمكن أن يذكر في وجه رجوعه الي البائع امور:

الأول: قاعدة نفي الضرر بتقريب ان الضرر منهي في الشريعة المقدسة و المفروض ان المشتري وقع في الضرر من ناحية البائع فله الرجوع علي طبق قاعدة نفي الضرر. و فيه: اولا ان قاعدة الضرر نافية لا مثبتة. و ثانيا: ان الضرر المتوجه الي المشتري معارض بالضرر المتوجه الي البائع و نسبة القاعدة الي كليهما نسبة واحدة فلا وجه للترجيح. و ثالثا: ان المستفاد من القاعدة النهي لا النفي.

الثاني: قاعدة التسبيب بتقريب ان البائع سبب للضمان و السبب اقوي من المباشر.

و فيه: ان

هذه القاعدة ليست تحت دليل شرعي بل في ظرف الصدق يدخل تحت قاعدة الاتلاف كما لو فتح باب قفس الطير فطار الحيوان فانه يصدق علي الفاتح انه اتلف الحيوان ففي كل مورد صدق عنوان الموضوع علي السبب يترتب عليه حكمه و الا فلا و من الظاهر انه لا يصدق في المقام ان البائع اتلف العين.

الثالث: قاعدة الغرور فان المعروف عند القوم ان المغرور يرجع الي من غره، و ربما يدعي ان مفاد هذه القاعدة يستفاد من جملة من النصوص:

منها ما ورد في شهادة الزور لاحظ ما رواه جميل بن دراج، عمن اخبره، عن احدهما عليهما السلام قال في الشهود اذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي علي الرجل: ضمنوا ما شهدوا به و غرموا، و ان لم يكن قضي طرحت شهادتهم و لم يغرموا الشهود شيئا «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الشهادات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 466

______________________________

و منها ما رواه محمد بن مسلم، عن ابي عبد اللّه عليه السلام في شاهد الزور ما توبته؟ قال: يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله ان كان النصف او الثلث ان كان شهد هذا و آخر معه «1».

و منها ما رواه ابن محبوب عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السلام في اربعة شهدوا علي رجل محصن بالزنا ثم رجع احدهم بعد ما قتل الرجل قال: ان قال الرابع [الراجع]، او همت ضرب الحد و اغرم الدية و ان قال: تعمدت قتل «2».

و منها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في شاهدين شهدا علي امرأة بأن زوجها طلقها، فتزوجت، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق،

قال:

يضربان الحد و يضمنان الصداق للزوج ثم تعتد، ثم ترجع الي زوجها الأول «3».

فان المستفاد منها ان شاهد الزور يغرم. و فيه انه حكم وارد في مورد خاص و لا وجه للتعدي عن مورده الي غيره.

و منها: النصوص الواردة في التدليس في باب النكاح و من تلك النصوص ما رواه الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها امة قد دلست نفسها له قال: ان كان الذي زوجها اياه من غير مواليها فالنكاح فاسد. قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي اخذت منه؟ قال: ان وجد مما اعطاها شيئا فليأخذه، و ان لم يجد شيئا فلا شي ء له و ان كان زوجها اياه ولي لها ارتجع علي وليها بما اخذت منه لمواليها عليه عشر ثمنها ان كانت بكرا، و ان كانت غير

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الشهادات الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 467

______________________________

بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، قال: و تعتد منه عدة الامة قلت:

فان جاءت منه بولد؟ قال: اولادها منه احرار اذا كان النكاح بغير اذن الموالي «1».

و هذه الرواية واردة في مورد خاص و لا يستفاد منها الحكم الكلي و لا مجال لاستفادة المدعي من كلمة «اخذت منه» اذ ما دام لم يؤخذ لا وجه للرجوع فعنوان الاخذ موضوع لجواز الرجوع و ملخص الكلام: ان الرواية لا تدل علي الكبري الكلية.

و منها: ما رواه اسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نظر الي امرأة فاعجبته فسأل عنها فقيل: هي ابنة فلان، فاتي أباها

فقال، زوجني ابنتك، فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد انها غير ابنته، و انها امة، قال: ترد الوليدة علي مواليها و الولد للرجل و علي الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه «2».

بتقريب ان المستفاد من الرواية أن التغرير و الخدعة يوجبان الضمان و الحديث ضعيف سندا، مضافا الي أنه لا يستفاد منه المدعي بل المستفاد منه حكم خاص في مورده لكن الانصاف: انه لا يبعد استفادة الكلية من الحديث فالعمدة الاشكال في السند.

و منها: ما رواه رفاعة بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام «الي أن قال:» و سألته عن البرصاء فقال: قضي امير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليها و هي برصاء ان لها المهر بما استحل من فرجها، و ان المهر علي الذي زوجها، و انما صار عليه المهر لأنه دلسها و لو ان رجلا تزوج امرأة و زوجه اياها رجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 468

و اذا رجع المالك علي البائع رجع البائع علي المشتري بمقدار الثمن المسمي اذا لم يكن قد قبض الثمن (1) و لا يرجع في الزائد عليه اذا كان غارا (2) و اذا رجع المالك علي المشتري ببدل نماء العين من الصوف و اللبن و نحوهما، أو بدل المنافع المستوفاة أو غير ذلك، فان كان المشتري مغرورا من قبل البائع، بأن كان جاهلا بأن البائع، فضولي، و كان البائع عالما فأخبره البائع بأنه مالك، أو ظهر له منه انه مالك رجع المشتري علي البائع بجميع الخسارات التي

خسرها

______________________________

لا يعرف دخيلة امرها لم يكن عليه شي ء و كان المهر يأخذه منها «1».

بتقريب انه يستفاد من عموم التعليل ان الغار ضامن و فيه: اولا ان اعتبار الحديث سندا اول الكلام فان في احد سنديه سهلا و أما السند الاخر ففيه ما فيه من الاشكال.

و أما من حيث الدلالة فغايته اثبات وجوب اداء الثمن علي كل غار، و اما ضمان الغار علي نحو الاطلاق فلا يستفاد من الرواية و ان ابيت عما ذكر نقول المستفاد من الرواية ان المدلس ضامن و ليس كل غار مدلسا. و أما الاستدلال علي المدعي بالإجماع فمشكل لان الاجماع علي فرض تحصيله ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام نعم لا يبعد اثبات المدعي بالسيرة العقلائية الممضاة عند الشارع و اللّه العالم.

(1) قد ظهر وجهه مما تقدم فان المشتري أقدم علي الضمان بهذا المقدار و وضع يده علي مال الغير فبمقدار الثمن المسمي ضامن فللبائع أن يرجع اليه بهذا المقدار.

(2) اذ مع كونه غارا يكون قرار الضمان عليه فلا مجال له أن يرجع علي المشتري مع ان المشتري اذا رجع المالك عليه يرجع عليه كما مر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 469

للمالك (1)، و ان لم يكن مغرورا من البائع، كما اذا كان عالما بالحال، أو كان البائع أيضا جاهلا لم يرجع عليه بشي ء من الخسارات المذكورة (2) و اذا رجع المالك علي البائع ببدل النماءات، فان كان المشتري مغرورا من قبل البائع لم يرجع البائع علي المشتري (3) و ان لم يكن مغرورا من قبل البائع رجع البائع عليه في الخسارة التي خسرها للمالك (4) و كذا الحال

في جميع الموارد التي تعاقبت فيها الايدي العادية علي مال مالك فانه ان رجع المالك علي السابق رجع السابق علي اللاحق ان لم يكن مغرورا منه، و الا لم يرجع علي اللاحق، و ان رجع المالك علي اللاحق لم يرجع الي السابق، الا مع كونه مغرورا منه (5).

______________________________

(1) فان المغرور بمقتضي السيرة العقلائية يرجع الي الغار فكل خسارة تتوجه اليه من قبل غروره من ناحية الغار له أن يرجع الي من غره و خدعه.

(2) اذ مع عدم تحقق الغرور لا وجه لرجوعه الي البائع اذ المفروض ان قرار الضمان عليه.

(3) اذ لا مجال لرجوعه عليه مع فرض كونه غارا اياه.

(4) اذ قرار الضمان علي المشتري.

(5) و في المقام اشكالان احدهما، ان في تعاقب الايدي كيف يصح اشتغال ذمم متعددة مع فرض كون المال واحدا و يدل الواحد واحد.

ثانيهما: انه ما الوجه في أنه لو رجع المالك الي السابق يكون له الرجوع علي اللاحق، و أما اذا رجع المالك علي اللاحق لا يكون له الرجوع علي السابق الا في صورة الغرور فان المغرور يرجع علي الغار و الغار لا يرجع علي المغرور فيقع الكلام في موضعين:

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 470

______________________________

أما الموضع الاول: فنقول يمكن أن يقال ان الضامن في باب تعاقب الايدي هو الكلي الجامع بين الأفراد نظير الوجوب الكفائي فكما ان المكلف الجامع بين الافراد و ليس التكليف متوجها الي كل واحد كذلك الضامن في باب تعاقب الايدي هو الجامع فنعبر عنه بالضمان الكفائي و لا نري فيه اشكالا.

و أما الموضع الثاني: و هو الاشكال في وجه رجوع السابق الي اللاحق حتي في صورة التلف لا الاتلاف و عدم رجوع اللاحق الي السابق مع

وضع كل واحد من السابق و اللاحق يده علي العين و تحقق سبب الضمان بالنسبة الي كل واحد منهما فنقول قد ذكر في وجه الفرق امور:

الاول: ما عن السيد اليزدي قدس سره و حاصله انه لا فرق بين الاتلاف و التلف اذ كما في فرض الاتلاف صار اللاحق سببا لتبدل الضمان بالبدل اذ لو لم يتلف المال و ارجعه الي مالكه لم يتحقق الضمان بالنسبة الي السابق كذلك التلف فانه لو لم يحبس المال و ارجعه الي المالك لم يحدث الضمان بالبدل بواسطة التلف و حيث ان الاتلاف يوجب جواز الرجوع كذلك التلف يوجبه.

و اورد فيه اولا بأن جواز الرجوع في صورة الاتلاف اول الكلام لان موجب الضمان حاصل بالنسبة الي السابق و هو وضع اليد علي مال الغير فالضمان حاصل بالنسبة الي كليهما غاية ما في الباب ان اللاحق باتلافه اوجب الضمان و كون التسبيب موجبا للضمان اول الكلام و الاشكال.

و ثانيا: فرضنا تمامية المدعي في صورة الاتلاف لكن لا وجه لقياس التلف علي الاتلاف فان السابق في صورة الاتلاف له أن يقول لمن بعده لما ذا اتلفت المال و صرت سببا للضمان و أما في صورة التلف فلم يصدر من اللاحق فعل اختياري كي يعترض عليه و مجرد وضع اليد أمر مشترك بينهما كما ان الحبس عن المالك

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 471

______________________________

و عدم ايصاله اليه مشترك فيه فلا ترجيح.

الثاني: ما عن الشيخ الاعظم قدس سره و حاصله الفرق بين الضامن الاول و غيره من حيث ان الضامن الاول بوضع يده علي المال تنتقل الي ذمته العين بالقاء الخصوصيات الشخصية فهو ضامن للعين وحدها و اما الضامن الثاني فهو ضامن للعين التي لها

بدل فاذا رجع المالك الي الاول و اخذ منه بدل ماله سقط احد الفردين نظير سقوط الوجوب التخييري بعد الاتيان باحد فرديه.

و بعبارة اخري: تسقط العين عن ذمة اللاحق اذ المفروض وصول ماله اليه فلا مجال لبقاء الضمان لكن يبقي بدله في ذمته و يصير مملوكا للسابق فيكون للسابق الرجوع علي اللاحق لكن بعد رجوع المالك اليه و دفعه المال الي صاحبه.

و يرد عليه: اولا ان العين قبل التلف لا تعنون بكونها ذات بدل فلا مجال لهذا التقريب، و ان شئت قلت قبل التلف تكون نسبة العين الي الجميع علي حد سواء.

و ثانيا: ان لازم ما ذكر أن يكون الضامن اللاحق ضامنا للمالك باحد امرين من العين و البدل لا ضامنا للضامن الاول فان العين في ذمة الضامن الاول ملك للمالك فبدلها أيضا ملك له لا للضامن الاول و ثالثا: انه علي هذا لو فرض رجوع العين الي السابق و تلفت في يده يجوز رجوع السابق أيضا الي اللاحق و الحال ان الامر بالعكس.

ان قلت: في هذا الفرض يلزم أن يكون السابق لاحقا و اللاحق سابقا فلا يتوجه الاشكال قلت، اليد الثانية لا توجب الضمان اذا المفروض ان ضمانها باقية بحاله و لم يرتفع بعد و رابعا: ان لازم ما ذكر جواز رجوع السابق الي اللاحق قبل دفع البدل الي المالك و هو كما تري.

الثالث: ما افاده سيدنا الاستاد و هو ان الضمان كفائي فاذا دفع السابق البدل الي المالك، يملك التالف بالمعاوضة القهرية بالسيرة العقلائية و الشاهد لها امران

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 472

و كذا الحكم في المال غير المملوك كالزكاة المعزولة، و مال الوقف المجعول مصرفا في جهة معينة أو غير معينة، أو

في مصلحة شخص أو اشخاص فان الولي يرجع علي ذي اليد عليه مع وجوده، و مع تلفه علي النهج المذكور (1).

[مسألة 20: لو باع إنسان ملكه و ملك غيره صفقة واحدة]

(مسألة 20): لو باع انسان ملكه و ملك غيره صفقة واحدة

______________________________

احدهما: انه اذا فرضنا ان احدا أتلف مال الغير كما اذا قتل فرس الغير فادي الي المالك القيمة و خرج من الضمان لا يبقي للمالك حق بالنسبة الي مذبوح الحيوان بل يكون في حكم العقلاء ملكا للضامن بعد خروجه عن الضمان.

ثانيهما: انه اذا غصب شخص مال غيره و غصبه ثالث من الغاصب و القاه في البحر و الغاصب دفع مثل المغصوب أو قيمته الي المالك يكون ما القي في البحر ملكا للغاصب الاول في حكم العقلاء فالسابق بدفعه العوض الي المالك يملك التالف و لا مانع من اعتبار ملكيته بالنسبة الي التالف مع عدم اللغوية و وجود المصلحة في اعتبار الملكية.

فعلي هذا الاساس نقول السابق له حق الرجوع الي اللاحق لوقوع مملوكه في يده فضمانه بالنسبة الي السابق علي طبق القاعدة و أما اللاحق فلا مقتضي لرجوعه الي السابق اذ السابق لم يضع يده علي ماله و أما اللاحق فقد وضع يده علي مملوك السابق، فانقدح بما ذكر وجه التفريق بين السابق و اللاحق، فلاحظ.

(1) فان حكم الامثال واحد و لا فرق فيما ذكر بين الموارد غاية الامر في الملك الشخصي المالك يرجع الي من وضع يده علي المال و في مثل المال الموقوف و الزكاة و امثالهما يكون الامر راجعا الي المتولي أو الحاكم.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 473

صح البيع فيما يملك (1).

______________________________

(1) ادعي الاجماع علي صحة البيع بالنسبة الي مملوكه و لو مع عدم اجازة المالك الاخر أو الالتزام بفساد الفضولي و

قد ذكر في وجه عدم الصحة امران احدهما: ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، لان البائع قصد بيع المجموع.

و اجيب عن هذا الاشكال بأن البيع و ان كان واحدا صورة و لكن بحسب التحليل ينحل الي بيوع متعددة و يمكن أن يقال: انه علي هذا الاساس يلزم تحقق الخيار بعدد البيوع الواقعة و بعبارة اخري: لو باع زيد داره من عمر و صدرت منه بيوع عديدة و بعدد كل واحد من هذه البيوع يثبت خيار المجلس فلكل واحد من الطرفين اعمال الخيار بالنسبة الي بعض هذه البيوع و ابقائه بالنسبة الي البعض الاخر، و هل يمكن الالتزام به؟ مضافا الي أن مرجع ما ذكر الي تحقق بيوع عديدة الي ما شاء اللّه سيما مع الالتزام باستحالة الجزء الذي لا يتجزأ.

ثانيهما: انه مستلزم للجهل بما يقع من الثمن في مقابل ماله و هو يوجب الفساد و فيه اولا: ان هذا الاشكال غير وارد في مورد يكون ما يقع في مقابله معلوما و ثانيا:

مجرد الجهل لا يوجب الفساد الا مع استلزامه الغرر و أما مع عدم الغرر فلا وجه لكون الجهل موجبا للبطلان خصوصا مع قيام الاجماع علي الصحة علي ما ادعي هذا بحسب القاعدة.

و في المقام رواية لا يبعد أن يستفاد منها جواز البيع بالنسبة الي ما يملك كما هو المدعي لاحظ ما رواه الصفار انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في رجل له قطاع ارضين (الارض) فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود: اشهدوا أني قد

بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حد منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 474

و توقفت صحة بيع غيره علي اجازة المالك، فان اجازه صح، و الا فلا (1) و حينئذ يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، فله فسخ البيع بالاضافة الي ما يملكه البائع (2).

[مسألة 21: طريق معرفة حصة كل واحد منهما من الثمن]

(مسألة 21): طريق معرفة حصة كل واحد منهما من الثمن: أن يقوم كل من المالين بقيمته السوقية، فيرجع المشتري بحصته من الثمن نسبتها الي الثمن نسبة قيمة مال غير البائع الي مجموع القيمتين، فاذا كان قيمة ماله عشرة و قيمة مال غيره خمسة، و الثمن ثلاثة يرجع المشتري بواحد الذي هو ثلث الثمن، و يبقي للبائع اثنان، و هما

______________________________

ارضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد أقر له بكلها فوقع عليه السّلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1» فانه عليه السّلام وقع لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من المالك علي ما يملك و مع هذه الرواية لا يبقي مجال للإشكال فلاحظ. بقي شي ء: و هو انه لو قلنا بعدم صحة البيع في المقدار المملوك و قطعنا النظر عن النص الخاص فهل يفرق بين صورة الاجازة و بين صورة عدمها بالالتزام بالصحة في الاولي و عدمها في الثانية؟ الذي يختلج بالبال أن يقال لا فرق بين الصورتين اذ علي تقدير القول بالبطلان يقع العقد باطلا و لا موجب لصحته بعده. و بعبارة واضحة: انه لو قلنا بأن مقضي تبعية العقود للقصود بطلان البيع بالنسبة الي مقدار المملوك يقع

البيع فاسدا و لا مصحح له بعده.

(1) علي ما هو المقرر من صحة الفضولي بالاجازة.

(2) بمقتضي الشرط الاتكازي الضمني فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 475

ثلثا الثمن، هذا اذا لم يكن للاجتماع دخل في زيادة القيمة و نقصها أما لو كان الامر كذلك وجب تقويم كل منهما في حال الانضمام الي الاخر، ثم تنسب قيمة كل واحد منهما الي مجموع القيمتين، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة، مثلا اذا باع الجارية و ابنتها بخمسة، و كانت قيمة الجارية في حال الانفراد ستة، و في حال الانضمام أربعة، و قيمة ابنتها بالعكس فمجموع القيمتين عشرة، فان كانت الجارية لغير البائع رجع المشتري بخمسين، و هما اثنان من الثمن، و بقي للبائع ثلاثة أخماس، و ان كانت البنت لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن، و هو ثلاثة و بقي للبائع اثنان (1).

[مسألة 22: إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين علي السوية فباع أحدهما نصف الدار]

(مسألة 22): اذا كانت الدار مشتركة بين شخصين علي السوية فباع أحدهما نصف الدار، فان قامت القرينة علي أن المراد نصف نفسه، أو نصف غيره، أو نصف في النصفين عمل علي القرينة، و ان لم تقم القرينة علي الشي ء حمل علي نصف نفسه لا غير (2).

______________________________

(1) الظاهر ان ما أفاده تام و لا ينتقض القاعدة في فرد من افرادها. و صفوة القول: ان وصف الانضمام ربما لا يوجب تغيرا في قيمة الحصة و اخري يوجب فالطريق الأول المذكور في المتن للصورة الاولي و الثاني للثانية.

و يمكن أن يقال: ان الطريق الثاني يوجب معرفة الحصة في كل مورد بخلاف الطريق الأول فلنا أن نقول طريق المعرفة علي نحو الكبري الكلية السارية في جميع الموارد هو الطريق الثاني فلاحظ.

(2)

يتصور ذلك علي صور ثلاث: لأنه تارة يقصد نصفه المختص به أو حصة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 476

______________________________

غيره أو بيع نصف المجموع و هذا لا كلام فيه و اخري يقصد بيع النصف بما له من المفهوم عرفا فيقع الكلام في أن المفهوم منه نصفه المختص أو المشترك بعد الفراغ عن عدم ظهور اللفظ في بيع نصف شريكه و ثالثة: لا يعلم انه قصد ايا منهما من الصورة الاولي و الثانية و الظاهر جريان البحث في هذه الصورة أيضا لأن الظهور العرفي حجة ما دام لم يقم قرينة علي خلافه فلا ينحصر البحث بالتقدير الثاني.

اذا عرفت ما تقدم نقول: لو قلنا بأن لفظ النصف ظاهر في النصف المشاع بين الشريكين فربما يقال هذا الظهور يعارضه ان الانشاء ظاهر في الانشاء عن نفسه كما أن التصرف ظاهر في التصرف ظاهر في مال نفسه فيقع التعارض بين ذلك الظهور و هذين الظهورين.

و اجيب عن هذه المعارضة بأنه لو سلمنا ظهور النصف في المشاع بين الطرفين لا يعارضه الظهوران الآخران أما ظهور الانشاء في الانشاء من قبل نفسه فهو ممنوع فيما يكون المال معينا في الخارج. نعم اذا كان الثمن أو المثمن كليا كان هذا الظهور ثابتا فلو قال البائع بعتك هذا بدينار و قال المشتري قبلت، و بعد ذلك ادعي انه قبل من قبل الغير لا يسمع قوله لأن إنشائه ظاهر في الانشاء عن نفسه و أما في المعين فلا مجال لهذا الظهور و لا موضوع له.

و أما ظهور التصرف في مال نفسه لا مال الغير فمسلم لكن هذا الظهور لا يقاوم ظهور المتعلق في الاشاعة فعلي هذا الاساس يكون البيع واقعا علي النصف المشاع بين الطرفين، لكن

الاشكال في أصل المبني و هو ظهور لفظ النصف في النصف المشاع بين الطرفين و لا وجه له لا من ناحية الوضع و لا من ناحية الانصراف.

نعم لا اشكال في انصراف النصف الي المشاع لأن ارادة النصف المعين كالواقع في الغرب أو الشرق يحتاج الي مؤنة زائدة و مقتضي الاطلاق و عدم قيام قرينة

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 477

[مسألة 23: يجوز للأب و الجد للأب و إن علا التصرف في مال الصغير بالبيع و الشراء]

(مسألة 23): يجوز للأب و الجد للأب و ان علا التصرف في مال الصغير بالبيع و الشراء (1)،

______________________________

الانصراف الي المشاع بلا تقيده بأي قيد و اما كونه مملوكا لشخص أو شخصين فهو خارج عن تحت المفهوم كبقية الخصوصيات فعلي هذا يمكن الأخذ بظهور التصرف في مال نفسه اذ المتعلق مجمل و يرتفع اجماله بظهور التصرف في مال النفس نظير قوله بعتك غانما و يكون الغانم مشتركا بين عبده و عبد غيره فان ظهور التصرف يرفع اجمال المتعلق و نلتزم بأن المبيع عبده لا عبد غيره فعلي هذا لو باع نصف الدار يحمل قوله علي بيع نصفه المختص به لظهور البيع في التصرف في مال نفسه الرافع لا جمال لفظ النصف المتعلق لبيعه.

(1) قال الشيخ الاعظم (قدس سره): «يجوز للأب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء و يدل عليه قبل الاجماع الاخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

و عن الجواهر: «دعوي الاجماع عليه بقسميه، و عن غير واحد من الكتب دعوي الاجماع عليه، فنقول ما يمكن أن يذكر في مستند الحكم وجوه:

الوجه الأول: الاجماع، و فيه: ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي

المعصوم.

الوجه الثاني: الاخبار و هي علي طوائف: الطائفة الاولي ما يدل علي أن الولد و ماله لوالده منها ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجة الإسلام، قلت:

و ينفق منه؟ قال: نعم، ثم قال: ان مال الولد لوالده، ان رجلا اختصم هو و والده الي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم، فقضي ان المال و الولد للوالد «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 478

______________________________

و منها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يحتاج الي مال ابنه، قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال: في كتاب علي عليه السّلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له أن يقع علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال لرجل انت و مالك لأبيك «1».

و منها: ما رواه ابو حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال لرجل: انت و مالك لأبيك، ثم قال ابو جعفر عليه السّلام: ما احب «لا تحب خ ل» ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه ان اللّه لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ «2».

و منها: ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ يحج الرجل من مال ابنه و

هو صغير؟ قال: نعم، قلت: يحج حجة الإسلام و ينفق منه؟

قال: نعم بالمعروف، ثم قال: نعم يحج منه و ينفق منه ان مال الولد للوالد، و ليس للولد ان يأخذ من مال والده الا باذنه «3».

و منها: ما رواه محمد بن سنان، ان الرضا عليه السّلام كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله عز و جل «يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ» مع انه المأخوذ بمئونته صغيرا و كبيرا، و المنسوب اليه و المدعو له لقوله عز و جل «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ» و لقول النّبيّ صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 479

______________________________

و سلم: «انت و مالك لأبيك» و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا الا باذنه أو باذن الأب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها «1».

و منها: ما رواه عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: اني لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه اذا جاء رجل يستعدي علي ابيه فقال: اصلح اللّه الامير ان ابي زوج ابنتي بغير اذني. فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا: نكاحه باطل، قال: ثم اقبل علي فقال: ما تقول يا ابا عبد اللّه فلما سألني اقبلت علي الذين اجابوه، فقلت لهم: أ ليس فيما تروون انتم عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم

ان رجلا جاء يستعديه علي ابيه في مثل هذا، فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: انت و مالك لأبيك؟ قالوا: بلي، فقلت لهم: فكيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه؟ قال: فأخذ بقولهم و ترك قولي «2».

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة نحو ان احدهما: ان المستفاد منها ان مال الولد ملك لوالده و لا اشكال في جواز تصرف الانسان في مملوكه و الناس مسلطون علي اموالهم.

ثانيهما: أن تكون هذه الطائفة حاكمة علي ادلة عدم جواز التصرف في مال الغير و نتيجة الحكومة في المقام التوسعة، و علي كلا التقديرين يجوز للوالد ان يتصرف في مال ولده.

و يرد عليه اولا: ان المستفاد من جملة من هذه النصوص جواز التصرف في مال الولد و لو كان بالغا رشيدا و لا يلتزم المدعي بهذا للازم. و بعبارة اخري: الكلام

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد النكاح الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 480

______________________________

في ولاية الأب و الجد في مال الصغير.

و ثانيا: ان المستفاد من هذه النصوص جواز التصرف في مال الولد لنفسه كيف اراد و الكلام في المقام في جواز التصرف الاعتباري في مال الصغير لأجله و له.

و ثالثا: يلزم الالتزام بجواز تعدد المالك مع كون المملوك واحدا علي التقريب الاول، و هذا و ان لم يكن محالا عقليا لكن لا يكون معهودا.

و رابعا: المستفاد من هذه الطائفة ان الولد مملوك لوالده و هذا خلاف ضرورة الفقه بل خلاف ضرورة المذهب بل خلاف ضرورة الإسلام.

و خامسا: ليس في النصوص المشار اليها ذكر من الجد الا ان يقال ان الاب و الوالد يطلقان علي الجد

و الابن و الولد يطلقان علي الحفيد و سادسا: انه تعارضها طائفة اخري من النصوص لاحظ ما رواه ابن سنان قال: سألته يعني ابا عبد اللّه عليه السّلام ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال: اما اذا انفق عليه ولده باحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا، و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال: و يعلن ذلك، قال: و سألته عن الوالد أ يرزأ من مال ولده شيئا؟ قال: نعم و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا الا بإذنه، فان كان للرجل ولد صغار لهم جارية فاحب أن يقتضيها فليقومها علي نفسه قيمة، ثم ليصنع بها ما شاء ان شاء وطأ و ان شاء باع «1».

و منها: ما رواه علي بن جعفر، عن ابي ابراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال: لا الا أن يضطر اليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا الا باذن والده «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 481

______________________________

و منها: ما رواه حسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته «قوت خ» بغير سرف اذا اضطر اليه، قال:

فقلت له: فقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم للرجل الذي اتاه فقدم اباه فقال له: انت و مالك لأبيك، فقال: انما جاء بابيه الي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا رسول اللّه هذا

أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمي فاخبره الاب انه قد انفقه عليه و علي نفسه، و قال: انت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يحبس الاب للابن «1»؟.

فانه يستفاد من هذه النصوص ان مال الابن لا يكون مملوكا للأب و الا كيف يمكن أن يكون تصرفه في مملوكه مشروطا بالاحتياج و الاضطرار و سابعا: ان جواز تصرف الاب في مال الابن كيف ما يشاء باطل قطعا و لا اشكال في عدمه فلاحظ.

الطائفة الثانية: ما يدل علي جواز تقويم الاب جارية الابن أو البنت و وطئها اذا لم يكن الابن وطأها و من تلك الطائفة ما رواه ابن سنان «2».

و منها: ما رواه حسن بن محبوب قال: كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام اني كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها و في بيت زوجها حتي مات زوجها، فرجعت إلي هي و الجارية أ فيحل لي أن اطأ الجارية؟ قال: قومها قيمة عادلة و اشهد علي ذلك ثم ان شئت فطأها «3».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار. عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الوالد يحل له من مال ولده اذ احتاج اليه؟ قال: نعم، و ان كان له جارية

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) لاحظ ص: 480

(3) الوسائل الباب 79 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 482

______________________________

فاراد أن ينكحها قومها علي نفسه و يعلن ذلك قال: و ان كان للرجل جارية فابوه أملك بها ان يقع عليها ما لم يمسها الابن «1».

بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص جواز بيع

جارية الابن، فاذا جاز بيع الجارية يجوز بيع غيرها من الاموال بالاولوية.

و فيه: اولا لا ذكر للجد في هذه الروايات، و الكلام في ولاية الاب و الجد، فتأمل و ثانيا: مقتضي هذه النصوص عدم الفرق بين الصغير و الكبير و الكلام في المقام في التصرف في مال الصغير و ثالثا: ان المستفاد من هذه الطائفة جواز تصرفه في ماله لأجل نفسه لا المعاملة لأجل الابن فعلي تقدير القول به يختص الحكم بمورده.

و رابعا: لا مجال لتقريب الاولوية اذ يمكن ان الشارع الاقدس سهل الامر فيما يرجع الي النكاح لينسد باب الفساد فلا وجه لقياس الموارد الاخر عليه.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي ان الاب يجوز له نكاح ابنه و بنته:

منها: ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصبية يزوجها ابوها ثم يموت و هي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها يجوز عليها التزويج أو الامر اليها؟ قال: يجوز عليها تزويج ابيها «2».

و منها: ما رواه ابن الصلت قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها لها امر اذا بلغت؟ قال: لا ليس لها مع ابيها امر قال:

و سألته عن البكر اذا بلغت مبلغ النساء أ لها مع ابيها امر؟ قال: ليس لها مع ابيها امر ما لم تكبر «تثيب خ ل» «3».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 483

______________________________

و منها: ما رواه الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: اذا زوج الرجل ابنه فذاك الي ابنه «ابيه خ ل» و

اذا زوج الابنة جاز «1».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الصبي يزوج الصبية، قال: ان كان ابواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز، و لكن لهما الخيار اذا ادركا فان رضيا بعد ذلك فان المهر علي الاب قلت له: فهل يجوز طلاق الاب علي ابنه في صغره؟ قال: لا «2».

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان الاب له الولاية علي تزويج ابنه و بنته فاذا ثبت الولاية في النكاح يثبت في البيع بالاولوية و فيه: منع الاولوية كما تقدم.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي جواز وصية الاب بمال الولد بأن يضارب فيه، و الحديث الوارد في الباب حديثان الاول: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن رجل أوصي الي رجل بولده و بمال لهم و اذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم، فقال: لا بأس به من اجل ان اباه قد اذن له في ذلك و هو حي «3».

الثاني: ما رواه خالد «ابن بكير خ» الطويل قال: دعاني ابي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني اقبض مال اخوتك الصغار و اعمل به، و خذ نصف الربح و اعطهم النصف، و ليس عليك ضمان، فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة أبي الي ابن ليلي، فقالت: ان هذا يأكل أموال ولدي، قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به ابي، فقال لي ابن ابي ليلي ان كان ابوك امرك بالباطل لم اجزه، ثم اشهد علي ابن ابي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 8

(3) الوسائل الباب 92 من ابواب الوصايا الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 484

______________________________

ليلي ان انا

حركته فأنا له ضامن، فدخلت علي ابي عبد اللّه عليه السلام فقصصت عليه قصتي، ثم قلت له: ما تري؟ فقال: اما قول ابن ابي ليلي فلا استطيع رده، و اما فيما بينك و بين اللّه عز و جل فليس عليك ضمان «1».

و يستفاد من الحديث الاول جواز التصرف علي الاطلاق لقوله عليه السّلام «لا بأس به من اجل ان اباه قد اذن له في ذلك و هو حي»، فانه يستفاد من هذه الجملة ان تصرف الاب نافذ في مال الولد.

و لكن الاشكال من حيث السند، فان الحديث ضعيف بحسن بن علي بن يوسف او يونس، و الحديث الثاني ضعيف بخالد فالنتيجه انه لا يمكن اثبات المدعي بهذا الوجه.

الطائفة الخامسة: النصوص الواردة في بعض الموارد كالنصوص الواردة في الوصية بمال الصبي و جعله قيما عليه لاحظ ما رواه ابن رئاب قال: سألت ابا الحسن موسي عليه السّلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك اولاد اصغارا، و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ و ما تري في بيعهم؟ قال: فقال: ان كان لهم ولي يقوم بامرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم، قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ فقال: لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم، فليس لهم ان يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم «2».

فانه يستفاد من هذه الرواية ان الأب اذا اوصي الي احد في مال ولده ينفذ و يكون الوصي مقدما علي غيره فاذا كانت وصيته نافذة بعد وفاته يكون تصرفه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب

15 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 485

______________________________

حال حياته اولي بالنفوذ و الجواز فلاحظ.

و ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري قال: سألت الرضا عليه السّلام عن رجل مات بغير وصية و ترك اولاد اذكر انا غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم ان تباع الجواري؟ قال نعم، و عن الرجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير ان يتولي القاضي بيع ذلك، فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع، و قام عدل في ذلك «1».

و ما رواه محمد بن اسماعيل بزيع قال: مات رجل من اصحابنا و لم يوص فرفع امره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما اراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن اذ لم يكن الميت صير اليه وصيته، و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام و قلت له: يموت الرجل من اصحابنا و لا يوصي الي احد، و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهن، او قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما تري في ذلك؟ قال: فقال: اذا كان القيم به مثلك «او: يب» و مثل عبد الحميد فلا بأس «2».

و تقريب الاستدلال هو التقريب و الانصاف انه لا قصور في دلالة هذه الطائفة علي المدعي اذ كيف يمكن

ان يقال انه يجوز جعل القيم بعد الوفاة و يجوز تصرف الوصي من قبله و لا يجوز تصرفه حال حياته مضافا الي انه لا يبعد ان يقال: ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 486

______________________________

ولاية الأب و الجد علي مال الصغير مما لا اشكال فيها عند القوم.

و بعبارة اخري: الجواز متسالم عليه عند الأصحاب، اضف الي ذلك السيرة الجارية بين العقلاء علي تصرف الأب في مال ولده الصغير و هذه السيرة مستمرة الي زمان المعصوم عليه السّلام و لم يردع عنها الشارع الاقدس، اذ علي فرض ردعه كان مبانا و ظاهرا فتكون ممضاة.

ان قلت: السيرة المدعاة مردوعة بقوله تعالي: «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ» الاية «1» و بما دل علي عدم جواز بيع مال الغير «2»، فان مقتضي الاية بطلان كل معاملة الا ما يكون مع المالك فتجارة الأب في مال الولد غير صحيحة كما ان مقتضي اطلاق عدم جواز بيع مال الغير عدم جواز بيع الأب مال الابن.

قلت: بعد فرض استقرار السيرة العقلائية علي جواز تصرف الأب في مال الابن لا يري العرف بيع الأب مال الابن تجارة عن غير تراض كما انهم لا يرون بيعه بيع مال الغير. و نظير المقام ما ذكرناه في الادلة الناهية عن العمل بغير العلم كقوله:

«لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» «3» و «إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» * «4» و أمثالهما حيث ان هذه العمومات لا تكون رادعة عن العمل بقول الثقة المعمول به عند العقلاء بتقريب انهم يراه من انهاء الطرق العلمية، و ان ابيت عما ذكرنا نقول: لا اشكال في أن

الشارع الأقدس لم يردع عن السيرة مع كونها بمنظره و مسمعه. و بعبارة واضحة: لو كان تصرف الأب في مال الابن حراما لظهر و بان و شاع و ذاع فلاحظ.

______________________________

(1) النساء/ 34

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع الحديث: 2

(3) الاسراء/ 36

(4) يونس/ 36

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 487

و الاجارة و غيرها (1) و كل منهما مستقل في الولاية، فلا يعتبر الاذن من الاخر (2)،

______________________________

(1) لاشتراك الكل في وجوه الاستدلال، فلاحظ.

(2) عمدة الدليل علي ولاية الجد الاجماع و التسالم و لم يقيد الأصحاب ولاية الجد باذن الأب فلا اشتراط بالنسبة الي الجد و أما الأب فلا اشكال في عدم اشتراط ولايته باذن الجد.

و ربما يقال: يمكن أن يستفاد المدعي بالنسبة الي الجد من بعض النصوص الواردة في النكاح عند المزاحمة بين الجد و الأب:

منهما: ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: اذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز علي ابنه، و لابنه أيضا أن يزوجها، فقلت: فان هوي أبوها رجلا وجدها رجلا فقال: الجد أولي بنكاحها «1».

و منها: ما رواه عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل و يريد جدها أن يزوجها من رجل آخر فقال: الجد أولي بذلك ما لم يكن مضارا ان لم يكن الأب زوجها قبله، و يجوز عليها تزويج الأب و الجد «2».

و منها: ما رواه هشام بن سالم و محمد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا زوج الأب و الجد كان التزويج للأول، فان كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولي «3».

و منها: ما رواه فضل بن عبد الملك، عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام قال: ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 488

______________________________

الجد اذا زوج ابنة ابنه و كان أبوها حيا و كان الجد مرضيا جاز، قلنا: فان هوي أبو الجارية هوي، و هوي الجد هوي و هما سواء في العدل و الرضا، قال: احب إلي أن ترضي بقول الجد «1».

و منها: ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز علي ابنه، قال: و لابنه أيضا ان يزوجها، فان هوي أبوها رجلا وجدها رجلا فالجد أولي بنكاحها «2».

و منها: ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال:

سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي أن يزوج أحدهما و هوي أبوه الاخر أيهما أحق أن ينكح؟ قال: الذي هوي الجد أحق بالجارية لأنها و أباها للجد «3».

بتقريب انه يستفاد حكم المقام بالاولوية لان النكاح اهم فاذا قدم فعل الجد في ذلك الباب مع كونه اهم ففي غيره بطريق أولي و لا يبعد تمامية التقريب و لا يتوجه عليه ما قد مر منا من الاشكال في الاولوية اذ قد فرض في هذه النصوص ان كل واحد من الأب و الجد يريد خلاف ما اراده الاخر و مع ذلك حكم الشارع بتقديم الجد.

الا ان يقال: يمكن ان تقديم قول الجد بلحاظ تسهيل الأمر في النكاح كي لا يبقي معطلا عند المعارضة فلا بد من تقديم أحد الطرفين و رجح الشارع طرف الجد و لكن في غير النكاح يمكن أن تكون نتيجة المعارضة سقوط كلا الطرفين

و عدم ترجيح أحدهما علي الاخر فلا مجال لتقريب الاولوية، فلاحظ.

و لكن الانصاف ان الجزم بولاية الجد مع وجود الأب بحيث يكون لكل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 489

كما لا تعتبر العدالة في ولايتهما (1)،

______________________________

منهما علي نحو الاستقلال مشكل، قال في الحدائق «1» «المفهوم من كلام الأصحاب ان الولاية علي الصغير للأب ثم الجد له و ان علا علي الترتيب الأقرب فالأقرب للميت فان عدم الجميع فالوصي من جهة الأب ثم الوصي من جهة الجد علي الترتيب المتقدم ثم مع عدم جميع هؤلاء فالحاكم الشرعي»، الي آخر كلامه رفع في الفردوس مقامه.

كما ان التعدي من أب الأب الي جد الأب و ان علا محل الاشكال، قال في الجواهر «2» «و كيف كان ففي تعدي الحكم الي أب الجد و جد الجد و ان علا مع الأب نظر»، الي آخر كلامه رفع في الجنان مقامه.

(1) ما يمكن أن يذكر في مستند القول باشتراط العدالة وجوه: الوجه الأول:

الأصل، بتقريب ان مقتضي الاستصحاب عدم اعتبار الشارع الأقدس الأب وليا علي الطفل كما ان مقتضاه عدم تحقق النقل و الانتقال بمعاملة الأب.

و فيه: ان الأصل المذكور لا اشكال في تمامية أركانه لكن انما يتم لو لم يقم دليل علي تحقق ولايته و المفروض ان السيرة جارية علي ولاية الأب بلا تقيد بهذا القيد، و المدعي امضاء هذه السيرة.

الوجه الثاني: ان ولاية الفاسق ولاية علي من لا يقدر الدفاع عن نفسه، فيستحيل علي الشارع الحكيم أن يجعل الفاسق امينا يقبل اقراره و يجوز تصرفه و عقده. و يمكن أن يجاب عن هذا الاشكال أولا ان الفسق لا ينافي الامانة

اذ ربما يكون فاسقا و لا يكون خائنا في أموال الناس و اعراضهم.

و ثانيا: لا يستلزم الولاية وضع المال تحت يده بل يمكن جعل المال تحت

______________________________

(1) ج 18 ص: 322

(2) ج 26 ص: 102

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 490

______________________________

يد امين و يكون تصرف الأب نافذا. و ثالثا: انه متي ظهرت منه الخيانة يعز له الحاكم. و بعبارة اخري: يجعل عليه مراقبا و ناظرا بحيث يكون تصرفه منوطا بنظر ذلك الناظر و متي ظهرت خيانته عزله.

و لكن يمكن أن يقال: انه لا مجال للعزل اذ مع فرض الخيانة ان كانت ولايته باقية شرعا فلا مجال للحاكم أن يعزله و ان لم تكن باقية فلا موضوع للعزل و لا مجال له علي كلا التقديرين.

و رابعا: ان مناطات الأحكام ليست مكشوفة عندنا فاذا قام الدليل علي ولايته نلتزم بها و الا فلا، و صفوة القول ان العمدة قيام الدليل علي الولاية و مقدار دلالته فلاحظ.

الوجه الثالث: قوله تعالي «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ» «1» بتقريب ان الفاسق ظالم و الحكم بنفوذ أمره و تصرفه ركون اليه فلا يجوز.

و فيه: اولا انه لا يبعد أن يتبادر من لفظ الاية ولاة الجور كخلفاء بني امية و بني العباس. و ثانيا: ان الحكم بنفوذ المعاملة لو كان ركونا لكانت جملة من المعاملات باطلة لكونها صادرة عن الفساق بل أكثر المعاملات كذلك بل كثير من المعاملات مع الكفار.

ان قلت: مجرد نفوذ المعاملة لا يكون ركونا و لكن وضع المال تحت يده ركون اليه. قلت: جواز المعاملة لا يستلزم وضع المال تحت يده كما تقدم بل يمكن الحكم بنفوذ

معاملته و الحال ان المال خارج عن اختياره. و ثالثا: سلمنا كون البناء علي نفوذ معاملاته ركونا اليه لكن المفروض قيام الدليل علي أن الشارع

______________________________

(1) هود/ 113

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 491

و لا أن تكون مصلحة في تصرفهما (1)،

______________________________

الأقدس جعل تصرفه في مال الصغير نافذا و الشارع عالم بملاكات احكامه و مصالحها.

و بعبارة اخري: الركون اليه بأمر الشارع حسب الدليل فلا مجال للإيراد.

الوجه الرابع: قوله تعالي «إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَليٰ مٰا فَعَلْتُمْ نٰادِمِينَ» «1» بتقريب ان مقتضي الاية الشريفة عدم تصديق الفاسق في اخباراته فاخباره بالتصرف الفلاني لا يسمع منه. و فيه اولا النقض بجملة من الموارد التي يقبل فيها قول الفاسق، منها: قول ذي اليد. و ثانيا: عدم قبول قوله لا يستلزم عدم نفوذ تصرفه فلو علمنا بتصرفه نحكم بنفوذه و الا فلا. مضافا الي قاعدة من ملك فان مقتضاها قبول قول من يكون مالكا لشي ء بالنسبة اليه فلاحظ.

و يمكن الاستدلال علي عدم الاشتراط بدليلين: احدهما: ان مقتضي الاصل عدم الردع عن السيرة. و فيه: ان مجرد عدم الردع لا يكون دليلا علي الامضاء بل لا بد من التماس دليل يدل علي الامضاء. و بعبارة اخري: الامضاء بنفسه فعل خارجي لا يترتب علي اصالة عدم الردع الا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

ثانيهما: عدم اشتراط العدالة في باب نكاح الصغيرة فبالاولوية يستفاد حكم الشارع فيما نحن فيه. و فيه: انه قد مر عدم تمامية الاولوية بل الاولوية في هذا الطرف. و بعبارة واضحة: التسهيل في باب النكاح لا يستلزم التسهيل في باب البيع فلاحظ.

(1) ما يمكن ان يذكر في مستند الاشتراط وجوه: الوجه الأول: الاجماع.

و فيه:

انه لا جزم بكونه تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام.

الوجه الثاني: الأصل فان مقتضاه عدم جعل الولاية له مع عدم المصلحة.

و بعبارة اخري: لو لم يكن لنا اطلاق يقتضي عدم الاشتراط و تصل النوبة الي الأصل

______________________________

(1) الحجرات/ 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 492

______________________________

يكون مقتضاه الاشتراط، و هذا الوجه حسن لو لم يثبت تحقق السيرة علي التصرف و لو مع عدم المصلحة.

الوجه الثالث: قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ بِالْقِسْطِ» «1» بتقريب ان مقتضي الاية الكريمة عدم جواز التصرف في مال الصغير الذي لا اب له الا مع وجود المصلحة و يتم في الأب بعدم القول بالفصل. و اورد علي التقريب بايرادات:

منها: ان صدق عنوان اليتم علي من يكون ذا جد محل الاشكال و الكلام.

و فيه: انه لا يبعد ان يقال بأنه لا وجه للإشكال اذ يصدق عليه عنوان اليتيم.

و منها: ان المراد بالاحسن في الاية الشريفة مجرد الحسن لا عنوان افعل التفضيل و العمل الذي لا يكون فيه مفسدة يكون حسنا و فيه: ان صدق عنوان الحسن علي ما لا تكون فيه مفسدة و لو لم يكن ذا مصلحة اول الكلام و الاشكال.

و منها: ان الاية منصرفة عن الجد و متوجه الي الاجانب و فيه: انه علي فرض الانصراف يكون بدويا يزول بالتأمل.

و منها: ان عدم الفصل غير محرز و علي تقدير احرازه لا يكون تحته شي ء و غايته أن يرجع الي الاجماع و بعد فرض احتمال كونه مدركيا لا يترتب عليه اثر و الانصاف ان هذا الايراد في محله، فالعمدة هو الاصل ان لم تكن السيرة قائمة علي خلاف مقتضاه.

بقي

الكلام: في المراد من لفظ الاحسن، و قد ذكرت فيه احتمالات: الاحتمال الاول: أن يراد به التفضيل علي الاطلاق من الترك و من غيره اي التصرفات الاخر و لازمه عدم جواز التصرف الا فيما يصدق عنوان التفضيل علي الاطلاق.

______________________________

(1) الانعام/ 152

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 493

______________________________

و عن الشيخ قدس سره اختيار هذا الاحتمال، بتقريب ان الظاهر من هذا اللفظ التفضيل و حذف المتعلق يفيد العموم.

و قد اورد فيه بايرادات: الايراد الاول: ان استعمال هذا اللفظ في غير التفضيل كثير و المؤيد لعدم ارادة التفضيل منه في الاية الكريمة عدم ذكر (من) و عدم اضافته و فيه: ان استعماله في غير التفضيل مع القرينة لا يقتضي رفع اليد عن ظهوره في التفضيل مع عدم القرينة علي الخلاف كما ان عدم ذكر (من) و عدم اضافته لا يقتضي رفع اليد عن الظهور المدعي بل كما قد مر ان حذف المتعلق يفيد العموم.

الايراد الثاني: انه يلزم عدم الاقدام في مورد يكون جملة من التصرفات متساوية في مقدار المصلحة و لا يكون ترجيح بينها، هذا لو قلنا بلزوم التفضيل علي الاطلاق و ان قلنا بكفاية المصلحة في الجملة يكون لازمه جواز التصرف الذي يكون اصلح من غيره و ان كان هناك تصرف احسن من هذا التصرف.

و فيه: ان المراد كما قلنا التفضيل علي الاطلاق و في مورد تساوي جملة من التصرفات في المصلحة نلتزم بأن الجامع بينها احسن و لازمه التخيير.

الايراد الثالث: انه لو فرض ان التصرف الفلاني ذو مصلحة و أما غيره من التصرفات فلا يكون فيه مصلحة يلزم عدم جواز التصرف اذ لا يصدق عنوان التفضيل فان وجود القدر المشترك شرط في تحقق هذا العنوان.

و فيه: ان

الجواز في هذا الفرض بالاولوية اذ مع وجود المصلحة في بقية التصرفات اذا كان التصرف جائزا ففي غيره يجوز بالاولوية.

و بعبارة اخري: جواز التصرف في الصورة المفروضة ليس بالدلالة اللفظية بل بالاولوية.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الاحسن ما يكون حسنا و لازمه جواز

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 494

______________________________

التصرف الذي يكون حسنا و ان كان التصرف الاخر احسن منه لصدق العنوان و يرد عليه: ان حمل صيغة التفضيل عليه بلا شاهد مع كون ظاهره التفضيل كما مر.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد به ما لا يكون فيه مفسدة و ان لم يكن فيه مصلحة و لازمه جواز التصرف اذا لم يكن فيه مفسدة مع كون التصرف الاخر أصلح و هذا الاحتمال لا يعتد به و لا يحمل عليه اللفظ لعدم الدليل عليه و ظهور اللفظ في خلافه.

الاحتمال الرابع: أن يكون المراد به الاحسن من الترك و ان كان التصرف الاخر أصلح و لازمه جواز التصرف بمجرد كونه احسن من تركه و ان كان التصرف الاخر احسن.

و يرد عليه: انه لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه و هو ان اللفظ ظاهر في الاحسن علي الاطلاق.

الاحتمال الخامس: أن يكون المراد به الاحسن من بقية التصرفات و لازمه جواز التصرف فيما يكون احسن من غيره من التصرفات و ان كان تركه احسن.

و يرد عليه: انه مخالف للإطلاق اي ظهور اللفظ في التفضيل علي الاطلاق فتحصل ان مقتضي الاية اشتراط التصرف بكونه احسن علي الاطلاق هذا بحسب ما يستفاد من الاية الشريفة و أما بحسب النص الوارد في المقام فهنا حديثان:

احدهما: ما رواه علي بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان لي ابنة اخ يتيمة فربما

اهدي لها الشي ء فآكل منه ثم اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي فاقول: يا رب هذا بذا فقال: لا بأس «1».

و المستفاد من هذه الرواية ظاهرا جواز التصرف في مال اليتيم بالمعاوضة

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 495

______________________________

العادلة، و لكن السند ضعيف بذبيان.

ثانيهما: ما رواه الكاهلي قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام انا ندخل علي اخ لنا في بيت ايتام و معه خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما تري في ذلك؟ فقال:

ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، و ان كان فيه ضرر فلا، و قال عليه السّلام «بل الانسان علي نفسه بصيرة» فانتم لا يخفي عليكم و قد قال اللّه عز و جل:

وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ «1».

و لا يبعد اعتبار السند فيه: فان النجاشي و العلامة و الكشي قدس اللّه اسرارهم قالوا في حق الكاهلي كان وجها عند أبي الحسن عليه السّلام و وصي به علي بن يقطين فقال اضمن لي الكاهلي و عياله اضمن لك الجنة لكن الانصاف: ان اثبات الوثاقة للرجل مشكل و لا دليل علي أن عنايتهم أرواحنا فداهم تختص بالعدول، و أما من حيث الدلالة فالظاهر منها كفاية عدم المفسدة فان ذيل الخبر يدل علي هذا المعني و يفسر الصدر و لكن عمدة الاشكال في السند.

مضافا الي أنه يمكن أن يقال: ان الرواية مخالفة للآية حيث دلت علي اشتراط جواز التصرف بكونه احسن و الحال ان الحديث يدل علي جواز التصرف بمجرد عدم المفسدة فيه فكيف يمكن

الاخذ و الحال ان المخالف للكتاب زخرف فلاحظ.

فالنتيجة ان التصرف مشروط بكونه احسن علي الاطلاق فيشترط هذا الشرط بالنسبة الي الجد مع فقد الاب و أما بالنسبة الي الاب فان تم اجماع تعبدي علي كون ولاية الاب كولاية الجد نلتزم بهذا الاشتراط بالنسبة اليه أيضا كما أن مقتضي الاصل عدم تحقق الولاية الا في المقدار المتيقن، هذا كله مع قطع النظر عن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 496

______________________________

السيرة و أما بلحاظها فلا بد من ملاحظتها سعة و ضيقا فان تحقق استقرارها علي التصرف بلا رعاية الشرط المذكور نلتزم بالجواز.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديثين: احدهما: ما رواه اسحاق بن عمار قال: دخلت علي ابي عبد اللّه عليه السّلام فخبرته انه ولد لي غلام، قال: أ لا سميته محمدا؟ قلت: قد فعلت قال: فلا تضرب محمدا و لا تشتمه جعله اللّه قرة عين لك في حياتك و خلف صدق بعدك، قلت: جعلت فداك في أي الاعمال اضعه؟ قال اذا عدلته (عزلته) عن خمسة اشياء فضعه حيث شئت: لا تسلمه صيرفيا فان الصيرفي لا يسلم من الربا، و لا تسلمه بياع اكفان فان صاحب الاكفان يسره الوباء اذا كان، و لا تسلمه بياع طعام فانه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلمه جزارا فان الجزار تسلب منه الرحمة و لا تسلمه نخاسا فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: شر الناس من باع الناس «1».

ثانيهما: ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن «موسي بن جعفر» عليه السّلام قال: جاء رجل الي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا رسول اللّه قد علمت ابني هذا الكتابة

ففي اي شي ء اسلمه؟ فقال: اسلمه للّه ابوك و لا تسلمه في خمس: لا تسلمه سباء و لا صائغا و لا قصابا و لا حناطا و لا نخاسا قال: فقال: يا رسول اللّه ما السباء؟ قال: الذي يبيع الاكفان و يتمني موت امتي و للمولود من امتي احب إلي مما طلعت عليه الشمس، و أما الصائغ فإنه يعالج زين غني امتي، و اما القصاب فانه يذبح حتي تذهب الرحمة من قلبه، و اما الحناط فانه يحتكر الطعام علي امتي، و لئن يلقي اللّه العبد سارقا احب إلي من ان يلقاه قد احتكر الطعام اربعين يوما، و اما النخاس فانه اتاني جبرئيل فقال: يا محمد ان شرار امتك

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 497

بل يكفي عدم المفسدة (1)، الا أن يكون التصرف تفريطا منهما في مصلحة الصغير، كما لو اضطر الولي الي بيع مال الصغير، و أمكن

______________________________

الذين يبيعون الناس «1».

و الظاهر ان الحديث الثاني صحيح سندا و يستفاد من الحديثين ان الاب له أن يتصرف في نفس الصغير و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي انه لو جاز التصرف في نفس الصغير جاز في ماله بالاولوية و مقتضي اطلاق الرواية جواز تسليمه و التصرف في نفسه علي الاطلاق.

و يرد عليه اولا: انه يمكن أن يقال ان النبي صلي اللّه عليه و آله في مقام نهيه عن عدة امور و لا يكون في مقام بيان شرائط التسليم، فتأمل و ثانيا: سلمنا الاطلاق لكن الاولوية محل الكلام و الاشكال و ثالثا: علي فرض الاطلاق و تسلم الاولوية تكون الرواية معارضة للآية فلا تكون حجة لكن الاية لا تشمل الاب اذ

الموضوع المذكور فيها عنوان اليتيم و اليتيم من لا أب له.

(1) للنص المتقدم اي حديث الكاهلي، بتقريب: ان المستفاد من الحديث المشار اليه جواز التصرف في مال اليتيم و الصغير في صورة عدم الضرر بالنسبة الي الاجانب فيدل علي الجواز بالنسبة الي الاب و الجد بالاولوية و قد مر ان الحديث ضعيف سندا و يمكن ان يكون الوجه فيه دعوي السيرة و هل يمكن اثبات هذه الدعوي و قد مر ان المستفاد من الاية الشريفة عدم جواز التصرف في مال اليتيم الا بالتي هي احسن مطلقا لكن قد مر ان الاية لا تشمل الاب و لا يبعد جريان السيرة فيما لا تكون مفسدة فما افاده في المتن من كفاية عدم المفسدة لجواز تصرفهما تام و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 498

بيعه بأكثر من قيمة المثل، فلا يجوز البيع بقيمة المثل، و كذا لو دار الامر بين بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل، و زيادة درهمين، لاختلاف الاماكن أو الدلالين، أو نحو ذلك لم يجز البيع بالاقل، و ان كان فيه مصلحة اذا عد ذلك مساهلة عرفا في مال الصغير (1) و المدار في كون التصرف مشتملا علي المصلحة أو عدم المفسدة علي كونه كذلك في نظر العقلاء لا بالنظر الي علم الغيب، فلو تصرف الولي باعتقاد المصلحة فتبين انه ليس كذلك في نظر العقلاء بطل التصرف و لو تبين انه ليس كذلك بالنظر الي علم الغيب صح، اذا كان فيه مصلحة بنظر العقلاء (2).

[مسألة 24: يجوز للأب و الجد التصرف في نفس الصغير باجارته لعمل ما أو جعله عاملا في المعامل]

(مسألة 24): يجوز للأب و الجد التصرف في نفس الصغير باجارته لعمل ما أو جعله عاملا في المعامل (3).

______________________________

(1) فعدم

الجواز من باب كون التصرف المفروض تفريطا و مساهلة في امر الصغير و لا يجوز المساهلة، و ان شئت قلت ان هذا نحو اتلاف لمال الصغير و لا يجوز اتلاف ماله.

(2) كما هو ظاهر فان مدار الامور علي ما هو المتداول و علي حسب الفهم العرفي و العقلائي لا علي الواقعيات المستورة عنا فلا مجال لتعلق التكليف بذلك الاعتبار و ما أفاده تام لا اشكال فيه.

(3) الظاهر ان المسألة مورد التسالم بين القوم كما ان الظاهر استقرار السيرة عليه بين العقلاء و انها مستمرة و متصلة بزمنهم عليهم السّلام و لم يردع عنها.

مضافا الي أن التناسب بين الموضوع و الحكم يقتضي ذلك فان الطفل و لو كان

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 499

و كذلك في سائر شئونه (1) مثل تزويجه (2) نعم ليس لهما طلاق زوجته (3).

______________________________

مميزا لا يقدر ان يتصرف في شئونه لحجره شرعا فلا بد له من قيم يقوم بشئونه و هو الاب و الجد.

و يدل علي المدعي ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد «1».

(1) لوحدة الملاك و حكم الامثال واحد.

(2) بلا اشكال و كلام نصا و فتوي و قد تقدمت الاشارة الي تلك النصوص كما مر انه ربما يقال بأن تلك النصوص تدل علي الولاية في غير النكاح بالاولوية و قلنا ان الجزم بالاولوية مشكل اذ يمكن ان الحكمة تقتضي تسهيل الامر في امر النكاح لسد باب الزنا بخلاف غيره.

(3) قال في الجواهر في هذا المقام: «بلا خلاف فيه منا بل الاجماع بقسميه عليه للنبوي المقبول الطلاق بيد من اخذ بالساق» «2» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه. و من الظاهر ان الولاية تحتاج الي الدليل و الا فمقتضي الاصل الاولي عدم

الولاية.

و يدل علي المدعي ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال: اذا كان ابواهما اللذان زوجاهما فنعم، قلت:

فهل يجوز طلاق الاب؟ قال: لا «3».

و يدل علي المدعي أيضا حديثان الاول: ما رواه الفضل بن عبد الملك قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوج ابنه و هو صغير، قال: لا بأس، قلت: يجوز طلاق الاب؟ قال: لا الحديث «4».

______________________________

(1) لاحظ ص: 496

(2) ج 32 ص: 5

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث: 1

(4) الوسائل الباب 33 من ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 500

و هل لهما فسخ نكاحه عند حصول المسوغ للفسخ و هبة المدة في عقد المتعة و جهان و الثبوت أقرب (1).

______________________________

الثاني: ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصبي يزوج الصبية هل يتوارثان؟ قال: ان كان ابواهما هما اللذان زوجاهما فنعم، قلنا: يجوز طلاق الاب؟ قال: لا «1».

(1) لا يبعد ان الوجه في كون الجواز اقرب ان مقتضي ولاية الاب و الجد علي الصغير و شئونه ثبوت الولاية لهما علي الفسخ و المخرج بحسب الدليل هو الطلاق و الفسخ ليس طلاقا كما هو ظاهر.

مضافا الي النص الخاص الدال علي أنه في مقابل الطلاق و ليس من اقسامه لاحظ ما رواه أبو عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها، قال: فقال: اذا دلست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فانها ترد علي اهلها من غير طلاق،

و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها، فان لم يكن وليها علم بشي ء من ذلك فلا شي ء عليه و ترد علي اهلها، قال: و ان اصاب الزوج شيئا مما اخذت منه فهو له، و ان لم يصب شيئا فلا شي ء له قال: و تعتد منه عدة المطلقة ان كان دخل بها، و ان لم يكن دخل بها فلا عدة عليها و لا مهر لها «2».

و ان شئت قلت: ان الصغير لا يمكنه شرعا القيام بشئونه و منها الفسخ فلا بد اما من التعطيل حتي يكبر و يبلغ و اما من جعل ولي عليه فلأجل عدم التعطيل تصل النوبة الي الولي و هو الاب و الجد.

و لكن للمناقشة و التأمل مجال اذ الولاية علي الغير علي خلاف الاصل الاولي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 501

[مسألة 25: إذا أوصي الأب أو الجد إلي شخص بالولاية بعد موته علي القاصرين نفذت الوصية]

(مسألة 25): اذا أوصي الاب أو الجد الي شخص بالولاية بعد موته علي القاصرين نفذت الوصية، و صار الموصي اليه وليا عليهم بمنزلة الموصي تنفذ تصرفاته (1)،

______________________________

فاثبات الولاية يتوقف علي قيام دليل في كل مورد و اللّه العالم.

(1) ادعي عليه عدم الخلاف و ادعي في الجواهر الاجماع بقسميه عليه. و يمكن الاستدلال عليه بجملة من النصوص منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن رجل اوصي الي رجل بولده و بمال لهم و اذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم، فقال: لا بأس به من اجل ان اباه قد اذن له في ذلك و هو حي «1».

فانه يستفاد من هذه الرواية جواز

وصية الاب في التجارة بمال الصغير و الرواية ضعيفة بابن يوسف أو ابن يونس.

و منها: ما رواه خالد «ابن بكير خ» الطويل قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني اقبض مال اخوتك الصغار و اعمل به، و خذ نصف الربح و اعطهم النصف، و ليس عليك ضمان، فقد متني أم ولد أبي بعد وفاة ابي الي ابن ابي ليلي، فقالت: ان هذا يأكل اموال ولدي، قال: فاقتصصت عليه ما امرني به أبي فقال ابن أبي ليلي ان كان ابوك امرك بالباطل لم اجزه، ثم اشهد علي ابن أبي ليلي ان انا حركته فانا له ضامن، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقصصت عليه قصتي، ثم قلت له: ما تري؟ فقال: اما قول ابن ابي ليلي فلا استطيع رده، و اما فيما بينك و بين اللّه عز و جل فليس عليك ضمان «2». و التقريب هو التقريب و الرواية ضعيفة بخالد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 92 ابواب الوصايا الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 502

______________________________

و منها: ما رواه سعد بن اسماعيل، عن ابيه، قال: سألت الرضا عليه السّلام عن وصي ايتام يدرك ايتامه فيعرض عليهم ان يأخذوا الذي لهم فيأبون عليه كيف يصنع؟ قال: يرد عليهم و يكرههم عليه «علي ذلك. يب» «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان جواز الوصية في اموال الصغير من قبل الولي امر مفروغ عنه.

و منها: حديثان آخران احدهما: ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري قال:

سألت الرضا عليه السّلام عن رجل مات بغير وصية و ترك اولادا ذكرانا غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم ان تباع الجواري؟ قال: نعم، و عن الرجل يموت بغير

وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير ان يتولي القاضي بيع ذلك، فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك «2».

ثانيهما: ما رواه محمد بن اسماعيل بزيع قال: مات رجل من اصحابنا و لم يوص فرفع امره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما اراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن اذ لم يكن الميت صير اليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام و قلت له: يموت الرجل من اصحابنا، و لا يوصي الي احد، و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهن، او قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما تري

______________________________

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الوصايا الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 503

و يشترط فيه الرشد (1) و الامانة (2) و لا يشترط فيه العدالة علي الاقوي (3).

______________________________

في ذلك؟ قال: فقال: اذا كان القيم به مثلك «او. يب» و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

و منها: ما رواه ابن رئاب قال: سألت ابا الحسن موسي عليه السّلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك اولادا صغارا، و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم

ولد؟ و ما تري في بيعهم؟

قال: فقال: ان كان لهم ولي يقوم بامرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم، قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ فقال: لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم، فليس لهم ان يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم «2».

و تقريب الاستدلال علي المدعي بهذه النصوص ان المرتكز في ذهن السائل انه لو اوصي الاب بمال ولده يكون نافذا و الامام عليه السّلام قرره علي ما هو مركوز في ذهنه مضافا الي السيرة الخارجية القائمة علي تعيين الاب القيم علي اليتيم و الظاهر انه لا اشكال في الحكم.

(1) اذ لو لم يكن رشيدا ليس مأمونا لا مكان توجه الضرر الي الصغير من ناحية عدم رشده.

(2) اذ مع عدم الامانة يمكن ان يخون في مال الصغير و ان شئت قلت: كيف يمكن جعل الخائن مسلطا علي من لا يقدر الدفاع عن نفسه و ماله و هذا ظاهر.

(3) لعدم الدليل عليه و لا يبعد ان تكون السيرة قائمة علي عدم رعايتها في الوصي.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 504

كما يشترط في صحة الوصية فقدهما معا، فلا تصح وصية الاب بالولاية علي الطفل مع وجود الجد، و لا وصية الجد بالولاية علي حفيده مع وجود الاب (1) و لو أوصي أحدهما بالولاية علي الطفل بعد فقد الاخر لا في حال وجوده، ففي صحتها اشكال (2).

[مسألة 26: ليس لغير الاب و الجد للأب و الوصي لأحدهما ولاية علي الصغير]

(مسألة 26): ليس لغير الاب و الجد للأب و الوصي لأحدهما ولاية علي الصغير، و لو كان عما أو أما أو جدا للأم

أو أخا كبيرا، فلو تصرف أحد هؤلاء في مال الصغير أو في نفسه، أو سائر شئونه لم يصح و توقف علي اجازة الولي (3).

[مسألة 27: تكون الولاية علي الطفل للحاكم الشرعي]

(مسألة 27): تكون الولاية علي الطفل للحاكم الشرعي، مع فقد الاب و الجد و الوصي لأحدهما (4)،

______________________________

(1) يمكن الاستدلال عليه بوجوه الاول عدم الاطلاق في دليل الجواز و مع عدم الاطلاق كيف يمكن الالتزام بالجواز مع ان مقتضي الاصل عدم نفوذ الوصية مع وجود احدهما.

الثاني: ان ولاية كل من الأب و الجد مطلقة و غير مقيدة بعدم تصرف غيرهما و هذا الاطلاق لا ينسجم مع نفوذ الوصية الي غيرهما اذ عليه تكون الولاية للجامع بين الوصي و احدهما و هذا ينافي اطلاق الولاية، لكن الاشكال كله في الاطلاق.

الثالث: عدم الخلاف و التسالم عليه بين القوم فلاحظ.

(2) يمكن أن يكون الوجه فيه عدم الدليل عليه و مقتضي الاصل عدم النفوذ.

(3) لعدم الدليل و مقتضي الاصل عدمها.

(4) فان ولاية الحاكم من باب الحسبة فلا بد من الاقتصار فيها علي القدر المتيقن

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 505

______________________________

فلا تصل النوبة اليه مع وجود الأب و الجد و الوصي. و ان شئت قلت: ان موضوع ولايته عدم من يتصدي الأمر.

و بعبارة اخري: ان الحاكم ولي من لا ولي له فمع وجود المذكورين لا تصل النوبة اليه، و علي الجملة ولاية الحاكم من باب القدر المتيقن و الا فلا دليل لفظي يتمسك به في اثبات المدعي اذ النبوي «السلطان ولي من لا ولي له» «1» مخدوش سندا مضافا الي أنه لا يبعد أن يكون المراد من السلطان الامام العادل المعصوم عليه السّلام فلا يرتبط بالحاكم.

و أما حديث ابي خديجة «قال: بعثني أبو عبد اللّه عليه السّلام الي

أصحابنا فقال: قل لهم: اياكم اذا وقعت بينكم خصومة او تداري في شي ء من الأخذ و العطاء ان تحاكموا الي احد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا، فاني قد جعلته عليكم قاضيا، و اياكم ان يخاصم بعضكم بعضا الي السلطان الجائر» «2» فراجع الي الحكومة في الدعاوي فلا يرتبط بالمقام.

مضافا الي الاشكال في السند من ناحية أبي خديجة، و يظهر من المتن انه لا يشترط في ولايته وجود المصلحة و الحال انه لا دليل علي ولايته المطلقة بل لا بد من الاشتراط بوجود المصلحة بل لا يبعد اشتراطها بكون التصرف لازما بحيث يتوجه الي الصغير الضرر مع عدم التصرف و الوجه فيما ذكر لزوم الاقتصار علي المقدار المتيقن.

بل يمكن أن يقال ان المستفاد من قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي

______________________________

(1) التذكرة ج 2 ص: 592 و كنز العمال ج 8 ص: 4003 و السنن الكبري للبيهقي ج 7 ص: 125

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 506

و مع تعذر الرجوع الي الحاكم فالولاية لعدول المؤمنين (1)،

______________________________

هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» «1» كما مر انه لا بد من كون التصرف مصداقا لعنوان القرب بالأحسن فلا يكفي مجرد عدم المفسدة و الضرر.

نعم اذا قلنا بأن الخطاب متوجه الي عموم المكلفين لا الي خصوص الاولياء يجوز للحاكم التصرف في مال اليتيم اذا كان مصداقا للأحسن فلا يشترط التصرف بكونه لازما بل يجوز و لو مع عدم اللزوم فلاحظ.

(1) اعلم ان مقتضي القاعدة الاولية لو لا الدليل العام او الخاص عدم جواز التصرف في مال الغير و عدم ولاية احد علي مال الاخر او

نفسه فان مقتضي الاستصحاب عدم الولاية كما ان مقتضاه عدم انتقال العين بالبيع و عدم انتقال المنفعة بالاجارة و عدم تحقق الزوجية بالنكاح و هكذا فلا بد من قيام دليل يدل علي تحقق الولاية.

و ربما يقال: انه يمكن اثبات المدعي بعموم قوله صلي اللّه عليه و آله: كل معروف صدقة «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث انه يكفي للجواز كون الفعل معروفا.

و فيه: ان التمسك بالعام في الشبهة المصداقية غير جائز و كون التصرف في مال اليتيم داخلا في المعروف اول الكلام و الاشكال. الا أن يقال ان المعروف مفهوم عرفي و هو الذي يكون معروفا عند العقلاء الا ان يقوم دليل علي التقييد.

و ربما يستدل بقوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ» الاية «3» بتقريب ان المستفاد من الاية جواز التصرف لكل احد. و فيه: انه ان قلنا بأن الخطاب متوجه في الاية الي الاولياء فلا مجال للتقريب اذ في الرتبة السابقة يلزم احراز الولاية

______________________________

(1) الأنعام/ 152

(2) الوسائل الباب 41 من ابواب الصدقة الحديث: 1 و 2

(3) الانعام/ 152

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 507

______________________________

و ان قلنا بعموم الخطاب فيتوقف علي عدم تقييده بالنصوص الخاصة.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال في التمسك بجواز التصرف بالسيرة العقلائية فان السيرة علي تقدير تحققها انما تؤثر اذا لم تكن مردوعة بالدليل الخاص، فلا بد من ملاحظة النصوص الخاصة الواردة في المقام.

منها: ما رواه محمد بن اسماعيل بزيع «1» و الاحتمالات المتصورة في الرواية للمماثلة خمسة: الاول: المماثلة في العدالة. الثاني: المماثلة في الوثاقة. الثالث:

المماثلة في الفقاهة. الرابع المماثلة في التشيع الخامس: المماثلة في جميع ما ذكر و حيث ان الجواز علق علي كون المتصرف واجدا لجميع القيود و تدل

بالمفهوم علي عدم الجواز و المفروض ان ابن بزيع كان واجدا لجميع هذه القيود تكون النتيجة عدم جواز التصرف لغير المجتهد العادل، بل مجرد الشك في تحقق الموضوع يكفي لعدم الجواز اذ مع الشك في الموضوع لا مجال لترتب الحكم فلو شك في المماثلة لا يجوز التصدي اذ مقتضي مفهوم الشرطية عدم جواز التصدي.

و لكن لا يمكن الالتزام بهذا اللازم اذ المفروض جواز التصدي في الامور الحسبية للعدول بل للفساق في فرض عدم المجتهد.

و منها: ما رواه ابن رئاب «2» و لا يخفي ان الحكم بالجواز رتب علي تصدي القيم و من يكون له التصرف و الحكم غير متعرض لموضوع نفسه فلا بد من احراز القيمومة و جواز التصرف في الرتبة السابقة. نعم يستفاد من هذه الرواية انه ليس لكل احد ان يتصرف في مال الصغير بل المتصرف يلزم أن يكون له الولاية و اما الولي علي الصغير اي شخص؟ فالحديث ساكت عنه فلا بد من احرازه و تشخيصه

______________________________

(1) لاحظ ص: 502

(2) لاحظ ص: 503

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 508

______________________________

من الخارج.

و منها: ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري «1» و مقتضي هذه الرواية انه يشترط في المتصدي للبيع العدالة.

و منها: ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية، و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس «2».

و مقتضي هذه الرواية اشتراط كون المتصدي للقسمة ثقة فلا يلزم ان يكون عادلا، لكن مقتضي القاعدة تقييد اطلاقها بحديث الاشعري فيلزم ان يكون المتصدي للتصرف في مال اليتيم عادلا.

ثم ان مقتضي اطلاق

حديث اسماعيل بن سعد الاشعري جواز تصدي العادل و لو مع وجود الفقيه فما نسب الي الأردبيلي (قدس سره) من كون ولاية العادل في عرض ولاية الفقيه تام.

اللهم الا ان يقال: ان مقتضي التسالم و الاجماع انه لا تصل النوبة الي العادل ما دام الفقيه موجودا و مقتضي حديث ابن بزيع و ان كان اشتراط الاجتهاد في المتصدي و بمفهومه يدل علي عدم جواز التصدي لغير المجتهد، لكن حديث الاشعري بمنطوقه يقيد مفهوم تلك الرواية، و النتيجة جواز تصدي العادل عند عدم الفقيه.

مضافا الي انه لا اشكال في جواز تصدي العادل في ظرف عدم الفقيه اذ المفروض ان الامور الحسبية ما علم من الشرع عدم رضا الشارع بتركها بل المطلوب للشارع التصدي لها.

______________________________

(1) لاحظ ص: 502

(2) الوسائل الباب 88 من ابواب الوصايا الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 509

لكن الاحوط الاقتصار علي صورة لزوم الضرر في ترك التصرف كما لو خيف علي ماله التلف- مثلا- فيبيعه العادل، لئلا يتلف، و لا يعتبر- حينئذ- أن يكون التصرف فيه غبطة و فائدة (1) بل لو تعذر وجود العادل- حينئذ- لم يبعد جواز ذلك لسائر المؤمنين (2)،

______________________________

(1) المستفاد من حديث ابن رئاب «1» ان موضوع جواز التصرف ملاحظة صلاح الصغير فيكون موضوع الجواز صدق عنوان الصلاح، و لا يلزم الاقتصار علي صورة لزوم الضرر في ترك التصرف كما في المتن. نعم لا يلزم ان يكون التصرف اصلح علي الاطلاق و اذا ثبت جواز التصرف بالنسبة الي العادل فيما يكون صلاحا يكون الجواز بالنسبة الي الفقيه و الأب و الجد و الوصي من احدهما اولي.

و لقائل ان يقول: ان المستفاد من قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ» الاية

«2» انه يلزم ان يكون التصرف احسن علي الاطلاق، و لا يكفي مجرد كونه صالحا و مقتضي حديث ابن رئاب لحاظ الصلاح مطلقا فلا يلزم ان يكون التصرف احسن علي الاطلاق بل يكفي في الجملة فيقع التعارض بين الاية و الرواية و من الظاهر تقدم الاية عليها فلا يكفي الصلاح في الجملة.

(2) اذ المفروض ان المورد من موارد الحسبة فتصل النوبة الي الفساق مع عدم العدول و بهذا التقريب لا بد ان يتم الامر. و اما الاستدلال علي الجواز بقوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «3» بتقريب ان الخطاب الي جميع المكلفين فيجوز لكل احد التصدي. ففيه: انه يلزم تقييد الاية علي تقدير

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 509

______________________________

(1) لاحظ: 503

(2) الأنعام/ 152

(3) الأنعام/ 152

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 510

و لو اتفق احتياج المكلف الي دخول دار ايتام، و الجلوس علي فراشهم، و الاكل من طعامهم، و تعذر الاستئذان من وليهم لم يبعد جواز ذلك، اذا عوضهم عن ذلك بالقيمة، و لم يكن فيه ضرر عليهم، و ان كان الاحوط تركه (1) و اذا كان التصرف مصلحة لهم جاز من دون حاجة الي عوض (2) و اللّه سبحانه العالم.

______________________________

تمامية دلالتها علي المدعي بحديث اسماعيل بن سعد الاشعري الدال علي اشتراط العدالة في المتصدي.

و بما ذكر يظهر الجواب عن النص «1» فانه علي تقدير تمامية دلالته علي المدعي و عدم الايراد فيه بالنقاش في الصغري يقيد اطلاقه بحديث الاشعري، فليس لكل احد التصدي و التصرف في مال الصغير. نعم اذا وصلت النوبة الي

تضرر الصغير و تلف ماله يجوز للفاسق مع عدم الفقيه اولا و عدم العادل ثانيا ان يتصدي فما افاده الماتن من لزوم الاقتصار علي صورة لزوم الضرر في ترك التصرف يتم بالنسبة الي ولاية الفاسق فلاحظ.

(1) لاحظ ما رواه علي بن المغيرة «2» و هذه الرواية ضعيفة بذبيان.

(2) لاحظ ما رواه الكاهلي «3» و هذه الرواية ضعيفة بالكاهلي و مقتضي الاصل الاولي عدم الجواز، و اللّه العالم.

______________________________

(1) لاحظ ص: 506

(2) لاحظ ص: 494

(3) لاحظ ص: 495

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 511

[الفصل الثالث في شروط العوضين]

اشارة

الفصل الثالث في شروط العوضين يشترط في المبيع أن يكون عينا (1)،

______________________________

(1) قال في الحدائق المشهور بين الأصحاب انه يشترط في العوضين: ان يكونا عينا فلا يصح بيع المنفعة خلافا للشيخ في المبسوط حيث جوز بيع خدمة العبد علي ما نقل عنه و هو شاذ لا اعلم عليه دليلا انتهي «1».

اقول ترتب كل حكم علي موضوعه متوقف علي تحقق ذلك الموضوع فلا يترتب الأحكام المترتبة علي عنوان البيع الا بعد تحققه و لا يبعد ان يقال ان المتبادر من عنوان البيع او المبيع كون المبيع عينا كما ان المدعي يثبت بصحة سلب عنوان البيع عن تمليك المنفعة فلا يقال زيد باع الخياطة او النجارة او الحياكة او القصارة و مما يمكن ان يستدل به علي المدعي انه ليس في الروايات الواردة في ابواب البيوع مع كثرتها مورد فرض فيه كون المبيع منفعة دار او بستان او فرض فيه كون المبيع فعلا من افعال المكلف و لو فرض الاستعمال في بعض الموارد لا يكون دليلا علي سعة المفهوم اذ الاستعمال اعم من الحقيقة و ان شئت قلت ان الاستعمال ليس آية الحقيقة و الا لانسد

باب المجاز و هو كما تري بل يمكن احراز عدمه بالاصل علي ما هو الحق عندنا من جريان الاصل في الشبهة المفهومية.

و علي فرض الشك في صدق العنوان لا يمكن التمسك بالعمومات او الاطلاقات لعدم جواز الأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية كما هو المقرر بل يمكن احراز عدمه بالاصل علي ما هو الحق عندنا من جريان الاصل في الشبهة المفهومية اضف الي ذلك انه لو كان ايقاع البيع علي المنفعة أو العمل جائزا لكان ظاهرا للابتلاء العام به.

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص 429

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 512

سواء أ كان موجودا في الخارج أم في الذمة (1) و سواء كانت الذمة ذمة البائع أم غيره كما اذا كان له مال في ذمة غيره فيبيعه علي شخص ثالث (2) فلا يجوز بيع المنفعة كمنفعة الدار و لا بيع العمل كخياطة الثوب (3) و أما الثمن فيجوز أن يكون عينا أو منفعة أو عملا (4).

[مسألة 1: المشهور علي اعتبار أن يكون المبيع و الثمن ما لا يتنافس فيه العقلاء]

(مسألة 1): المشهور علي اعتبار أن يكون المبيع و الثمن ما لا يتنافس فيه العقلاء فكل ما لا يكون مالا كبعض الحشرات لا يجوز بيعه و لا جعله ثمنا و لكن الظاهر عدم اعتبار ذلك (5)،

______________________________

(1) بلا اشكال و لا كلام فانه لا شبهة في جواز بيع الكلي في الذمة.

(2) اذ المفروض ثبوته في ظرف الذمة فيجوز نقله الي الغير بالبيع بل جوازه اوضح من القسم الأول لان الكلي في القسم الأول يتحقق في الذمة بنفس البيع و أما في القسم الثاني يكون الكلي ثابتا في الذمة قبل البيع.

(3) اذ لا يبعد كما تقدم عدم صدق عنوان البيع علي تمليك المنفعة أو الفعل فلا يقال بعت الخياطة او القصارة كما انه لا

يبعد أن لا يقال بعت داري من زيد و بعت منفعتها من عمرو فلاحظ.

(4) فان الثمن بدل و عوض للمبيع و لا يبعد أن يصدق علي كل شي ء جعل عوضا بلا فرق بين كونه عينا أو منفعة أو عملا و العرف ببابك و مع الصدق يترتب عليه الآثار كما هو ظاهر.

(5) ما يمكن أن يستدل به علي المشهور وجوه: الاول انه قد عرف البيع في اللغة بأنه مبادلة مال بمال فلا بد من اعتبار المالية في المبيع. و فيه ان الرجوع الي قول اللغوي عند الشك و المفروض صدق عنوان البيع مع عدم رعاية هذا الشرط فانه لو باع احد مالا مالية له كحبة حنطة بالف دينار يصدق عليه البيع غاية الامر

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 513

______________________________

لا يكون الاقدام من قبل المشتري عقلائيا و هذا أمر آخر و اذا ثبت الصدق يثبت بالاستصحاب القهقري كونه كذلك في زمانهم عليهم السّلام فانه من الأصول اللفظية فهذا الوجه غير تام لإثبات المدعي.

الوجه الثاني قوله صلي اللّه عليه و آله لا بيع الا فيما تملك «1» و فيه ان النسبة بين الملك و المال عموم من وجه و كل واحد منهما مفهوم مستقل لا يرتبط بالآخر فانه ربما يكون شي ء ملكا و لا يصدق عليه عنوان المال كحبة من الحنطة تكون مملوكة لزيد فانه يصدق عليها عنوان الملك و لا يصدق عليه عنوان المال، و اخري ينعكس الأمر كقطعة من الذهب غير مملوكة لأحد فانه يصدق عليها عنوان المال لا الملك، و ثالثة يجتمعان كالأموال المملوكة للناس.

الوجه الثالث قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» «2» بتقريب ان المستفاد من الاية ان المبيع اذا

لم يكن مالا يكون أكل المال بازائه اكلا بالباطل فلا يجوز.

و فيه ان المقصود من الاية الشريفة النهي عن التملك و الاكل بالأسباب الباطلة و بعبارة اخري الجار ليس للمقابلة بل الباء للسببية فتكون الاية اجنبية عن هذه الجهة.

مضافا الي انه لو فرض عدم المالية في طرف الثمن أيضا لا تشمله الاية و بعبارة اخري هذا البيان علي فرض تماميته انما يتم فيما يكون المال مقابلا بغير المال و أما اذا لم يكن كذلك فلا يتم كما هو ظاهر فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الرابع: انه اذا لم يكن المبيع أو الثمن مالا تكون المعاملة سفهائية

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع الحديث: 3

(2) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 514

و لكن الظاهر عدم اعتبار ذلك و ان كان الاعتبار أحوط (1).

[مسألة 2: الحقوق مطلقا من قبيل الأحكام]

(مسألة 2): الحقوق مطلقا من قبيل الاحكام فكما لا يصح بيعها لا يصح جعلها ثمنا، نعم في مثل حق التحجير القابل للانتقال يجوز جعل متعلق الحق بما هو كذلك ثمنا (2)،

______________________________

فتبطل. و فيه اولا انه يمكن أن يتصور في الأقدام علي اشتراء غير المال مقصد عقلائي فالدليل اخص من المدعي و بعبارة اخري لا ملازمة بين الأمرين و ثانيا: انه لا دليل علي اشتراط كون البيع عقلائيا فان الدليل قائم علي بطلان بيع السفيه لا علي كون المعاملة عقلائية فلاحظ.

(1) للخروج عن شبهة الخلاف فانه يظهر من الحدائق ان المشهور فيما بين القوم اشتراط العوضين بالمالية و ممن ذهب الي هذا القول الشيخ الأعظم قدس سره.

(2) بتقريب ان الحكم الشرعي غير قابل لأن يتعلق به اضافة ملكية أو غيرها.

و يرد عليه اولا ما أفاده في المقام من جواز جعل متعلق الحق كحق

التحجير بما هو كذلك ثمنا و الحال ان الثمن يملكه البائع بالبيع و كيف يمكن تملك متعلق حق التحجير و الحال ان من له حق التحجير أولا لا يملك متعلق الحق.

و الحاصل انه لا معني لجعل متعلق حق التحجير ثمنا و لا نتصور له محصلا فان حق التحجير عبارة عن اولوية ذي الحق بالأرض الفلانية من حيث عمرانها مثلا أو جعلها امرا كذائيا.

و ثانيا كيف لا تتعلق الإضافة الملكية بالحق فان الخيار الموروث علي ما هو المقرر عندهم ينتقل الي الوارث و الوارث يملكه فان ما تركه الميت فلو ارثه و من متروكاته الخيار أو الحق الفلاني.

و بعبارة اخري: انا لا نري مانعا من تعلق الاضافة الملكية بالحق كحق التحجير

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 515

______________________________

مثلا و سيدنا الأستاد في المقام «1» ادعي البداهة اي بداهة عدم قابليته لتعلق الاضافة الملكية به. و كيف يكون بديهيا و نحن لا نري مانعا عنه و لتوضيح المقام لا بد من بيان الفرق بين الحق الوضعي و الحكم فنقول الاحكام التكليفية بأجمعها لا تقبل الملكية لأنها غير قابلة للنقل و الانتقال بل لم يعتبر فيها الإضافة و الملكية مثلا يجوز لزيد شرب الماء فان هذا الجواز حكم تكليفي و غير قابل لأن ينتقل الي الغير و لا يكون مملوكا لزيد فلا مجال لجعله ثمنا في بيع و لا عوضا في معاملة و قس عليه بقية الأحكام التكليفية كما أن الحكم الوضعي الحكمي مثل الحكم التكليفي فان الحق قسمان احدهما ما يكون حقا حكميا كالخيار في الهبة فانه حق و لكن ليس قابلا للنقل و الانتقال لا بالاسباب الاختيارية و لا بالاسباب القهرية فلا يورث بموت الواهب ثانيهما الحق غير

الحكمي كالخيار القابل للنقل و الانتقال و الاسقاط و في هذا القسم لا نري مانعا من جعله ثمنا في بيع أو عوضا في معاملة.

فالنتيجة ان الحكم الشرعي اما تكليف أو وضع و علي الثاني اما غير قابل للنقل و الاسقاط و اما يكون قابلا و ان شئت قلت ان الحق تارة يطلق و يراد منه ما يشمل موارد الأحكام التكليفية فيقال لي حق شرب الماء و اخري يطلق و يراد منه خصوص الوضعي و لكن الوضعي علي الاطلاق و يدخل فيه الخيار الحكمي كالخيار في الهبة.

و ثالثة يطلق و يراد منه الوضعي المقابل للانتقال و لا مشاحة في الاصطلاح و عليه لك أن تقول الحق أعم من الحكم فان كل حكم يصدق عليه عنوان الحق في مورد فمن يجوز له شرب الماء يكون له حق الشرب و من تكون الصلاة واجبة عليه له

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 2 ص: 43

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 516

و يجوز جعل شي ء بازاء رفع اليد عن الحق حتي فيما اذا لم يكن قابلا للانتقال و كان قابلا للإسقاط (1) كما يجوز جعل الاسقاط ثمنا بأن يملك البائع عليه العمل فيجب عليه الاسقاط بعد البيع (2).

[مسألة 3: يشترط في البيع أن لا يكون غرريا]

(مسألة 3) يشترط في البيع أن لا يكون غرريا (3)،

______________________________

حق أن يصلي و من يحرم عليه شرب الخمر لا حق له في شربه كما أن الواهب له حق الفسخ و أيضا ذا الخيار في مورد الخيار الحقي له الفسخ.

(1) فانه لا مانع من جعل رفع اليد ثمنا.

(2) فان الاسقاط ينتقل الي البائع بالبيع و يجب عليه الاسقاط لكونه مملوكا للغير فلا بد من تسليمه اليه.

(3) لما ارسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه

نهي عن الغرر و في الخبر نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر «1» و من الظاهر ان المرسل لا اعتبار به و اما انجباره بالعمل فعلي تقدير تمامية الصغري غير تام من حيث الكبري و ذكرنا مرارا ان عمل المشهور غير جابر للرواية الضعيفة سندا و اما نهيه صلي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر المستفاد من رواية الصدوق و قد نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن بيع المضطر و عن بيع الغرر «2»، فلا يترتب عليه اثر لعدم اعتبار السند.

و لا يخفي ان الغرر علي ما في مجمع البحرين ما يكون له ظاهر يغرر المشتري و باطن مجهول مثل بيع السمك بالماء و الطير في الهواء فعليه لا بد أن يكون المعاملة في معرض الخطر و من الظاهر ان الجهل اعم منه اذ من الممكن ان لا يكون خطر

______________________________

(1) تذكرة ج 1 ص 466 و مجمع البحرين في مادة غرر

(2) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 517

______________________________

في المعاملة و مع ذلك يكون مجهولا كما لو باع ما في الصندوق بعشرة دنانير و المشتري يعلم بأن ما فيه يساوي أزيد من هذا المقدار و لكن لا يعلم به فالغرر اخص من الجهل فاشتراط عدم الغرر في البيع لا يقتضي اشتراط معلومية العوضين من حيث المقدار و لكن الماتن جعل الميزان ارتفاع الغرر و كيف كان الظاهر ان الحكم عند القوم مورد التسالم قال الشيخ الأعظم قدس سره: «العلم بقدر المثمن كالثمن شرط باجماع علمائنا كما عن التذكرة و عن الغنية العقد علي المجهول باطل بلا خلاف و عن الخلاف:

ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا و ان شوهد اجماعا و في السرائر:

ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف» الخ.

و قال في الحدائق: «من شروط المعتبرة معلومية الثمن و المثمن» الخ و من النصوص الدالة علي المدعي ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري ابتع مني من هذا العدل الاخر بغير كيل فان فيه مثل ما في الاخر الذي ابتعت، قال لا يصلح الا بكيل، و قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان ما يكال لا يجوز بيعه جزافا و قد اورد في الخبر بايرادات: الأول ان قوله عليه السّلام «ما كان من طعام سميت فيه كيلا» مجمل اذ لو كان المراد ما وقع عليه البيع كيلا فلا مجال للجزاف فيه، و ان كان المراد ما من شأنه الكيل فمرجعه الي التنويع و الطعام اما يكال او يوزن.

و فيه أولا يمكن اختيار الشق الثاني و يكون المراد التنويع اذ ربما يوزن و ربما يكال فالمقصود ان ما يكال لا بد من ان يكال او يوزن و لا يجوز بيعه جزافا

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 518

______________________________

و ثانيا يمكن أن يراد بالقيد التوضيح لا التنويع فلا اشكال.

الثاني: ان قوله عليه السّلام ناظر الي مقام الاقباض و التسليم و لا يرتبط بالمقام و بعبارة اخري ان الرواية ناظرة الي مورد بيع مقدار من الحنطة مثلا بأنه اذا بيع مقدار

خاص كمن لا بد من الكيل في مقام القبض كي لا يترتب نزاع.

و فيه انه خلاف الظاهر من الرواية و العرف ببابك و لم يعبر بالقبض و التسليم و لا قرينة علي ارادته.

الثالث: ان الخبر مخالف لما ذهب اليه المشهور من تصديق البائع في اخباره.

و فيه اولا انه يمكن أن يكون المراد في هذه الرواية السؤال عن الاعتماد بقول البائع و ايقاع البيع علي ما في الخارج سواء زاد او نقص فيكون جزافا بخلاف مورد جواز البيع باخبار البائع فان البيع هناك يقع مبنيا علي اخبار البائع لا جزافا.

و ثانيا لا يبعد أن نلتزم في تلك المسألة بالاختصاص بمورد يكون البائع مورد الاعتماد و نقتصر علي مورد نثق بقول البائع و ثالثا ان هذا الايراد لا يقتضي رفع اليد عن ظهور الرواية في المدعي و رابعا لا يبعد أن يكون اخباره في مورد الرواية حدسيا لا حسيا.

الرابع: انه عليه السّلام قال في ذيل الحديث: «هذا مما يكره من بيع الطعام» و الكراهة تنافي الفساد. و أجيب عن هذا الايراد ان الكراهة لا تكون صريحة في الكراهة المصطلحة بل أعم منها و تجتمع مع الحرمة فلا موجب لرفع اليد عن قوله عليه السّلام «لا يصلح» و لكن يرد علي الجواب بأن الكراهة في الأمر الوضعي لا معني له فلا بد أن تكون متعلقة بالفعل و يكون الفعل مكروها تكليفيا و عليه يقع التعارض بين الصدر و الذيل فان مقتضي الصدر هو الفساد و مقتضي الذيل الصحة مع كراهة البيع تكليفيا الا أن يقال انه يمكن أن يراد بالكراهة الارشاد الي الفساد

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 519

______________________________

أي كما ان النهي عن المعاملة ارشاد الي فساده كذلك الدليل

علي كراهة المعاملة أو حرمتها ارشاد الي فسادها فاذا قال المولي: حرم البيع الفلاني يفهم منه الفساد و الدليل عليه ان المستفاد من قوله تعالي «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ»، الحرمة الوضعية لا التكليفية فالنتيجة ان الرواية تدل علي عدم جواز بيع الطعام مجازفة و من الظاهر عدم اختصاص الحكم بالطعام كما لا يختص بالمكيل فالمكيل و الموزون يشترط فيهما هذا الشرط كما لا يختص بالمبيع بل يعم الثمن فتأمل و يلحق بهما المعدود اجماعا.

مضافا الي ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال: لا بأس به «1»، فان المستفاد من هذه الرواية انه لا يجوز بيع المعدود جزافا فان الظاهر ان المركوز في ذهن السائل ذلك و الامام عليه السّلام قرره علي ما في ذهنه و ارتكازه و من تلك النصوص الدالة علي المدعي:

ما رواه سماعة قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شرائه بغير كيل و لا وزن؟ فقال: اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل و وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه اذا كان المشتري الأول قد اخذه بكيل او وزن و قلت له عند البيع: اني اربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «2».

و تقريب الاستدلال بهذه الرواية علي المدعي بنحوين احدهما: من باب مفهوم الشرط فان المستفاد من الشرطية الثانية ان عدم البأس يتوقف علي لحاظ الكيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

(2) الوسائل

الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 520

______________________________

و مفهومها عدم الصحة في صورة انتفاء المقدم ثانيهما من باب مفهوم التحديد اذ لا اشكال في أن المستفاد من الحديث ان الامام عليه السّلام في مقام بيان ضابط الصحة.

و منها ما رواه ابو العطارد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اشتري الطعام فاضع في اوله و اربح في آخره فأسأل صاحبي ان يحط عني في كل كر كذا و كذا قال هذا لا خير فيه و لكن يحط عنك حمله. قلت: ان حط عني أكثر مما وضعت قال: لا بأس به. قلت: فأخرج الكر و الكرين فيقول الرجل: اعطنيه بكيلك، قال: اذا ائتمنك فلا بأس «1».

و تقريب الاستدلال بهذه الرواية بنحوين احدهما: ان مقتضي الشرطية فساد المعاملة في صورة عدم الائتمان فلا يكون بيع الجزاف صحيحا ثانيهما: انه يفهم من الرواية ان اخبار البائع بالكيل لا اثر له ما دام لا يؤتمن به فبالأولوية تدل علي فساد البيع الجزافي و لكن الرواية ضعيفة بأبي العطارد.

و منها ما رواه محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و اخذناه بكيله، فقال: لا بأس. فقلت: أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: لا أما انت فلا تبعه حتي تكيله «2» فانه يستفاد من هذه الرواية انه لا يجوز بيع الطعام جزافا.

و منها ما رواه عبد الملك بن عمرو قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أشتري مائة راوية من زيت فأعترض راوية أو اثنتين فاتزنهما ثم آخذ سائره علي قدر ذلك قال:

لا بأس «3». فان المستفاد من هذه الرواية ان

المرتكز في ذهن السائل انه لا يجوز

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 521

______________________________

بيع الزيت بلا وزن و الامام عليه السّلام قرره علي ما في ذهنه و تقرير الامام حجة كقوله.

و منها ما رواه عبد الكريم بن عمرو قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اشتري الطعام فأكتاله و معي من قد شهد الكيل و انما أكيله لنفسي فيقول بعنيه فأبيعه اياه علي ذلك الكيل الذي اكتلته قال لا بأس «1» و التقريب هو التقريب.

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الطعام أشتريه منه بكيله و أصدقه؟ فقال: لا بأس و لكن لا تبعه حتي تكيله «2»، و المستفاد من هذه الرواية انه لا يجوز بيع الطعام بلا كيل.

و منها ما رواه خالد بن حجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اشتري الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله فاقول ابعث وكيلك حتي يشهد كيله اذا قبضته. قال: لا بأس «3» و المستفاد من هذه الرواية ان المرتكز في ذهن السائل عدم جواز بيع الطعام جزافا و الامام قرره علي ما هو المركوز في ذهنه هذا كله بالنسبة الي المبيع فان المستفاد من مجموع ما تقدم من الاجماع و النصوص انه يشترط في البيع أن يكون المبيع معلوما و لا يجوز البيع جزافا.

و أما الثمن فقال الشيخ الأعظم قدس سره: «المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا فلو باع بحكم احدهما بطل اجماعا كما عن ف و كرة و اتفاقا كما عن الروضة و حاشية الفقهيه للسلطان

و في السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري ابطاله بأن كل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 8

(3) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 522

______________________________

مبيع لم يذكر فيه الثمن فانه باطل بلا خلاف بين المسلمين» الخ.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه: الوجه الاول: الاجماع. و فيه ان المنقول منه لا يكون حجة و المحصل منه علي تقدير تحققه يمكن أن يكون مدركيا و مع احتمال المدركية لا يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام لكن لا يبعد أن يكون الحكم مورد التسالم عند القوم و مفروغا عنه.

الوجه الثاني ان الجهل به يوجب الغرر و الغرر يوجب الفساد. و فيه اولا ان الجهل اعم من الغرر و ثانيا ان مدركه كما مر ضعيف.

الوجه الثالث النصوص منها ما ارسله محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم «الدراهم من الدنانير خ ل» «1» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الي أجل، قال فاسد فلعل الدينار يصير بدرهم «2».

و هذه الرواية ضعيفة ببنان بن محمد و لعله بغيره أيضا.

و منها ما رواه وهب عن جعفر عن ابيه انه كره أن يشتري الرجل بدينار إلا درهم و الا درهمين نسية و لكن يجعل ذلك بدينار الا ثلثا و الا ربعا و الا سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار «3». و هذه الرواية ضعيفة بوهب فانه مردد بين الثقة و الضعيف مضافا الي أن المذكور في الرواية عنوان الكراهة و الكراهة

اعم من الحرمة الا أن يقال: بأن الكراهة في أبواب المعاملات ارشاد الي الفساد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام العقود الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 523

______________________________

و منها ما رواه حماد عن «ابن خ» ميسر عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالضرير مضافا الي الاشكال الوارد في سابقتها.

و اما حديث رفاعة النخاس قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه علي ذلك ثم بعثت اليه بألف درهم، فقلت:

هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها فأبي ان يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل ان ابعث اليه بالثمن فقال اري ان تقوم الجارية قيمة عادلة فان كان قيمتها اكثر مما بعثت اليه كان عليك ان ترد عليه ما نقص من القيمة و ان كان ثمنها أقلّ مما بعثت اليه فهو له «2»، فلا بد من ارجاع علمه الي اهله اذ ما تضمنه هذا الحديث لا ينطبق علي القواعد فان البيع اذا كان صحيحا لزم تعين الثمن المسمي و لا وجه لتقويم الجارية و ان كان فاسدا فلما ذا حكم عليه السّلام بتعين ما بعث اليه ان كان ازيد من القيمة الواقعية و يمكن ان يقال ان المستفاد من الاجماعات و النصوص اشتراط كون المبيع بل الثمن معلوما و عدم جواز المجازفة لاحظ حديث الحلبي قال:

قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصح مجازفة «3» فانه عليه السّلام حكم بأن المكيل لا يصح مجازفة بلا ذكر

البيع فيمكن ان يقال ان مقتضي اطلاقه بيان الحكم في الثمن كالمثمن و بعبارة اخري مقتضي اطلاق هذه الرواية عدم الجزاف في المكيل بلا فرق بين الثمن و المثمن الا ان يقال: المتبادر من الرواية بحسب الفهم العرفي انه عليه السّلام في مقام بيان حكم المبيع.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب عقد البيع الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 524

و تكفي المشاهدة فيما تعارف بيعه بالمشاهدة، و لا تكفي في غير ذلك بل لا بد أن يكون مقدار كل من العوضين المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أوعد أو مساحة معلوما (1)، و لا بأس بتقديره بغير المتعارف فيه عند البيع كبيع المكيل بالوزن و بالعكس اذا لم يكن البيع غرريا (2)،

______________________________

(1) اذ المستفاد من النصوص و الاجماعات ان الميزان في الفساد و الصحة الجزاف و عدمه و بعبارة اخري المستفاد من النصوص امران احدهما اشتراط عدم المجازفة ثانيهما تبعية ما هو المتعارف في الخارج و كفايته فالمكيل يكال و الموزون يوزن و المعدود يعد و هكذا.

(2) الحكم بالصحة بمجرد عدم الغرر مشكل اذ قد تقدم ان الجزاف و الجهل لا يلازمان الغرر و صفوة القول ان المجازفة توجب الفساد حسبما يستفاد من النصوص و ربما يقال انه يجوز بيع المكيل بالوزن و بالعكس بتقريب ان المقتضي للصحة من الاطلاق و العموم موجود و المانع المتصور للأخذ بالعموم و الاطلاق ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة و هذا مما يكره من بيع الطعام «1».

و

ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري: ابتع مني من هذا العدل الاخر بغير كيل، فان فيه مثل ما في الاخر الذي ابتعت، قال: لا يصلح الا بكيل و قال:

و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 525

______________________________

و حيث ان هذه الرواية فيها التعارض بين الصدر و الذيل اذ مقتضي قوله عليه السّلام «لا يصلح» الفساد و مقتضي قوله: «يكره» الصحة بلحاظ عدم تصور الكراهة في الحكم الوضعي فلا تصلح الرواية لتقييد الاطلاقات و العمومات.

مضافا الي ان غاية ما يستفاد من الرواية اشتراط عدم الجزافيه و الصغري في محل الكلام ممنوع اذ المفروض ان المكيل بيع بالوزن او العكس فلا يكون جزافا اضف الي ذلك كله ما رواه وهب عن جعفر عن ابيه عن علي عليه السّلام قال: لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن «1» فان مقتضي هذه الرواية جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس.

و يرد علي هذا البيان ان حديث الحلبي واف بالمطلوب و لا اجمال فيه اذ يمكن أن يقال ان الكراهة الواردة في باب المعاملات ارشاد الي الفساد و علي فرض عدم ظهورها في الارشاد و ظهورها في الكراهة الوضعية ترفع اليد عن ظهورها الاولي باقوائية ظهور قوله عليه السّلام «لا يصلح» في الفساد.

و ان شئت قلت: ببركة قوة ظهور «لا يصلح» في الفساد لا يبقي ظهور الكراهة

في التكليفي بل لا ينعقد لها ظهور في التكليف و ان ابيت عما ذكر و قلت:

ان الظهورين يتصادمان و يسقطان نقول: يكفي لإثبات المدعي حديث الحلبي «2» فانه غير مذيل بهذا الذيل كي يقع التعارض كما انه يمكن ان يقيد الاطلاق و العموم بحديث سماعة قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شرائه بغير كيل و لا وزن؟ فقال: أما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل و وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه اذا كان المشتري الأول قد اخذه بكيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 523

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 526

______________________________

او وزن و قلت له عند البيع أني اربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «1».

و اما حديث وهب فهو مخدوش سندا بوهب و اما دلالة فلا يبعد أن يكون المراد منه جواز أن يكون احد العوضين في السلف موزونا و الاخر مكيلا لا بيع المكيل بالوزن و الموزون بالكيل و الا لكان حق التعبير أن يقال لا بأس بسلف ما يكال بما يوزن.

و ربما يقال يجوز جعل كل من الكيل و الوزن طريقا الي الاخر اذا كان التفاوت مما يتسامح عرفا و استدل علي المدعي بما رواه عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اشتري مأئة راوية من زيت فاعترض راوية او اثنتين فأتزنهما ثم آخذ سائره علي قدر ذلك قال: لا بأس «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و ربما يتوهم ان حديث الجوز و هو حديث ابن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

انه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال: لا بأس به «3»، يقتضي التفصيل بين صورتي التعذر و عدمه فيجوز في صورة التعذر و لا يجوز في غيره و الانصاف انه لا مفهوم للرواية فلا دليل علي التفصيل و مقتضي القاعدة الاولية الجواز اذ فرض ان التفاوت بالمقدار المتسامح.

و ربما يقال ان التفاوت اذا لم يكن متسامحا فيه لا يجوز بيع الموزون بالكيل و أما بيع المكيل بالوزن فلا بأس به. بتقريب ان الوزن اصل الكيل فبيع المكيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب عقد البيع الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 527

و اذا كان الشي ء مما يباع في حال بالمشاهدة و في حال اخري بالوزن أو الكيل كالثمر يباع علي الشجر بالمشاهدة و في المخازن بالوزن و الحطب محمولا علي الدابة بالمشاهدة و في المخزن بالوزن و اللبن المخيض يباع في السقاء بالمشاهدة و في المخازن بالكيل فصحة بيعه مقدرا أو مشاهدا تابعة للمتعارف (1).

[مسألة 4: يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر]

(مسألة 4): يكفي في معرفة التقدير اخبار البائع بالقدر كيلا

______________________________

بالوزن لا يكون جزافا.

و فيه: ان الأمر و ان كان كذلك و ان الاغراض العقلائية تختلف باختلاف ثقل الاشياء و خفتها لكن بعد ان صار الشي ء الفلاني مكيلا في الخارج لا بد من رعاية الكيل فيه بمقتضي حديث سماعة «1» فان المستفاد منه ان المكيل يباع بالكيل و الموزون يباع بالوزن فما افاده في المتن من الجواز علي تقدير عدم كونه غرريا لا يمكن مساعدته و قد تقدم ان مجرد رفع الغرر لا

يصحح المعاملة فان البيع يشترط فيه أن لا يكون جزافا و مجرد البناء علي كونه ذلك المقدار لا يصحح العقد اذ مرجعه الي الخيار و جعل الخيار لا يوجب الصحة اذ الخيار مورده العقد الصحيح و الكلام في صحته لكونه جزافا و الا يلزم جواز بيع المكيل بالمشاهدة مع البناء و هل يمكن الالتزام به؟

(1) ما افاده تام لأن الحكم تابع لموضوعه و المستفاد من الادلة ان كل شي ء تقدر في الخارج عند العرف يكون ما تعارف فيه هو الميزان لصحة تقديره و رفع ابهامه فالنتيجة صحة ما افاده الماتن و اللّه العالم.

______________________________

(1) لاحظ ص: 525

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 528

أو وزنا أو عدا (1)،

______________________________

(1) الذي يختلج بالبال أن يقال ان ما افاده علي القاعدة اذ المانع عن الصحة اما الغرر و اما الجزاف و شي ء منهما ليس في مفروض الكلام اذ البيع مبنيا علي اخبار البائع يرفع الغرر كما يرفع الجزاف نعم المانع من الصحة حديث الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري: ابتع مني من هذا العدل الاخر بغير كيل فان فيه مثل ما في الأخر الذي ابتعت قال: لا يصلح الا بكيل و قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة، هذا مما «ما» يكره من بيع الطعام «1» فان المستفاد منه انه لا يصحح البيع اخبار البائع.

و يعارضه حديث محمد بن حمران قال قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال: لا بأس فقلت: أ يجوز ان ابيعه كما اشتريته بغير

كيل؟ قال: لا اما انت فلا تبعه حتي تكيله «2» فان المستفاد من هذه الرواية جواز الاعتماد علي اخبار البائع.

و ربما يقال ان حديث أبي العطارد «3» يجمع بين المتعارضين و يوجب تقييد كليهما و لكن هذه الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بها فلا بد من علاج التعارض الواقع بين حديث الحلبي و حديث ابن حمران فنقول ان قلنا بأن المستفاد من حديث الحلبي ان اخبار البائع بالمقدار اخبار حدسي يرتفع التعارض لأن الأخبار في حديث ابن حمران حسي فلا تعارض و ان قلنا ان الأخبار الوارد في حديث الحلبي عام يشمل الأخبار الحسي و الحدسي فيكون اعم من حديث ابن

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 4

(3) لاحظ ص: 520

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 529

و لا فرق بين عدالة البائع و فسقه (1) و الاحوط اعتبار حصول اطمئنان المشتري باخباره (2) و لو تبين الخلاف بالنقيصة رجع المشتري علي البائع بثمن النقيصة (3)، و كان له الخيار في الفسخ و الامضاء في

______________________________

حمران فبحديث ابن حمران تقيد حديث الحلبي فايضا ترتفع المعارضة و ان قلنا ان حديث الحلبي مجمل لتعارض الصدر و الذيل بالتقريب المتقدم فيبقي حديث ابن حمران بلا معارض و ان لم نقل بشي ء مما ذكر و بنينا علي أنهما متعارضان و لا بد من ترجيح احدهما علي الاخر بالمرجح فنقول: الترجيح مع رواية ابن حمران لموافقتها مع الإطلاق الكتابي كقوله تعالي احل اللّه البيع «1» و تجارة عن تراض» «2».

(1) لإطلاق حديث محمد بن حمران.

(2) الظاهر ان الوجه في هذا الاحتياط حديث أبي العطارد المستفاد منه هذا

الاشتراط و قد قلنا انه ضعيف سندا فلا يعتد به.

(3) اذ البيع وقع مبينا علي اخبار البائع فاذا اشتري عشرة امنان من الحنطة باخبار البائع بالمقدار بعشرة توامين فقد اشتري كل من بتومان فاذا انكشف ان المبيع تسعة امنان فالمشتري يرجع الي البائع بتومان و يأخذ منه و ربما يتوهم أن مقتضي القاعدة بطلان البيع بتقريب ان البيع وقع علي العنوان اي عشرة امنان من الحنطة مثلا و المفروض تخلفه فيفسد نظير ما لو وقع البيع علي عنوان البقرة ثم انكشف ان المبيع لم يكن بقرة بل كان حمارا و هذا التوهم فاسد فان القياس مع الفارق اذ الصورة النوعية و لو كانت عرفية تكون مقومة للمبيع و هي مصب البيع و مع عدمها ينكشف عدم وقوع البيع اذ البيع لا يقع علي المادة المشتركة

______________________________

(1) البقرة/ 277

(2) النساء/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 530

الباقي (1) و لو تبينت الزيادة كانت الزيادة للبائع (2) و كان المشتري بالخيار بين الفسخ و الامضاء بتمام الثمن (3).

[مسألة 5: لا بد في مثل القماش و الأرض و نحوهما مما يكون تقديره بالمساحة دخيلا في زيادة القيمة من معرفة مقداره]

(مسألة 5): لا بد في مثل القماش و الارض و نحوهما مما يكون تقديره بالمساحة دخيلا في زيادة القيمة من معرفة مقداره و لا يكتفي في بيعه بالمشاهدة (4)،

______________________________

بين الأشياء بل يقع علي الصورة النوعية. و أما في المقام فلم يقع البيع علي عنوان عشرة امنان بل وقع علي كل من بكذا، فالنتيجة صحة البيع غاية الأمر ثبوت الخيار للمشتري كما في المتن.

(1) لتبعض الصفقة.

(2) لعين البيان المتقدم فان الزيادة للبائع و بعبارة اخري زيادة الثمن للمشتري و زيادة المبيع للبائع و هذا علي طبق القاعدة.

(3) لا يبعد أن يكون هذا الخيار ناشيا من الشركة فانها عيب في السلعة فثبوته يقتضي

الخيار للمشتري.

(4) ان قلنا ان المناط في صحة البيع و فساده ارتفاع الغرر و عدم ارتفاعه فالميزان ترتب الغرر و عدمه و لكن قد مر ان الجهل بالمقدار و الخصوصيات اعم من الغرر فلا يمكن الالتزام بهذه الكلية و ان قلنا ان المستفاد من النصوص الواردة في المكيل و الموزون و المعدود ان الشارع الاقدس لا يرضي بالجزاف في البيع غاية الامر تختلف الاشياء من حيث التقدير فيلزم العلم بالمقدار في كل مورد بحسب ما هو المتعارف فيه و لكن الجزم بهذه الكلية مشكل- كما في كلام شيخنا الأنصاري قدس سره- حيث افاد بأنه في غير المكيل و الموزون المناط في الجواز رفع الغرر الشخصي و الظاهر ان المعدود كالمكيل و الموزون لما عن أبي عبد اللّه

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 531

الا اذا كان المشاهدة رافعة للغرر كما هو الغالب في بيع الدور و الفرش و نحوهما (1).

[مسألة 6: إذا اختلفت البلدان في تقدير شي ء]

(مسألة 6): اذا اختلفت البلدان في تقدير شي ء بأن كان موزونا في بلد و معدودا في آخر و مكيلا في ثالث فالظاهر ان المدار في التقدير بلد المعاملة (2) و لكن يجوز البيع بالتقدير الاخر أيضا اذا لم

______________________________

عليه السلام انه سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال: لا بأس به «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ببركة تقريره ارواحنا فداه اشتراط العد في المعدود فالذي يختلج بالبال أن يقال: ان المستفاد من مجموع النصوص انه يشترط في المكيل و الموزون و المعدود العلم بالمقدار و لو مع عدم الغرر الشخصي و يلحق بالمعدود بالكم المنفصل المعدود بالكم المتصل كالذرع في القماش و الأرض

و امثالهما اذ لا فرق في الحكم بين المتصل و المنفصل. و أما في بقية الموارد فيصح مع عدم الغرر و أما مع الغرر فلا يصح للإجماع و ربما يقال ان اشتراط الخيار رافع للغرر و مع ارتفاعه و لو بواسطة جعل الخيار يصح البيع اذا لم يكن دليل علي اشتراط العلم كما دل الدليل في المكيل و الموزون و المعدود.

(1) مما ذكرنا ظهر ما فيما افاده فان الأرض و القماش و نحوهما اذا كان تقديرها بالعدد لا بد من معرفة مقدارها و لا يكفي مجرد رفع الغرر و محصل الكلام ان المستفاد من كلام الماتن ان الميزان في الصحة ارتفاع الغرر و اثبات هذا المدعي علي النحو العام مشكل بل الأمر كما أفاده شيخنا الأعظم قدس سره من التفصيل.

(2) الأمر كما افاده فان الحكم تابع للموضوع و معلوم ان الموضوع بيد

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب عقد البيع الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 532

يكن غرر (1).

[مسألة 7: قد يؤخذ الوزن شرطا في المكيل أو المعدود أو الكيل شرطا في الموزون]

(مسألة 7): قد يؤخذ الوزن شرطا في المكيل أو المعدود أو الكيل شرطا في الموزون، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس بشرط أن يكون كيلها صاعا فيتبين أن كيلها أكثر من ذلك لرقة الدبس أو يبيعه عشرة أذرع من قماش بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال فيتبين أن وزنها تسعمائة لعدم احكام النسج أو يبيعه عشرة أذرع من الكتان بشرط أن يكون وزنه مائة مثقال فيتبين أن وزنه مائتا مثقال لغلظة خيوطه و نحو ذلك مما كان التقدير فيه ملحوظا صفة كمال للمبيع لا مقوما له، و الحكم أنه مع التخلف بالزيادة او النقيصة يكون الخيار للمشتري، لتخلف الوصف فان أمضي العقد كان عليه تمام الثمن

و الزيادة للمشتري علي كل حال (2).

______________________________

العرف و يفترق موارده بحسب جعلهم و عادتهم.

(1) قد تقدم الاشكال فيما افاده فلاحظ.

(2) الظاهر ان ما أفاد تام فان المعدود يباع بالعدد و قوام قيمته عرفا به غاية الامر يمكن أن يتصور فيه صفة كمال فالمشتري يشترط لنفسه الخيار عند التخلف كشرط الكتابة في العبد أو الخياطة و أمثالهما فان تخلف الوصف يقتضي الخيار و نتيجة هذا الاشتراط للمشتري فقط اذ بالتخلف له الخيار فاذا امضي العقد كان عليه تمام الثمن لعدم ما يوجب التبعيض و الزيادة للمشتري علي كلا التقديرين بلا فرق بين الاشتراط و عدمه و السر فيه ان الثمن في مقابل العدد أو الوزن أو الكيل و المفروض انه كذلك انما الفرق في الوصف و الاوصاف لا تقابل بالثمن فالزيادة للمشتري

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 533

[مسألة 8: يشترط معرفة جنس العوضين و صفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها]

(مسألة 8): يشترط معرفة جنس العوضين و صفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها، كالألوان و الطعوم و الجودة و الرداءة و الرقة و الغلظة و الثقل و الخفة و نحو ذلك مما يوجب اختلاف القيمة (1) أما ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته و ان كان مرغوبا عند قوم و غير مرغوب عند آخرين (2) و المعرفة اما بالمشاهدة (3) أو بتوصيف

______________________________

علي كلا التقديرين فلاحظ.

(1) و الوجه فيه انه مع عدم معرفة الجنس و صفته يلزم الغرر و الغرر يوجب فساد البيع و لكن قد مر منا انه يمكن تصور عدم الغرر مع الجهل بأن يعلم المشتري ان المبيع يسوي هذا المقدار من الثمن و مع ذلك يكون جاهلا بصفاته التي يختلف القيمة باختلافها.

(2) لانتفاء الموضوع فانه ليس مصداقا للغرر فلا وجه للبطلان و لا وجه للاشتراط.

(3)

كما هو ظاهر فانها من طرق ارتفاع الجهل و المعرفة بمتعلق البيع و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما عن محمد بن العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ما يذاق يذوقه قبل أن يشتري؟ قال: نعم فليذقه و لا يذوقن مالا يشتري «1».

و منها ما عن عبد الأعلي بن اعين قال نبئت عن أبي جعفر عليه السلام أنه كره شراء ما لم تره «2».

و منها ما عن محمد بن سنان قال نبئت عن أبي جعفر عليه السلام انه كره بيعين

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 534

البائع (1) أو بالرؤية السابقة (2).

[مسألة 9: يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكا مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس]

(مسألة 9): يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكا مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس (3)،

______________________________

اطرح و خذ علي غير تقلب و شراء ما لم تر «1».

(1) يمكن أن يقال: ان البائع اذا لم يكن مؤتمنا لا اثر لأخباره و لكن يجاب عن هذا الإيراد بأن المستفاد من حديث «2» ابن حمران اعتبار قول البائع بعد الغاء الخصوصية مضافا الي أن البيع مبنيا علي اخبار البائع مرجعه الي جعل الخيار مع التخلف و مع الخيار لا يصدق الغرر و بعبارة اخري بيع المجهول مع الخيار ليس فيه خطر فلا وجه للفساد.

(2) ان كان مرجعها الي جعل الخيار فقد مر الان انه يوجب رفع الغرر فيصح البيع. و ان كان المراد ان مجرد الرؤية السابقة يوجب رفع الغرر يشكل الالتزام به فانه لا دليل علي اعتبارها لا من ناحية السيرة العقلائية و لا من ناحية الشرع الا توهم جريان الاستصحاب و الاستصحاب لا يجري

في مثل المقام فان الأثر مترتب علي الأحراز لا علي الواقع و بعبارة اخري ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي و لكن الموضوع في المقام ارتفاع الغرر و هذا العنوان لا يترتب علي الأصل فلاحظ.

(3) اما بالنسبة الي المبيع فقد دل عليه النص و هو مكاتبة الصفار انه كتب الي الحسن بن علي العسكري عليه السلام فوقع عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «3».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) لاحظ ص: 520

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 535

أو ما هو بمنزلته كبيع الكلي في الذمة أو بيع مال شخصي لاختصاصه بجهة من الجهات مثل بيع ولي الزكاة بعض أعيان الزكاة و شرائها العلف لها (1)، و عليه فلا يجوز بيع ما ليس كذلك مثل بيع السمك

______________________________

و ما رواه اسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال: سألته عن رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد اعلمه من مضي من آبائه أنها ليست لهم و لا يدرون لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها قال ما أحب أن يبيع ما ليس له: قلت: فانه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي، و لا اظنه يجي ء لها رب ابدا قال: ما أحب ان يبيع ما ليس له «1».

و ما عن الحجة عليه السلام قال: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بأمره أو رضي منه «2».

و أما بالنسبة الي الثمن فيمكن ان يكون الوجه فيه ان مقتضي المعاوضة دخول كل من العوضين في كيس من

خرج عنه العوض فاذا لم يكن الثمن ملكا للمشتري لا يمكن ان يدخل المبيع في كيسه و للمناقشة فيما افيد مجال اذ يصدق البيع في غير هذه الصورة أيضا و مع الصدق يشمله دليل الصحة و عليه لو دفع شخص مالا الي غيره و اجاز في انه يشتري به شيئا لنفسه يجوز للمعطي له ان يشتري بالمال المأخوذ شيئا و لا نري فيه مانعا.

(1) الامر كما افاده فانه لا شبهة في صحة بيع الكلي في الذمة كما انه لا اشكال في تصرف المتولي لأمر الوقف او الزكاة او غيرهما و أيضا لا مانع من تصرف الوكيل في مورد الوكالة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 5

(2) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 536

في الماء و الطير في الهواء و شجر البيداء قبل أن يصطاد أو يحاز (1).

[مسألة 10: يصح للراهن بيع العين المرهونة بإذن المرتهن]

(مسألة 10): يصح للراهن بيع العين المرهونة باذن المرتهن و كذلك لو أجازه بعد وقوعه و الاظهر صحة البيع مع عدم اجازته أيضا الا أنه يثبت الخيار حينئذ للمشتري اذا كان جاهلا بالحال حين البيع (2).

______________________________

(1) لعدم صيرورتها ملكا قبل الاصطياد او الحيازة فلاحظ.

(2) ما يمكن ان يذكر في تقريب عدم صحة بيع الراهن العين المرهونة وجوه:

الوجه الأول: الإجماع. و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا.

الوجه الثاني ما ارسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال الراهن و المرهون (و المرتهن) ممنوعان من التصرف في الرهن «1» فان مقتضي هذا الحديث عدم جواز تصرف كل واحد منهما في العين بلا اذن الاخر.

و فيه ان الرواية مرسلة و لا

اعتبار بها و عمل المشهور بها علي فرض تسلمه لا اثر له كما مر مرارا.

الوجه الثالث انه غرري لإمكان ان لا يقدر الراهن فك الرهن فيبيع المرتهن العين و الظاهر ان هذا الاشكال قوي اذ لا اشكال في ان الأقدام في اشتراء مثل هذا الشي ء معرض للخطر نعم اذا لم يعنون بهذا العنوان او قلنا انه لا دليل علي مانعية الغرر علي الإطلاق لا مانع عن الالتزام بالصحة غاية الأمر مع جهل المشتري يكون له الخيار كما في المتن.

و صفوة القول انه لو لا الغرر لا مانع عن الصحة و لو تنزلنا عما ذكر و قلنا

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 17 من ابواب الرهن الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 537

[مسألة 11: لا يجوز بيع الوقف]

(مسألة 11): لا يجوز بيع الوقف (1)،

______________________________

ليس للمالك الاستقلال بالبيع فلا بد من الالتزام بالصحة مع اجازة المرتهن لما ورد في تزويج العبد بلا اذن سيده لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال: ذاك الي سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت: اصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و ابراهيم النخعي و اصحابهما يقولون: ان اصل النكاح فاسد و لا تحل اجازة السيد له، فقال أبو جعفر عليه السلام انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا اجازه فهو له جائز «1».

معللا «بأنه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا اجاز جاز» اذ يستفاد من عموم العلة ان المانع اذا كان حق الادمي يصح باجازته فتحصل ان الظاهر عدم جواز بيع الرهن الا باذن المرتهن او باجازته بعد البيع و لو تنزلنا و قلنا بجواز بيع الرهن و لو

بدون اذن المرتهن و اجازته فالظاهر ثبوت الخيار للمشتري للشرط الارتكازي الضمني فلاحظ.

(1) يقع البحث في مقامين احدهما في بيان حقيقة الوقف و انه هل ينافي البيع الوقف؟ ثانيهما في الوجوه التي يمكن اقامتها علي عدم الجواز اما المقام الأول فالذي يستفاد من موارد الاستعمال و كلمات اصحاب اللغة ان الوقف عبارة عن جعل العين ساكنا فيقال: وقفت. سفينة المساكين اي صارت ساكنة غير متحركة قال:

في مجمع البحرين: «و قد تكرر ذكر الوقف في الحديث و هو تحبيس الأصل و اطلاق المنفعة» و عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال حبس الأصل و سبل الثمرة «2».

فيمكن ان يقال ان الوقف الخارجي جعل الشي ء ساكنا عن الحركة الخارجية

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث: 1

(2) مستدرك الوسائل الباب 2 من أبواب الوقوف الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 538

______________________________

كما في قوله تعالي وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ «1».

و الوقف الاعتباري الذي هو مورد البحث جعل الشي ء واقفا و ساكنا و غير متحرك بالحركة الاعتبارية و علي هذا الأساس الوقف بماله من المعني ينافي البيع و لا يخفي ان ما ذكرنا لا يستلزم بطلان الوقف بعروض المجوز للبيع اذ لا تنافي بين جعل الواقف العين موقوفة عن الحركة و بين حكم الشارع بجواز بيعه في المورد الفلاني.

و ان شئت قلت يجوز بيع الوقف في بعض الموارد فلا بد من التحفظ علي حفظ الموضوع و بعبارة اخري موارد جواز بيع الوقف تخصيص في دليل المنع لا تخصص هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما المقام الثاني فما يمكن ان يذكر في مستند عدم الجواز وجوه: الوجه الأول: الاجماع علي عدم جواز بيع الوقف

في الجملة و الظاهر انه لا مجال لإنكاره فان عدم الجواز في الجملة مما تسالم عليه الأصحاب و اتفقوا عليه و انما الكلام في بعض الخصوصيات.

الوجه الثاني ما عن أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام في الوقف:

الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها ان شاء اللّه «2». و ما رواه محمد بن يحيي قال: كتب بعض أصحابنا الي أبي محمد عليه السلام في الوقوف و ما روي فيها فوقع عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها ان شاء اللّه «3».

و لا يبعد ان يكون المستفاد من الحديث ان اللازم شرعا العمل بما قرره

______________________________

(1) الصافات/ 24

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 539

______________________________

الواقف من القيود و الشروط في الموقوف عليه و في كيفية الصرف و بقية الجهات الراجعة اليه فلا يرتبط الحديث بالمقام الا ان يقال: ان العرف يفهم من هذا الكلام ان امضاء الوقف شرعا تابع لجعل الواقف فالسكون و الوقوف عن الحركة الاعتبارية مقوم للوقف.

الوجه الثالث: ان امضاء الوقف بنفسه يقتضي عدم جواز بيعه اذ بعد ما علم ان الوقف عبارة عن وقوف العين عن الحركة في وعاء الاعتبار و كونها ساكنة غير متحركة و امضاء الشارع هذا الاعتبار كما هو المفروض يترتب عليه فساد نقلها إلا مع قيام الدليل علي التخصيص في المورد الفلاني فلاحظ.

الوجه الرابع ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال تصدق امير المؤمنين عليه السلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب و هو حي سوي تصدق

بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتي يرثها اللّه الذي يرث السماوات و الأرض الحديث «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي ان كلمتي لا تباع و لا توهب صفتان للنوع بأن يقال ان الصدقة تارة تقبل البيع و الهبة كالصدقات المستحبة الجارية بين الناس و اخري لا تكون قابلة لهما كالوقف و الحاصل انهما صفتان للنوع لا للشخص و قد ذكرت لا ثبات كون المذكور صفة للنوع عدة امور: منها:

ان الظاهر بحسب الفهم العرفي ان قوله عليه السلام: «صدقة لا تباع» مفعول مطلق نوعي لقوله عليه السلام: «تصدق» فيدل علي ان الصدقة علي نحوين كما ذكرنا. و منها: انه لو كان وصفا للشخص لكان المناسب أن يتأخر ذكره عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 540

______________________________

الموقوف عليه و الحال انه ذكر قبل ذكر الموقوف عليه و بعبارة اخري مقتضي القانون العربي تأخر الشرط في الذكر عن المشروط عليه.

و منها ان الاشتراط الخارجي يحتاج الي ذكر كلمة «علي» كأن يقال علي ان يبيعوا او يذكر بعد ادوات الشرط و الحال أن المذكور في الرواية ليس كذلك.

و منها: ان الوصف اذا كان للشخص و يكون مرجعه الي الاشتراط لا يترتب عليه عدم جواز البيع وضعا فان شرط الفعل لا يترتب عليه الحكم الوضعي بل المترتب عليه الحكم التكليفي مثلا لو اشترط احد المتعاقدين علي الأخر في ضمن العقد أن لا يتزوج بفلانة يترتب عليه حرمة الازدواج تكليفا لكن لو غفل المشروط عليه أو عصي و تزوج بفلانة يصح عقده فلا يترتب الأثر المقصود علي مثل هذا الشرط اللهم الا أن يقال: ان من يلتزم

بكونه شرطا خارجيا لا يأبي عن ترتب هذا اللازم عليه و صفوة القول أنه لا اشكال في أن الرواية بحسب الظهور تدل علي المدعي و الظاهر صحة السند.

الوجه الخامس ما رواه ابن راشد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت جعلت فداك اشتريت أرضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما و فرت المال خبرت أن الأرض وقف. فقال: لا يجوز شراء الوقوف و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الي من اوقفت عليه قلت: لا اعرف لها ربا قال: تصدق بغلتها «1».

فان مقتضي صراحة الرواية عدم جواز بيع الوقف الوجه السادس: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال أوصي أبو الحسن عليه السلام بهذه الصدقة فان المستفاد من قوله عليه السلام- في ذيل الحديث- «لا يحل لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الأخر أن يبيعها و لا يبتاعها و لا يهبها و لا ينحلها و لا يغير شيئا مما و صفته عليها

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 541

الا في موارد: منها: أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالحيوان المذبوح و الجذع البالي، و الحصير المخرق (1).

______________________________

حني يرث اللّه الأرض و من عليها «1» ان الصدقة التي تصدق بها موصوفة بهذه الصفة و بعبارة اخري يفهم من الحديث ان الصدقة ربما تكون علي نحو لا يجوز بيعها و لا شرائها.

و مما يوضح المدعي قوله عليه السلام «و لا يبتاعها» اذ لو كان شرطا شخصيا يكون المشروط عليه موظفا بعدم بيعه و يكون البيع حراما بالنسبة اليه و أما بالنسبة الي المشتري فلا وجه للحرمة و الحال ان المستفاد من الرواية انه يحرم بيعه و

أيضا يحرم شرائه و هذا هو المدعي حيث انه لا يجوز التصرف فيه لا بالبيع و لا بالشراء فيتم المقصود فلاحظ.

الوجه السابع ما رواه ابن عطية قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول قسم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الفي ء فاصاب عليا عليه السلام ارض فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير فسماها عين ينبع فجاء البشير يبشره فقال: بشر الوارث بشر الوارث هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله لا تباع و لا توهب و لا تورث فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين لا يقبل اللّه منه صرفا و لا عدلا «2» فان المستفاد من هذه الرواية ان الوقف صدقة لا تباع و لا توهب.

(1) ربما يقال في تقريب جواز البيع ان الدليل علي عدم الجواز اما الإجماع و اما قوله عليه السلام «لا يجوز شراء الوقوف» «3» و اما قوله الوقوف علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 2

(3) لاحظ ص: 540

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 542

______________________________

حسب ما يقفها اهلها «1» و شي ء منها لا يقتضي المنع اما الاجماع فواضح لعدم اجماع علي عدم الجواز في الصدقات المفروضة و علي فرض تحققه لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا و اما قوله عليه السلام «لا يجوز شراء الوقف» فلانصرافه عن الصورة المفروضة و لا يشملها.

و فيه انه لا وجه للانصراف الاقلة الوجود و قلة الوجود لا توجب الانصراف الي بقية الافراد و ان شئت قلت ان قلة الوجود لا توجب الانصراف اليها لا انها

توجب الانصراف عنها و بينهما فرق. و اما قوله عليه السلام الوقوف الخ فلانه مسوق لبيان الكيفية المرسومة في الوقف و ليس عدم البيع منها و فيه انه قد مر ان الوقف عبارة عن اعتبار عدم الحركة في العين و كونها ساكنة غير متحركة و الشارع الاقدس امضي هذا الاعتبار فيمكن ان يقال: ان عدم النقل مقوم للوقف.

و ربما يقال في وجه جواز البيع في الصورة المفروضة ان قوام الوقفية بالصورة النوعية و مع زوال الصورة يبطل الوقف فيجوز بيع العين لانتفاء الموضوع.

و اورد فيه او لا بأن لازم هذا الكلام ان الصورة النوعية اذا تبدلت الي صورة نوعية اخري قابلة للانتفاع بها لجاز بيعها لانبطال الوقف و الحال انه لا يجوز بيعه في هذا الفرض.

و ثانيا ان الوقف مثل البيع فكما ان بيع الدار لا يبطل بخرابها كذلك لا يبطل الوقف بانعدام الصورة النوعية بل الوقف باق في ضمن الصورة الاخري. و ثالثا ان لازم ما ذكر عود الوقف الي ملك الواقف أو صيرورته ملكا للبطن الموجود او صيرورته من المباحات الاصلية القابلة للتملك لكل احد لا جواز بيعه كما هو المدعي.

و يمكن ان يقال: ان الوجه في الجواز ان الغرض من الوقف الانتفاع بالعين

______________________________

(1) لاحظ ص: 538

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 543

و منها: أن يخرب علي نحو يسقط عن الانتفاع المعتد به مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفا (1).

و منها: ما اذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر من قلة المنفعة أو كثرة الخراج أو كون بيعه أنفع أو احتياجهم الي عوضه أو نحو ذلك (2).

______________________________

فالواقف بحسب ارتكازه قاصد لبقاء العين ما دام كونها قابلة للانتفاع و في فرض عدم امكان

تبدل الي ما هو قابل للانتفاع به و مقتضي الاحتياط أن يراعي الأقرب فالأقرب الي نظر الواقف و مقتضي كون الوقف علي حسب ما أوقفه أهله امضاء الشارع الأقدس اياه علي هذا النحو فلا يشمله دليل عدم جواز بيع الوقف.

و ان شئت قلت: الجمع بين هذا الدليل و دليل عدم جواز البيع يقتضي اختصاص عدم الجواز بغير هذه الصورة. و ان شئت قلت: ان المقصود من الوقف ابقاء العين و الانتفاع بها و حيث ان الانتفاع غير ممكن علي الفرض يكون دليل عدم جواز البيع منصرفا عنه فلاحظ.

(1) الظاهر ان الوجه في جواز بيع الوقف في هذه الصورة هو الوجه و بعبارة اخري لا اجماع في المقام علي عدم الجواز و دليل عدم الجواز منصرف عن هذه الصورة و ابقاء العين علي حالها مع كون الانتفاع بها ملحقا بالعدم مخالف لمقصود الواقف و ان شئت قلت الواقف بارتكازه رخص في بيعه و تبديله بما يكون ذا نفع معتد به فيجوز بيعه.

(2) ما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجوه: الوجه الاول: ادلة نفوذ الشرط.

و فيه ان دليل الشرط ليس مشرعا بل لا بد من احراز صحة الشرط و جوازه في الرتبة السابقة و جواز البيع بعد الوقف اول الكلام بل لنا أن نقول بأن دليل حرمة بيع

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 544

______________________________

الوقف لا يبقي مجالا لهذا الاشتراط و بتقريب آخر: ان مرجع هذا الاشتراط الي الترخيص في البيع عند تحقق المعلق عليه كحاجة الموقوف عليهم فمعناه ان الواقف جوز بيع الوقف في الصورة الكذائية و الحال انه لا يجوز بيع الوقف و ان شئت قلت الاشتراط المذكور ترخيص من الواقف في بيع الوقف و ترخيص

الواقف لا دليل علي كونه مؤثرا فان ترخيصه كترخيص الأجنبي و دليل نفوذ الشرط لا يشمله اذ الشرط المذكور لا يرتبط بالوقف بل هو شرط خارجي.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها «1» بتقريب ان المستفاد من هذه الرواية ان الوقف تابع لجعل الواقف. و فيه انه لا اشكال في أن الوقف لا بد أن يكون علي نحو مشروع كي يمضي من قبل الشارع و المفروض ان مقتضي الدليل حرمة بيع الوقف فلا يشمله دليل الامضاء الا أن يقال ان الجمع بين دليل كون الوقف تابعا لإنشاء الواقف و دليل حرمة بيع الوقف يقتضي عدم شمول دليل الحرمة لمورد رخص الواقف في بيعه لان الوقف علي حسب ما أوقفه اهله.

الوجه الثالث: ما رواه عبد الرحمن قال بعث إلي بهذه الوصية ابو ابراهيم عليه السلام هذا ما أوصي به و قضي في ماله عبد اللّه علي ابتغاء وجه اللّه الي أن قال:

فان اراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه إن شاء جعله شروي (سري خ) الملك و ان ولد علي و أموالهم الي الحسن بن علي و ان كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه الحديث «2».

فان المستفاد من هذه الرواية جواز اشتراط بيع الوقف من قبل الواقف عند

______________________________

(1) لاحظ ص: 538

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 545

و منها: ما اذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم بحيث لا يؤمن معه من تلف النفوس و الاموال (1).

______________________________

حدوث أمر كما في المتن و هذه الرواية

الشريفة صريحة الدلالة في المدعي و لا اشكال فيها لا من ناحية السند و من ناحية الدلالة فان ما فعله مولي الكونين امير المؤمنين و امام الثقلين و أفضل الخلائق بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اجمعين حجة فلاحظ.

(1) يمكن أن يذكر في وجه الجواز في هذه الصورة امور: الأول: قاعدة لا ضرر بتقريب ان مقتضي هذه القاعدة عدم حرمة بيع الوقف فيجوز بيعه. و فيه ان الاختلاف المؤدي الي تلف النفوس امر اختياري للموقوف عليهم و لا يرتبط بالحكم الشرعي و من الظاهر ان الاضرار الناشي عن اختيار المكلف لا يؤثر في الحكم الشرعي. و ثانيا ان قاعدة لا ضرر تنفي الحكم الضرري و ليس شأنها اثبات الحكم غير الضرري فلا يستفاد منها جواز البيع وضعا.

الثاني وجوب حفظ النفس فان حفظ النفس المحترمة يقتضي جواز بيع الوقف و فيه ان الحكم الشرعي الوضعي لا يتغير بلحاظ الاختلافات الواقعة بين المكلفين.

الثالث مكاتبة علي بن مهزيار قال: كتبت اليه ان الرجل ذكران بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده فان كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع الي كل انسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته، فكتب اليه بخطه و اعلمه أن رأيي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف ان يبيع الوقف امثل فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال و النفوس «1».

بتقريب ان المستفاد من الخبر جواز البيع فيما يكون بين الموقوف عليهم اختلاف يمكن ان يؤدي الي تلف المال و النفس. و قد اورد في الاستدلال بالخبر

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف و

الصدقات الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 546

و منها: ما لو لاحظ الواقف في قوام الوقف عنوانا خاصا في العين الموقوفة مثل كونها بستانا أو حماما فيزول ذلك العنوان فانه يجوز البيع حينئذ (1)،

______________________________

بايرادات: منها ان الخبر معرض عنه عند الاصحاب و فيه منع الاعراض اولا و عدم تأثير الاعراض ثانيا.

و منها ان الكلام في الوقف المؤبد و الرواية ظاهرة في الوقف المنقطع لعدم ذكر الاعقاب فيها. و فيه ان ترك الاستفصال يقتضي عدم الفرق بين المؤبد و الموقت.

و منها ان مورد الرواية الوقف غير المقبوض و غير المقبوض من الوقف لا يكون وقفا فلا يكون دليلا لمورد البحث. و فيه ان الظاهر تمامية الوقف و الحمل علي ما قبل القبض حمل علي خلاف الظهور العرفي بلا دليل مضافا الي انه يكفي لعموم الحكم ترك الاستفصال فان مقتضاه عدم الفرق بين تحقق القبض و عدم تحققه.

و منها ان الظاهر من الرواية كون الثمن للبطن الموجود و الحال انه مناف لحق بقية البطون. و فيه ان رفع اليد عن هذه الفقرة في الرواية لا يقتضي رفع اليد عن الرواية بالكلية.

و منها ان الظاهر من الرواية ان البائع هو الأجنبي و الحال ان الأمر موكول الي الموقوف عليهم. و فيه انه يمكن أن يكون المتصدي هو المتولي لأمر الوقف و يمكن أن يكون الوجه في التصدي الأذن من الامام عليه السلام و لكن الظاهر من الرواية ان الحكم الشرعي هو الجواز بلا خصوصية للمورد فيمكن أن يكون المتصدي من يجوز له التولي لكونه متوليا أو لكونه مأذونا من قبل الموقوف عليهم فلاحظ.

(1) اذ المفروض ان الوقف تعلق بالعنوان و بعبارة اخري لا مجال لبقاء الحكم مع انتفاء

الموضوع و المفروض ان موضوع الوقف هو العنوان و مع زوال العنوان يزول الوقف. و اورد عليه الشيخ الأعظم قدس سره بأنه لا وجه للبطلان بانعدام

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 547

______________________________

العنوان لأنه ان اريد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله وقفت هذا البستان فلا شك في أنه ليس الا كقوله بعت هذه البستان او وهبته فان التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان الي ان قال و ان اريد بالعنوان شي ء آخر فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم فلا بد من بيان المراد منه انتهي.

و الجواب عن هذا الاشكال انه تارة يقع الوقف علي الموجود الخارجي و يشار بالعنوان الي ذلك الموجود في الخارج فقوله وقفت هذه الدار مرجعه الي وقفت هذا الشي ء و في هذا الفرض لا مجال للالتزام ببطلان الوقف بزوال العنوان اذ المفروض انه لا مدخلية لبقاء العنوان في بقاء الوقف و اخري يتعلق بالعنوان بما هو عنوان كما لو تعلق الوقف بعنوان البستان فانه بعد زوال عنوان البستان لا مجال لبقاء الوقف، فيقع الكلام في أنه بعد زوال العنوان يكون المعنون الباقي ملكا للواقف او ورثته او يكون ملكا للموقوف عليهم و ورثته.

و تردد صاحب الجواهر «1» في المقام و رجح كونه ملكا للموقوف عليه بتقريب ان الوقف خرج من ملك الواقف و دخل في ملك الموقوف عليه غاية الأمر لم يكن بيعه جائزا له لعدم جواز بيع الوقف و اما بعد زوال العنوان و بطلان الوقف لا مانع عن التصرف في العين للمالك اي الموقوف عليه.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: انه بعد زوال العنوان يكون ملكا للواقف ان كان موجودا او لوارثه ان لم يكن

موجودا و الوجه فيه ان الإهمال في الواقعيات محال فان الواقف اذا وقف العين بعنوان خاص كعنوان الدار مثلا فتبدل ذلك العنوان بعنوان آخر فان كان الوقف باقيا يكون خلف الفرض و بعبارة اخري المفروض قوام الوقف بالعنوان الذي تعلق به الوقف و المفروض زواله فالوقف باق ببقاء

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 22 ص 359.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 548

و ان كانت الفائدة باقية بحالها أو أكثر (1).

و منها: ما اذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه الي الخراب المسقط له عن المنفعة المعتد بها عرفا (2)، و اللازم تأخير البيع الي آخر أزمنة امكان البقاء (3).

______________________________

العنوان و مرجعه الي التوقيت فالعين الموقوفة في الصورة المفروضة لم تخرج عن ملك الواقف الا مقدارا من الزمان و في الحقيقة يكون الوقف علي هذا الفرض من الوقف الموقت فما افاده صاحب الجواهر في المقام من احتمال عوده الي ملك الواقف غير صحيح فان العود يتوقف علي الخروج و لا مقتضي للخروج الا بالمقدار الخاص لا مطلقا.

و ان شئت قلت اذا التزمنا بخروج العين عن ملك الواقف فلا مقتضي لعودها في ملكه و أما ان قلنا بعدم خروجها الا بالمقدار المعين فلا موضوع للعود بل مقتضاه عدم الخروج الا بهذا المقدار فلاحظ و تأمل و اغتنم، و لا يقاس المقام بباب البيع فان البائع للدار و ان يملك الدار من المشتري لكن في حكم الشارع و العقلاء تصير العين مملوكة للمشتري و لا تدور الملكية مدار بقاء عنوان الدارية بل تصير الدار مملوكة له بلا تقييدها ببقاء عنوان الدارية.

و صفوة القول: ان الوقف قد يتعلق بالعنوان بما هو و اخري يتعلق بمتعلقه بلا خصوصية للعنوان بما هو عنوان فعلي

الاول يزول الوقف بزوال ذلك العنوان و علي الثاني لا يزول بل يكون باقيا ببقاء المتعلق.

(1) لان المفروض بطلان الوقف بزوال العنوان.

(2) و الوجه فيه انصراف ادلة حرمة البيع عن هذه الصورة و ان الواقف و لو بالارتكاز رخص في البيع و جعل بدله وقفا و الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها.

(3) اذ لا وجه للجواز ما دام يكون الانتفاع ممكنا.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 549

[مسألة 12: ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد]

(مسألة 12): ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد، فانها لا يجوز بيعها علي كل حال (1)، نعم يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين، و كتب العلم و المدارس و الرباطات الموقوفة علي الجهات الخاصة (2).

[مسألة 13: إذا جاز بيع الوقف]

(مسألة 13): اذا جاز بيع الوقف، فان كان من الاوقاف غير المحتاجة الي المتولي كالوقف علي الاشخاص المعينين لم تحتج الي اجازة غيرهم (3) و الا فان كان له متول خاص فاللازم مراجعته، و يكون البيع باذنه (4) و الا فالاحوط مراجعة الحاكم الشرعي، و الاستئذان منه في البيع (5) كما أن الاحوط أن يشتري بثمنه ملكا،

______________________________

(1) فان المسجد لا يكون وقفا بل المسجد تحرير فلا تشمله ادلة جواز بيع الوقف فلا يجوز بيع المساجد.

(2) فانها اوقاف عامة و الوقف العام ملك للعنوان العام فيترتب عليه احكام الوقف فيجوز بيعه كالوقف الخاص عند عروض المجوز فلاحظ.

(3) الذي يختلج بالبال انه يلزم ضم الحاكم الي الموقوف عليه اذ ليس الوقف ملكا طلقا للموجودين فلا بد من ضم الحاكم حيث انه ولي القاصرين و المعدوم قاصر عن التصرف الا أن يقال المفروض جواز البيع و أيضا المفروض ان المالك الفعلي هم الموجودون فيجوز لهم التصدي للبيع و لا يحتاج الي ضم الحاكم فما افاده في المتن صحيح.

(4) كما هو ظاهر فان الأمر موكول الي المتولي فلا بد من مراجعته اذ الامر بيده علي الفرض.

(5) لم يظهر لي وجه عدم جزم الماتن بلزوم مراجعة الحاكم اذ مع عدم

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 550

و يوقف علي النهج الذي كان عليه الوقف الاول (1) نعم لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض و صرف ثمنه في مصلحة المقدار

العامر، أو في وقف آخر، اذا كان موقوفا علي نهج وقف الخراب (2) و اذا

______________________________

المتولي و عدم كون الوقف وقفا خاصا يدخل المقام في الامور الحسبية التي لا بد من مراجعة الحاكم فيها و بعبارة اخري ليس لكل احد التصرف في المال بل المتصدي لا بد من كونه مأذونا شرعا بأن يكون اما مالكا او وليا علي المالك او و كيلا عنه و الا لا يجوز التصرف فعليه فينحصر الامر في الحاكم.

(1) لا يبعد أن يقال انه لو اشتري ملك آخر لا يحتاج الي وقفه بل مقتضي البدلية صيرورته وقفا بالاشتراء و بعبارة واضحة لو لم نلتزم بكون البدل وقفا بلا احتياج الي إنشاء الوقف يتوجه السؤال بأن هذا الملك لمن يكون؟ ان قلنا بأنه ليس ملكا لأحد بل يكون من المباحات فلا مجال لوجوب وقفه و لا يمكن الالتزام به و ان قلنا بدخوله في ملك الواقف فمضافا الي انه لا مقتضي له يلزم صيرورة الوقف بعد بيعه و اشتراء بدله انه يزول عنوان الوقف عنه و بطلانه و هل يمكن الالتزام به؟

و اما نلتزم بكونه ملكا للموقوف عليه ملكا طالقا فيعود المحذور و هو بطلان الوقفية فاللازم أن نلتزم بكونه وقفا كالمبدل بلا احتياج الي إنشاء الوقف هذا بالنسبة الي كونه وقفا و اما اعتبار كونه علي النهج الذي كان عليه الوقف الأول فلا يبعد أن يكون هو الاظهر فان الواقف اراد هذا المعني و لو بالارتكاز فلا بد من رعاية نظره بمقتضي ان الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها.

(2) اذا أمكن بيعه و تبديله بالمماثل لا يبعد وجوبه كما انه لو امكن بيع كله و تبديله بما يكون مماثلا للموقوف لا يبعد

ان يكون متعينا لرواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلي بهذه الوصية ابو ابراهيم عليه السلام: هذا ما اوصي به و قضي في ماله عبد اللّه علي ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار، و يصرف

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 551

خرب الوقف و لم يمكن الانتفاع به و أمكن بيع بعضه و تعمير الباقي بثمنه فالاحوط الاقتصار علي بيع بعضه و تعمير الباقي بثمنه (1).

[مسألة 14: لا يجوز بيع الأمة إذا كانت ذات ولد لسيدها]

(مسألة 14): لا يجوز بيع الامة اذا كانت ذات ولد لسيدها (2).

______________________________

النار عني يوم تبيض وجوه و تسود وجوه ان ما كان لي من مال بينبع- الي ان قال-: و انه يقوم علي ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف، و ينفقه حيث يريد اللّه في حل محلل لا حرج عليه فيه، فان اراد ان يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه و إن شاء جعله شروي (سري خ) الملك الحديث «1» بتقريب انه عليه السلام بعد قوله (فان اراد ان يبيع نصيبا من المال) قال: الي ان قال عليه السلام: (و ان شاء جعله شروي الملك).

و قال في مجمع البحرين و شروي الشي ء مثله، فيستفاد من هذه الجملة انه يجوز له ان يجعله مثل الملك فيجوز التقلب فيه بالبيع و اللّه العالم. بل يمكن ان يستدل علي المدعي بقوله عليه السلام (الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها).

(1) الذي يختلج بالبال ان يقال انه اذا امكن تبديله بملك آخر يكون كالملك الاول في الخصوصيات يلزم لكونه اقرب الي نظر الواقف و اما اذا لم يمكن تصل النوبة الي بيع بعضه و صرف الثمن في الباقي و علي الجملة

لا بد من رعاية نظر الواقف الأقرب اليه فالأقرب و اللّه العالم.

(2) قال الشيخ الأنصاري قدس سره: «و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أم ولد لسيدها فان ذلك يوجب منع المالك عن بيعها بلا خلاف بين المسلمين علي الظاهر المحكي عن مجمع الفائدة» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 552

و لو كان حملا غير مولود (1) و كذا لا يجوز نقلها بسائر النواقل (2) و اذا

______________________________

و يستفاد من بعض النصوص كونه امرا منكرا لاحظ ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام أن عليا أتاه رجل فقال: ان امتي أرضعت ولدي و قد أردت بيعها فقال: خذ بيدها فقل من يشتري مني أم ولدي؟! «1».

و يظهر من بعض النصوص كحديث زرارة قال: سألته عن أم الولد، قال:

امة تباع و تورث و توهب وحدها حد الأمة «2» جواز بيع أم الولد و لا بد من حمله علي بعض المحامل كبيعها في فرض موت ولدها أو في مورد وجود المجوز لبيعها.

(1) قال الشيخ الأنصاري قدس سره: «فلا اشكال بل لا خلاف في تحقق الموضوع بمجرد الحمل» الخ و يدل علي المدعي ما رواه محمد بن مارد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتزوج الامة فتلد منه أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها، قال: هي أمته ان شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك و ان شاء أعتق «3».

(2) قال الشيخ الأنصاري قدس سره: «ثم ان عموم المنع

لكل ناقل و عدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين و الوجه فيه ظهور ادلة المنع المعنونة بالبيع في ارادة مطلق النقل فان مثل قول امير المؤمنين عليه السلام في الرواية السابقة «خذ بيدها و قل من يشتري أم ولدي» يدل علي كون مطلق نقل أمّ الولد الي الغير كان من المنكرات و هو مقتضي التأمل فيما سيجي ء من اخبار بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها و عدم جوازه فيما سوي ذلك». انتهي موضع الحاجة من كلامه رفع في

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 4 من كتاب الاستيلاد.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 553

مات ولدها جاز بيعها (1) كما يجوز بيعها في ثمن رقبتها مع اعسار المولي، و في هذه المسألة فروع كثيرة لم نتعرض لها لقلة الابتلاء بها (2).

[مسألة 15: لا يجوز بيع الأرض الخراجية]

(مسألة 15): لا يجوز بيع الارض الخراجية (3).

______________________________

علو مقامه.

(1) قال في الجواهر: «بلا خلاف اجده فيه بل لعل الاجماع بقسميه عليه» الخ «1». و يدل علي المدعي بعض النصوص لاحظ ما رواه ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري جارية يطأها فولدت له ولدا فمات ولدها، قال: ان شاءوا باعوها في الدين الذي يكون علي مولاها من ثمنها و ان كان لها ولد قومت علي ولدها من نصيبه «2».

(2) لاحظ ما رواه عمر بن يزيد قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام: أسألك قال: سل قلت: لم باع امير المؤمنين عليه السلام امهات الأولاد؟ قال: في فكاك رقابهن، قلت: و كيف ذلك؟ قال: ايما رجل اشتري جارية فأولدها ثم لم يؤد

ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدي عند اخذ ولدها منها فبيعت و ادي ثمنها، قلت:

فيبعن فيما سوي ذلك من دين؟ قال: لا «3». و لعدم الابتلاء بهذا الفرع في زماننا هذا كما اشار اليه الماتن لم نتعرض للتفصيل.

(3) كما هو مقتضي القاعدة الاولية فانه لا يجوز التصرف في ملك الغير و يشترط في البيع ان يكون البائع اما مالكا و اما يكون وليا و اما يكون و كيلا فعدم الجواز علي طبق الأصل الأولي مضافا الي النصوص الدالة علي عدم الجواز منها ما رواه

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 22، ص 375.

(2) الوسائل الباب 5 من كتاب الاستيلاد الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 554

______________________________

ابو بردة بن رجا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف تري في شراء ارض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك هي ارض المسلمين، قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال: لا بأس اشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون أقوي عليها و املي بخراجهم منه «1».

و هذه الرواية تدل علي عدم الجواز فان الاستفهام الوارد فيها انكاري و توبيخي و لكن الرواية ضعيفة سندا بأبي بردة حيث انه لم يوثق و مجرد رواية صفوان عنه لا يكفي كما حقق في محله.

و منها مرسل حماد بن عيسي فان قوله عليه السلام «فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها» الخ «2» يدل علي عدم جواز بيعها و لكن المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه الحلبي قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟

فقال: هو لجميع

المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين قال: لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان يصيرها للمسلمين، فاذا شاء ولي الأمر أن يأخذها اخذها، قلت: فان اخذها منه قال: يرد عليه رأس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل «3». و هذه الرواية واضحة الدلالة علي المدعي و لا اشكال في سندها.

و منها ما رواه محمد بن شريح قال: سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه، و قال: انما ارض الخراج للمسلمين، فقالوا له: فانه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: لا بأس الا ان يستحيي من عيب

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من أبواب جهاد العدو الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب جهاد العدو الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 555

و هي: الارض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح (1).

______________________________

ذلك «1». و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها ما رواه ابو الربيع الشامي، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تشتر من ارض السواد (اراضي اهل السواد) شيئا الا من كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين «2».

و الاستثناء الوارد في ذيل الرواية باعتبار ان الارض المفتوحة عنوة ان ابقيت في يد من كانت له ذمة يكون ملكا لأربابها فيجوز بيعها فما في بعض النصوص من جواز بيع الارض المفتوحة عنوة يحمل عليه: لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن شراء ارضهم فقال: لا بأس ان تشتريها فتكون اذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدي فيها كما

يؤدون فيها «3».

(1) يشترط فيها شروط: الشرط الأول: ان تكون مفتوحة عنوة و الظاهر ان الشرط المذكور متسالم عليه بينهم بل الظاهر ان الامر من الواضحات و مورد الارتكاز و يستفاد المدعي من مرسل حماد قال: و الارضون التي اخذت عنوة بخيل او ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها «4».

و يدل علي المدعي أيضا ما رواه صفوان بن يحيي و احمد بن محمد بن ابي نصر جميعا قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها اهل بيته، فقال:

من اسلم طوعا تركت ارضه في يده و اخذ منه العشر مما سقي بالسماء و الانهار، و نصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها و ما لم يعمروه منها اخذه الامام فقبله

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 7

(4) الوسائل الباب 41 من أبواب جهاد العدو الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 556

______________________________

ممن يعمره، و كان للمسلمين و علي المتقبلين في حصصهم العشر او نصف العشر و ليس في أقلّ من خمسة اوسق شي ء من الزكاة، و ما اخذ بالسيف فذلك الي الامام يقبله بالذي يري، كما صنع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم بخيبر قبل سوادها و بياضها، يعني ارضها و نخلها، و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الارض و النخل و قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خيبر، قال: و علي المتقبلين سوي قبالة الارض العشر و نصف العشر في حصصهم، ثم قال: ان اهل الطائف اسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر، و ان مكة دخلها رسول اللّه عنوة و

كانوا اسراء في يده فأعتقهم و قال: اذهبوا فانتم الطلقاء «1». فان قوله عليه السلام: «و ما اخذ بالسيف فذلك الي الامام» يدل علي المدعي كما هو ظاهر.

و مثله ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج و ما سار به اهل بيته، فقال: العشر و نصف العشر علي من اسلم طوعا تركت ارضه في يده و اخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها و ما لم يعمر منها، اخذه الوالي فقبله ممن يعمره، و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقلّ من خمسة او ساق شي ء، و ما اخذ بالسيف فذلك الي الامام يقبله بالذي يري كما صنع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بخيبر قبل ارضها و نخلها، و الناس يقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل اذا كان البياض اكثر من السواد، و قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر «2».

و يستفاد المدعي من حديث حماد عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام و الشاهد في قوله عليه السلام: «و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا

______________________________

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب جهاد العدو الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 557

______________________________

ركاب» «1» و مثله غيره في الدلالة علي المدعي لاحظ النصوص الواردة في الباب 1 من الانفال من الوسائل.

الشرط الثاني: ان تكون عامرة حين الفتح و يمكن الاستدلال علي المدعي بأمور: منها: الشهرة المحققة و الاجماعات المنقولة و منها: انه ثبت في الشريعة المقدسة ان الاموال المأخوذة من الكفار ملك للمسلمين و

من ناحية اخري انه قام الدليل علي أن موات الارض للإمام عليه السلام فالنتيجة ان الارض المأخوذة من الكافر ملك للمسلمين و هذا هو المدعي.

و منها: ان الاراضي المحياة كلها كانت بيد الكفار و قد أخذها المسلمون بالحرب و نحوه فلو لم تكن الموات من تلك الأراضي ملكا للإمام لم يبق مورد للروايات الدالة علي أن الأرض الموات ملك للإمام عليه السلام و هذه الروايات مذكورة في أبواب الانفال.

الشرط الثالث: ان يكون الفتح باذن الامام عليه السلام و استدل عليه بخبر العباس الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا دليل علي هذا الشرط بل مقتضي النص الدال علي أن الارض المفتوحة عنوة عدم الاشتراط «3». فان مقتضي اطلاقه قوله و ما اخذ بالسيف فذلك الي الامام عدمه الا ان يقال ان النص المشار اليه ليس ناظرا

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 16

(3) لاحظ ص: 556

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 558

فانها ملك للمسلمين من وجد و من يوجد (1) و لا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما، و أن لا تكون (2) بل الظاهر عدم جواز التصرف فيها الا باذن الحاكم الشرعي، الا أن

______________________________

الي هذه الجهة بل ناظر الي بيان حكم الأرض الخراجية علي ما هي عليها من الشرائط.

و يمكن الاستدلال علي عدم الاشتراط بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة

الامام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار في اهل العراق سيرة فهم امام لسائر الأرضين، و قال: ان ارض الجزية لا ترفع عنهم الجزية «1».

فان مقتضي هذه الرواية ان الأراضي المفتوحة بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حكمها حكم ارض العراق و انها ملك للمسلمين و بعبارة اخري لا اشكال في كون أرض العراق من المفتوحة عنوة التي كانت مورد الخراج و المستفاد من هذه الرواية ان ابا جعفر عليه السلام جعل سيرة امير المؤمنين عليه السلام كبري كلية لحكم سائر الأرضين التي فتحت او تفتح عنوة بعد ذلك في عهد الخلفاء و احتمال اذن الامام عليه السلام موهون جدا فاشتراط اذن الامام عليه السلام غير ثابت و ان كان مشهورا بل ادعي عليه الاجماع كما قيل فلاحظ.

(1) كما نص به في حديث الحلبي «2».

(2) كما هو مقتضي اطلاق دليل النهي عن البيع و أيضا عدم الجواز مقتضي القاعدة الاولية فان التصرف في ملك المسلمين يتوقف علي الاذن الشرعي و الا فلا يجوز.

______________________________

(1) الوسائل الباب 69 من أبواب جهاد العدو الحديث: 2

(2) لاحظ ص: 554

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 559

تكون تحت سلطة السلطان المدعي للخلافة العامة فيكفي الاستئذان منه، بل في كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعي- حينئذ- اشكال (1).

______________________________

(1) يظهر من بعض كلمات القوم ان الاقوال في المقام مختلفة. القول الاول:

ما عن جملة من الاساطين و هو انه لا يجوز التصرف في الأراضي و لا في الخراج الا باذن السلطان الجائر و انه ولي هذا الامر بعد غصبه الخلافة و نقل عن بعضهم الاتفاق عليه و يمكن

الاستدلال علي المدعي بوجهين.

احدهما: ان أمر الاراضي موكول الي الوالي أو الامام عليه السلام اي المستفاد من النص ان الموكول اليه عنوان الوالي أو الامام لاحظ ما أرسله حماد و لاحظ قوله عليه السلام: «و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي» «1» و الجائر و ان كان ظالما و عاصيا في غصبه مقام الخلافة و تقمصه هذا القميص لكن بعد تقمصه يصدق عليه العنوان و يتوقف التصرف علي اذنه.

و فيه: ان الامر موكول الي الامام عليه السلام و الوالي و الجائر لا يكون واليا في نظر الشارع كما أنه ليس اماما بل هو امام ادعائي و وال كذلك مثلا لو دل دليل علي جواز الصلاة خلف العادل لا يجوز الاقتداء بالفاسق المدعي للعدالة و ملخص الكلام ان الحكم تابع للموضوع الواقعي و لا يتحقق الواقع بالدعوي كما هو ظاهر.

ثانيهما: انه يستفاد من النصوص الواردة في المقام ان الجائر و ان كان جائرا في اصل التصدي للمقام و لكن بعد التصدي امره نافذ و جائز لاحظ ما رواه الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه، فقال:

ما يمنع ابن أبي السمال (السماك خ ل، الشمال) أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال:

مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن أبي السمال «السماك خ ل الشمال» أن يبعث إليك

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب جهاد العدو الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 560

______________________________

بعطائك؟ أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟ «1» فان مقتضي هذه الرواية جواز الأخذ من الجائر و يصح فعله.

و فيه: انه لا يستفاد من هذه النصوص

إلا نفوذ تصرف الجائر فيما يتصرف و لا يستفاد منها اشتراط جواز التصرف في الأرضين بالاذن من الجائر فلا يتم شي ء من الوجهين الا ان يتم الامر بالإجماع و هل يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام فلاحظ.

القول الثاني: ان الامر اولا راجع الي الحاكم الشرعي و علي تقدير عدم امكان الرجوع اليه لا بد من مراجعة الحاكم الجائر و لا يجوز التصرف الا باحد الوجهين علي الترتيب المذكور و الظاهر انه لا دليل عليه فان الامر ان كان راجعا الي الحاكم الشرعي فمع عدم امكان مراجعته تصل النوبة الي عدول المؤمنين ثم الي فساقهم فلا وجه لمراجعة الجائر بهذا النحو.

القول الثالث: انه يجوز الرجوع الي كل منهما و مع عدم احدهما يتعين الاخر و فيه ان ولاية الحاكم الشرعي من باب الحسبة فمع عدمه تصل النوبة الي العدول ثم الي الفساق فلا وجه لتعين الجائر مع عدم الحاكم الشرعي.

القول الرابع: انه يجوز التصرف لكل واحد من آحاد الشيعة فيها بلا احتياج الي اذن أحد لا الحاكم العادل و لا الجائر و فيه، انه لا وجه له فان المفروض انها ملك للمسلمين فلا بد من مراجعة من يكون امره نافذا في التصرف فيها.

القول الخامس: انه يجب مراجعة الحاكم الشرعي اذا أمكن حتي مع تصرف الجائر و عدم كفاية تصرفه. و فيه ان تصرف الجائر فيها جائز و نافذ شرعا و لا تنافي بين كونه غاصبا و عاصيا و بين نفوذ تصرفه بالنسبة الي الغير فانه يجوز أن يجعل

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 561

______________________________

الشارع الاقدس تصرفات الجائر نافذة لأجل التسهيل علي الامة.

القول السادس:

ان الأمر الي الحاكم الشرعي الا أنه اذا تصرف الجائر يكون تصرفه نافذا فلا يجب مراجعة الحاكم و مرجع هذا القول الي أنه يشترط في جواز التصرف احد الامرين و الحال انه لو فرض عدم امكان الاستيذان من الحاكم و أيضا لم يمكن مراجعة الجائر يجوز تصرف العدول ثم الفساق اذ المقام داخل في الامور الحسبية بل يجوز مع عدم الحاكم الشرعي تصرف العدول حتي مع امكان الرجوع الي الجائر.

القول السابع: ان الأمر موكول الي الحاكم الشرعي و مع عدم امكان الاستيذان منه يجوز لآحاد الشيعة التصرف لكن مع تصرف الجائر ينفذ تصرفه. و فيه، أنه مع عدم امكان الاستيذان من الحاكم الشرعي تصل النوبة الي نظر العدول كما هو المقرر في باب الامور الحسبية.

القول الثامن: أنه يشترط في جواز التصرف الرجوع الي الحاكم الشرعي و مع عدم امكانه تصل النوبة الي العادل ثم الي الفاسق كما أنه يجوز مراجعة الجائر لو لا المحذور الخارجي فالشرط الجامع بين مراجعة من له التصدي من الحاكم و مع عدمه العادل ثم الفاسق و بين مراجعة الجائر و الظاهر صحة هذا القول أما جواز التصرف باذن الحاكم الشرعي أو باذن العادل ثم الفاسق علي تقدير عدم امكان الاستيذان من الحاكم الشرعي فلان المورد داخل في الأمور الحسبية فيجوز مراجعة من يكون المرجع في تلك الأمور و أما جواز مراجعة الجائر و التصرف فيها فبمقتضي النصوص الدالة علي جواز تصرفاته و نفوذها لاحظ ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اكتري أرضا من من أرض أهل الذمة من الخراج و أهلها كارهون و انما تقبلها من السلطان لعجز

مباني منهاج الصالحين، ج 7،

ص: 562

و لو ماتت الارض العامرة- حين الفتح- فلا يبعد أنها تملك بالاحياء (1).

______________________________

أهلها عنها أو غير عجز، فقال: اذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذ الا أن يضاروا و ان أعطيتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم بها فخذوها، قال: و سألته عن رجل اشتري منهم أرضا من أراضي الخراج فبني فيها أ و لم بين غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها أله أن يأخذ منهم أجور البيوت اذا ادوا جزية رءوسهم؟ قال:

يشارطهم فما اخذ بعد الشرط فهو حلال «1». و لاحظ ما رواه الحضرمي «2».

و لاحظ ما رواه الهاشمي عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال و بخراج النخل و الاجام و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي ء ابدا، او يكون، أ يشتريه و في اي زمان يشتريه و يتقبل منه؟ قال: اذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا انه قد ادرك فاشتره و تقبل به «منه» «3».

(1) فان مقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله: من أحيا ارضا مواتا فهي له «4» جواز التصرف في الأرض الميتة علي الاطلاق و يرد عليه ان دليل الاحياء لا يقتضي جواز تملك اموال الناس فيشترط في مورده ان لا تكون الأرض مملوكة للغير و المفروض ان الأراضي الخراجية مملوكة للمسلمين و يمكن ان يقال ان الوجه فيه التعبير من ارض الخراج في بعض النصوص بالسواد لاحظ ما رواه الحلبي «5».

و التعبير بالسواد باعتبار الاشجار في مقابل الارض البياض الخالية من العمران فيختص الحكم بزمان عمرانها اذ كل حكم تابع لموضوعه.

و فيه ان الدليل لا ينحصر فيه بل مقتضي بعض الروايات هو الاطلاق مضافا

______________________________

(1) الفروع من

الكافي ج 5 ص 282 باب شراء أرض الخراج من السلطان الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 559

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 4

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث: 5

(5) لاحظ ص: 554

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 563

اما الارض الميتة في زمان الفتح فهي ملك للإمام عليه السلام (1) و اذا أحياها أحد ملكها بالاحياء (2).

______________________________

الي ان مقتضي النصوص الدالة علي ان الأراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين بقائها علي ملكهم حتي بعد ما صارت ميتة و اختصاص الدليل بزمان كونها عامرة يحتاج الي قرينة فالنتيجة عدم جواز التصرف فيها علي الاطلاق إلا مع وجود شرط جواز التصرف فلاحظ.

(1) كما هو المشهور بل مجمع عليها علي ما في كلام بعض الأصحاب و يمكن تقريب المدعي بأن الأموال المأخوذة من الكفار غنيمة و من ناحية اخري ان كون الأرض للمسلمين مشروطة بكونها محياة حال الفتح و من ناحية ثالثة ان النصوص دالة علي ان كل ارض لا رب لها من الأنفال و تكون للإمام لاحظ ما رواه ابو بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: لنا الانفال، قلت: و ما الانفال؟ قال: منها المعادن و الاجام، و كل ارض لا رب لها، و كل ارض باد اهلها فهو لنا «1». فالنتيجة ان الاراضي المفتوحة عنوة اذا كانت ميتة حال الفتح تكون للإمام عليه السلام.

(2) لجملة من النصوص: لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من ارض اليهود و النصاري، قال: ليس به بأس- الي أن قال: و ايما قوم احيوا شيئا من الارض او عملوه فهم احق بها و هي لهم «2». و لاحظ ما رواه محمد بن

مسلم أيضا قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عمروها فهم احق بها و هي لهم «3». و لاحظ ما روي عن ابي جعفر

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من الانفال الحديث: 28

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 564

______________________________

و ابي عبد اللّه عليهما السلام «1».

و لاحظ ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من أحيا ارضا مواتا فهو له «2».

و لاحظ ما أرسله الصدوق قال قد ظهر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله علي خيبر فخارجهم علي أن يكون الأرض في أيديهم يعملون فيها و يعمرونها و ما بأس لو اشتريت منها شيئا و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض فعمروه فهم أحق به و هو لهم «3».

و لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل و أنا حاضر عن رجل أحيا أرضا مواتا فكري فيها نهرا و بني فيها بيوتا و غرس نخلا و شجرا فقال: هي له و له أجر بيوتها و عليه فيها العشر فيما سقت السماء أو سيل وادي أو عين، و عليه فيما سقت الدوالي و الغرب نصف العشر «4».

ان قلت دليل الاحياء لا يقتضي تملك مال الغير به. و بعبارة أخري دليل الاحياء لا يشمل الارض التي تكون مملوكة للغير فكيف يقتضي في المقام فان الارض المملوكة للإمام كالمملوكة لغيره.

قلت: ليس الامر كذلك اذ مقتضي بعض النصوص ان كل أرض خربة للإمام عليه السلام لاحظ ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

الانفال ما

لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بأيديهم و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو للإمام

______________________________

(1) لاحظ ص: 562

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث: 6

(3) نفس المصدر الحديث: 7

(4) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 565

مسلما كان المحيي أو كافرا (1).

______________________________

من بعده يضعه حيث يشاء «1».

بل مقتضي بعض النصوص ان كل أرض للإمام عليه السلام لاحظ ما رواه الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، انا و اهل بيتي الذين اورثنا الارض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها، فان تركها و اخر بها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها حتي يظهر القائم عليه السلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و منعها آلاما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم علي ما في ايديهم و يترك الأرض في ايديهم «2» و لاحظ ما رواه ابو سيار «3» فلو نقيد دليل الأحياء بهذا النحو من التقييد لا يبقي موضوع له اي لكون الاحياء مملكا كما هو واضح بأدني تأمل و لذا نقول دليل الاحياء بنفسه دال علي كون الاحياء مأذون فيه من قبل

مالك الارض و هو الامام عليه السلام.

(1) و يدل علي المدعي اطلاق النصوص الواردة في الباب مضافا الي خصوص حديث ابن مسلم «4» و اما حديث الكابلي «5» فلا مفهوم له و لا تنافي بين الاثباتين و لكن المستفاد من حديث مسمع بن عبد الملك (في حديث) قال: قلت

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من الانفال الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 3 من احياء الموات الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الانفال الحديث: 2

(4) لاحظ ص: 563.

(5) مر آنفا.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 566

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السلام: اني كنت و ليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسها عنك، و أعرض لها و هي حقك الذي جعل اللّه تعالي لك في أموالنا، فقال: و ما لنا من الارض و ما أخرج اللّه منها الا الخمس، يا أبا سيار الأرض كلها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كله، فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك و حللناك منه فضم إليك مالك و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون، و محلل لهم ذلك الي أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم منها صغرة «1»، ان تصرف غير الشيعة في الارض حرام.

ان قلت المستفاد من حديث محمد بن مسلم «2» ان مملكية الاحياء تعم كل فرد حتي اليهود و النصاري فلا يختص الحكم بالشيعة قلت: الاستدلال اما بصدر الحديث و اما بذيله اما صدر الحديث فلا

يستفاد منه ان منشأ الملكية الاحياء بل فرض كون الارض لهم فيمكن ان يكون حصول الملكية لهم بغير الاحياء من الشراء و نحوه و اما ذيل الحديث و ان كان دالا علي سببية الاحياء للملكية لكن دلالته علي مملكية الاحياء لغير الشيعة بالاطلاق و مقتضي الصناعة ان المطلق يقيد بالمقيد فلا بد من رفع اطلاقه و تقييده بحديث مسمع ابي سيار فالنتيجة ان الحكم مختص بالشيعة و ان ابيت عن هذا التقريب فغاية ما في الباب هو التعارض بين الجانبين و الترجيح مع حديث مسمع لكونه مخالفا مع مسلك العامة فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الانفال الحديث: 12

(2) لاحظ ص: 563

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 567

و ليس عليه دفع العوض (1) و اذا تركها حتي ماتت فهي علي ملكه (2) لكنه اذا ترك زرعها و أهملها و لم ينتفع بها بوجه جاز لغيره زرعها، و هو احق بها (3) و ان كان الاحوط استحبابا عدم زرعها بلا اذن منه اذا عرف مالكها (4) الا اذا كان المالك قد أعرض عنها (5) و اذا أحياها السلطان المدعي للخلافة علي أن تكون للمسلمين لحقها حكم الارض الخراجية (6).

______________________________

(1) مقتضي قوله عليه السلام من احيا ارضا فهي له «1»، ان الارض للمحيي و لا شي ء عليه و مقتضي حديث الكابلي وجوب اداء الخراج و مقتضي بعض نصوص التحليل عدم وجوبه، لاحظ ما رواه مسمع «2» فان امكن الجمع بين الطرفين فهو و الا يتساقطان بالتعارض و مقتضي الاصل عدم الوجوب.

(2) اذ لا مقتضي للخروج عن ملكه بعد دخولها في دخولها في ملكه بالاحياء.

(3) لاحظ ما رواه الكابلي «3».

(4) لا اشكال في حسن الاحتياط و يمكن ان الوجه

في الاحتياط المذكور الخروج عن شبهة الخلاف.

(5) فانه في صورة الاعراض يكون راضيا بالتصرف الواقع فيها و يمكن ان يقال ان الاعراض يقتضي خروج المعرض عنه عن ملك المعرض فيدخل في المباحات الاصلية.

(6) لم يظهر لي وجهه و اللّه العالم.

______________________________

(1) لاحظ ص: 652.

(2) لاحظ ص: 565.

(3) لاحظ ص: 565.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 568

[مسألة 16: في تعيين أرض الخراج إشكال]

(مسألة 16): في تعيين ارض الخراج اشكال، و قد ذكر العلماء و المورخون مواضع كثيرة منها (1) و اذا شك في ارض انها ميتة أو عامرة حين الفتح يحمل علي أنها ميتة فيجوز احياؤها (2) و تملكها ان كانت حية (3) كما يجوز بيعها و غيره من التصرفات الموقوفة علي الملك (4).

[مسألة 17: يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدورا علي تسليمه]

(مسألة 17): يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدورا علي تسليمه فلا يجوز بيع الجمل الشارد، أو الطير الطائر، أو السمك المرسل في الماء (5).

______________________________

(1) فلا بد في اثبات الموضوع من قيام دليل عليه و مع عدمه يشكل الجزم.

(2) فان مقتضي الاصل عدم دخولها تحت العنوان المذكور و حيث ان المفروض كونها ميتة و من ناحية اخري لا تكون من ارض الخراج بتقريب عدم احراز كونها محياة حال الفتح و عدم دخولها في ملك المسلمين بالاستصحاب يشملها دليل جواز التملك بالاحياء.

(3) اذ مقتضي الاصل عدم كونها مملوكة لأحد فيجوز تملكها كبقية المباحات الاصلية.

(4) فانه مقتضي القاعدة الاولية اذ يجوز البيع و كذلك غيره من التصرفات في المملوك.

(5) ما يمكن ان يذكر في مستند الحكم وجوه: الوجه الاول الاجماع. و فيه:

انه لا يمكن تحصيل الاجماع المحصل الكاشف لاحتمال استناد اهل الاجماع الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني النبوي المشهور نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 569

______________________________

بيع المضطر و عن بيع الغرر «1» و الغرر بمعني الخطر و مع عدم القدرة علي التسليم يكون الاقدام بالبيع خطريا فيبطل.

و فيه: اولا ان النبوي لا اعتبار به سندا و علي فرض عمل المشهور به لا يكون عملهم بالخبر الضعيف موجبا لاعتباره الا ان يقال ان فساد

البيع بالغرر متسالم عليه بينهم و لا مجال لهذا الاشكال و ثانيا انه يمكن رفع الغرر باشتراط الخيار للمشتري علي فرض عدم حصول المبيع في يده.

ان قلت: صحة الشرط تتوقف علي صحة العقد فاذا توقف صحته علي صحة الشرط يدور. قلت: صحة العقد تتوقف علي نفس الشرط لا علي صحته اذ بالشرط المذكور يرتفع عنوان الخطر فاذا صح العقد يصح الشرط. و ان شئت قلت: ان الشرط و ان كان متأخرا عن العقد رتبة لكن مقارن معه زمانا و بعبارة اخري انهما يوجدان معا و مع الشرط لا يكون العقد غرريا فيصح العقد و الشرط.

ان قلت: ان الغرر اذا ارتفع بالخيار ففي اي مورد يتحقق الغرر؟ قلت: في مورد لا يكون الخيار موجودا. ان قلت: مع عدم وصول المبيع الي المشتري لا يجب علي المشتري تسليم الثمن الي البائع فلا خطر قلت: اولا يمكن فرض اشتراط التسليم قبل وصول المبيع اليه. و ثانيا: ما الفائدة في بقاء الثمن في يده مع كونه مملوكا للغير.

اضف الي ذلك انه لو كان الثمن قليل المالية جدا و المثمن من الاشياء النفيسة يكون الاقدام عقلائيا و لعله لا يصدق عنوان الغرر و علي فرض تحققه نفرض الكلام في مورد لا يكون الثمن ذا مالية.

الوجه الثالث: ان الاقدام علي مثل هذه المعاملة يعد سفهيا فيبطل. و فيه اولا:

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث: 3

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 7، ص: 570

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 570

______________________________

انه لا شبهة في ان الاقدام المذكور عقلائي بالنسبة الي بعض موارده فالدليل اخص من

المدعي و ثانيا: ان الباطل معاملة السفيه لا العقد السفهائي فانه لا دليل علي بطلانه.

الوجه الرابع: ان اكل المال بازاء ما لا يقدر علي تسليمه اكل للمال بالباطل فيكون باطلا. و فيه ان الجار في الاية الشريفة للسببية لا للمقابلة مضافا الي ان مقابل الثمن المبيع فلا يكون باطلا فان الباطل مالا مالية له.

الوجه الخامس: ان المبيع في مفروض الكلام لا مالية له فيكون البيع باطلا و فيه اولا لا يشترط في المبيع المالية و ثانيا عدم القدرة علي التسليم لا يوجب سقوط العين عن المالية.

الوجه السادس: قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1» و نهي عن بيع ما ليس عندك و نهي عن بيع و سلف «2».

بتقريب ان المستفاد من الرواية انه لا يجوز بيع ما لا يكون عند البائع و المفروض ان البائع لا يقدر علي التسليم. اقول في المراد من الرواية احتمالات منها ان يكون المراد منها الحضور الخارجي و اورد فيه انه لا يشترط في صحة البيع حضور المبيع عند البائع اجماعا و فيه ان صحة البيع في الصورة المفروضة بالإجماع لا توجب تغييرا في ظهور الرواية بل غايته عدم العمل بها.

و منها ان يكون المراد منها النهي عن مورد لا تكون العين مورد القدرة و السلطنة و لا يكون البائع مسلطا عليها و قادرا علي تسليمها. و فيه ان ارادة خصوص القدرة

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب احكام العقود الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين،

ج 7، ص: 571

______________________________

علي التسليم من الرواية لا دليل عليها.

و منها ان يكون المراد من الجملة اشتراط صحة البيع بكون البائع مالكا للعين. و اورد بأن المناسب ان يقال ما ليس لك لا ما ليس عندك. و فيه انه كثيرا يستعمل هذه الجملة في عدم الملكية فيقال ما عندي كما انه يصح أن يقال في مقام السؤال هل عندك شي ء من المال و يتصح المدعي بالتأمّل في نصوص الباب فان المستفاد منها ان المراد من الجملة الملكية فالنتيجة ان المراد النهي عن بيع مالا يكون مملوكا فلا ترتبط الرواية بالمقام.

الوجه السابع: ان لازم العقد وجوب التسليم فيلزم ان يكون قادرا علي تسليم العين و الا يلزم انفكاك اللازم عن الملزوم و هو محال. و فيه انه ان اريد ان لازم الملكية لزوم التسليم فهو مسلم و لكن التكليف مشروط بالقدرة و مع عدمها لا يتوجه و ان اريد به ان وجوب التسليم من مقتضيات العقد نفسه بلا لحاظ الملكية ففيه ان العقد لا يقتضي الا الملكية لا ازيد مضافا الي ان التكليف فرع وجود القدرة. و ان اريد ان الملكية مقيدة و معلقة علي القدرة علي التسليم ففيه انه اول الدعوي و تكون مصادرة و ان اريد ان التسليم من احكام العقد فان مقتضي وجوب الوفاء هو التسليم و مع عدم القدرة علي التسليم كيف يمكن ان يكون العقد صحيحا. ففيه اولا ان مفاد اوفوا هو اللزوم و ليس مفاده الحكم التكليفي و ثانيا علي فرض كونه حكما تكليفيا يشترط في متعلقه القدرة و مع عدم القدرة لا يتوجه التكليف.

و بعبارة اخري عدم وجوب التسليم لأجل عدم القدرة لا لأجل فساد العقد فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 7،

ص: 572

و لا فرق بين العلم بالحال و الجهل بها (1) و لو باع العين المغصوبة و كان المشتري قادرا علي اخذها من الغاصب صح (2) كما انه يصح بيعها علي الغاصب أيضا، و ان كان البائع لا يقدر علي اخذها منه، ثم دفعها اليه (3) و اذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه، كما لو باع من ينعتق علي المشتري صح، و ان لم يقدر علي تسليمه (4).

[مسألة 18: لو علم بالقدرة علي التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل]

(مسألة 18): لو علم بالقدرة علي التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل، و لو علم العجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة (5).

[مسألة 19: لو انتفت القدرة علي التسليم في زمان استحقاقه]

(مسألة 19): لو انتفت القدرة علي التسليم في زمان استحقاقه،

______________________________

الوجه الثامن: ان الغرض من البيع انتفاع كل من الطرفين بما ينتقل اليه.

و فيه: ان تخلف الاغراض لا يقتضي فساد العقد مضافا الي ان الغرض الانتفاع علي فرض التسليم و يضاف الي ذلك ان الانتفاع ليس مشروطا بالقبض علي نحو الاطلاق بل يمكن ان ينتفع بالعين مع عدم تسلمه فان التصرف الاعتباري مثلا لا يشترط فيه التسلم فلاحظ.

(1) اذ الحكم مترتب علي الواقع و هو لا يختلف بالعلم و الجهل.

(2) اذ المفروض ان المشتري قادر علي اخذ المبيع فلا وجه للبطلان و لا غرر.

(3) اذ المبيع في يد المشتري و هو المطلوب.

(4) اذ مع عدم استحقاق الاخذ لا مجال للقدرة علي التسليم فان القدرة علي التسليم طريق الي وصول العين بيد المشتري و المفروض انه لا يستحق الاخذ.

(5) اذ كما مر الحكم مترتب علي الواقع فعلي تقدير عدم القدرة الشرط غير حاصل فالبيع فاسد و علي تقدير وجودها يكون البيع صحيحا لوجود شرطه علي الفرض.

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 573

لكن علم بحصولها بعده، فان كانت المدة يسيرة صح (1) و اذا كانت طويلة لا يتسامح بها، فان كانت مضبوطة مثل سنة أو اكثر فالظاهر الصحة مع علم المشتري بها (2) و كذا مع جهله بها، لكن يثبت الخيار للمشتري (3) و ان كانت غير مضبوطة فالظاهر البطلان كما لو باعه دابة غائبة يعلم بحضورها لكن لا يعلم زمانه (4).

[مسألة 20: إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته]

(مسألة 20: إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته (5) و ان كان وكيلا في اجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك (6) و ان

______________________________

(1) بتقريب ان المدة اذا كانت يسيره يتسامح فيها لا يصدق عنوان الغرور و

الخطر فيصح.

(2) الوجه في الصحة انه لا غرر اذ يعلم المشتري انه يصل اليه ملكه بعد سنة فلا خطر.

(3) لم يظهر لي مراد الماتن من كلامه فانه كيف يصح مع صدق الغرر في صورة الجهل بالمدة فان الانضباط الواقعي لا يقتضي رفع الغرر و الا تلزم الصحة في كل مورد اذ ذلك الزمان معلوم عند اللّه ثم ان ثبوت الخيار لا يكون ظاهر الوجه اذ المفروض ان المشتري مع جهله بالمدة اقدم علي البيع فاما يكون صحيحا كما عليه الماتن فلا وجه للخيار و اما يكون فاسدا فلا موضوع له كما هو ظاهر.

(4) اذ يلزم الغرر و الغرر يفسد العقد علي المبني فلاحظ.

(5) كما هو ظاهر.

(6) اذا لو كيل في اجراء الصيغة لا شأن له الا اجراء الصيغة. و لقائل أن يقول يكفي قدرته علي التسليم اذ المفروض ان المبيع بعد العقد ملك للمشتري فيجوز تسليمه اليه بل يكفي قدرة الاجنبي علي التسليم و في الحقيقة يدخل في كبري امكان

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 574

كان وكيلا في المعاملة كعامل المضاربة، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك، فيكفي قدرة احدهما علي التسليم في صحة المعاملة، فاذا لم يقدر معا بطل البيع (1).

[مسألة 21: يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة]

(مسألة 21): يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة (2) اذا كانت

______________________________

تسلم المشتري للمبيع و قد مر انه يكفي و بعبارة اخري ما الفرق بين الوكيل في اجراء الصيغة فقط و بين الوكيل المفوض كالعامل في المضاربة فان الوكيل المفوض يجوز له التسليم فالميزان جواز التسليم عليه فهو اول الكلام اذ الوكيل لا يجب عليه العمل بمقتضي الوكالة.

(1) الامر كما افاده فان قدرة احدهما يكفي في رفع الغرر و مع عدم قدرتهما معا يبطل للغرر.

(2) بلا

خلاف كما في الجواهر و عن جملة من الاساطين دعوي الاجماع عليه و يدل عليه من النصوص ما رواه رفاعة النخاس قال سألت ابا الحسن موسي عليه السلام قلت له: ا يصلح لي ان اشتري من القوم الجارية الآبقة و اعطيهم الثمن و اطلبها انا؟ قال: لا يصلح شراؤها الا ان تشتري منهم معها ثوبا او متاعا فتقول لهم: اشتري منكم جاريتكم فلانة، و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز «1».

و ما رواه سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن اهله. قال: لا يصلح الا أن يشتري معه شيئا آخر، و يقول: أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا، فان لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 7، ص: 575

ذات قيمة معتد بها (1).

______________________________

(1) قال في الحدائق: «و في الرواية الاولي اشارة الي كون الضميمة شيئا له قيمة كالثوب و المتاع و نحو ذلك و ينبغي أن يحمل عليها اطلاق الشي ء في الرواية الثانية» انتهي موضع الحاجة من كلامه رفع في علو مقامه و الامر كما أفاده و أما ما افاده في المتن من اشتراط كون الضميمة ذات قيمة معتد بها فلا يستفاد من الرواية و اللّه العالم.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.